فكرة تأسيسية عن الوضع في بلادنا
أحمد الناصري
2013 / 4 / 13 - 17:54
هذه ورقة وفكرة تأسيسية عن الوضع العام في بلادنا، يمكن تطويرها ونقدها، لرؤية درجة ونوع المحنة الوطنية المتفاقمة والخطيرة، التي نمر بها والتي نواجهها. وهي خلاصة حوارات جادة ومستمرة مع عدد من الأصدقاء في الداخل والخارج!
ينبغي علينا دراسة وتشخيص الحالة الحقيقية التي يمر بها مجتمعنا، ورفض الصورة (السياسية) الكاذبة والملفقة، (غير الوطنية) التي يريد تصديرها وفرضها الإعلام الرسمي وعناصر (العملية السياسية) ومؤسساتهم الطائفية والقومية والجماعات القابضة، من كل الأصناف والدرجات، رغم تهافتها وفشلها وتوقفها النهائي.
أننا نقف وجهاً لوجه أمام الردة التاريخية الراهنة، والأزمة السياسية العامة، وحالة الفشل والتشوه، التي يمر بها مجتمعنا، (وهي حالة مشتركة في أغلب أسبابها وأشكالها في المجتمع العربي رغم الخصوصية العراقية)، عبر نشوءها وتكونها ومراحلها المعروفة، التي تجمعت وتكاثفت بوادرها بعد انقلاب عام 68، وصعود صدام إلى الحكم لاحقاً حسب مخططه ونواياه المسبقة والمعروفة، ونشوب الحرب العراقية الإيرانية، الطويلة الشرسة، (التي قتلت مليون إنسان، وكانت تديرها شركات السلاح والنفط والمخابرات، تحت شعار النفط مقابل السلاح والدمار) ثم كارثة احتلال الكويت، وحرب تدمير العراق، والحصار الجائر والطويل (الذي قتل أكثر من نصف مليون طفل حسب أولبرايت كثمن ضروري وطبيعي)، وصولاً الى زلزال الاحتلال، (والذي لم يكن مزحة أو نزهة عابرة) بواسطة قوة عسكرية مدمرة وساحقة، زلزلت أركان المجتمع وهزته وصدعته وقلبته رأساً على عقب، بما يعد ويساوي تحولاً نوعياً في كل شيء، ترافق ذلك مع انهيار الدولة المتهالكة، وفرض نموذج سياسي طائفي متخلف، وتزايد نزعات قومية ضيقة، ودخول البلاد في حرب طائفية قذرة، وتشكيل الميليشيات وانفلات الإرهاب الفاشي الأسود، وتصاعد التدخلات الإيرانية والإقليمية في الشؤون الداخلية. كل هذه الكوارث حصلت، بسبب تخلف المجتمع وغياب مشروع وطني داخلي، وبسبب العامل الخارجي المؤثر (والذي أصبح حاسماً) وحدة وشراسة التدخلات الخارجية، بكل ثقلها وعنفها ووطئتها!
هذه الحالة والصورة الخطيرة والمتشائمة في وصف الواقع، تحتاج إلى مستوين من العمل والنشاط الفكري والثقافي والسياسي. الأول يهتم ويعتمد على عمل المؤسسات والجامعات ومراكز الدراسات والبحوث، ويقوم على الدراسة والنقد والمراجعات الكبرى، وتشخيص الظاهرة وكشف أسبابها، والمساهمة في وضع الحلول المناسبة لها، بما يوازي ويؤدي إلى قيام حركة نهضة جديدة وكبيرة ومتوازنة، تستجيب وتتناسب مع حجم الوضع والأزمة، وتسد الفراغ والنص الفادح في فكر التنوير والتقدم الاجتماعي والفكر السياسي والاجتماعي الوطني، إلى جانب وبمساندة الحركة الوطنية (الجديدة) وعملها السياسي والجماهيري والوطني في المجتمع.
والمستوى والمجال الآخر، هو العمل السياسي الوطني المباشر، والعمل الإعلامي والفني والثقافي اليومي، لمواجهة الأزمة الطاحنة وتفاصيلها اليومية التي تقع على كاهل الناس مباشرة. وهنا نحتاج إلى رؤية وطنية جديدة وواضحة، بعيدة كل البعد عن الالتباس والمساومات والتردد، والقبول بمفاهيم خاطئة، وتبريرها وتدوريها حسب الوضع والظروف، أو التعامل معها والقبول بها (كواقع)، كما في حالة الاحتلال أو (العملية السياسية)، أو الطائفية والإرهاب والفساد، حيث يجري في حالات كثيرة ومعروفة التنازل عن دور المثقف الطبيعي ودور السياسي الوطني، الذي ينشط ويعمل في مجال العمل السياسي الوطني فقط، لكي لا يغرق المجتمع وينحدر إلى مستويات أخرى من الخراب والتردي.
في حالتنا المحددة هذه، يستطيع اليسار الماركسي (كما جميع الحركات الوطنية والشخصيات الفكرية والثقافية) أن يساهم ويلعب دوراً كبيراً في عملية النقد والمراجعات وفق رؤية وطنية جديدة وبلغة جديدة، ويطرح المهام التي تختلط وتتجاور فيها قضايا التحرر الوطني، السياسي والاقتصادي والاجتماعي. ومعالجة مشاكل الفقر والجوع، ومعالجة مشكلة نقص الخدمات الأساسية، وفتح آفاق البناء والتنمية الحقيقية، وقضايا الديمقراطية والحداثة والمرأة والتعليم والثقافة ومشكلة تلوث وخراب البيئة والتصحر وأزمة المياه المتفاقمة!
على اليسار الماركسي، أن يتجاوز حالته الراهنة، ويعيد تنظيم صفوفه المبعثرة والمشتتة، (لأسباب كثيرة لا مجال لذكرها هنا)، من خلال نقد ومراجعات فكرية، موضوعية وجريئة، ومن خلال جهده الفكري والسياسي النوعي والجديد، وطرح الشعارات والبرامج والمهام المطلوبة، والتوجه للشباب والأجيال الجديدة وللكادحين والفقراء، أصحاب المصلحة الحقيقية في دعم التوجهات الوطنية الديمقراطية في مجتمع مأزوم!