بلاد بين شارعين
باسم المرعبي
2012 / 10 / 6 - 00:24
يمكن اختصار الوضع برمّته في العراق هذه الأيام بشارعين..
نزولاُ، إذاً،
من بلاد بين نهرين،
الى بلاد بين شارعين.. نافذَين، حتى الآن، والحمد لله
لكن من يضمن بقاء شوارعنا كذلك، من يضمن بقاء هوائنا مشرَعاً ونافذاً
في ظلّ فوضى التضارب والمضاربة في بلاد أضحتْ سوقاً لرائج وكاسد
.............
توقيت الهجوم جاء متزامناً على الشارعين وبزلّة إصبع كتبتُ "الشاعرين"، أولاً، وهو ليس بخطأ طبعاً.
شارعان لشاعرَين
ما هذه المصادفة؟
لا، لم تكن مصادفة! فالحكومة ـ الغائبة عادة والحاضرة في مثل هذه المهمات ـ تحارب كلّ مظاهر التمدّن في البلاد...
وإلا بماذا يُفسّر الهجوم على سوق الكتب في المتنبي، بهذه الطريقة، مهما كانت المخالفات في الشارع؟
و أبو نؤاس، الحسن بن هانئ، الشاعر وليس الشارع هو المستهدف، فقد ثبت ان أشجاره متجاوزة على الغبار وصحراء فِكر من يديرون البلاد.
في عزّ هذه الصحراء التي تزحف على كلّ شيء مَن يُفكّر باجتثات شجرة؟
باجتثاث عش طائر وقطرة ندى على موعد مع ورقة خضراء
مَن..؟ سوى أغبر ومن سُلالة الغبار
مَن يُفكّر بذلك سوى قاتل يقطر من أشداقه الدم ممزوجاً بالتراب
قاتل لا يواري جريمته أو أدواتها.
.............
ذات نهار يخرج الفنان جواد سليم من منزله فيجد رجلين ينهالان بالفؤوس والمناجل على شجرة
كان ذلك في ربيع العام 1958، في يوم الشجرة، فكانت لوحة "الشجرة القتيلة"
الجريمة مضاعفة، إذاً. لكن الفنان يصنع معادلاً رائعاً في لوحته من خلال امرأة حانية تظهر أسفل الشجرة تلمّ الأوراق والأغصان المتنائرة كدم الضحية
المرأة لمسة ربيع دائم تقف ضدّ كل مُدى القتلة وفؤوسهم و رؤوسهم المجدبة، المتصحّرة
والحكومة العراقية، المتضايقة من "الربيع العربي" المجازي، تحاول الإجهاز عبر أجهزتها المتخبطة عن قصد أو غير قصد على "الربيع العراقي" العياني
الجريمة مضاعفة أضعافاً
لكن كما في لوحة جواد، انبثقت المرأة في واقعة أبي نؤاس معادلاً خصباً ضدّ قتلة الأشجار والربيع.
لا اختزال لبلاد مهما اتسعت "جبهات" الشوارع
ولا خوف على بلاد تُستنهض رمزيتها بإمرأة وشجرة تتناوبان دوراً هو من صُلب ربيعهما...