أعوامُ الفلول هل حدثت الثورة، حقاً!
باسم المرعبي
2013 / 3 / 28 - 01:01
احترق البوعزيزي، فانبعثت من لهبه شعوب ملأت ميادين الحرية في بلدان توزّعت أيدي أبنائها بين البحث عن رغيف الخبز أو الرسف في الأغلال...
في ذات الوقت، ثمّة أيدٍ، كانت مهمتها المراقبة وكتابة التقارير، أيدٍ لا يُستهان بعددها، تُشكّل ثقلاً في صناديق الاقتراع، لايمكن تجاهله في كلّ الأحوال، كما سنرى.
..................
في صفحته على الإنترنيت، أطلق الناشط والمثقف السوري ياسين الحاج صالح الذي قضى سنوات كثيرة في سجون آل الأسد، على البوعزيزي صفة "الأب"...
ذهب البوعزيزي مقهوراً، تشهد بذلك أُمّه، أيضاً :"وْلَيدي راح مقهور"، كما وثّقت ذلك صورة تلفزيونية في بيتها الفقير، حتماً.
ما الذي تغيّر أو سيتغيّر بعد انجاز البوعزيزي "المعجزة" في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا التي بدت مؤخراً، متأهبة دوماً، لدخول لحظة الحسم.
ليس الخلل في الثورة بالتأكيد
ليس الخلل في أن يثور المواطن لكرامته
الديكتاتور العربي أنجز مهمته على أكمل وجه، لكن ماذا عن الشعب ـ الشعوب؟
يبدو ان الذين نزلوا الى الميدان بقوا وسيبقون في الميدان، في الوقت الذي انسلّ من ورائهم "فلول" ما وتسيدّوا المشهد. ليس بالضرورة هنا أن يكون هؤلاء من بقايا نظام قديم، بل هم من الملتحقين بالنظام الجديد بإسم الثورة ودماء الضحايا.
هؤلاء لايقلّون سوءاً عن الفلول الأصل، إن لم يكونوا أسوأ وأشرّ.
..................
على هامش الانتخابات المصرية، وقبل ظهور نتائجها، عرضت شاشة التلفزيون أحدهم وهو يصرخ، بالمصرية: ومالهُم الفلول؟ ها..؟ مالنا..؟ نحن 12 مليون... وصدَق هذا "الفَل" أو الفالّ" أي المنهزم..
لو عدنا بالذاكرة قليلاً فقط، فقد بلغ مجموع من انتخب أحمد شفيق، آخر رئيس وزراء في عهد مبارك، الرقم الذي ذكره الفال. لكن هل يجوز حقاً أن يوصم كلّ من انتخب شفيق بالإنهزام أو أنه من أذناب النظام السابق. لا، بالتأكيد المسألة ليست كذلك، ثمة من أرادَ الوجه المدني، وجهاً من دون لحية..... غير انّ المأزق في حالة شفيق، لو كان قد نجح، لبدا الأمرُ وكأنه اعادة انتاج للنظام القديم..
لقد كتبتُ على صفحتي في تويتر غداة ظهور نتيجة انتخابات مصر، التالي:
"لو كان شفيق هو الفائز لتساءلَ حتى مبارك، نفسه، لماذا كانت الثورة إذاً؟"
إذاً.. هل يمكن التصديق ان ثمة فلولاً بهذا العدد؟
المشكلة ليست في الرقم، وانما في ما يعنيه ذلك من تبدّل للقيَم، فالمواطن المصري الذي ظهر متحدياً و"فخوراً" بأنه من الفلول هل كان له أن يجاهر بذلك قبل ستين عاماً فيما لو كان من أتباع النظام الملكي واتيح له التحدث بالعلن بعد الإطاحة بالملك فاروق؟ ولندع مسألة الخوف من بطش قد يتعرّض له لو جاهر بولائه للملكية. المسألة هنا تتعلق بمنظومة قيم وأخلاق قد تبدّلت، فالصفاقة هي التي بدأت تسود بدل التواري خجلاً في مواقف كهذه. أتذكر هنا لقطة من فيلم مصري من بطولة الفنان الراحل صلاح منصور، يظهر فيه كمناوىء لانقلاب 1952، لتضرّره، حيث يلتقي في مكان ما مجموعة من "فلول" نظام الملك فاروق، وهم ليسوا على شاكلة غوغاء ميدان التحرير وجيش موقعة الجمل. فلول الفيلم كانوا من الطبقة الارستقراطية تلمّهم قاعة بدت في الفيلم مواراة بشيء من عتمة خفيفة، أو هكذا أتذكرها، كناية عن الاستتار، وهم يهاجمون الانقلاب ورجالاته ويسخرون منهم. عكس فلول اليوم الذين يخرجون الى أضواء الفضائيات ويفاخرون بفلوليتهم.
يُخيّل لي ان كلمة "العيب" قد سقطت من طبعات القواميس الحديثة!!
وها هو كلّ شيء في زمننا يشهد على ذلك، فالمجاهرة بالمساوىء والمثالب صفة أضحت طاغية على حياتنا الحاضرة. وما كان بالأمس القريب محظوراً صار اليوم ليس مُباحاً فقط، بل اباحيا،ً وهو يؤشر الى انعدام التوازن، في حدّه المعقول، بين القيم المتنافرة، سلباً وإيجاباً، والذي كان سائداً، أي التوازن، لعقود إن لم يكن لقرون.
يمضي الفرد الذي تؤرقه هذه التبدلات ولسان حاله يقول مع اليوت، في قصيدته، رحلة المجوس،" نزلناها في شرّ وقت من العام".
انه عام، بل أعوام الفلول، الفلول غير الخجلين من صفتهم هذه وصفات أخرى تدلّ عليهم. حتى لتبدو الثورة، أحياناً، فعلاً خارجياً منفصلاً، أو في أحسن الأحوال انّها جاءت مبكرّة جداً، لكثرما تأخّرت! مُقاساً لا أوانها هذا، اذا سلّمنا به، على عدم استعداد الكثيرين لهذا التغيير.