قصيدة للشاعر صلاح نيازي في العدد التاسع من مجلة -Long Poem- البريطانية


عدنان حسين أحمد
2013 / 6 / 24 - 15:42     

صدر بلندن العدد التاسع من مجلة "Long Poem"، البريطانية وهي مجلة نصف سنوية تُعنى بنشر القصائد الطوال للشعراء البريطانيين والأميركيين غالباً وبعض الشعراء الأجانب المقيمين في المملكة المتحدة، كما تُعنى المجلة بترجمة بعض القصائد الطوال لشعراء غير بريطانيين بغية إثراء المجلة وتنويع مناخاتها الشعرية المستمدة من ثقافات أخر. ضمّ هذا العدد عشرين قصيدة طويلة لعشرين شاعراً وشاعرة من مختلف الأجيال. وسوف نورد هذه القصائد بحسب التسلسل الذي ورد في فهرس المجلة حيث تصدّرت المجلة قصيدة "الجياد الطائرة" للشاعرة جين ديوران التي نشأت وترعرت في أميركا وتشيلي وتعيش الآن في المملكة المتحدة. وقد صدرت لها حتى الآن ثلاث مجموعات شعرية من بينها "تنفّس الآن، تنفّس" التي نالت جائزة "فوروورد" التي تُمنح لأفضل مجموعة شعرية. أما القصيدة الثانية فهي "براجيّوني" للشاعر الأميركي ألفريد كورن، صاحب دواوين "كل الطرق مرة واحدة"و "صرخة وسط الحشد" و "ملاحظات من طفل الفردوس". فيما كتبت الشاعرة البريطانية جوزفين بالمر "مراجعة أسخيلوس" ومن أبرز نتاجاتها "كلمة للحزن" و "قصائد للحُب والكراهية". تلتها قصيدة "أب مفقود" لإيّان ماكوان الذي وصفته صحيفة "التايمز" اللندنية عام 2008 بأنه واحد من أعظم خمسين كاتباً بريطانيا منذ عام 1945، وقد صدرت له العديد من الروايات المهمة التي حُوّلت إلى أفلام ونالت جوائز رفيعة المستوى منها "الحُب الدائم"، "حديقة الإسمنت"، "التكفير"، "على شاطئ تشيسل" و "معسول الللسان". أما الشاعرة أنجيلا كليلاند فقد نشرت قصيد "ELASAID" ومن أبرز مجموعاتها الشعرية "بانتظار الحرق" و "غرفة اللصوص". تلتها قصيدة "الاستقرار في أوستروغ" لديريك بورتر. أما الشاعر العراقي والعربي الوحيد الذي احتفى به القائمون على المجلة فهو صلاح نيازي الذي خصّ المجلة بقصيدة "قلعة دزه" التي تُرجمت إلى ست لغات عالمية بضمنها اللغة الإنكليزية وقد ترجمها نيازي وساهم في تحريرها ديفيد أندرو، وقد قرأها نيازي في موقع الحدث بكردستان العراق ونالت حظاً من الشهرة والذيوع. وجدير ذكره أن نيازي شاعر وروائي ومقالي ومترجم معروف أصدر أكثر من عشرين كتاباً أبرزها "كابوس في فضة الشمس"، "الهجرة إلى الداخل"، "نحن"، "المفكر"، "الصهيل المعلّب"، "ابن زريق وما شابه"و "غصن مطعّم بشجرة غريبة". نشرت كريسي ويليامز قصيدة "A Goat Moon" فيما نشرت أفيفا دوتش قصيدة "ثمانية ألغاز"، أما كاري إيتر فقد نشرت قصيدة "أزمن سائلة، أمكنة سائلة". خصّ الشاعر تيم دوولي المجلة بقصيدة "عند الساحل" ومن أبرز دواوينه الشعرية "الوزارة السريّة" و "الرِقّة". في حين نشرت مارتينا تومسون قصيدة "زيارة إلى السيد جيمس"، أما القصيدة المُترجمة الثانية فهي للشاعر الإسباني أنطونيو ماتشادو وعنوانها "بورتريه وقصائد أخرى" ترجمة باتريك إيرلي، أما أشهر مؤلفات ماتشادو فهي "الخلوة" و "حقول قشتالة". تلتها قصيدة "عن طريق دولوروسا" للشاعر البريطاني جو كولين، وقصيدة "تاريخ الإمبراطورية البريطانية" لهيلين مور، و "من سانت بول دي موزل" لمات هو، و "مينيتا تتكلم" للبريطانية مليكة بوكَر، و "رسائل روحية" لديفيد ميللر. أما مسك الختام فهي قصيدة "هذا الصباح" لنيغيل برينتس. بقي أن نشير إلى أن المجلة تُحرر من قبل ثلاثة أسماء معروفة وهنّ على التوالي لوسي هاملتون، ليندا بلاك وآن فون وليامز.
ونظراً لأهمية قصيدة "قلعة دزه" للشاعر صلاح نيازي نرفق نصها للقارئ الكريم:

قلعة دزه

صلاح نيازي

كنتُ عاديّاً قبل أن أقرأَ جريدة الصباح
بَدَتِ الشوارعُ ممرّات جامدةً في خريطة
حتى المعجزةُ الآنَ متأخرةٌ، تأخّرتْ منذ سنين
لا يأبه بها أحد

البارحة أغلقتُ نفسي، قلتُ ما جدوى المعجزةِ الآن
ونِمتُ كأنّي مرميّ في هوّةٍ مظلمة
كنتُ عاديّاً قبل أن أجلسَ في المقهى وأقرأَ الجريدة
لم يكنْ للشاي طعمُ الأهلِ البعيدين هذا الصباح
ولا للخبزِ ليونةُ الحقلِ ودفءُ الأيادي المتحابّة
لِمَ بدتْ حتّى الأشجار متعبةً من الوقوف؟
ووجوهُ الأطفال متعسّرة
كأنّها تستذكر درساً يُفلِتُ من الذاكرة
حوارُ المارّةِ مقتضبٌ كالتعزية

حتّى الإشاعةُ فقدتْ جذوتَها وما في طرافتِها لسعة
رحمتَنا الوحيدةَ كانت. بشرى من نوعٍ ما
الإشاعة بشرى
تشابهت الإشاعةُ والإشاعة،
وأيّامنا تتشابهفي المجتمع المدحور تتشابهُ الأشياء
أقتلُ ما يقتلُ التشابه، يجعل حتى الحركةَ ركوداً
مثل أمواج ماءٍ آسن. الإشاعات تتشابهُ وكذلك الأيام
أغلقتُ نفسي قلتُ ما جدوى المعجزةِ الآن
نصفُ طفلِكَ بيدك
ونصفهُ الآخرُ بين فكّيْ وحش
ما الذي تفعلُه؟ تأخّرتِ المعجزةُ الآن.
رشّ بابي الصباح، كماءٍ في نباتٍ يابسٍ
كنتُ عاديّاً قبلَ أن أقرأَ جريدةَ الصباح
لا أعرفُ أينَ تقعُ قلعةُ دِزَهْ
لمْ أرَ شخصاً واحداً من قلعة دِزَهْ من قبل
لِمَ سُمّيتْ قلعة؟
لا بدّ أنّ تأريخَها منغّص بالحروب
تقول الجريدة آلافُ الآدميين بثياب النوم
يُجَرّون من الأبواب من شعر الرؤوس
يُلطمون على الأسنان بأعقاب البنادق

قال لي صديقٌ هاربٌ توّاً:
كنتُ مثلَ أعمىً مهدّدٍ بالاغتيال
يركضُ في كلّ آتجاه وأُذُناه في دردور
كيفَ تُواسي أعمىً مهدّداً بالآغتيال؟

آتخذ الجنودُ مواضعَ الرمي بالذخيرةِ الحيّة
عينٌ مغلقةٌ، وعينٌ محشوّةٌ بالرصاص
سدّوا الطرقات، كالأسلاك الشائكة
آلاف الآدميين بثياب النوم
داخلَ اللوريّات الخاكية
مائةٌ وثلاثون ألفَ صراخ محصور
ممنوع عليها الأكلُ والشربُ والمراحيض
كمْ طفلٍ بال على نفسه من الخوف الآن
كمْ عجوز تهدّلتْ رقبتها إلى الأبد؟

اشتعلتْ الصافرات، وراديوات اللاسلكي
مؤخرات اللوريات تهدرُ وتهتزُّ كمياهٍ بركانية
الخوذ الفولاذية مشدودة في الأحناك

عينٌ مغلقةٌ، وعينٌ محشوّةٌ بالرصاص
ثمَّ لمْ تنجُ سبّورةُ أو دميةُ في قلعة دِزَهْ

ما الذي قالته البيوتُ للعبْواتِ الناسفة؟
ما الذي قالتهُ المدرسةُ للمدفع؟
ما الذي قالته المئذنة لصاروخ أرض – أرض؟
ما الذي قالته الأرجوحةُ لقائد العمليّات العسكريّة؟
لماذا لا تنزعُ الجبالُ صخورها وتحارب؟
تسدُّ الطرقاتِ في الأقلّ
ما الذي تنتظرهُ القيامةُ إذنْ؟

الدرّاجاتُ الناريّةُ في مقدّمةِ اللوريات الجرّارة
تقودُ قلعةَ دِزَهْ برمّتها.
9-4-1989
لندن