سوريا بين مطرقة الأسد و سندان الإرهاب
حنان بن عريبية
الحوار المتمدن
-
العدد: 4388 - 2014 / 3 / 9 - 22:25
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الأزمة السورية لا تتمحور حول مكافحة الإرهاب كما يسوق لها النظام السوري بل هي أساسا قضية ترمز إلى إرادة شعب يطمح إلى نيل حقوقه من حرية وكرامة وانعتاق من استعباد حكامه. وهي قضية نجحت في كسب تأييد الرأي العام العالمي رغم أنها للأسف أصبحت قضية شائكة ومعقدة لتعدد المتدخلين بالنظر إلى الأهمية الجيوسياسية التي يمثلها بلد مثل سوريا. هذه الثورة تم تبني مطالبها المشروعة من المجتمع الدولي والمنظمات العالمية الراعية لحقوق الإنسان التي واصلت التنديد بفظاعة الآليات القمعية والانتهاكات الجسيمة في حق الشعب السوري بصفة خاصة و حق الإنسانية بصفة عامة. مما يزيد في حجج الإدانة للسياسة الأسدية المتبعة منذ انطلاق المسيرات السلمية بسوريا في منتصف 2011 والتي جوبهت بقمع شديد و اعتقالات تعسفية و اغتيالات عشوائية طالت حتى الأطفال وذلك قبل البروز المشبوه للتيارات التكفيرية و انتشار أوكار الإرهابيين.
عند استعراض التسلسل الزمني للأحداث/المجازر التي انتهجت في حق الشعب السوري الأعزل في بداية الثورة ولمدة تقارب الثمانية أشهر يمكن استخلاص أن ما يتعرض إليه المدنيون كان مخططا وممنهجا ومدروسا في سياسة بشار من رفض مطلق لمطالب الإصلاح واتهام رخيص لكل المعارضة المدنية السلمية بخدمة أجندات أجنبية في مرحلة أولى ثم خلق بؤر إرهابية لتحويل وجهة الثورة ووصمها بالعنف والتخريب في مرحلة ثانية ثم استغلال التنوع الطائفي الذي كان يمثل ثراء للشعب السوري ليغدو مدخلا لتصفيات طائفية حتى لو أدى ذلك إلى دمار سوريا. وقد نجح النظام في تحريف القضية الأساسية عن مسارها لتصبح كما هو جلي للعيان بشار في مواجهة الإرهاب و بالتالي فان الغاية تبرر الوسيلة لجلب تعاطف كل من يتوهم أن القضية الأساسية أضحت متلخصة في محاربة الإرهاب. ونحن لا ننكر وجود الإرهاب ولكن كل ملاحظ محايد يدرك انه صنيعة النظام وجزء أساسي في حربه التي أصبحت معركة حياة أو موت للعصابة التي تحكم سوريا.
وهو ما ولد انقسامات و فوضى عارمة بين جميع أطراف الشعب السوري وتشويشا في ملكة التمييز بين ما هو حق و بين ما هو باطل. وأمام هذا المشهد يطال إصبع الاتهام كل من يحاول اتهام نظام الأسد بأفعال غير إنسانية يذهب ضحيتها أبرياء كل ذنبهم أنهم ينتمون للرقعة الجغرافية التي تحولت لحلبة حرب ضروس. و بالرغم مما تداولته المواقع الاجتماعية والإخبارية اثر أحداث هجمات الكيميائي على الغوطة شرق سوريا في أغسطس 2013 الذي خلف وفاة آلاف الأبرياء و خاصة منهم الأطفال و بالرغم من جميع ملابسات الجريمة التي تدين مباشرة نظام الأسد تحولت قضية الكيميائي بدورها إلى تبادل للاتهامات و تملص من المسؤولية طالما أن جوهر القضية يتمحور حول قضية مفتعلة هي مقاومة الإرهاب. و كل من يستنكر هذا الفعل يتحول إلى خائن لبشار البريء حامي حمى الوطن والدولة و داعما للإرهاب. و كأن ضحايا الكيميائي بطريقة ضمنية مجرد مرحلة وجب تخطيها طالما أن القائد المبجل صامد في مجابهة الإرهاب و الإرهابيين..
و لا يخفى على العديد أن تقرير الأمم المتحدة اعتبر هذه العملية أشد الجرائم فظاعة في حق الإنسانية ككل وهو ما جنحت إليه كذلك المنظمة الدولية هيومن رايتس ووتش المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان و غالبية المجتمع الدولي و اقر جميعهم آنذاك أن احتمال التنفيذ كان من قبل نظام الأسد الذي وجد من روسيا وحدها تبرئة له بعد أن وجهت مثله أصابع الاتهام للمعارضة باعتبار أن ما وقع عملا استفزازيا تجاه السلطات السورية مخططا له باتفاق مع الدول المعادية لنضال النظام السوري الذي لم يطلق حبة حصى واحدة ضد إسرائيل.... و يجدر التذكير ان الصحف الإسرائيلية كانت تطلق على حافظ الأسد لقب ملك جيروساليم (ملك القدس) لما وفره لها من امن. ولا يذكر التاريخ لمن يريد أن يرى ويتبصر أي عمل بطولي لما يسمى الجيش العربي السوري غير قمع الشعب وتحطيم آماله. ولنا أن نذكر على سبيل المثال مجزرة حماة التي شنها النظام السوري في شباط 1982 بقيادة حافظ الأسد والتي تعد من أشد الإبادات ترويعا في حق المدنيين والتي بررت على أنها حرب على الإخوان المسلمين والجميع يذكر حجم الجرم المرتكب و فظاعته الدموية إذ وصل عدد القتلى حسب تقارير اللجنة السورية لحقوق الإنسان قرابة 40 ألف شخص بينهم أطفال و نساء و مسنين و قضى أغلبية المدنيين حتفهم رميا بالرصاص و دفنهم بمقابر جماعية و لم يتوانى النظام السوري بعدها بالافتخار بجريمته المروعة التي وثقها التاريخ أمام صمت دولي رهيب.
لنصل إلى مجزرة حي رأس النبع الواقع في جنوب مدينة بانياس... وعبر ما وثقه المرصد السوري لحقوق الإنسان فإن العملية أسفرت عن قتل العديد من المدنيين العزل بينهم رضع و نساء و تعرضهم للذبح و للحرق تحت أنظار قوات الأمن السورية التي ينتمي عناصرها إلى الطائفة العلوية لتتحول بالتالي إلى تصفيات عرقية وهو ما جعل الأزمة السورية تزداد تعقيدا في الأسباب.
الإبادة و التقتيل و القمع و العنف ليس بجديد على النظام السوري بل جزء أساسي في منظومته و بشار الأسد ليس سوى تواصل لدكتاتورية والده خاصة بمواصلة تضييقه على المعارضة و إجهاض صوتها كلما دعت لإصلاحات جوهرية و موضوعية و نددت بالممارسات القمعية ضدهم و ضد المدنيين .و الكل يعلم أن الأسد الابن المفروض فرضا على الشعب السوري والسائر على خطى أبيه تخطى جميع الخطوط الحمراء عن طريق الاعتقالات العشوائية و الإدانات المتتالية و المحاكمات غير العادلة و التعذيب الذي يقع في السجون. و أمام نجاح نظرية الإرهاب تواجه المعارضة الانتقادات والتشويه خاصة و أن أصواتهم تداخلت مع أصوات الموجات التكفيرية.
و المثير للانتباه انه كلما زادت الفظاعات تجاه المدنيين إلا وقابلها هجوم مفرط عبر المواقع الاجتماعية من قبل الصفحات المساندة لنظام الأسد بنشر فيديوهات و صور لمتطرفين ينسبون للإرهابيين أين يتم استهجان ما تحتويه من مشاهد مريعة يتم فيها الذبح تحت التكبير أو إتحافنا بتحقيقات حول جهاد النكاح مما يجعلنا أمام مواقف متباينة في ما يجري حقيقة على الأراضي السورية. و بالتالي تتم التعمية على المجازر و الإعدامات الميدانية و الرصاص و الحرق و كل صور الدمار وصولا للحصار المشدد على مخيم اليرموك ... وكل هذا العنف الرهيب يصبح مبررا ومشروعا مما يحيلنا مرة أخرى لمحاولة بث التشويش في عقول الناس و نسيان المطالب الشرعية للشعب السوري و شحذ المساندة لبشار ...القائد العظيم الباسل ... إن المستبد يفعل أي شيء مقابل إدامة حكمه وهي الإستراتيجية الوحيدة التي توجه أعماله ولا يقف أمام أية خسائر من اجل تحقيقها مهما كانت فداحتها حتى لو كانت إبادة الشعب وخسارة الدولة لسيادتها.
و بالرغم من تشعب الأزمة السورية و انفلات التحكم في توليد العقليات الإرهابية فإن هناك وعيا و إدراكا سواء خارج أو داخل سوريا أن الشعب السوري لا يقبل لا بمطرقة الأسد و لا بسندان التعصب و التطرف... فالشعب السوري يطمح إلى الحرية مثله مثل غيره من الدول التي ثارت ضد القمع مهما كان مأتاه ويسعى لإرساء ثقافة مدنية ديمقراطية تنهض بسوريا وهو حق شرعي لكل شعب.
إننا نجد أنفسنا أمام مشهد أول يحارب الإرهاب و في الآن نفسه يسقط ألاف الأبرياء و مشهد ثان يتهدد و يتوعد بالتنكيل و قطع الرؤوس من أجل رفع راية الإسلام فلا الأول مثل الزعامة و القيادة الراجحة و لا الثاني مثل الإسلام و المسلمين و بين المشهدين معارضة و مستقلين و شعبا تخمد أصواتهم كلما حاولوا فضح الألاعيب التي تغيب الحقائق و تستنكر وجودهم أمام توغل التضليل لطمس مطالبهم الحقيقية.
و أمام هذه العقبة تتفاوت التفسيرات فهناك من يتهم المعارضة بخدمة الكيان الصهيوني و أن إسرائيل تسعى للإطاحة بنظام الأسد ولو انه من الثابت تطبيقيا أن إسرائيل هي المستفيدة الأولى ببقاء الأسد الضامن لأمان حدودها من جهة سوريا منذ حكم حافظ الأسد....و كل من لديه معرفة بخبايا الماضي و إدراك باللعبة السياسية سيوفر على نفسه عناء التمشي في الترهات الواهمة. المسالة السورية أعمق من أن تكون حربا ضد الإرهاب...عندما تتضافر المصالح السياسة لتضليل العامة يصبح الأعداء هم شركاء والعكس بالعكس...و للأمانة التاريخية يعلم الجميع ما الذي جرته الأنظمة الشمولية وخاصة تلك التي تتبنى نفس الشعارات باسم القومية والوحدة العربية و التي لم تثمر سوى الانشقاقات و الخراب.
لندرك مدى الجرم الذي يرتكبه النظام السوري يكفي أن نتساءل عن الانجازات التي حققها من اجل توفير الرفاهية والتقدم واللحاق بمركبة العلم والتطور والحضارة. عندما تجدون الإجابة ستعرفون آن كان عليكم مساندة الأسد وزمرته أو الوقوف في وجهه. أتصور أن الإجابة سهلة جدا....