سعدي يوسف السياسي الوطني
أحمد الناصري
2013 / 10 / 7 - 14:36
ليس هناك خلاف كبير على مكانة سعدي يوسف الشعرية، وأنه الأول بين الشعراء العرب الأحياء، أو في الصف الأول بين الشعراء العرب لمن يريد أن يتحفظ أو يجادل ويعاند، مهما كانت أسبابه، نقدية أو مزاجية!. رغم إن البعض أدعى منذ التسعينيات (من أن سعدي نشف ونضب وبدأ يكرر نفسه، رغم أنه يواصل التجريب والإنتاج الغزير والعميق والجديد، ويكتب النص المستقبلي المدهش، في آخر نص له، وهو على مشارف الثمانين، فكيف بمن يعش ثمانين حولاً، ويستمر بكتابة الشعر الصافي حسب زهير بن أبي سلمى...؟ ولا بأس بنص ركيك أو قصيدة ضعيفة ومكررة، فهذا طبيعي ووارد في سيرة أي شاعر أنتج آلاف القصائد والنصوص ونشر عشرات الدواوين المهمة، لكن ذلك لا يوصل ولا يؤدي الى الهجوم على لينين وياسر عرفات، في نقاش بلا ضوابط وأصول معرفية بسيطة!
في الجانب السياسي الوطني، يواصل سعدي يوسف ممارسة واجبه وحقه الوطنيين، كما يقول، إزاء مذبحة وحريق الوطن، لا يجوز فيه لإنسان أو شاعر أو مثقف أن يتفرج على الحريق وينشغل بالشعر الصافي وتجاربه اللغوية الصرفة، دع عنك المشاركة في الجريمة ونشاطاتها. والوضع لا يحتمل التردد أو المواقف المشوشة، إنما يتطلب تسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية وليست المستعارة أو غير المباشرة! وهذا ما يمارسه سعدي يوسف وبحرية مطلقة تتناسب مع محنة الوطن والعقل والخرب التي يمر بها مجتمعنا.
سعدي يوسف يكتب من موقع وموقف وطني معروف، يعطيه الحرية والحق أن ينتقد ويهاجم كل موقف أو جهة أو شخصية يختلف معها ويتهمها بالمشاركة أو الصمت على جريمة الاحتلال والطائفية والدم والخراب، ولا يوجد احد من هؤلاء مقدس أو محصن من النقد، ولا شيء مقدس عدا الإنسان والدم العراقي المسفوك في الشوارع، مثلما الإنسان الذي يتفوق على ما عداه في الحياة وفي التاريخ... فله الحق أن يهاجم من تبادل الرسائل مع بريمر، بواسطة خائن ساذج ودمية صغيرة، ساهم في تخريب الأمن. ومن حقه أن يدافع عن مدينة وطنية منكوبة دمرها الأمريكان هي الفلوجة، لا زالت أجنتها وولاداتها المشوهة تملآ مستشفياتها البدائية ومستشفيات بغداد، كذلك كشف اللقاء بمنظمة الأيباك الصهيونية، وهي لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية
. دون توضيح أو تفسير أو اعتذار من الطرف الآخر، كذلك نشر صورة هيرو زوجة جلال الطالباني مع ليفني، وهي مواقف تتطلب الجرأة والوضوح وعدم الصمت لحساسيتها وخطورتها البالغة...
سعدي يوسف متابع دقيق للوضع السياسي العراقي وللكارثة الوطنية، وله مصادره الكثيرة. والخلاف الحقيقي معه من قبل البعض قائم على أساس الموقف الأصلي من الاحتلال وتفاصيله، لمن مارس خيانه وسقوط ثقافي وسياسي وشخصي وأخلاقي قبض ثمنه المحدد، وبأساليب رخيصة وبائسة. وهو موقف مسبق جرى على أساسه محاولة عزل سعدي والهجوم عليه لإقصائه وإسكاته، والتخلص من ثقله الثقافي وتأثيره المعنوي في كشف ذلهم وعارهم وخيانتهم التاريخية المدوية، والخلاف العميق على تفاصيل الجريمة والكارثة الحالية، ومن يتحمل مسؤوليتها.
يبقى اعتراض بعض الأصدقاء على التوقيت والأسلوب الذي يكتب فيه الشاعر سعدي يوسف، واستخدامه لكلمات جارحة وغاضبة، حسب تقديرهم. هو أمر يحتمل الاتفاق والقبول أو الخلاف والرفض. لكنه شأن متروك للكاتب نفسه. حيث له تقديره في ممارسة الحرية الكاملة، ومحاولة نقلها للآخرين، في وضع كارثي، يسير حثيثاً في دهاليز الدم والجحيم، ولا يحتمل الصمت أو التردد والانتظار والمجاملات الفارغة...
شخصياً أتفق تماماً مع الموقف السياسي الوطني المتقدم والواضح والجريء لسعدي يوسف، من الاحتلال والطائفية والمخاطر الرهيبة التي تهدد شعبنا، ومن الكارثة الوطنية الشاملة التي يمر بها مجتمعنا ووطننا. وأنا في حوار دائم ومعمق معه، ولي اعتراض على بعض المواد والكلمات والنعوت، التي يطلقها الشاعر على بعض الأشخاص، لكن ذلك يعد أمراً ثانوياً (يمكن نقده ومعالجته وتصويبه والتراجع عنه) وليس أساسياً في موقفه الصائب العام!