تدخل امريكي ايراني سافر بأدق تفاصيل الشأن العراقي !


جمال محمد تقي
2010 / 1 / 30 - 21:25     

ليس للمهيمنين على واجهة العملية السياسية الجارية في العراق المفجوع اي شعور بالمسؤولية الوطنية ، وعليه فهم بلا سلوك وطني ، لان السلوك بالاصل ينبع من الترجمة العملية لمنظومة القيم التي تؤطر المعتقدات والمفاهيم والتجارب والتي يؤمن بها وينتمي لها الافراد اوالجماعات ، ومن المسلم به ان الاعتزاز بهذا الانتماء ينعكس في الممارسة العملية ، من الواضح انهم يتقهقرون لانتماءات اخرى يريدوها ان تكون هي المركز واي شيء اخر يدور بفلكها ، وبما ان المرء حر بما يؤمن به فانهم احرار بما يؤمنون كأفراد ولكن الكارثة ان هؤلاء وبحكم تخادمهم مع المحتلين الامريكان والايرانيين وبحكم تماهيهم مع مفردات المشروع الامريكي وبالتالي دفعهم باتجاه تجسيم الهويات الطائفية والاثنية وتقزيم الهوية الجمعية ـ الهوية الوطنية ـ وبحكم التلاقي الامريكي الايراني في مسألة اضعاف الكيان العراقي وجعله هشا وقابلا للانكسار وفي اي مناسبة يريدوها ، راحوا يعممون ويشيعون بل ويدفعون ويمعنون باتجاه خلق ظروف مؤاتية لتقبل المجتمع لما يسعون اليه من غرز الروح التقسيمية الانعزالية في كل خطوة يخطوها لاقامة الدولة الجديدة التي ليس فيها شيء يشبه الدولة !

تتكرر وقائع الوصاية الامريكية في كل مرة يختلف بها لصوص العملية السياسية على حصص الغنائم وما جرى اثناء ازمة قانون الانتخابات الاخير والكيفية التي تم بها تمريره في البرلمان حيث الصفقات والابتذال في عرقلة اي خطوة بدون مكاسب طائفية او عنصرية لهذا الطرف او ذاك ، بوساطة وبتنظيم بل وبضغوط من قبل المسؤولين الامريكان والبريطانيين الذين كانوا يتحركون وكأنهم اصحاب البيت ، ولولاهم لما خرج هذا القانون الهزيل الى النور ، المحتل الامريكي هو وكيل كل الاطراف المهيمنة وهو كفيلها والضامن لاتفاقاتها ، هذه القوى التي تدعي زورا وبهتانا بانها مستقلة القرار وانها حريصة على وحدة وسيادة العراق ووو ، بايدن اتصل وتدخل بقوة ، واوباما اعطى الضمانات تلفونيا ، وهيل نظم الاتفاقات ، ايران من جانبها تحوك شبكة تدخلاتها حياكة كاشانية فهي على علاقة وبمستويات مختلفة بالاطراف التي تعدها واعدة لتلقي نفوذها برحابة صدر ـ كوسموبوليتي ـ يعتبر ايران والعراق ردفين بلباس واحد وبالتالي سوق واحدة لافرق فيها بين الدينار والتومان وبين عبدان والبصرة وكربلاء ومشهد والنجف وقم والفكة والحكة اما بغداد وطهران فالتوئمة بينهما جارية على قدم وساق ايرانية بعتبار كبير ان كبير القوم خادمهم ، ايران ابدلت سفيرها قمي باخر اكثر تاثيرا من منافسه هيل ، ايران لها اذرع بالوكالة في كل الاحزاب الطائفية والعنصرية الى جانب اذرعها المباشرة عن طريق الجماعات الخاصة والمرتبطة بفيلق القدس وبالمخابرات الايرانية ، ايران تريد امتلاك مفاتيح حاضر ومستقبل العراق من خلال سعيها لاستبقاء العملية السياسية الجارية اليوم بنفس هرمونها التحاصصي الطائفي والعنصري وهي بهذا الطريق تعمل على تخريب اي اتجاه مغاير يبعث بالعملية كلها روح الوطنية العراقية الرافضة لاي تدخل اجنبي ايراني او امريكي !
الغريب ان البعض يراهن على الاسناد الامريكي لمواجهة التطاول الايراني الذي يدفع باتجاه اقصاء المتصدين لتواجده في العراق ، ففي ازمة بئر الفكة طالب بعض الطائفيين ممن يسمون انفسهم اهل السنة بضرورة تدخل امريكا لحماية العراق من ايران ، واليوم يطالب بعضهم بتدخل امريكي حازم لالغاء قرارات الاجتثاث الصادرة بدوافع ايرانية !!
الخلاصة ان الطائفيين المتربعين على مقاليد العملية السياسية ومن الجهتين الشيعة والسنية ناهيك عن عنصريي الشمال ، لا تربطهم بالمسؤولية الوطنية رابطة ، وهم جميعا في هوى الوصاية الاجنبية احباب ، فليس من المعقول ان يتواتر هذا الصلف لدرجة اعتبار منوشهرمتكي وجوبايدن مرجعيات مدققة لادق تفاصيل التجاذبات السياسية والدستورية والانتخابية والنفطية والوزارية بين المتحاصصين ، وهم انفسهم يدعون بالتوافق الوطني والسيادة الوطنية والقرار المستقل !
من المؤسف ان ينجر بعض من كان ينتقد ويعري هذه الخصائص الماثلة في العملية السياسية المشوهة الجارية ومنذ احتلال العراق ويتحداها وهو في داخلها ، عندما يستعين بالامريكان للحفاظ على موقعه من عمليات الاقصاء الجارية بين المتحاصصين المتنافسين على السلطة ، فهو بهذه الحالة لا يختلف من حيث الجوهر عن الاخرين ان كانوا هذه المرة يأتمرون بالاوامر الايرانية ، او في المرة القادمة عندما سيأتمرون بالاوامر الامريكية ، فالوطنية لا تتجزأ وهي لا تميز بين وصاية واخرى ، وهنا نحن نخص تحديدا السيد صالح المطلك ، لانه من الاشرف له ان يعزل نفسه عن هذا الدنس الذي يمس الوطنية العراقية في الصميم وبالتالي كان عليه الانسحاب من هذه العملية برمتها كرد مناسب على محاولة اقصاءه ، من ان يستعين بالمحتلين لمواجهة منفذي وصايا المحتل الاخر !
الان جاء بايدن وسيمارس دوره وبالمقابل ستفعل ايران وسفيرها ما تستطيع حتى يتوافق الاتباع المتحاصصون بما تمليه عليهم مصالحهم على حساب سيادة واستقلال وحقوق العراق وشعبه !
الان كل طرف منهم يحاول تعبيد طريقه نحو الدورة الانتخابية القادمة بمزيد من التفوق والضمانة في زيادة عدد مقاعده على حساب الاخر خاصة وان هناك زيادة كلية مؤثرة اقرها القانون الجديد من 275 مقعد الى 325 مقعد ، ومن ضمن هذه المحاولات ما جري من ترتيبات ومشاحنات لتمرير قانون جديد خاص بالسلوك الانتخابي ليكون مفصلا لخدمة المختومين بالوصاية ، ليكون بديلا عن اقرار قانون اخر لا تستقيم اي عملية انتخابية بدونه ، انه قانون الاحزاب الذي يفترض فيه ان يكون رادعا وطنيا ملزما لكل القوى المشاركة بالانتخابات بدءا بالبرنامج والشعارات والاهداف وانتهاءا بالتمويل وتحريم الولاءات والتبعية لدول اخرى، كانوا يريدون من هذا القانون ـ السلوك الانتخابي ـ تغطية شكلية على النقص الفاضح في نزاهة العملية الانتخابية كلها من حيث الشروط والمستلزمات وتكافوء الفرص والتي تؤدي حتما الى دوران النتائج على نفسها ، اي انها لن تغير الوضع القائم لان القائمين عليه هم الخصوم والحكام ، وقد يضطرون لقبول بعض الاسماء هنا وهناك بشرط ان لا تغير من التوازنات الطائفية والعنصرية القائمة ، وما يجري هذه الايام من نوبات متسارعة للاجتثاث الا دليل اخر على خشية هذه القوى من صعود نجم الدعاوى الوطنية التي كلما تصاعدت وتيرتها كلما انحسرت مساحتهم العنصروطائفية خاصة وان الناس ملت من اكاذيبهم وهي مستعدة لسحب البساط البرلماني من تحتهم اذا وجدت الفرصة سانحة لذلك ، لقد اغلق مجلس النواب ابوابه من دون ان يقر قانون السلوك الانتخابي لان البعض اراده وسيلة للنيل من الاخر ، فاجهض اقراره باكمله ، كما عطل البحث بقوانين تعتبر ضرورية لحماية الصحفيين ، وايضا لحماية المتضررين من التدهور الامني !
ايقنت القوى العنصروطائفية المهيمنة على المشهد العراقي بان نجم مشروعها قد افل وانه بانحدار لمصلحة المشروع البديل ـ المشروع الوطني ـ ولخشيتها من المزاج الشعبي المتعكر من التجربة المرة التي عاشها تحت ظل نظام المحاصصات والاحتلالات والاجتثاثات والتمزيقات والسرقات الكبرى راحت تعزف مجددا على الوتر الطائفي ومظلومياته باثر رجعي ملقية بتبعات فشلها على الماضي الذي راح يحن اليه الناس رغم علله مقارنة بالخراب الدائر والسائر بالبلاد والعباد الى المجهول ، ونغمة الاجتثاثات المفتعلة الاخيرة هي محاولة لاستثارة الحس الطائفي من جهة وايضا لتشتيت القوى المعارضة لها والتي صار من المؤكد انها ستحقق تقدما كبيرا على حسابها في الانتخابات القادمة !
عجز الحكومة على اثبات فاعليتها بمجمل القضايا المطروحة على الساحة ـ سياسيا واداريا واقتصاديا وفكريا واجتماعيا ـ جعلها تبحث عن وسائل اخرى للتظاهر بالقوة والاقتدارومنها مثلا اثارة موضوع المحكمة الدولية ضد سوريا والتحريك الاعتباطي للقطعات العسكرية في العاصمة والاعتقالات العشوائية ثم عرقلتها لمشاركة قوى مناوئة لها في الانتخابات القادمة حتى صار وضع العراقي في الداخل لا يختلف كثيرا عن وضع العراقي اللاجيء لدول الجوار والذي يعاني الامرين حتى يوفر الحد الادنى من مستلزمات الحياة الضرورية له ولعائلته ، من ضرورات معيشية وصحية وتعليمية ، مليون ونصف لاجيء عراقي في سوريا فقط لا شأن للحكومة بهم وهي المسؤولة عمليا وقانونيا واخلاقيا عن حالتهم تلك ، اموال النفط تسرق وتحول الى اوروبا ليتمتع بها ذوي القربى المقربين من الاحزاب الطائفية والعنصرية الحاكمة وملايين العراقيين يذلون في الداخل والخارج حتى ان مئات الالاف منهم يعيش على صدقات ومعونات دول الجوار او الدول المانحة والمنظمات الانسانية !

تجد الحكومة التابعة نفسها عاجزة عن مواجهة فضيحة تبرئة قتلة شركة بلاك ووتر واطلاق سراحهم من قبل القضاء الامريكي ، فهي لا تستطيع مثلا فعل شيء ما غير بيع الكلام الذي لا جدوى منه سوى للتغطية على العجز الفعلي ؟
العجز الحكومي ذاته ازاء الموقف من الاحتلال الايراني المتواصل لبئر الفكة والاراضي العراقية الاخرى الغنية بالنفط المحاذية لجزيرة مجنون وام الرصاص !
اخيرا هل يمكن للشعب العراقي ان يثق بقوى لا تعتبر التدخل الامريكي والبريطاني والايراني بدقائق خصوصيات الحالة السياسية والاقتصادية والنفطية والامنية والاعلامية للبلاد ، بل وتقتل وتعبث بحياة مواطنيها ، اخلالا بسيادتها وتجاوزا يستدعي وقفة جادة او على الاقل الادانة ؟
لا اعتقد ذلك واقول لمن يستدل بنتائج الانتخابات لاثبات العكس ، ان الانتخابات المزورة بمقدماتها لا تعكس غير نتائج مزورة وبالتالي ثقة مزورة !