هل يفي دستور مملكة البحرين الجديد باستحقاقات المشروع الأمريكي -الشرق الأوسط الكبير ووثيقة الإسكندرية

ابراهيم كمال الدين
الحوار المتمدن - العدد: 855 - 2004 / 6 / 5 - 04:23
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية     

تداعت الدول العربية بعد صدور المشروع الامريكي بين مؤيد بشكل مطلق لهذا المشروع (الاردن وقطر) وبين رافض للمشروع... واعتباره تدخل في الشأن الداخلي واقتحام لخصوصيات هذه الاقطار (مصر وسوريا والمملكة العربية السعودية) وعقدت اجتماعات عدة رافضة لهذا المشروع.

وتوجه الرئيس حسني مبارك في زيارات متعددة لاوربا ليحتمي بها في رفضه لهذا المشروع... محذراً من مغبة تطبيق الديمقراطية الشاملة, ومن تبعاتها التي ستوصل الإسلاميين للحكم. ولن تنعم المنطقة بالاستقرار بوصولهم لسدة الحكم ... كما هو الحال في الجزائر حسب قول السيد الرئيس حسني مبارك.

وعندما لم يجد حماساً أوروبياً لدعواه ... بل اصراراً وتأكيداً على ضرورة إجراء اصلاحات جذرية تتواكب مع روح العصر, اذعن هو والكثير من زعماء الاقطار العربية للمشروع الامريكي مع التصريح برفضه, داعياً لمؤتمر في مكتبة الاسكندرية إختار مندوبيه بعناية (70 مندوباً مصرياً وعربياً) لا نعلم كيف تم اختيارهم ؟! وأُصدرت وثيقة من عدة بنود, أهمها:-

1- اصلاح دستوري وتشريعي, يفصل فيه بين السلطات بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية فصلاً واضحاً وصريحاً, وتحديد أشكال الحكم بما يضمن تداول السلطة بالطرق السلمية دورياً طبقاً لظروف كل بلد.

2- إقامة انتخابات دورية حرة تصان فيها الممارسة الديمقراطية وتضمن عدم احتكار السلطة.

3- إلغاء مبدأ الحبس أو الاعتقال بسبب الرأي في كل الاقطار العربية, واطلاق سراح سجناء الرأي.



كما دعت الوثيقة التي جاءت في 20 صفحة الى اصلاح المؤسسات والهياكل السياسية وإلغاء القوانين الاستثنائية وإنهاء قوانين الطوارئ وإلغاء المحاكم الاستثنائية, وإطلاق الحريات في تشكيل الاحزاب بما يضمن لجميع التيارات الفكرية والقوى السياسية عرض برامجها, وتدخل في تنافس شريف حر على الحكم, كما طالبت الدول العربية التي لم تصدق على المواثيق الدولية والعربية الخاصة بحقوق الإنسان بالتصديق عليها لاسيما تلك التي تتعلق بحقوق المرأة. ولقد دعت الوثيقة ايضاً الى تحرير الصحف ووسائل الإعلام من التأثيرات والهيمنة الحكومية وتشكيل مؤسسات المجتمع المدني بتعديل القوانين المعنية بحرية تكوين الجمعيات والنقابات والإتحادات وضمان حريتها في التمويل والحركة.

وتؤكد الوثيقة إفتقار الوطن العربي لديمقراطية حقيقية وأغلب ماهو متوفر "ديمقراطية شكلية يراد بها تبرئة الذمة والظهور للعالم الخارجي بمظهر ديمقراطي".

أما المشروع الأمريكي "الشرق الأوسط الكبير" فإننا سنلخص محتواه بعد أن نشرته جريدة الحياة. وأهم بنوده:-

1- تشجيع الديمقراطية والحكم الصالح.

2- مبادرة الانتخابات الحرة.

3- مشاركة المرأة في الحياة السياسية والعامة.

4- وسائل الإعلام المستقلة.

5- الجهود المتعلقة بالشفافية / ومكافحة الفساد.

6- المجتمع المدني.

7- بناء مجتمع معرفي + التعليم الأساسي.

8- توسيع الفرص الاقتصادية.

فيا ترى أين نحن من هذه المشاريع للتحديث وتطبيق مبدأ تبادل السلطة وحرية تشكيل الأحزاب ... وإقامة ديمقراطية حقيقية يكون فيها الشعب هو مصدر السلطات.

وتقليص صلاحيات الرؤساء والملوك.

وإجراء انتخابات حرة.

وقيام دولة المساواة بين المواطنين ودولة القانون.

وأعطاء المرأة لحقوقها المدنية والسياسية.

فتعالوا معاً نستعرض بنود الدستور الجديد لمملكة البحرين ومدى موائمته لروح العصر ولرياح التغيير التي تعصف بالمنطقة وتكاد أن تقتلع رموزها, عاجلاً أو أجلاً.

عند استعراض بنود دستور مملكة البحرين ... هالني الكم الهائل للمواد التي يراد لها التغيير والمطلوب تغييرها لتتواكب مع روح العصر وتوفي بشروط وثيقة الاسكندرية التي ستعرض على مؤتمر القمة العربية في تونس.

وتفي بشروط المذكرة الأمريكية التي رفضتها مملكة البحرين كما رفضها بعض الدول العربية.

ولكن قبل الولوج في استعراض موادنا الدستورية لابد من الاجابة على سؤال ملح ويتداوله الجميع وهو:

هل التغيير في الأنظمة العربية حاجة محلية أم أنه استجابة لإملاءات خارجية؟.

أقولها وأنا واثق مما أقول ... بأن الأنظمة العربية شاخت حتى عشعش بها الفساد وأصبحت بعيدة عن روح العصر فباتت الجماهير هي صاحبة المبادرة في حملة التغيير لشعورها بتخلف هذه الأنظمة وعدم ملائمتها "للجودة" "الايزو" المطروحة الآن في السوق. الحكم الصالح.

وما اتخذه المؤتمر الدستوري في مملكة البحرين المنعقد في الفترة بين 14 – 15 فبراير 2004م إلا نموذجاً عن أزمة دستورية وأزمة في الديمقراطية – يتمتع بها وطننا العربي دون غيره من الدول، فبات لزاماً على الجميع حكاماً ومحكومين تصليح هذا النهج ليصبح جزءً من حركة العالم المتسارعة قبل صدور الإملاءات .. التي لا نستطيع الوقوف في وجهها فلنبدأ بالبند الأول من وثيقة الاسكندرية.
1- الاصلاح الدستوري – في المذكرة الأمريكية جاء بعنوان تشجيع الديمقراطية والحكم الصالح.

ترى لو أردنا تغيير مواد الدستور .. فإن عقبات كثيرة ستواجه السادة النواب.

حيث المطلوب لتغير أي مادة هو اشتراك مجلسي الشورى ومجلس النواب "المجلس الوطني" والمجلسان المعين والمنتخب يشتركان في التشريع .. وتشاركهم الحكومة في الصياغة. حسب المادة (92) التي نصها:-

(( لخمسة عشر عضواً من مجلس الشورى أو مجلس النواب حق طلب اقتراح تعديل الدستور – ولأي من أعضاء المجلسين حق اقتراح القوانين ويحال كل اقتراح إلى اللجنة المختصة في المجلس الذي قدم فيه الاقتراح لإبداء الرأي فإذا رأى المجلس قبول الاقتراح احالة إلى الحكومة لوضعه في صيغة مشروع تعديل للدستور أو مشروع قانون وتقديمه إلى مجلس النواب في الدورة نفسها أو في الدورة التي تليها)). كما أن المادة 120 تؤكد استحالة أي تغيير دستوري، وبعدها تطبق المادة (35) التي نصها:

(( للملك حق اقتراح تعديل الدستور واقتراح القوانين ويختص بالتصديق على القوانين وإصدارها )).

فهل يجيبنا السادة النواب، كيف لهم تغيير أي مادة في هذا الدستور؟ وكيف يمكن تحقيق الحكم الصالح مع هذه الموانع.

2- تداول السلطة أو تشجيع الديمقراطية والحكم الصالح. لم أجد في دستور مملكة البحرين ما يشير إلى تداول السلطة بل هناك كثرة من المواد التي تمانع قيام أي تداول للسلطة التي جاءت في وثيقة الاسكندرية والمذكرة الأمريكية وقبلها جاءت في توصيات وقرارات المؤتمر الدستوري.

فالمادة 33 فقرة د – تنص على مايلي:

(( يعين الملك رئيس الوزراء ويعفيه من منصبه بأمر ملكي كما يعين الوزراء ويعفيهم من مناصبهم بمرسوم ملكي بناءً على عرض رئيس مجلس الوزراء)).

فهذه المادة تتعارض مع مبدأ تداول السلطة. حيث فوز أي حزب بأغلبية برلمانية يحق له تشكيل الوزارة.

3- مبدأ فصل السلطات: المادة رقم 70 من دستور مملكة البحرين المعدل تلغى مبدأ الفصل بين السلطات حيث تقول:-

((لا يصدر قانون إلا إذا أقره كل من مجلس الشورى والنواب أو المجلس الوطني وصدق عليه الملك)).

مجلس الشورى معين من قبل الملك حسب المادة رقم 33 فقرة و (( يعين الملك أعضاء مجلس الشورى ويعفيهم بأمر ملكي )) فكيف لمجلس لم ينتخبه الشعب حق التشريع؟

4- حرية تشكيل الأحزاب "الوثيقتين" فلا وجود لها في دستور مملكة البحرين ... حيث رخصت وزارة العمل لجمعيات سياسية، ولم يصدر إلى الآن قانون ينظم حق تشكيل الأحزاب السياسية إستعداداً لولوج مبدأ الفصل بين السلطات.

5- عدم احتكار السلطة: هناك كثير من المواد التي تحول مملكة البحرين إلى ملكية مطلقة .. وتؤكد احتكار السلطة. وتنفي مبدأ روّجه الحكم بقيام مملكة دستورية تواكب الديمقراطيات العريقة. من هذه المواد: المادة 33 فقرة ج وفقرة د. فقرة و. الفقرة ج الفقرة م.

والمادة 35 – والمادة 40 وكذلك المادة 58 الخاصة بالتمديد لمجلس النواب لمدة سنتين والمادة 64 الخاصة بتأجيل الانتخابات والمادة 67 التي لا تجير لمجلس النواب طرح الثقة في رئيس مجلس الوزراء. كما أن المادة 116 – جردت المجلس المنتخب من حق الرقابة – فحولت ديوان الرقابة إلى الديوان الملكي. وحرمت المجلس من حق أساسي ألا وهو حق التشريع والرقابة.

وهناك الكثير من المواد التي تحتاج للتعديل أو الإلغاء. والمستعرض للدستور سيكتشف إن واقعنا الحالي وبهذا الدستور لا يمكن أن نؤسس لمملكة دستورية تضمن ما جاء في المادة 1من الدستور التي تقول: ((إن نظام الحكم في مملكة البحرين ديمقراطي السيادة فيه للشعب مصدر السلطات)).

والفقرة ب من نفس المادة 1- والتي يقول الجزء الأول منها ما يلي:

(( حكم مملكة البحرين ملكي دستوري وراثي الخ .....))

فيا ترى هل نحن في مملكة دستورية ؟ .. وما تعنيه المملكة الدستورية؟ هل هناك حرية للأحزاب السياسية ؟.. هل هناك تداول للسلطة؟ هل هناك حرية للصحافة وصحافتنا غالبيتها ملك للسلطة ؟ ... هل تتوفر الشفافية والمحاسبة والمراقبة ومحاكمة المفسدين ؟ .. هل يتوفر الحكم الصالح الحائز على شهادة "الأيوزو" حسب المقايس الدولية؟.

أسئلة كثيرة يطرحها المواطن وأجاب عليها المؤتمر الدستوري بقراراته التي تتمنى أن تتجاوب معها حكومتنا الرشيدة لنحقق معاً المملكة الدستورية المنشودة .. وندخل القرن الواحد والعشرين ومتطلباته .. قبل أن تفرض علينا.

وحينها نكون كلنا الخاسرون.