في إجرائية لمفهوم النخبة:الارث الفكري الألماني:ميشالز ومانهايم .
لطفي الإدريسي
2010 / 2 / 6 - 16:10
تتجاوز مسألة النخب كونها قضية مركزية من قضايا علم الاجتماع السياسي بشكل أفضى بها إلى احتلالها موقعا مركزيا في المسائل المرتبطة بالسلطة السياسية و آليات الحكم في علاقة بالثقافة السياسية من جهة وبالمجتمع في أساسه الثقافي من جهة أخرى .
1- في إشكالية التسمية :
2- تدل المعاني الاشتقاقية للفظ "نخبة" في لغات مختلفة على الندرة والقلة إذ هي تحيل على الاصطفاء و الاختيار والانتخاب والقطف و الانتزاع من رأس الشيء أو من أساسه؛ وتمتد تلك الإحالة إلى ما يمثل خصيصة الشيء الأكثر تمييزا له عما عداه وعلى أساس التميز والنقاوة والصفاء والرفعة و عدم الاختلاط مع ما هو عام ومبذول و مبتذل وعادي.- ففي العربية يستخدم مصطلحان أولهما أن "النخبة" من نخب الرجل الشيء نخبا وانتخبه أي اختاره وانتقاه وأخذ نخبته، وتأسيسا على ذلك تكون النخبة و جمعها نخب المختار من كل شيء، بحيث تجمع النخبة وجمعها نخبات المنتخبين من الناس في مجال ما؛ لذلك يشير ابن منظور في كتابه (لسان العرب) "النخبة. نخب. انتخب. الشيء اختاره ونخبة القوم ونخبتهم خيارهم".
ثاني المصطلحين هو الصفوة وهو ينحدر اشتقاقا من صفا فلان القدر أي أخذ صفوها واستخلص ما فيها، فالمصطفى هو المختار، والصفي هو النقي من كل شيء.
3-أما في غير اللسان العربي فأصل الاشتقاق في الفرنسية يرقى إلى اللفظ اللاتيني الشعبي Ex Legere الذي يعني قطف واختار وجمع، و حسب القواميس الفرنسية فإن لفظ Eslere يشير إلى نفس المعنى، ومنه اشتقت الكلمة الحديثة Elite.
أما في اللغة الإنكليزية فقد شهد اللفظ نفس مسار النحت والاستخدام تقريبا في ما يسجل الاستخدام الألماني هو أيضا نفس ما نجده في الفرنسية رسما ومعنى؛ فيما اللغة الإسبانية تحيل أصل الاشتقاق إلى Lo mas selecto وهو نفس المعنى الوارد في اللغة الفرنسية.
4- تثار في مجال الاستخدام العلمي الاجتماعي المخصوص التقاربات التي يمكن أن تلاحظ بين مفهوم النخبة من ناحية و مفاهيم الطبقة والفئة والشريحة وخاصة في مجال علم الاجتماع السياسي. ولئن كانت العديد من المؤلفات ذات التوجهات التحليلية الماركسية خاصة تحرص على التأكيد أن المفاهيم المذكورة هي القادرة على الإحاطة بما هو موجود فعلا وواقعا فإن اختلافا واضحا يميز هذه المفاهيم عن مفهوم النخبة؛ ففي حين تكتسب البنى والهياكل والمؤسسات الاجتماعية المقصودة لدى استخدام تلك المفاهيم في سياق ماركسي، وجودا " تاريخيا اجتماعيا محتما" أي موضوعيا في سيرورة الإنتاج و في بنية توزيع الدخول والثروات مع ما يساوق ذلك من تمثلات رمزية ومتعلقات تتصل بالمظاهر والصيت، يبدو مفهوم النخبة محيلا على موقع غير محتم في حقل مواقع النفوذ وبنية علاقات القوة داخل الطبقة أو الطبقات الحاكمة أو المهيمنة سياسيا، أي موقع لا يكتسب إلا موضوعية حادثة من خلال فعل تاريخي مخصوص، بما يجعله موقعا غير بنيوي أو هيكلي حسب التعابير الماركسية بحيث تبدو النخبة نتاجا لتحولات سياقية محددة بظروف مخصوصة يمكن أن تكون من خارج ما تفترضه "الحتميات المقدرة تاريخيا".ولئن كان وجودها ذاك مصحوبا هو أيضا بتمثلات رمزية فإن متعلقاته من مظهر و صيت وغيرهما لا تبدو بنفس الوضوح الذي تكون عليه بالنسبة إلى الطبقة أو الفئة أو الشريحة، بل من بين متعلقات المظهر و الصيت لدى النخبة ما يمكن أن يكون خفيا أو مخفيا بقصد حتى تتمكن من ممارسة وظائفها القيادية بأقصى قدر ممكن مما تفترضه من النجاعة الإجرائية.
روبارت ميشالز (1876 -1936): حمل كتابه الأهم عنوان في سوسيولوجيا الأحزاب السياسية في الديمقراطية الحديثة(1911). حيث بحث فيه الاتجاهات الأوليغارشية للديمقراطيات وكانت تلك مساهمته الأساس في التفكير في النخب و علاقتها بالأنظمة السياسية وخاصة الديمقراطية منها.
لقد اتسم تفكير ميشالز بالتخصص في المسائل السياسية المرتبطة بواقع المنظمات النقابية و السياسية وبنى نظرية في الأسلوب الهرمي لإدارة المنظمات البيروقراطية كانت قريبة من نظرية ماكس فيبر في البيروقراطية. وحسب هذه النظرية، ينتصر المنطق الأوليغارشي داخل المنظمات حيث تتمكن أقلية ضئيلة العدد من فرض آرائها و مواقفها مؤمنة ديمومة سيطرتها على مقاليد القيادة في المنظمات و الأحزاب. وعادة ما تتكون تلك الأوليغارشيا من القادة المحترفين الذين يصطفون أنفسهم عبر المركزة الإدارية ومراقبة مصادر الإعلام والانضباط الحزبي.
5- كارل مانهايم (1893-1947) في كتابيه" الإنسان و المجتمع في عصر يعاد بناؤه"( 1935) و" تشريح زمانن"ا (1950) يضع مسألة النخب في معرض البحث في مسألة المثقفين.
رأى في كتابه الأول أن:" صياغة السياسة مهمة النخب ولكن ذلك لا يعني أن المجتمع ليس ديمقراطيا... ففي مجتمع ديمقراطي يمكن دوما للمحكومين أن يتحركوا من أجل تغيير حكامهم أو إجبارهم على اتخاذ قرارات تكون لفائدة الأغلبية...إننا نفترض مصادرة أن ما يميز الديمقراطية ليس غياب كل شرائح النخب بل ظهور نمط جديد لانتقائها وتمثل ذاتي جديد تبنيه لنفسها...إن ما يتغير على الأخص في سياق الديمقراطية هو المسافة الفاصلة بين النخبة و الجمهور" (الإنسان و المجتمع في عصر يعاد بناؤه ).
وبالإضافة إلى أنه ميز بين نخب القيادة والتنظيم والنخب المنبثة في المجتمع و التي تباشر المسائل الروحية و الثقافية و الأخلاقية فإنه صنف النخب صنفين:تلك التي تسعى إلى إدماج العدد الأكبر من الناس في جسم اجتماعي واحد والأخرى التي تسعى إلى إظهار القوى النفسية التي لا يتمكن المجتمع من الوصول إلى قاعها. ولكن ظهور المجتمع الجماهيري يدفع في اتجاه تحولات عميقة تمس النخب و منها أن هذه تتكاثر ويتناقص احتكارها للإبداع الثقافي وتتحلل آليات الانتقاء داخلها و ذلك بفعل تفشي" الديمقراطية" بحيث تنفتح على الطبقات الوسيطة و البرجوازية الصغيرة، وهو ما يفسح في المجال أمام مصير كوارثي ثقافيا.