خبز، حرية، كرامة إنسانية!
حميد تقوائي
الحوار المتمدن
-
العدد: 3280 - 2011 / 2 / 17 - 06:35
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هذا الشعار باعتباره مطلبا"يشكل محورا" للثورة الحالية لجماهير مصر وجوهرها. كان مطلب الرفاه و الحرية من الثورة الفرنسية الكبرى حتى ثورة اكتوبر العظى، مطلبا اساسيا للجماهير المنتفضة، اما شيعار الكرامة الانسانية فهي خصوصية الثورة المصرية الحالية. وكان هذا المطلب يشكل مطلبا" وهدفا" معروفا" بالنسبة لجماهير ايران التي يواجه نظام الجمهورية الاسلامية المعادي للانسان على امتداد ثثلاثة عقود.
مطلب العيش و الكرامة في ايران كان شيعارا دارجا في نضالات الجماهير وبالأخص نضال المعلمين و العمال. أما شعار حرية، مساواة، هوية انسانية، فقد اثارها الطلاب في مرحلة معينة من نضالهم وحاليا" يجري نضالاتهم واعتراضاتهم ضد طرح قطع الأعانات فأصبحت (الحياة الأنسانية هي حقنا الطبيعي) شعارا" لفعالي الحركة العمالية. ولذلك فإن فحوى الأنتفاضة الثورية في 88(2010 ميلادية مترجم) هي في ا|لأساس ثورة انسانية. لكن الثورة المصرية قدمت خصيصة إنسانية على هيئة طرح إنساني ضمن أبعاد اجتماعية عظيمة امام انظار الجميع. أما بهذا الخصوص فنحن لسنا بصدد تقييم تحليلي لشعارات قسم من المجتمع في الحركات الأعتراضية. لأن ما يحدث هي، بطبيعة الحال، ثورة عظيمة مليونية ضد نظام قمعي وفاسد انتصبت قامتها وفي خطوتها الأولى كتبت على رايتها خبز حرية كرامة أنسانية بشكل واضح و شفاف! فكيف حدث هذا؟ وهل أن المطالبة بالكرامة والعيش و الهوية الأنسانية برزت بالصدفة او تحت تاثير نفوذ الافكار الانسانية والليبرالية و حقوق الإنسان ثم تحولت الى شعارات و مطالب للأعتراضات و الثورات في عصرنا هذا؟ من وجهة نظري ان ما يحدث هو على عكس ذلك تماما. ذلك لأن مهمة الدفاع عن الأنسانية وقعت حاليا" على عاتق الجماهر الثورية، ولان كامل البناء الفوقي للطبقة الحاكمة بكل دولها و اعلامها و فلسفتها و سياستها و ثقافتها الرسمية وقفت بشكل رسمي و علني و بشكل مباشر ضد الأنسان و الأنسانية و الاحترام و الكرامة الأنسانية. ان الدفاع عن الأنسان انتقل الى داخل الشوارع، لانه يتم في البرلمانات و كابينات و اروقة السلطة أقرار وتنفيذ ما هو معادي للأنسان. إن الدفاع عن الكرامة الأنسانية اصبح على لسان الجماهير، إلا أنهم يقومون في المعاهد و المحافل الفكرية والفلسفية الرسمية الحاكمة، بحبك نظريات متعددة الألوان لانكار الهوية الأنسانية العالمية. ان رفع راية الأنسانية هي ضرورة موضوعية و يشكل اساسا" لثورات مرحلتنا، ولدورة ما بعد الحرب الباردة و مرحلة النظام الرأسمالي العالمي الجديد. ان الرأسمالية كان على الدوام ضد الحرية و المساواة ولكن اليوم خصيصة الرأسمالية هي "الأرتقاء" الى معادات الانسان والأنسانية. كما وان راسمالية عصرنا قد غسلت اياديها من الأدعائات الليبرالية بشكل كامل ودفعوا بالدين و القومية و اكثر المقدسات المتخلفة و المتحجرة والعصبيات القرووسطية الى مركز السياسة و ثقافة المجتمع. لقد تم خلق الامم على اساس اثني وقومي و ديني وتعريف المجتمع على أنه مزيج من الأقوام و الاثنيات والأديان وتعريف الديموقراطية على اساس مشاركة رؤساء الأديان و الأقوام و العشارئر و الطوائف في السلطة، وبالتالي لفسح المجال امام الأسلام السياسي في المجتمعات "الأسلامية" -اعتمادا على اعتبارات ما بعد الحداثة في المجتمع- وحتى في المجتمعات الغربية- على اساس التعددية الثقافية و النسبية الثفافية –هذه هي السمات الخاصة لرأسمالية السوق الحرة في العقود الأخيرة.
وعليه فإن هذا الوضع يولد بالضرورة نقيضه. ولهذا فإن الأهداف الأنسانية التي طرحت اليوم في الشوارع ليس ادامة للانسانية الروحانية والأخلاقية ولا جذورها ترجع الى حقوق البشر والأفكار وثمار التراث الليبرالي. ولذلك فان نقيض الرأسمالية يتمثل في مناهضة كل الليبرالية البرجوازية المخادعة والتي تتظاهر بمحبة البشرية الفارغة من اي محتوى. كما وان الانسانية التي نزلت اليوم إلى الشوارع تتمثل بكلمة العمال، و الحفاة، وكل من ذاقوا المرارة وانتهكت حرماتهم وداست كرامتهم .
إن المدون المصري وائل غنيم الذي دعى للتظاهرات في 25 كانون الثاني على الأنترنيت يعتبر ان نظام مبارك هو الة لسحق الأنسانية. كما انه يقول " ان هذا النظام لا يملك فقط الة لقمع الحركات، بل لديه أيضا" آلة السحق والدوس على الحيثية و الكرامة الأنسانية، انهم محوا انسانية الأنسان". هذا السحق للانسان حتى بالمعنى الفيزيكي هي خصيصة لهذه الأنواع من الأنظمة. لقد قام الجنرال سليمان المساعد الجديد لمبارك ورأيس المؤسسة الأمنية شخصيا بتعذيب المعتقلين- أسوة" برأيس جمهورية ايران الذي كان يعذب النساء في شهر تير(احدشهور السنة الأيراني-مترجم) –هذه الأعمال لم يكن تنفذ بدون علم من امريكا و مؤسسة السي اي اي فقط و انما كان تعتبر جزئا من طرح" الحرب ضد ألأرهاب" للدول الغربية. إن مجيء هذه الأنظمة التي هي على شاكلة أكلة لحوم البشر في مصر وتونس وايران وبقية بلدان المنطقة وعلى الصعيد العالمي، لم يحدث بالصدفة حيث أن جذوره لا يرجع الى القرون الوسطى والمجتمعات الاقطاعية، بل ان جذور هذه البربرية ترجع الى راسمالية هذا العصر. كما ان التاتشرية و الريغانية و كل الغرب في هذا العصر بمكاتبهم كمكتب شيكاغو والتعددية الثقافية والنسبية الثقافية تعتبر من مستلزمات الرأسمالية" للنظام العالمي الجديد" الذين صنعوا الدكتاتوريات على شاكلة دكتاتوريات العالم الثالث و حماتهم.
ان الثورة المصرية جرٌ العالم الى الصراع. حيث يقول زيزاك الناشط و الفيلسوف الماركسي المعروف في مقابلة مع تلفزيون الجزيرة" إن ثورة مصر هي بمثابة اعلان لانتهاء التعددية الثقافية والنسبية الثقافية". لكن برأي الموضوع اوسع من هذا. حيث ان الثورة المصرية وكل الأنتفاضات في هذه المرحلة ومن ضمنها الحركة الثورية لسنة 88(2010) في ايران ، هو انتهاء للحركات الرجعية والقومية والدينية، التي تشكل الوجه المشخص لما تسمى "بالثورات المخملية" المتعلقة بانتقال دول القطب الشرقي الى رأسمالية السوق الحرة، وبالاخص اعلان الهزيمة الكاملة للاسلام الساسي. ان الثورة المصرية بقدر ما هي ضد النظام الحاكم في مصر هي بنفس القدر ضد الأسلام السياسي وتوجهها واهدافها وقيمها و شعاراتها_ والأمر سيان إن كانوا في السلطة مثل ايران و حماس في قطاع غزة او في المعارضة-.وعليه فان انظمة معينة مثل نظام مبارك عندما يدعون بوجود خطورة الاسلام السياسي فأنهم يبررون بذلك سياساتهم القمعية، في حين إن الجمهورية الأسلامية في ايران تبرر سياساتها القمعية من خلال معادات امريكا والأختباء وراء المستضعفين. ان ظهور خامنئيي في صلات يوم الجمعية و سعيه لالتصاق الثورة المصرية بالاسلامية و الله اكبر ومعادات امريكا كان الى حد كبير بعيد عن الواقع و مهزلة ادت بالاخوان المسلمين ان يكذبوه ويردوا عليه بشكل عاجل. ولكن قبل ذالك ردد جماهير مصر ب شيعار" الخبز والحرية والكرامة الأنسانية" وخابوا ضنون على خامنئي و اخوان المسلمين واعلنوا بان الثورة ليس لها ربط بالحركة المعادية لامريكا ولا بابراز الاستضعاف ولا القوى الأسلامية.
وبهذا المعنى فان الثورة المصرية ليست فقط معادية للقطب الغربي و انما تصارعت ايضا"مع الأسلامي السياسي ووقفت بثبات ضد كلا القطبين الأرهابيين و ضد الرجعية العالمية. ولذلك فهي ثورتنا. لأنها ثورة العالم المتمدن ضد الرأسمالية الصعب المراس للنظام العالمي الجديد. انها ثورة البروليتاريا ضد الرأسمال العالمي في كل ابعاده الحكومية والسياسية والثقافية والدينية والقومية. كما وأن مطلب الكرامة الأنسانية هي بشكل مباشر ومن خلال مطلب الخبز و الحرية ترتبط بجماهير مصر. حيث أن الخبز و الحرية أمر ممكن فقط في مجتمع مبني على الأنسان و الأنسانية و الحفاظ على احترام و إرادة واختيار البشر المنظمة و هذا لا يعني شيئا غير الأشتراكية. في حين إن البربرية القروسطية للرأسمالية في عصرنا هي الطرف الذي دفع باكثرية الناس الي اوضاع غير إنسانية وفي الطرف الاخر هي مسألة طرح الأشتراكية بشكل فوري باعتبارها السبيل الوحيد للدفاع عن الأحترام و الكرامة الأنسانية أثناء الثورات الجماهيرية. هذا اهم خصوصيات الراسمالية عصرنا و خصوصات الثورات الجماهيرية لعصرنا.
ترجمة من الفارسية : سمير نوري