حازم ناجي ... الناصرية والمسرح
أحمد الناصري
2013 / 1 / 20 - 17:18
حازم ناجي... الناصرية والمسرح
مساء الخير حازم ناجي الذي معنا وبيننا الآن
مساء الخير عائلة الفقيد حازم ناجي
مساء الخير للأصدقاء القدماء
مساء الخير للأصدقاء الجدد
مساء الخير للجميع
أعود أليكم وألتقي بكم، ولو من بعيد، كطائر فقد جناحيه في رحلة عاصفة، وقد جرفه الحنين أليكم، فعاد بكلماته وذاكرته... أعود أليكم بهذه المناسبة الحزينة، وعبر هذه الكلمات الصداقية المكثفة، من خلال هذه البطاقة المرسلة إلى صديقنا الجميل حازم ناجي، على عنوانه الجديد والمعروف لكم، بما يسمح به الوقت، لأعبر منفى أمتد لأطول من ثلاثة عقود إلى الآن، هي أكثر وأطول من عمري في المدينة، حيث لازلت أنوس وأمشي في شوارع الناصرية، أتنفس عطرها وأصافحكم أصدقائي، وأحسب الخسارات والفقدان، كأنني لم أغادرها بعد (أو أغدر بها) إلى ديار بعيدة، في رحلة طويلة لا تريد أن تنتهي. وقد كثر نوساني فيها، وأشتد بي الشوق أليها وأليكم، على أنني بقيت أتابعكم واتبعكم وأسمع خطواتكم وهي تجوب وتنسج تفاصيل الكارثة في دروب الجحيم.
أكتب لكم من بعيد، من خارج المشهد المتغير والمتحول، بينما كنت أراقب كل التفاصيل بدقة متناهية، كنت أتطلع وأترقب لقاءي بحازم ناجي وكل الأصدقاء. سقطت أمنية بسيطة وأثيرة أخرى في هباء السكون، وخسرنا حازم ناجي، مثلما خسرنا من قبل سمير هامش، الذي ضاع في حرب خاسرة وسخيفة ومنسية!
مدينة الحلة مثل مدينة الناصرية في خصائصها وغزارتها الأدبية والثقافية، وهي سليلة بابل المدينة العالمية التي لم تزل تبلبل لسان وعقل التاريخ البشري، الذي يعيد قراءتها بأشكال مختلفة.
الناصرية مسرح كبير ومعقد، بطبقات ودرجات مختلفة، ربما هذا ما أدركه وأكتشفه حازم ناجي، فجاء أليها، إلى مسرحها وناسها وشوارعها وبيوتها ومقاهيها الفقيرة، فقبلت به وقبلته في جبينه واحتضنته وحمته وأعطته شيئاً من قبسها وأسرارها الكثيرة، فأنطلق حازم ناجي في شوارعها وشيد بيته المسرحي الشاهق، رغم كل الظروف، ورغم شح الإمكانيات وتواضعها، لكنه كان يلحق بعيداً، ممسكاً بحبال وستائر مسرح عراقي عريق ومتطور، واقفاً ومستنداً على خشبة المسرح العراقي، الرصينة والثابتة، التي لا تتآكل ولا تحترق ولا تنهار أبداً!
حازم ناجي وصل مبكراً إلى الناصرية، أي مع تقدم وصعود المشروع الفاشي، ومع التغيرات والتحولات الرهيبة والمخيفة القادمة، وتسرب أخبار قصر النهاية ومهارات ناظم كزار التعذيبية الرهيبة، وقذارة جلاوزة الأمن لعام، وهوس وأحلام الدكتاتور، ومحنة الثقافة، حيث ستتحول الإذاعة والتلفزيون والصحف والمسرح إلى ثكنة عسكرية والى فيلق آخر!.
ربما جاء حازم ناجي كي يتحصن في مدينة الناصرية، وكي يعوض بعض خسائره! هل نجح في ذلك؟ هل تحقق له ما أراد؟ هل كانت المكان المناسب له؟ لا اعرف بالضبط، فقد سقط الوطن الجميل برمته تحت المقصلة، وتبعثرت وترمدت أحلامنا الجميلة والصغيرة!
لقد أدهشت مدينة الناصرية حازم ناجي بعمرانها الثقافي الباهر، وبالعدد الكبير من المثقفين البارزين الذين التقى بهم وحاورهم ثم عاش معهم، وبالكتب الراقية المتوفرة فيها، وبالنقاش الطويل والمفتوح على عوالم مدهشة لا تنقطع ولا تتوقف، إلى جاب الحياة المسرحية الهامة في المدينة، والتي ساهم في تطوريها وتعميقها وكرس لها كل حياته.
حازم ناجي، كائن مسرحي، تنفس عبق المسرح وذاب فيه كدرويش عاشق هام به، ودار وطاف في حضرته، فكان المسرح معبده وبيته ومدرسته التي تعلم منها وعلم فيها. وكم سمع من تصفيق حار لا ينقطع لجمهور ذواق مثقف؟ وربما لو خير حازم ناجي لعاش ومات في وعلى المسرح، لكن لم يترك له الخيار.
نشاط ومنجز حازم ناجي المسرحي في التمثيل والإخراج، الكمي والنوعي، كبير وبهي وهام، يضعه في مصاف الأسماء الأولى في المدينة والوطن، وقد ساهم في صياغة واستمرار المسرح الجاد والعميق، المسرح المذهل والحيوي، باختياره لنصوص راقية، بالرغم من صعوبة المعالجة الإخراجية التي كان يبدع بها ويطورها في كل مرة، فقد كان مذهولاً ومخطوفاً بعالم المسرح وتفاصيله.
(نحن محكومون بالأمل) هكذا قال الكاتب المسرحي اللامع سعد الله ونوس، وقد تمسك حازم ناجي بالأمل وعاش بطاقته الخلاقة حتى آخر لحظة من حياته، رغم كل العتمة والخراب. أنه بهاء وشعاع وقوة المسرح الروحية والمادية.
أتمنى لكم النجاح، كي يبقى حازم ناجي بيننا، وأن يجري استعادته بما يليق به، من خلال جمع وإعادة تقييم ونشر أعماله وآثاره، من خلال فعاليات مستمرة وليس عابرة أو موسمية.
سلاماً حازم ناجي.
سلاماً صديقي.
شكراً لكل من ساهم في تذكر صديقنا حازم ناجي.
شكراً للجميع.
صديقكم أحمد الناصري
في تأبين الفنان حازم ناجي