مقتدى الصدر والانسحاب من العملية السياسية ..
عواد احمد صالح
2014 / 2 / 21 - 22:23
مقتدى الصدر والانسحاب من العملية السياسية ..
عواد احمد
ان قرار مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري بالانسحاب من العملية السياسية واعتزال السياسة وغلق مكاتب تياره (الشهيد الصدر ) في بغداد والمحافظات الذي اعلنه يوم الاحد الماضي 16-شباط اذا دخل فعلا حيز التنفيذ ولم يتم التراجع عنه لاحقا .. فهو قرار جريء ومناسب بصرف النظر عن تقييمنا لشخص الصدر وتياره السياسي وموقعة الطبقي والأيديولوجي ضمن تيار الاسلام السياسي الشيعي ، السؤال المطروح ماهي النتائج التي التي ستترتب على هذا الانسحاب فيما يخص قوى الاسلام السياسي الشيعي عموما ؟؟؟
لماذا هو قرار جريء ومناسب ؟؟ لان مكانة ورجل الدين هي بالعودة الى اماكن العبادة وهو المكان الطبيعي له ،وعدم التدخل في الشأن السياسي نظرا لما فعله رجال الدين واتباعهم السياسيين من الطائفتين منذ الاحتلال الاميركي للعراق عام 2003 الذي مهد لقوى الاسلام السياسي التي اتخذت الدين كايديولوجيا سياسية دخول حلبة النشاط السياسي .
ان ما فعله الاسلام السياسي من تقسيم للبشر في العراق على اساس طائفي ومناطقي وزرع الفتن والاحقاد الطائفية الدينية بين المواطنين وشرعنة العنف والارهاب والتنافس واقصاء بعضهم البعض للفوز بالسلطة والامتيازات كل هذا ترك اثرا مدمرا على المجتمع الذي دفع اثمان باهضة ونزفت دماء الابرياء المجهولين نتيجة لهذا الصراع الرجعي المحموم .
ليس لتدخل رجال الدين بهذا الشكل الواسع الى "عالم السياسة" واغراق المجتمع بالفتاوي والسياسات الدينية اي ربط اوعلاقة بمساعي مزعومة لتحسين احوال الناس ومنحهم " الحرية والديمقراطية " او العدالة ، بعد اكثر من ثلاث عقود من الديكتاتورية والقمع والفاقة التي عاشها المجتمع في العراق ابان الحكم البعثي . بل العكس لقد ادى الحكم الطائفي الديني الراهن الى فرض التراجع الحضاري والاقتصادي والامني التراجع بكل المقاييس على الناس ودمر جميع ما تبقى من المكتسبات المدنية والعصرية التي حققها المجتمع العراقي منذ زمن بعيد . انما فعلوا كل ما فعلوه للحصول على المناصب والامتيازات والمال والجاه وتحميق واسترقاق الجماهير البسيطة والساذجة واستعبادها في سياق مشروع الاحتلال والعولمة الطائفي القومي المحاصصاتي الذي جاء يهدف الى الحاق العراق بالهيمنة النيوليبرالية للامبريالية الاميركية والغربية .
لقد تنادى الساسة البرجوازيين ومنهم اياد علاوي رئيس القائمة العراقية بالطلب من مقتدى الصدر وتياره بضرورة التراجع عن الانسحاب من العمل السياسي بحجة (ان وجوده ضرورة وميزان للعمل السياسي الراهن ) كما قال علاوي .تعبيرا عن نوع من النفاق السياسي من قبل علاوي وقائمته هذا اذا علمنا ان علاوي يدعي ان تياره المسمى ( الوطنية ) هو تيار علماني فما الذي سيخدم العلمانية والمدنية في ظل استمرار هيمنة رجال الدين واتباعهم على المشهد السياسي في العراق ؟؟.
يقدم انسحاب مقتدى الصدر من العمل السياسي على المستوى الشخصي صورة عن اليأس والفشل والاحباط والحنق الذي يشعر به مما آلت الية العملية السياسية من انحطاط وفشل مريع على كافة الاصعدة ومن ممارسات وفساد اتباعه واتباع الاحزاب الاسلامية الاخرى بعد مصادقتهم على قانون التقاعد الذي يؤمن لهم مبالغ تقاعدية هائلة اضافة الى ما اسموه ب ( الخدمة الجهادية ) وهي مسخرة جديدة يضيفها هؤلاء السادة الذين كانوا يمثلون ما يسمى (المعارضة العراقية ) والذين قال عنهم احد السياسيين الليبراليين انهم مازالوا يتصرفون بعقلية المعارضين وليس الحكام هذا من جهة ومن جهة أخرى يقدم انسحاب الصدر صورة لنظرائه من السياسيين المعممين بان الفشل والافلاس السياسي ينتظرهم جميعا عاجلا ام اجلا .
ان انسحاب الصدر او تياره لن يترك فراغا سياسيا او يعقد المشهد السياسي المعقد اصلا كما يتبجح بذلك العديد من الساسة البرجوازيين والمعممين بل انه سيساعد بمرور الوقت على سقوط باقي الاقنعة الدينية امام اعين الجماهير العريضة وهو يمثل خطوة اولى في طريق إفلاس الاسلام السياسي النهائي بكافة اشكاله او انتماءاته الطائفية .
ان التيار الصدري لا يختلف جوهريا من الناحية السياسية والايديولوجية عن باقي تيارات الاسلام السياسي المجلس الاعلى او الفضيلة او حزب الدعوة وغيرها ففي نهاية المطاف الجميع يدينون بالولاء الى نفس رجال الدين ويلتقون في الخطوط العريضة والرؤية السياسية الدينية التي ينوون فرضها على المجتمع وهم ينتمون الى طبقة واحدة هي البرجوازية الطائفية ، اما من جهة الصراعات القائمة بينهم فهي صراعات من اجل الاستحواذ على مراكز السلطة والمال والاستئثار بالامتيازات وتعميق الاستقطاب الطائفي القائم وتبليد الجماهير ومن اجل كسب اغلبية الجماهير المصنفة شيعيا الى جانبهم تحت خديعة بقاء السلطة بيد (الشيعة ) وفي واقع الحال فان الجماهير المفقرة من العمال والكادحين والمحرومين وعموم فقراء (الشيعة ) لا تمثلهم السلطة الطائفية الا من حيث الشكل فقط فالاحزاب البرجوازية الاسلامية وشريحة الملالي التي تمثل الارستقراطية الدينية هم من يسيطرون على الثروات الهائلة ويمتلكون القصور والفيلات والسيارات الفارهة بينما يتلقى السواد الاعظم من الجماهير فتات الموائد ...ولا غرابة اذا علمنا ان الكثير من الجماهير في الوسط والجنوب المصنفة شيعية وفي ظل العنف والكوارث والويلات وانعدام الامان والاستقرار وتردي الخدمات واستشراء الفقر والفساد التي تضرب العراق يوميا صاروا يكرهون تلك التيارات .
وفي التحليل الاخير لن يتمكن الصدر فيما لو كان انسحابه تكتيكيا ومؤقتا من اعادة لملمة اوراقة من جديد وبوقت قصير وبسهولة بسبب فساد قيادات تياره الذين تبرأ منهم وصعوبة ايجاد قيادات بديلة لذلك فهو فشل مرتين مرة بخذﻻ-;-ن ايران له وطلبها منه الحفاظ على تماسك تيار الاسلام السياسي الشيعي وعدم معارضة المالكي ، ومرة بخذﻻ-;-ن اتباعه وفسادهم ..انه في موقف ﻻ-;- يحسد عليه ...اما فشل اﻻ-;-سلام السياسي عموما فهو حقيقة قائمة لا غبار عليها ....
ان القوى الطائفية االحاكمة في العراق على اختلاف ولاءاتها الدينية ومرجعياتها هي قوى برجوازية رجعية مرتبطة بملايين الروابط والوشائج بالرأسمال العالمي ، جاءت لتكريس سلطة برجوازية هزيله وتابعة ومنفذة لمشروع الهيمنة الاميركية وسياسة الليبرالية الجديدة ، ففي اجواء العنف والارهاب والترويع وعدم الاستقرار الحالية وتحت ذريعة الديمقراطية تمارس ابشع انواع الاستغلال والفساد والنهب المنظم للمال العام تحت غطاء القوانين التي تشرعها لنفسها كما يتضح ذلك في اجلى صورة في قانون التقاعد الجديد الذي كرس امتيازات للنواب والرئاسات الثلاث اضافة لما يسمى (الخدمة الجهادية ) بشكل لم يسبق له مثيل في كل دول العالم .
ان الصراع السياسي الذي يعم العراق بين مختلف فرقاء ما يسمى العملية السياسية والعنف والفوضى والخراب الناجمة عنه لن ينتهى الا بتدخل الجماهير الواسع والمنظم عن طريق الاعتراضات والتظاهرات المستمرة التي ينبغي ان تهدف الى تغيير سياسي جذري واقامة نظام جديد علماني يقوم على مبدأ المواطنة المتساوية ودولة غير قومية غير دينية تقوم بالغاء كل اشكال التمييز والطائفية وتصنيف البشر على اساس ديني او عرقي دولة تكفل تحقيق الحرية والمساواة والرفاة للجماهير في العراق التي مازالت تعاني المصائب والويلات .
20/2/2014