مهمة الشيوعي صعبة لكن خياراته صائبة
سمير دياب
2010 / 7 / 28 - 02:10
إذا كانت نظرية التنظيم اللينيني تحاول الاجابة على مسألة الذات الثورية، فإن الصلة بين النظرية ومهمة "التربية الشيوعية " تكمن في كيفية تحويل الوعي إلى وعي طبقي حقيقي، سياسي وثوري. ولبلوغ هذا الوعي لا بد من تربية سياسية حزبية، ولا بد من تتبع للعمل الجماهيري، ولا بد من خوض النضال مع الطبقة العاملة بعيدا عن "جهاز التحكم" أو "التلقين" الميكانيكي. هذا الترابط يسمح بتطوير الوعي الطبقي الثوري، ومراكمة تجارب النضال الجماهيري، وإستخلاص الاستنتاجات الضرورية من الصراعات السياسية والإجتماعية اليومية، معطوفاً على العمل الجماعي والمنظم. وشرطه، أن يلعب الحزب الشيوعي الدور المحفز والفاعل، وأن يواكب التطورات النظرية ـ الفكرية مع مستلزمات التسويق الدعائي والاعلامي الحديث والمتطور، بما يتلاءم ومضمون مقتضيات الصراع وحاجات الطبقة العاملة، وبما يتفق مع التربية السياسية التي تسمح للهدف الاستراتيجي المستند الى تنظيم يخدم الهدف المقصود، للبقاء على الخط المنهجي الموضوعي الصحيح.
وعلى الشيوعي التنبه في غمرة صراعه الى انه قد لا يصل كما يريد، وفي ظروف تاريخية معينة، الى تحقيق هدفه، حتى لو كان نشاط حزبه يلبي كل المتطلبات، في مرحلة الجزر في النضال الطبقي، ومرحلة تراجع ثقة الطبقة العاملة بذاتها.
ولا يغير من واقع الحال "توهم" بعض اليساريين أو الشيوعيين "التنطح النظري" للدفاع ولو بأسلوب ثوري منمق وسلس عن "تكتيك صحيح" أو "تحالف صحيح" لكي تتشكل قوة ثورية وتكبر من تلقاء نفسها. فهذا التفكير البرجوازي (المغلف) يبقى خارج الجدل المادي، وخارج السياق التاريخي لسيرورة العمل النضالي (ولا نخفي سراً ان قلنا إن هذا التباين المنهجي السياسي كان سببا في الكثير من الانشقاقات والانقسامات والخلافات داخل الحركة الشيوعية الثورية).
في المقابل، لا يعني ذلك أن نشاط الحزب في ظروف موضوعية غير ملائمة ينبغي أن يبقى دون نجاح لدى الطبقة العاملة. ولو لم يحقق نجاحاً ملموساً ومباشراً، لكنه يشكل عملا تعبوياً ـ تحضيرياً في غاية الاهمية، لمواصلة النشاط، ولممارسة النضال من قلب الواقع وفهمه، مع معاصرة تحليل الواقع السياسي والاجتماعي، ما يشكل دليلا للمنهاج الماركسي، وتطورا في طرح الخط السياسي- البرنامجي- التنظيمي.
فبدون معرفة وتقييم دروس التاريخ، وإمتلاك تجربة نضال الحركة العمالية يستحيل أن نحدد بصورة علمية تناقضات المجتمع ما فوق الرأسمالي الجديد، أو التناقضات الملموسة لتطور الوعي الطبقي، ولجوهر الصراع وكيفية مواجهته. ويشهد على ذلك كل إنقسامات الماضي منذ فجر الاممية الاولى.... ومواضيعها الخلافية حول الاستراتيجية والتكتيك والنضال الثوري، والنابعة من طبيعة الرأسمالية بالذات، ومن طبيعة النضال الطبقي في مواجهتها. وهو ذاته السبب في كونها تبقى "راهنية" طالما لم تحل أساس المشكلة في خلق أو بناء المجتمع الاشتراكي. وبالتالي فإن أي "تكتيك" مهما كان موفقا، وأية "مساومة" مهما كانت ناجحة، لن تحول من تجدد الصراع الطبقي ذاته بأشكال جديدة، وقد تكون أصعب بتعقيداتها.
من هنا، تكتسب المعرفة التاريخية - للماركسية ضرورتها، من حيث هي خطوة أساسية نحو تطوير الوعي الطبقي الثوري، وإلاّ لن تقدم النظرية الأدوات المعرفية - العملية الكفيلة بكشف "الثغرات" في نمط الإنتاج، وفي المجتمع الرأسمالي الجديد، وأن تصوغ الحلول الملائمة لتغييرها. وعلى أساس ذلك، لا يمكن خوض المعركة ضد البرجوازية دون برنامج ثوري، ودون ربط كافة العوامل المؤدية الى تطور الوعي الطبقي، وسلوك الفهم اللينيني للتنظيم الحزبي.
فالرابط الحقيقي بين نضال الجماهير وتربية الكادرات الحزبية له مسلك وحيد يفضي الى بناء الحزب الثوري من خلال ربط النظرية بالممارسة الثورية. واول شروط بناء القيادة والكوادر الثورية هو التخلي عن الممارسات الفوقية، وعن الغطرسة، وعن الادعاءات النظرية الاستهلاكية البعيدة عن التربية الثورية .
فالنظرية، تبقى نظرية يتيمة، إن لم ترتبط بالنضال الطبقي الحقيقي، وبقدرة حاملها على تحويل الوعي الطبقي لدى شرائح الطبقة العاملة الى وعي طبقي ثوري يوصل في نضاله الى الهدف الاشتراكي المنشود.
اليوم، تتفاعل أزمة التناقضات في علاقات الانتاج الرأسمالي. وكلما إشتدت الأزمة، كلما حاولت النيوليبرالية رفع مستوى الضغط على القوى العاملة، والامعان في إستغلالها وشفط تعبها، وإفقارها أكثر. وهذا يتطلب بالمقابل أن تلعب القوى الثورية وظيفتها في يقظة الوعي الطبقي، وإزاحة الستار عن كل الحواجز التي تمنع هذا الوعي السياسي والاجتماعي من التغلغل والنمو داخل صفوف الطبقة العاملة بفعل خضوعها لتأثيرات أيديولوجية برجوازية مختلفة ومنها عندنا (الطائفية) التي تستنزف بؤسها وتسلب حيويتها باتجاهات تخدم مصالحها الحيوية .
لذلك، فإن الحزب الشيوعي اللبناني مدعوا بصفته حزباً يسارياً متقدماً، ومعارضاً للسلطة السياسية ـ الطائفية، وصاحب مشروع تغييري جذري، أن يعمل موضوعيا على ترجمة خطه السياسي بين صفوف الطبقة العاملة، ما يظهر تمايزه المنهجي والبرنامجي لمنع إضاعة أو إستلاب النضالات والحقوق السياسية والاجتماعية، ومواصلة النضال الطبقي دون هوادة أو تراخي لمراكمة الوعي ضمن ظروف سياسية ونضالية صعبة وشاقة، لتحويل التحركات الجماهيرية والعمالية الى فعل مادي تغييري ليكتسب الحزب موقعه وصفته ووظيفته الثورية، بالفعل لا بالاسم، بمعنى أن نكون، وكما يفترض أن يكون حزباً ثورياً بكل المضامين، وبعيدا كل البعد عن البيروقراطية وعن المصالح النوعية الضيقة الخاصة بشريحة (حزبية) نفعية ذات امتيازات لا علاقة لها بالفعل بالنشاط المستقل للجماهير، وبوجع الطبقة العاملة، وان الوقوع في هذا المنزلق الخطر يخرج الحزب (أي حزب) ولو كان تاريخه عامرا بالانتصارات والانجازات المحققة، فكيف بحزب شيوعي حفر تاريخه الوطني والعربي والاممي، بنضال ديمقراطي- طبقي، وبمقاومة وطنية ضد المحتل الصهيوني، وفي الاستمرار في طرح المشروع السياسي العلماني ـ الديمقراطي ضد كل أشكال التخلف والتبعية والطائفية من اجل تلازم التحرير مع التغيير الديمقراطي. هو ذات الحزب اليوم، المعول عليه أن يضطلع بدوره السياسي والبرنامجي والتنظيمي من اجل مصالح الطبقة العاملة والجماهير.
وعلى الشيوعيين جميعاً تحصين حزبهم فكرياً وسياسياً وتنظيمياً، وإبقائه حزباً ديمقراطياً حيوياً وفاعلا ومنتجاً للوعي الطبقي، وفق تربية حزبية تعزز دورية النقاشات ولو كانت محتدمة أو خلافية مع القيادة الحزبية أو بعضها، فحرية الرأي قرار مؤتمري، لا يلغيه فرد، أو يفرضه آخر بشكل إستنسابي، الامر الذي يعزز التجربة النضالية، والممارسة الديمقراطية، وفق إحترام قواعد العمل الحزبي، والالتزام السياسي والتنظيمي لمجموع الحزب الطوعي الواحد.
مهمة الشيوعي صعبة ، لكن خياراته صائبة. من اجل وطن حر وشعب سعيد.