تسليع الجسد


شاكر النابلسي
الحوار المتمدن - العدد: 4126 - 2013 / 6 / 17 - 07:13
المحور: ملف : ظاهرة البغاء والمتاجرة بالجنس     

تسليع الجسد
شاكر النابلسي
يقل أحد المفكرين العرب المعاصرين:
يمتلك الرجل جسده.
أما الأنثى، فلا تملكه.
الرجل، يعاشر من يشاء من النساء.
ولكن المرأة مرغمة على معاشرة الرجال المفروضين عليها.
الرجل، كائن لذاته، بينما المرأة كائن للغير.
الرجل، هو الفاعل، والمرأة هي المفعول به.
قول الرجل ممتلئ، وقول المرأة فارغاً.
ويقال دائماً:
"كلام نسوان".
وإذا أرادت المرأة أن تمتلك قولها، فعليها امتلاك جسدها، وعليها امتلاك نتاجه (الأطفال).
*
لا تعني المرأة بالنسبة إلى العربي، شيئاً آخر سوى أنها جسد.
ونظرته إليها، نظرة حسيَّة.
لقد كان العرب بدواً رحلاً، يعاشرون الناقة، والفرس. ونظروا إلى المرأة من المنظور ذاته.
وكان من الطبيعي، أن تترك البيئة الجغرافية بصماتها على اللغة، وعلى خصائصها، وتطورها.
وكانت اللغة الجنسية، غنية بألفاظ البيئة، التي رسمتها الصحراء المقفرة، بجفافها، وقسوتها، وخشونتها، وخيلها، وجِمَالها. كما يقول الباحث ابراهيم الحيدري في كتابه (النظام الأبوي وإشكالية الجنس عند العرب، ص286).
*
وحاول الإسلام تحرير المرأة، من نظرة الجاهليين إليها، ومنحها حقوقاً إنسانية، وشرعية.
فجعل لها حق التعبير عن رأيها في خاطبها، ومنع تزويجها بغير إرادتها، وأجاز لها طلب فسخ زواجها. كما يقول عبد السلام الترمانيني في كتابه (الزواج عند العرب في الجاهلية والإسلام، ص200),
ولكن مع زيادة الثراء العربي بعد الفتوحات، وبعد ظهور الإسلام، أصبحت المرأة تُباع وتشترى، تحت غطاء "مقدار المهر"، الذي أصبح رمزاً للكفاءة.
وقد تأسى الأغنياء من كبار التجار والمُلاَّك ببيوت "الأشراف"، فغالوا في مهور بناتهم، واضحى المهر رمزاً للثروة، والنسب الرفيع.
وكان الأغنياء إذا أفحشوا في الثراء، التمسوا لأنفسهم نسباً كريماً، يرفعهم إلى مراتب "الأشراف"، فيجمعون بين الحسنيين، ولا يزوجون بناتهم إلا لمن أضحى من أمثالهم نسباً، ومالاً.
وقد أقلق هذا الوضع السلطة السياسية والدينية، فوقف عمر بن الخطاب – مثلاً - محذراً، وقال:
"أيها الناس، لا تغالوا بصداق النساء، فإنه لو كان مكرمة في الدنيا، وتقوى عند الله، كان أولاكم بها النبي، فإنه عليه السلام لم يصدق امرأة من نسائه، ولم تصدق امرأة من بناته بأكثر من 12 أوقية (500 درهم).
وإن الرجل، ليغالي بصداق امرأته، حتى يكون ذلك في قلبه عداوة."
ورغم هذا، يقول لنا المؤرخون، أن عمر بن الخطاب دفع عشرة آلاف درهم في مهر أم كلثوم، زوجته، وابنة علي بن أبي طالب.
وكان الباعث على ذلك تيسير الزواج. وهو ما دعا إليه النبي الكريم بقوله:
"إن أعظم النكاح بركة، أيسره."
*
يقول أحد الباحثين الاجتماعيين المتخصصين في "الجنسانية العربية"، أن جسد بعض النساء العربيات الآن، أصبح ثقباً، يتسرب منه الآخر إلى داخل الأنا.
أصبح الجسد بدوره سلعة، ورأسمالاً، يُباع، ويُشترى، ويُكرى.
تحوَّل إلى أداة، نفعل بها ما نشاء، ونحن مستعدون لبيعها.
فقد الجسد حرمته التقليدية، ولم يعد هو الدار الأولى للأنا، بعد أن كان حامي الأنا الأول.
أصبح الجسد الأداة الأولى، التي تُعلن عن الهشاشة الاقتصادية، والاجتماعية، كما قال الباحث عبد الصمد الديالمي في كتابه (سوسيولوجية الجسمانية العربية، ص 89).
وإذا أرادت المرأة أن تمتلك قولها، فعليها امتلاك جسدها أولاً، وعليها امتلاك نتاجه (الأطفال) أيضاً.