اللوياثان العصري (الدولة القومية) (15)


عبد الله أوجلان
2010 / 1 / 28 - 22:47     

- حال الإله على وجه الأرض –
إنّ الانطلاقَ من الاقتصاد لدى الشروعِ باصطلاحِ الحداثة الرأسمالية أمرٌ ناقصٌ من جهة، ويؤدي من حيث الأسلوب إلى نتائجَ وأحكامٍ تحريفيةٍ تُبعِدنا عن استيعابِ علاقاتهما وماهيتها، وتضفي عليها الغموضَ والإبهام. إنّ التعاريفَ والتحليلاتِ التي أجريناها حتى الآن بشأنِ الرأسمالية كانت قد بَرهَنَت على أنها لا يمكن أنْ تَكُونَ إلا قوةً احتكاريةً مفروضةً خارجياً على الميدان الاقتصادي. وهذا ما مفاده مضموناً أنّ البحثَ عن الرأسمالية في مكانٍ آخَر سيتمخض عن اكتشافاتٍ أكثر صواباً على صعيدِ الأسلوب. سنستطرد في البحث عنها في المكان الذي تسعى فيه للتستر والاختفاء، في ميدانِ الدولة.
إنّ كارل ماركس، الذي بَحَثَ عن الرأسمالية في الميدان الاقتصادي عن طريقِ كافةِ تجهيزاته المنهجيةِ العلمية والفلسفيةِ والتاريخية والسوسيولوجية، كان قد تَوَصَّلَ إلى نتيجةٍ إيجابيةٍ يشير فيها إلى البنيةِ الاحتكارية للرأسمالية التي تُشَكِّل مزاياها عن طريقِ نظامِ الأزمات الكثيفة. فالتحكمُ بالاقتصاد لا يعني أنْ تَكُونَ اقتصادياً، مثلما أنّ فرضَ البنيةِ على الاقتصاد ليس اقتصاداً. وعلى الصعيد السوسيولوجي، فالتلاعبُ بالأسعار في السوق، وتنويعُ وسائلِ المال، واستخدامُها في سبيلِ تكديسِ الربح ورأسِ المال غيرُ ممكنٍ دون وجودِ السلطةِ السياسية. وبدون تحليلِ السلطة السياسية وطابعِها العنفي من حيث كافةِ نتائجها المتمخضة، والعملِ على اصطلاحِ الرأسمال بالتحليلات الاقتصادية – السياسية المجردة، ونقلِ ذلك ونقشِه في الوعي على الدوام؛ إنما يفيد بالسقوط في خطأِ الأسلوب، سواءً بوعيٍ أو بنيةٍ حسنة، والتحول إلى ضحيةٍ للبراديغما الرأسمالية.
إني مدركٌ لمخاطرِ انتقادِ كارل ماركس بالأطروحات الهشة والسطحية وعدم اللجوء إلى التحليلات الشاملة. نخص بالذكر المواقفَ الدوغمائيةَ الوضعيةَ للزاعمين بأنهم ماركسيون، والتي لم تتعدَّ حدودَ مُريدي الطرائقِ الدينية، مما يسفر عن عقمِ النقاشات حول مُثُلِهم المملة والسئيمةِ المتكررة. إلا أنه قد بُرهِنَ مئات المرات عبر التجارب النظرية والعمليةِ طيلةَ قرنٍ ونصف، على وظيفةِ "رأس المال" كطوطمٍ جديد، وعلى عدمِ جدواها أو نفعِها الملحوظ للعمال. إني أَعقِدُ روابطَ السببِ الرئيسي في ذلك مع خطأِ البحثِ عن الرأسمالية في مكانٍ آخَر رغم كونها ليست اقتصاداً، وخطأ النظر إلى ما هو ليس اقتصاداً على أنه موضوعٌ اقتصادي أولي. كما وأُقَيِّم موضعةَ سياساتِ الدولة الاحتكارية في صدارةِ الاقتصاد، رغمَ كلِّ خصائصها الخارجةِ عن الاقتصاد، بأنها تحريفٌ "تنويري" يُشَوِّشُ الذهنَ بدرجةٍ مروعة، ويُسدِل الستارَ على الرأسمالية، بل إنه يسفر أيضاً عن نتائجَ مأساويةٍ وكارثيةٍ على الصعيدَين السياسي والأيديولوجي.
لست مختصاً بدراسةِ هيغل وماركس، بل ولم أقرأ لهما كثيراً. كما لا أملك معلوماتٍ عنهما عدا الأفكار الرئيسية، إذ أني على قناعةٍ بعدمِ ضرورةِ ذلك كثيراً. لكنني مهتمٌّ بأفكارهما، وأؤمن بحقي في تفسيرهما كمَهَمَّةٍ على دربِ الحرية. ربما أني أَعقِدُ الروابطَ بينهما وبين مهمةِ الحريةِ والمساواة انطلاقاً من كونهما أثَّرا بالأكثر في مجتمعِ الحداثة الرأسمالية. فعندما كان كلٌّ من ماركس وأنجلز يُشَخِّصان الفلسفةَ الألمانيةَ كإحدى مصادرِ الاشتراكية العلمية، فهما بذلك يضعان نصب عينَيهما فلسفةَ هيغل، والتي أثَّرت عليهما تأثيراً بليغاً على ما يبدو. إذ بالمقدور استخلاص ذلك من خلالِ انتقاداتهما.
يُعتَبَر هيغل على الصعيد الأيديولوجي قمةَ الميتافيزيقيا، وأعظمَ ممثلٍ معاصرٍ للدياليكتيك. إنه فيلسوفٌ ألماني بِحَق. أعني أنه أبو فكرةِ القوموية الألمانية. لقد سار كلٌّ من ماركس وأنجلز على الطريق الصحيح عندما سَعَيا لفحصِ وتشخيصِ البرجوازية الألمانية الممثِّلة للمستوى المتخلفِ للرأسمالية الألمانية، وكذلك منزلتها وموقعها في الفلسفة الألمانية. وما كتابُ "انتقاداتٌ حول فلسفةِ هيغل الحقوقية" سوى انعكاسٌ لمواقفهما تلك. ومن ثَمَّ تترسخ مكانتُهما على الصعيد العملي عبر نشاطاتِ عصبةِ الشيوعيين والبيان الشيوعي. حسب قناعتي، إنّ عجزهما عن تحقيقِ آمالهما من ثورةِ 1848، قد أفسح المجالَ لإحدى الارتكاسات والانكساراتِ الجذرية، تلاها ظهورُ بوادرِ الانحرافِ نحو الاقتصادوية. أنا لا أناقش أسبابَ إيلائهما أهميةً أساسيةً للاقتصاد، ولا أقول بعدمِ ضرورةِ البحثِ في الاقتصاد. كما لا أنتقد بحثَهما في "رأس المال" لأنه خاطئ. بل إنّ النقطةَ الأساسية التي أنتقدها هي ذاتها التي انتقدا فيها هيغل. ألا وهي التساؤل عن أسبابِ قبولِ أولويةِ الدولة والحقوق. حسب رأيي، إنّ هيغل طَوَّرَ فكرَتَه من النقطةِ الأكثر ضرورةً وحيوية. أي أنه يبدأ من المكان الواجبِ البدء به. في حين أنّ الذي ارتَكَبَ الخطأَ التاريخي هو كلٌّ من ماركس وأنجلز بِذاتِهما. أي، الانحراف نحو الاقتصادوية. فهذا الانحرافُ هو السببُ الأساسي – وبنسبةٍ أكبر مما يُعتَقَد – في عجزِ اشتراكيةِ القرن ونصفِ القرن – أي نضال المساواة والحرية، وبالتالي المجتمع الديمقراطي – عن إحرازِ النصر والنجاح المأمول.
عندما قلتُ بصوابِ ما فَعَلَه هيغل، لا أقصد بذلك إعجابي أو تَمَثُّلي لنهجه النظري والعملي. بل أقول أنّ صوابَه يَكمُنُ في تحديدِ النقطةِ الواجب الانطلاق منها. إني أكرِّرُ ذلك تلافياً لسوءِ الفهم.
إنّ هذه المشكلةَ عامةٌ في أوروبا، ومعنيةٌ بقضايا تَحَوُّلِ أوروبا الدولتيةِ إلى سلطة. كيف سيتشكل اللوياثان العصري؟ إنّ ما بَيَّنه كلٌّ من هوبز وكروتيوس في هذا الشأن هو الضرورةُ المطلقةُ لوجودِ الدولة ومركزيتِها. ما قاما به هو التنظير للمطلقية، إذ ينظران إلى المطلقية العصرية على أنها الانطلاقةُ الأساسية، ووسيلةُ الحلِّ الأولية، باعتبارها نموذجَ الدولة المرجوَّ في العبورِ من العصر الإقطاعي إلى العصر الرأسمالي. لكنّ وسيلةَ الحل هذه لا تَحُلُّ أو تَفُكُّ الأزمةَ كلياً. فمشكلةُ الدولة مستمرةٌ بكلِّ وطأتها. كما أنّ أداءَ الرأسماليةِ دوراً رئيساً في هولندا وإنكلترا الجاهدتَين لتطويرِ وترسيخِ سيطرتهما يَهُزُّ أركان فرنسا وألمانيا، ويؤثر فيهما. فقد خَسِرَت فرنسا تِباعاً في حروبها من أجلِ الهيمنة. ولَم تَكتَسِبْ ألمانيا بعد الدعوى المسماةَ بـ"الوحدة الوطنية". في حين أنّ جميعَ مرشَّحي السلطة الآخرين المنتظِرين حصولَ "انتصارِ" أوروبا وإقبالها، منهمكون بقضايا الدولتية وإشكالياتها. إنّ المَلَكيةَ والمطلقيةَ عاجزتان عن حلِّ هذه المشاكل تماماً. ومثالُ فرنسا أمام العيان. فالحكمُ المطلق لِمَلِك الشمس المذهل لويس الرابع عشر بقي قاصراً عن إحرازِ النجاح إزاء تحالفِ هولندا وإنكلترا، بينما مشاكلُ الدولةِ الداخليةُ تتعاظم باستمرار. فماذا عسى الآخرين أنْ يفعلوا؟ وبالمقابل، فالأوضاعُ الثقافيةُ الماديةُ والمعنوية لهولندا وإنكلترا، وتناقضاتُ مصالحهما المنفعية لا تسمح لهما بالتطلع إلى نموذجِ الدولة.
انفَجَر الحدثُ المسمى بالثورة الفرنسية مقابل هذه الأجواء والقضايا، فأضاف في المحصلة قضايا الثورةِ إلى قضيةِ الدولة. وقولُ لينين بـ"الدولة والثورة" ليس عبثاً. فمشكلةُ السلطة في أزمةٍ تامةٍ بكلِّ معنى الكلمة. لكنّ الهيمنةَ الرأسماليةَ الطابع والمتنامية بهدفِ إيجادِ الحل للأزمةِ الإقطاعية، قد عمَّقَت الأزمة، وعَمَّمَتها أكثر. حيث ينهار الحكمُ المطلق، وتُعلَن الجمهورية، فيبدأ عهدٌ مروعٌ من الإرهاب، لِيَعقبه بروزُ مشروعِ الإمبراطوريةِ والإمبراطور المتهورِ الجنوني، فيَهز أركانَ أوروبا بِرِمَّتِها، وكأنه نزل من السماء. ويشرع الفرنسيون على نحوٍ غير مرتَقَب بخنقِ الأوساط بالقول والعمل، وبشكل أكثر لباقة، بالنظريات والحروب. وإلا، فما هي ماهية المقصلة؟
إنّ تفسيرَ هيغل رائعٌ ومذهلٌ عندما يقول بشأنِ الدولةِ متجسدةً في شخصِ نابليون: "إنه حالُ الإله على وجهِ الأرض". ويَصِف نابليون بـ"الإله السائر على وجهِ الأرض". إنه نمطُ الإيضاحِ الذي سَحَرَني واستفدتُ منه بالأكثر في حياتي. إذ من العسير العثور على جملةٍ أخرى يمكنها إيضاح الدولةِ القديمة والدولة الجديدة على نحوٍ أكثر كَمالاً. لقد كان عاقلاً في اختصارِ جميعِ ما سَعَت لذكره آلافُ الكتبِ المقدسة والعلمانية في جملةٍ واحدة. لقد أَنشَأَ فلسفةً بحق. بمستطاعي القول أنّ الإنكليز متمرسون في شؤونِ الاقتصاد، والفرنسيون في شؤونِ المجتمع، والألمان في شؤونِ الفلسفة. ولكني أُنَوِّه أيضاً إلى مدى فداحةِ خطورةِ إنشاءِ تركيبةٍ جديدة منها.
يسعى نابليون في 1802 (على ما أعتقد) إلى الدعاية للنموذج الذي يمكننا تسميته "الدولة القومية"، في سبيلِ بعثرةِ صفوفِ الحكمِ المطلق الأوروبي. ويجهد بذلك إلى تدويلِ الفرنسيين كلياً، والنهوض بهدفِ تجييرِ أوروبا وإخضاعها. وبالفعل ينجح. إنّ نابليون ليس متحضراً إقطاعياً، لأنه بالأصل يَرمي إلى خنقِ الإقطاع ضمن زوبعةِ الثورة. وهو يقتدي بالإمبراطوريَّين الرومانيَّين قيصر والإسكندر. لكنّ عصرَه لا يسمح له بذلك، حيث يفتقر إلى الوسطِ الثقافي المادي والمعنوي القادرِ على جعله إمبراطوراً على هذه الشاكلة. في حين أنّ إنكلترا بالمقابل تتعاطى مع الأمر بمكرٍ ودهاءٍ دقيقَين. أي أنها تُسَيِّر فنَّ الهيمنة الملائمة لـ"الاقتصاد السياسي" بكلِّ مهارة. ونابليون إزاء ذلك كادَ يُجَنُّ جنونُه، حيث لم يَستخلص الدروسَ من نفيه إلى جزيرةِ الألب. وحتى لو أنه استخلصها، فقد خَرَجَ منها أكثر تَسَرُّعاً وطيشاً. فيُحارِب بشكلٍ مذهل، ولكنه يُهزَم في معركةِ واترلو ، ووضعُه مُزرٍ جداً. لقد كان آخِرُ ما تَلَفَّظَ به وهو على فراشِ الموت (1821) في جزيرةِ سانت هيلان وسطَ المحيط الأطلسي، بعد نفيٍ دامَ خمسةَ أعوام: "آهٍ فرنسا! الجيش، جوزيفين!". إنها كلمات تَختَزِل ماهيةَ الشخصِ المعنيِّ بممارسةِ الدولةِ القومية بشكلٍ رائع.
إنّ الألمان، وهيغل باسمهم، هم الذين يُشرِعون بالتنظير لها. فيتشكل تكامُلٌ أيديولوجي كلي مذهل. لذا، فقولُ الأيديولوجيا الألمانيةِ ليس هباء. هكذا تتأسس دولةُ بروسيا وتتصاعد في الواقع العملي خطوةً خطوة. وتَقُوم إنكلترا بدعمِ ومؤازرةِ بروسيا بغرضِ الإبقاءِ على دولتَي فرنسا والنمسا (وعلى رأسها أباطرتهما) في الصفوفِ الخلفية. ومع إحرازِ النصر في واقعةِ سيدان عام 1870، وتأسيسِ الوحدة الألمانية؛ تبرز بروسيا كقوةٍ مهيمنةٍ ثانية مقابل إنكلترا. فهي مستاءةٌ من التقسيم غيرِ العادل للعالَم، وتُطالِب بِحِصَّتِها. لكنها بفشلِها وهزيمتها في الحربَين العالميتَين، تَخسَرُ طموحَها في الهيمنة مثلما هي حال فرنسا.
لقد ثَبُتَ مدى عُمقِ أزمةِ الرأسمالية (المتواصلة، وليست الدورية) منذ الثورة الفرنسية حتى عام 1945. إنّ زعيمَ ألمانيا في الحرب العالمية الثانية هو هتلر، ويُرمَز إليه بالصليب المعقوف (الجيمي). لقد تمَّ القيام بالعديد من تحليلاتِ الفاشية، لكنّ جميعَها تضليليةٌ بمنتهى السوء، بما فيها تلك التي قام بها الماركسيون، الليبراليون، المحافِظون، والفوضويون. فجميعُها لا نيةَ أو لا قدرةَ لديها على إيضاحِ ما حَدَثَ بصدقٍ وكمالٍ مُشبِع. علاوةً على أنّ مُفَكِّري اليهود المذهلين أيضاً – ضحايا الإبادات العرقية – يحتلون الصدارةَ في هذا التضليل. ذلك أنّ هتلر هو قذارةُ تَنَوُّرِهم المشترَك جميعاً، و"القيءُ" المشترَك لممارساتهم السياسية. ألا يُقال أنّ "فرخ الغُراب في عينِ أمه كَطَيرِ العنقاءِ الزمردية"؟ أهناك أيديولوجيا أو ممارسة عملية تقول "لقد تقيَّأتُ القذارة"؟
كما أرى حُكمَ الفيلسوفِ الألماني أدورنو اليهوديِّ الأصلِ قَيِّماً ذا معنى، والذي قال ما مفاده مقارِبٌ لذلك باختصار، وإنْ لم يَكُن حرفياً. كنتُ قد تطرقتُ إلى حُكمه الأول، حيث قال بشأنِ الحداثة الرأسمالية مقولَتَه الغائرة في عمقِ معانيها: "الحياةُ الخاطئة لا تُعاش بصواب". والحكمُ الثاني هو قولُه "لم يَعُد ثمة حقٌّ لِبَنِي البشر في التحدث باسمِ جميعِ الإلهيات والمقدسات"، مشيراً بذلك إلى معسكراتِ الإبادة الجماعية، ومُحَلِّلاً معانيها. قد أَكُون مخطئاً، ولكني فَسَّرتُ مضمونَ مقولته على هذه الشاكلة، حيث يَوَدُّ القولَ أنه ما مِن إيضاحٍ للإبادات الجماعية. لقد سَقَطَ القناع عن مدنيتنا، ولم يَعُد لها حقُّ الكلام. ومدرسةُ فرانكفورت الفلسفيةُ تقتفي أَثَرَ الحقيقة، إلا أنّ قَلَقَها وارتكاسَها جَرّاءَ تلطخها بارتكابِ ذاك الذنب، واعترافاتها بهذا الصدد قد آلَمَتها من الصميم، فباتت مغمومة. إنّ استيعابَ كلٍّ من بينجامين وأدورنو وإقرارِهما (امتعاضهما، استيائهما، وإصابتهما بالكآبة والتعاسة) بنصيبِ الأيديولوجية اليهودية في ذلك، أمرٌ هامٌّ للغاية. والاتحادُ الأوروبي بحاله الراهنة هو حركةُ التستر على هذه القذارة، لا غير. ولا أعتقد أنه قد نَظَّف ما تحته، بل لا تزال الأزمةُ مستمرةً بكلِّ عُمقِها.
الحملةُ الكبرى الثالثة للعولمة (عولمة عصر التمويل)، هي عمليةُ مراقبةِ الأزمةِ والسيطرةُ عليها بعد تعميمها على الزمان والمكان حتى الأعماق. ومع انهيارِ النظام السوفييتي رسمياً في 1989، يَكُون قد تَمَّ الاعتراف بماهيته كدولةٍ قومية، وبدوره في الأزمة الدائمة. والولاياتُ المتحدة الأمريكية، باعتبارها القوةَ المهيمنةَ الجديدة بعد 1945، والمنتصرةَ في الحرب الباردة، قد أعلَنَت منطقةَ الشرق الأوسط ساحةَ حربٍ استراتيجيةٍ، نظراً لكونها منطقةَ الأزماتِ الأساسيةِ الطويلة المدى للنظام القائم. وإلا، فإلامَ يَرمز إعدامُ صدام، رئيس الدولة العراقية، باعتباره لويس السادس عشر للدولة القومية في الشرق الأوسط؟ إنّ هذا يقتضي نقاشاً شاملاً.