الطبقة العاملة والمسألة الطائفية
عواد احمد صالح
2014 / 5 / 24 - 01:28
لم يكد سعار الدعوات القومية المحموم يخف على امتداد خارطة العالم العربي حتى خلف وراءه ظاهرة اشد رجعية وتخلفا هي ظاهرة الطائفية السياسية والدينية التي دشنتها مرحلة العولمة والمشروع الاميركي الغربي في تفيتت الدول الصغيرة والضعيفة واعادة الهيمنة والنفوذ عليها والتي بدأت بغزو العراق وتدميره منذ اكثر من عشر سنوات ومازالت موجة العنف الطائفي تضرب البلد مخلفة الدمار والخراب والتفتيت وتقسيم البشر على اساس الهويات الطائفية والمناطقية والعشائرية والقومية .
لقد تراجعت النزعة القومية كثيرا وظهرت بدلا منها الى الواجهة الطائفية السياسية كشكل من اشكال حكم البرجوازية .في المرحلة التاريخية الراهنة .
واذا كانت النزعة القومية تقسم البشر على اساس العرق والانتماء لامة وتقيم مفاضلة وتمييزا بين الامة الكبيرة المسيطرة والامم الصغيرة المضطهدة او الامة (العريقة ) وذات الامجاد وبين من ليس له حضارة او تاريخ او مجد مزعوم ) فان الطائفية الدينية السياسية اليوم تميز بين سكان البلد الواحد تحت ذرائع وعقائد دينية تاريخية واهية عن الطائفة الاكبر او الدين الاكبر او المظلومية ومن يدعي انه يملك ( الحقيقة ) وحده ومن يدعي ( انا صح وغيري خطأ ) .
ان القومية والطائفية كلاهما ادوات سياسية بيد الطبقات المالكة لتقسيم البشر وخلق المناحرات والعداوات بينهم وذر الرماد في عيون العمال وحرفهم عن النضال ضد البرجوازية ومن اجل تمويه والغاء الصراع الطبقي .
العراق بلد خليط من الناحية القومية ومقسم بين طائفتين كبيرتين (الشيعة والسنة ) .واذا كانت الطائفية متجذرة تاريخيا في هذا البلد بسبب الصراع السياسي على السلطة والحكم وادعاء تمثيل الحقيقة فانه يعاد كل مرة انتاجها ونفخ الروح في ضمورها بواسطة الهجمات الاستعمارية والحروب والاحتلالات ودور رجال الدين والمؤسسات الدينية التي هي مؤسسات ثيوقراطية تمتل النفوذ المادي والروحي للمعممين على الجماهير وتحركهم وفق ما تشاء .
ان سبب انبعاث وصعود الطائفية بالمستوى الذي نراه اليوم وتعمق التخندق الطائفي هو سلطة احزاب الاسلاميين الطائفيين والقوميين والصراع القائم بينهم ضمن ما يسمى (العملية السياسية ) والانتخابات فكلما ازداد الصراع الطائفي والازمات الاجتماعية والسياسية فان ذلك يخدم اهداف السلطة الحاكمة البرجوازية في البقاء والاستمرار على سدة الحكم وتحشيد طائفتها المعنية وراءها لدعمها وتقويتها لذلك فان استمرار الطائفية و "تجذرها " في المجتمع العراقي هو اساسا بفعل السياسة الحكومية القائمة .
هذه السياسة وما الت اليه تدمر غالبية سكان العراق وتفصلهم طائفيا عن بعضهم وتزرع الشحناء والصراع والكراهية بين القطاعات الاكثر سذاجة وتخلفا في المجتمع .
تهدف البرجوازية الاسلامية القومية الطائفية وبواسطة تعميق الصراع الطائفي الى صرف أنظار الطبقة العاملة عن الاهتمام باهدافها الطبقية والاجتماعية الكبرى في اقامة عالم افضل ومجتمع افضل مبني على مساواة البشر في الحقوق والغاء التمييز وفصل الدين عن الدولة والتربية والتعليم .
كما تخشى الراسمالية العالمية المضرجة بازماتها وحروبها وحليفتها وتابعها البرجوازية المحلية تحرك العمال فتسعى باستمرار الى خلق صراعات جانبية بين السكان قائمة على تقسيم البشر دينيا وطائفيا وقوميا .ولا تتردد تلك السلطة البرجوازية الطائفية في محاولتها تمويه وطمس الصراع الطبقي وحشد العمال تحت راية الطائفة والدين والاحزاب الطائفية وافكارها الرجعية والمناطقية .
ان البروليتاريا (الطبقة العاملة ) باعتبارها طبقة مضطهدة من قبل الراسمال هي طبقة عالمية خارج اطار كل تصنيف قومي وطائفي وبما هي كذلك فانها تحمل راية المساواة والحرية وتحطيم السيطرة الطبقية ضمن اطار حركتها الموضوعية من اجل الاشتراكية وتدافع بقوة عن مساواة الجماهير في كل مكان وعن حرية الامم وعن وحدة عمال جميع الامم .
ولكي تتمكن الشعوب من العيش بحرية وسلام وطمأنينة فان الطبقة العاملة هي النصير الصلب للحرية والسلام الاجتماعي والمساواة في الحقوق .
ان (الديمقراطية الكاملة ) ليس بالمفهوم البرجوازي والتي تعني الحرية السياسية والاجتماعية وحرية المعتقد والفكر والدين والغاء الفوارق والامتيازات بين افراد اي شعب او امة هي من صلب عمل وكفاح الطبقة العاملة ضد الرأسمالية .
يريد كبار الرأسماليون من مختلف التصنيفات الدينية والقومية والليبرالية وفي مختلف البلدان تقسيم العمال على المستوى العالمي وزرع الاختلافات والعداوات بينهم سواء كانت دينية طائفية قومية عشائرية بهدف تزييف وعيهم وتأبيد استغلالهم واستثمار قوة عملهم على أفضل ما يكون الاستغلال والاستثمار .
ان العمال الواعين في العراق خاصة وفي ظل الظروف الحالية هم دعاة للوحدة الكاملة وحدة طبقتهم وانصار للمساواة التامة بينهم وبين مواطنيهم من مختلف مكونات السكان الاخرى ، لانهم ضحية لاستغلال واضطهاد واحد للبرجوازية سواء كانت محلية او عالمية ، انهم يخضعون لنفس قوانين الاقتصاد الرأسمالي تلك القوانين الموضوعية التي تحكم البشر على مستوى كوكبنا الارضي .لا تفرقهم الايديولوجيات الطائفية والقومية او المناطقية والعشائرية فهم اصحاب رسالة تاريخية كبرى في تحرير المجتمع من اللامساواة ومختلف اشكال التمييز والتناحر بين بني البشر .
ان المنظمات السياسية الاحزاب والاتحادات والنقابات التي تمثل وتقود الطبقة العاملة هي ادوات سياسية لتوحيد العمال ونضالهم الطبقي خارج اطار القومية والطائفة والدين وخارج اطار جميع الايديولوجيات والخطابات القائمة اليوم التي يراد منها حشد العمال وراء سلطة البرجوازية الطائفية التي تمعن في تمزيق البشر وفقا لاهدافها ومصالحها الطبقية الانانية والضيقة .
وفي سياق نضالها ضد البرجوازية تخلق البروليتاريا ثقافتها وقيمها الخاصة البعيدة كل البعد عن الخرافات والافكار الموروثة ومختلف الاوهام والخصوصيات، ثقافة اممية لا تعترف باي تصنيف للبشر على اساس طائفي او قومي او مناطقي او ديني ثقافة مهد لها المناضلين من اجل الحرية ماركس وانجلز ولينين وكل قادة ورموز الطبقة العاملة في العالم ، وشكلتها وعززت تطورها نضالات الحركة العمالية وثوراتها في مختلف البلدان كومونة باريس وثورة اكتوبر الروسية وغيرهما من التجارب والنضالات الشرسة على مدى اكثر من قرنين من الزمن .
ان العمال اليوم ونحن نشهد انبعاث اعتى الافكار والممارسات الرجعية من دهاليز التاريخ المظلمة يقفون بالضد من افكار العالم القديم عالم الاضطهاد والتفرقة والعنف ، يكافحون بدون تردد من اجل عالم جديد لا مكان فيه لاي تمييز ولاي اضطهاد للإنسان من قبل الإنسان .