التناقض و التناقض الرئيسي داخل الحركة الشيوعية بالمغرب
خالد المهدي
2009 / 7 / 15 - 07:07
I. مقدمة
تعيش الحركة الشيوعية بالمغرب (حشم) أو ما نصطلح عليه نحن المغاربة بالحركة الماركسية اللينينية المغربية (الحملم) أزمة عميقة منذ سنوات طويلة. و إذا كان الكل يقر صراحة بهذه الحقيقة فإن تفسيرها و تحديد مداخيل تجاوزها و إفراز المهام المرتبطة بذلك و الوسائل اللازمة لتجسيد تلك المهام لازال يشكل أحد أهم الخلافات المبدئية و السياسية داخل الحركة. و لن نبالغ إذا قلنا أن أهم واجبات القادة النظريين و المعبرين الفكريين عن الطبقة العاملة إنما هو تقديم الإجابة النظرية عن طبيعة هذه الأزمة. إن هذا العمل الذي بين يدي الرفاق هو مساهمة في تعميق هذا النقاش و رسم بعض من حدود الخلافات المبدئية و السياسية حول بعض القضايا المثارة في صفوف مناضلي الحركة الشيوعية بالمغرب في المرحلة الراهنة من تطورها. و نحن إذ نلح و نشدد على المرحلة الراهنة إنما لكي يتضح لكل المناضلين حقيقة من يمتلك أفكار جدية حول الموضوع و من يردد كالببغاء و بشكل مشوه ما قيل هنا أو هناك في هذه اللحظة أو تلك.
إننا نلح على ضرورة دراسة الواقع الحالي للحركة الشيوعية بالمغرب، إنما لكي نعطي للماركسية قيمتها كموجه للعمل الثوري و حتى نعري من يخفي عدم امتلاكه لأي فكرة جدية بصفحات من المشاحنات الحقيرة و حتى نكشف من يبرر عجزه و جهله و خموله بالادعاء الصبياني بأن الماركسيين اليوم معفيين من الإجابة على مسألة البرنامج، لأن الحركة قد أجابت على هذه المسألة في مرحلة السبعينات !!!
فما هي طبيعية الأزمة و طبيعة المرحلة التي تجتازها الحركة الشيوعية بالمغرب؟ بكل تأكيد تستدعس الإجابة على هذا السؤال تناول الشروط الموضوعية التي تتطور داخلها الحركة و كذا الشروط الذاتية التي تعيشها.
و دون الإدعاء بمقاربة الموضوع من كل جوانبه، يسعى هذا العمل إلى مقاربة الواقع الذاتي للحركة الشيوعية بالمغرب مع الاهتمام أكثر على تحديد الحلقة المركزية و الرئيسية للأزمة الراهنة. و كما سيلاحظ الرفاق أن الاهتمام بالبعد المنهجي لهذ الدراسة سوف يأخد هو الأخر حيزا وافرا في هذا العمل، الشيء الذي يجعل منه محاولة التأطير النظري للأزمة الذاتية للحركة الشيوعية ببلادنا في المرحلة الراهنة.
II. التناقضات داخل الحركة الشيوعية بالمغرب اليوم.
إن كل مرحلة و كل حالة من عملية تطور شيء ما هي محكومة بجملة من النتاقضات، بل نستطيع القول أنها محددة أساسا بتلك التناقضات بالذات. و لذلك كانت دراسة و فهم هذه الحالة أو تلك مرتبطة بدراسة و استيعاب مجمل التناقضات التي تحكمها و تحدد اتجاهات تطورها. إن تطور أي شيء هو محدد أساسا بصراع التناقضات. و هكذا فدراسة المرحلة الحالية التي تجتازها الحركة الشيوعية بالمغرب تعني أساسا دراسة هذه التناقضات.
إن تحديد المهام و الأولويات هو نفسه لا يعبر سوى عن المظهر السياسي و الخلاصة السياسية لدراسة التناقضات التي تحكم هذا الواقع أو ذاك. إن حاجتنا نحن كماركسيين إلى مثل هذه الدراسات إنما نابع من حاجة البروليتاريا إلى التعبير النظري عن واقع صراع الطبقات و تبيان مصالحها في النضال من أجل التحرر و تحرير الإنسانية من كل أشكال العبودية لذلك كانت “دراسة أوضاع التفاوت في التناقضات، دراسة التناقض الرئيسي و التناقضات الغير الرئيسية و الطرف الرئيسي و الغير الرئيسي للتناقض هي إحدى الطرق المهمة التي يقرر بها حزب سياسي ثوري، بصورة مضبوطة خططه الاستراتيجية و التكتيكية في الشئون السياسية و العسكرية، و هي دراسة من واجب جميع الشيوعيين أن يولوها الاهتمام” (ص 488). و كتطور أي حركة تحدد صيرورة تطور الحركة الشيوعية بالمغرب بالعديد من التناقضات يمكن أن نجملها في التناقضات التالية (و هنا لن نتناول كما سبق الإشارة إلى ذلك سوى الواقع الذاتي للحركة)
* 1. التناقض بين النظرية و الممارسة.
* 2. التناقض بين تقدم الحركة و انتعاشها و تخلف الأشكال التنظيمية القادرة على ضمان الخبرة و تثبيتها.
* 3. التناقض بين ضرورة العمل الثوري السري و حاجات و متطلبات العمل العلني.
* 4. التناقض بين متطلبات العمل الثوري ككل و التربية السياسية و الإيديولوجية السائدة وسط الأطر و المناضلين و المناضلات.
* 5. النتاقض بين مختلف المهام و بين وسائل الإنجاز و أساليب العمل.
II.1. التناقض بين النظرية و الممارسة.
حيث تعرف الحركة اليوم أزمة فكرية عميقة تتسم بانتشار مهول للتفسخ النظري و البلبلة الفكرية في صفوف جل المناضلين و المناضلات من جهة، و سيادة العفوية و سيطرتها على ممارستهم العملية. إن الأزمة على هذا النحو تعبر على نفسها من جهة خلال انفصال النظرية عن الممارسة بل انعدام النظرية لدى العديد من المناضلين و انحصار ممارستهم في العفوية و سقوطها في الانتهازية يمينا و “يسارا” و من جهة ثانية في انحصار النظرية في الجمل و المقاطع المبتورة من هذا الكتاب أو ذاك و انعدام الصلة بالجماهير فكرا و ممارسة. و لا تبقى من الماركسية و نظرية البروليتاريا سوى أحقاد المثقفين و أوهامهم.
II.2. النتاقض بين تقدم و انتعاش الحركة من حين لآخر و تخلف الأشكال التنظيمية القادرة على ضمان مراكمة الخبرات و تثبيتها.
إن القليلين هم أولئك الذين لم يدركوا بعض حجم المخاض الذي تعرفه الحركة الشيوعية بالمغرب في الآونة الأخيرة ، فالصراعات التي شهدتها الحركة قد زكت الانطباع بهذه الانتعاشة عند المهتمين بشؤون الحركة الشيوعية بالمغرب. غير أن هذا الانتعاش و التململ الذي يظهر سرعان ما يصطدم بالفراغ التنظيمي و بعدم القدرة على إبداع الأدوات اللازمة التي تفرضها متطلبات و حاجات الحركة بشكل خاص و متلطبات و حاجات الصراع الطبقي بشكل عام. إن التشتت التنظيمي و حرفية العمل تعتبر أمرا طبيعيا بالنظر إلى غياب و انعدام الثقافة و التربية التنظيمية في صفوف المناضلين و المناضلات لعقود طويلة من الزمن، و حتى أولئك الذين لم يستسيغوا بعد ما آلت إليه منظمة “إلى الأمام” بعد سنة 1995 لا يستطيعون إنكار حقيقة الانحصار التنظيمي للمنظمة قبل ذلك التاريخ بزمن طويل و محدودية تأثيرها التنظيمي وسط مجموع مناضلين و مناضلات الحركة. إن تخلف الأشكال التنظيمية قد كان في العديد من المناسبات سببا مباشرا حتى في عدم استمرارية و استقامة النقاش بين المناضلين و المناضلات و بين الفرق، فما بالكم أن تلعب هذه الأشكال التنظيمية دورها في صهر الخبرات و نقلها إلى الأجيال و ترجمة المهام. فكم من تراكمات قد تحققت بجهود و تضحيات لكن سرعان ما تبددت كالريح ولم يبق منها سوى الذركيات و الأقاصيص بفعل غياب التنظيم القادر على صهر الخبرات و تجميعها و تركيزها.
II.3. التتاقض بين ضرورات العمل الثوري السري و حاجات و متطلبات العمل الثوري العلني.
إن العمل السري في شروط الصراع الطبقي ببلادنا (بل و في كل البلدان) ليس خيارا من بين خيارات أخرى بل إنه ضرورة يفرضها من جهة واقع القمع المسلط على شعبنا من طرف النظام القائم و من جهة أخرى طبيعة المشروع الذي تحمله و تناضل من أجله الحركة الشيوعية بالمغرب. غير أن الماركسيين يتميزون عن الإرهابيين و عن كل المثاليين بإيمانهم الراسخ بأن التاريخ لا تصنعه الشخصيات و العباقرة و إنما هو من صنع الجماهير. و لذلك كان الارتباط بالجماهير مسألة و ضرورة تفرض الإبداع و الاستفادة من كل الأشكال القادرة على تجسيد هذا الارتباط الذي يأخد بعدا جماهيريا في العديد من المستويات و بالتالي يفرض أشكالا علانية و شبه علانية من هذا الحجم أو ذاك.
إن للعمل العلني تأثيره الإيجابي على العمل السري منها على سبيل الذكر –لا الحصر- أنه يزيل العديد من المهام الجزئية من على كاهل الثوريين و يجعلها في متناول الجماهير (لينين، ما العمل؟). غير أن نقص الخبرة في العمل الثوري قادرة لوحدها على جعل حاجات العمل العلني تأثر سلبا كذلك على متطلبات العمل السري و يأخد هذا التأثير مظهره السافر في كشف المناضلين و العلاقات و الصلات...الخ أي كشف القوى و كيفية توزيعها. و إذا كان العمل العلني يأثر سلبا و إيجابا على العمل السري فإن ضرورة و متطلبات هذا الأخير تأثر بدورها على حاجات العمل العلني بشكل سلبي و إيجابي. و يأخد التأثير السلبي لمتطلبات العمل السري على العمل العلني أبرز وجوهه في سيادة نزعة الحلقات الضيقة و الابتعاد عن نضالات الجماهير و همومها بدعوى حدة القمع و ضرورة السرية ، فغالبا ما تبرر الانتهازية “اليسارية” الانعزالية و الخنوع.
II.4. التناقض بين متطلبات العمل الثوري ككل و بين التربية السياسية و الايديولوجية السائدة وسط اطر مناضلين و مناضلات الحركة.
ان مضاهر هذا التناقض شديدة التنوع . و هي نابعة أساسا من الشروط الموضوعية التي تناضل داخلها الحركة الشيوعية المغربية . فان احد اهم متطلبات العمل الثوري هي توفره على مناضلين و مناضلات يتميزون بالانضباط و الاستقامة الثوريين . غير ان هذه المتطليات غالبا ما تستضدم بسيادة نزعات الاستهتار و المزاجية و ما شابه ذلك . فهناك العديد من “المناضلين” و “المناضلات” لا يهمهم من امر العمل الثوري سوى معرفة الأسماء و عناوين الأوراق. إن العمل الثوري يتطلب الاحتراف أو على الأقل العمل من أجل ذلك، غير أن هناك العديد من “الثوار” من يرتبط النضال الثوري عندهم (هن) بمناسبات بل و حتى بالمزاج النفسي. غير أن هناك عددا لا يحصى من من لا يشغل تفكيرهم و تحركاتهم سوى النيل من هذا و حبك المؤامرات ضد ذاك. ان العمل الثوري يتطلب من المناضلين و القادة القوة في الإقناع و التفوق في الخبرة و سعة الاطلاع، غير أن هناك من تقاس لديه المؤهلات بحجم الأوراق التي يعرفها و التي يحوز عليها...الخ. و في الجهة المقابلة من هذه الخصال البرجوازية يظهر أيضا هذا التناقض في أشكال و خصال أخرى (ذات مضامين طوبوية).
فالعمل الثوري و هو ككل عمل، عمل متطور ينطلق من هذه الدرجة ليصل إلى درجة أكثر تقدما و هكذا دواليك، غير أننا نجد الرؤية الفكرية السائدة لدى الكثير من الرفاق حول العمل الثوري هي أقرب إلى المثالية منها إلى المادية. إذ أن هذا العمل بالنسبة لهم هو بالضرورة عمل نقي و صاف و لا تشوبه شوائب، ينطبق هذا الكلام خصوصا على أولئك الرفاق الذين لا يقبلون في العمل الثوري سوى من كان صالحا مئة في المئة، متناسين أن النضال الثوري يجب أن يستفيد من كل شيء و متناسين أن واجبات الثوريين هي خلق الشروط التي تسمح ببروز و تطور الثوريين أنفسهم.
العمل الثوري يتطلب معرفة فن توزيع القوى و تركيزها، و هناك العديد من الرفاق من لا “يجيد” سوى تصنيف الصالح من الطالح. و نحن لا نلغي هذا النقد على ممارستنا و تفكيرنا نحن أيضا في العديد من اللحظات و ليعتبره الرفاق نوع من التقد الذاتي لممارستنا و تفكيرنا في تلك اللحظات.
و على كل حال يمكن أن نجمل مظاهر هذا التناقض في متطلبات العمل الثوري للخصال و الأخلاق البروليتارية من جهة و انتشار و سيادة الخصال الأخلاق الليبرالية في صفوف المناضلين و المناضلات.
II.5. النتاقض بين مختلف المهام و بين وسائل الإنجاز و أساليب العمل.
و يجد هذا التناقض تعبيرا له سواءا من ناحية المتطلبات (بما فيها المالية) لإنجاز المهام و بين ضرورة ترجمة هذه المهم أو تلك و كذا في غياب الحنكة و التجربة في إبداع الوسائل المحددة للمهام المحددة، و نماذج مظاهر التناقض هي الأخرى متعددة الأشكال تأخد صورها من أولئك الذين يرغبون في نقاش كل المهام الثورية للحركة الشيوعية المغربية على صفحات الانترنت إلى أولئك الذين يحددون وسائل إنجاز مهمة حسم السلطة السياسية من خلال بناء المنظمات السلمية أو من خلال الإطارات الجماهيرية، بل و هناك من يذهب إلى حصرها في الإطارات النقابية فقط،، و لن نعير هنا انتباها الى أولئك الذين يريدون بناء الاشتراكية عن طريق الانتخابات!!! ، فهمةغلى كل حال خارج موضوع دراستنا هاته أي خالرج حشم
إن دراسة هذه النتاقضات يشكل اليوم بحق أحد أهم الواجبات المباشرة أمام القادة النظريين للحركة الشيوعية ببلادنا. و دراسة التفاوتات بين هذه التناقضات، يعني في المقام الأول الكشف عن التناقض الرئيسي و التناقضات التابعة أو الثانوية. و ما دام التفاوت بين التناقضات غير ثابت أي ما هو رئيسي في هذه الحالة أو تلك قد يصبح تابعا، و ما كان تابعا قد يصبح رئيسيا، فإن إحدى واجباتنا كماركسيين هي الكشف عن التناقض الرئيسي في اللحظة الراهنة من سيرورة تطور الحركة الشيوعية المغربية.
III. التناقض بين واقع التفسخ النظري و الرغبة في ممارسة ثورية يشكل اليوم التناقض الرئيسي داخل حشم.
وسط كل التناقضات التي حددناها أعلاه يشكل التناقض بين النظرية و الممارسة التناقض الرئيسي اليوم داخل الحركة الشيوعية المغربية.لماذا إذن يشكل هذا التناقض اليوم تناقضا رئيسيا؟
إن العديد من المناضلين يطرحون المهام و الأولويات باعتبارها ذات طبيعة تنظيمية متناسين أن “المسألة التنظيمية هي ذاتها مسألة فكرية” (لينين) و متناسين أن “طابع تنظيم اية مؤسسة يحدده بصورة طبيعية ومحتومة مضمون نشاط هذه المؤسسة” (لينين). إن الانتماء لفكر الطبقة العاملة لا يعني أن يطلق المرء على نفسه أنه ماركسي لينيني أو أن يقدم نفسه أنه من “أنصارالخط البرليتاري”. فالحمقى و حدهم هم من يصدقون ما يقوله المرء عن نفسه، و للتأكيد سوف نعرض أكثر الأمثلة إثارة للضحك و الشفقة. فقد ادعى من أراد أن “ينزع القناع عن القناع” أنه من أنصار “الاشتراكية الديمقراطية” فهل نصدقه؟ إن الكل يعلم أن كل ما قيل و ما يقال لا يمث بصلة مباشرة ل“الاشتراكية الديمقراطية” بغض النظر عن كونها كما عبر عن ذلك لينين في تقييمه للحركة الشيوعية العالمية أواسط العقد الثامن من القرن الماضي، قد أصبحت رمزا للعار و الخيانة. إن من أراد أن ينرزع القناع لن يجد كقناع لوكره سوى “الاشتراكية الديمقراطية” حتى و إن كانت اليوم أكثر بكثير من “رمز للعار و الخيانة”. نحن نعلم كما يعلم الكل أن الجهل و الصبيانية وحدهما كافية إلى قذف أصحابها إلى مثل هذا الوضع الكاريكاتوري، غير أنه إذا كان من لا تسمح لهم مؤهلاتهم سوى بنزع أقنعتهم و الافتخار بارتداء “رمز العار و الخيانة”، فإن هناك من يسرع في الاختباء خلف الأقنعة و لذلك كان من الحمق أن نصدق ما يقوله المرء عن نفسه.
و على كل حال لنترك الآن من لا يستحق سوى أن يكون مثالا عن أكثر الأشكال مسخرة و مأساوية في أزمة الحركة الشيوعية المغربية، و لنعد إلى الأمور الجدية لتقديم الدليل على ما قلناه في خصوص التناقض الرئيسي اليوم داخل الحركة الشيوعية المغربية.
إن الحاجة و الضرورة الملحة للنظرية الثورية هي مستمدة من غياب ممارسة ثورية بدونها. و إذا نظرنا إلى واقع التفسخ النظري و الضبابية الفكرية المترامية الجدور داخل الحركة الشيوعية المغربية استطعنا إدراك أي موقع يحتله النضال النظري داخلها. لقد سبق و عبرنا في العديد من المناسبات على أهمية النضال النظري و أوضحنا في العديد من المحطات ضرورة هذا النضال من دون أن يمنع ذلك أحدهم من طرح السؤال على سر اهتمامنا نحن “الزائد” للنظرية. إن مثل هذه الحالة هي ما وصفها لينين بالمصيبة الكاملة، فأن لا يدرك المرء أهمية النظرية و أهمية النضال النظري فذاك لا يشكل سوى نصف المصيبة، لكن أن يقول المرء أن لنا اهتمام “زائد” بالنظرية، نحن الذين لا زلنا متأخرين جدا جدا عن الحاجات و متطلبات هذا النضال فإن ذلك بحق هو التعبير الساطع عن احتقار النظرية و النضال النظري، أي المصيبة بكاملها.
إن الاهتمام بالنظرية و بالنضال النظري من طرف الماركسيين المنسجمين ليس حبا في النظرية بل لأن التناقض الرئيسي الذي يحكم الحركة الشيوعية ببلادنا اليوم هو ذلك الذي بين النظرية و الممارسة. لقد سبق و أن عبرينا أيضا في أعمال سابقة عن بعض الأفكار حول تاريخ تطور هذا التناقض (أهمية و مضمون النضال النظري)، و سوف نحاول في هذا العمل أن ندقق بعض من تلك الأفكار و نطرح المسألة من جوانب أخرى وفقا لما تمليه الحاجة اليوم.
يجب أن نتدكر دائما أنه ينبغي لنا نحن الشيوعيين و الشيوعيات “في دراسة أي عملية معقدة يوجد فيها تناقضان أو أكثر، أن نبدل قصارى جهودنا كي نكشف التناقض الرئيسي فيها، فإذا أمسكنا يزمام هذا التناقض الرئيسي استطعنا حل سائر التناقضات بسرعة” (ص 483). إن التناقض بين النظرية و الممارسة يستمد موقعه من كونه يحدد اتجاه تطور كل التناقضات الأخرى و يأثر فيها. فلا مجال للحديث عن حل صحيح للتناقض بين ضرورة العمل الثوري السري و حاجات و متطلبات العمل العلني و لا عن حل صحيح للتناقض بين تقدم الوعي و الممارسة و تخلف الأشكال التنظيمية. إذ أن القضايا و المسائل التنظيمية بما فيها مسألة السرية و العلنية تحدد الإجابة عليها في المقام الأول نظريا و فكريا، فالحرفية في العمل التنظيمي التي كانت سائدة داخل الحركة الشيوعية الروسية في نهاية القرن 19 و بداية القرن 20 إنما كانت انعكاسا للمنشفية و للانسداد الأفق السياسي في النقابية الضيقة كما هو حال بعض المناشفة الصغار عندنا. إن المسألة التنظيمية مسألة فكرية سياسية، إن هذه الموضوعة اللينينة التي ينساها العديد من من يحبون أن يطلقوا على أنفسهم “لينينيون” تعني أن هذا الشكل التنظيمي أو ذاك هو محدد بالمضمون الفكري و النظري و الخط السياسي. فالتنظيم ليس وعاءا للتجميع كما يفهمه من يسخرون من اللينينية و إضافاتها العظمى في الماركسيةـ بل إنه القنطرة التي تصل التظرية بالممارسة. فنبذ النظرية و إهمال النضال النظري و نسيان الأهداف السياسية الكبرى و الاهتمام بالنضال الجماهيري الواسع لن يولد أصحابه مهما اختلفت مواقعهم شكلا سوى إطارا تنمظيميا يعكس الوجه الفكري و السياسي لأصحابه. و لنا في مسار ماركسيي الأمس إلى قبة البرلمان دروس لن يستطيع نسيانها سوى فاقدي البصيرة.*
إن حل القضايا التنظيمية لن يجد له طريقا سوى عبر المرور بالإجابة على الخط الفكري و السياسي بين النظرية و الممارسة. فحنى التناقض بين متطلبات العمل الثوري ككل و بين التربية الإيديولوجية و السياسية السائدة في صفوف مناضلي و مناضلات الحركة الشيوعية المغربية، يجد حله في رفع التثقيف الإيديولوجي عبر النقد و النقد الذاتي الدائم و المستمر للممارسة العملية أي عبر الحل الصحيح للتناقض بين النظرية و الممارسة. غير أن كل هذا لا يمكن أن يفسر لوحده الموقع الرئيسي للتناقض الذي حددناه سالفا في التناقض بين النظرية و الممارسة. إن الواقع الحالي للنظرية في صفوف و مناضلي و مناضلات الحركة هي أكبر الدلائل التي نقدمها على صحة هذا التحديد. فالتفسخ النظري و البلبلة الفكرية تحكم على الممارسة بالعجز مهما تلونت أشكالها “يسارا” و يمينا. فهل يمكن أن يستقيم أي فعل سياسي أو تنظيمي أو ... في ظل التفسخ النظري و الضبابية الإيديولوجية؟“. لقد طرح هذا السؤال منذ ثلاث سنوات مضت أحد الرفاق عندما طرح مسألة أهمية و مضمون النضال النظري داخل الحركة و أبرز الشروط التاريخية لتطور التفسخ النظري داخلها. و في نفس العمل صيغت خلاصة عميقة نقدمها مرة أخرى بكلماتها :”إن أي محاولة لإيجاد الطريق الصحيح و إخراج الحركة من أزمتها الراهنة مصيرها الفشل إذا لم تطرح بشكل واضح و عاجل مهمة الدفاع عن أسس الماركسية و محاربة البلبلة الفكرية و بناء الوضوح الفكري بين الماركسيين" . كيف ندرس إذن هذا التناقض؟
IV. تشكل النظرية الطرف الرئيسي في التناقض الرئيسي الدي يحكم و يحدد السيرورة الحالية لتطور حشم.
من أجل دراسة تناقض معين داخل سيرورة تطور معينة يجب أن نأخد بيعن الاعتبار دراسة طرفا هذا التناقض و هو مايعني ضرورة
* فهم المركز الخاص الذي يحتله كل طرف
* الشكل المحدد الذي يعتمد به كل طرف على الآخر في البقاء و يتناقض معه في آن واحد
* الوسائل المحددة التي يناضل بها ضد نقيضه عندما يكون كل من هما معتمدا على الآخر في البقاء و يكون متناقضا معه في الوقت نفسه أو عندما ينفصم هذا الاعتماد المتبادل.
و قبل دراسة هذا التناقض في عملية تطور الحركة الشيوعية المغربية اليوم، يجب أن نثير انتباه الرفاق أنه لا يجب معاملة الطرفين المتناقضين في أي تناقض رئيسا كان أم ثانويا، على قدم المساواة. فهناك دائما في أي تناقض كان طرف رئيسي و آخر تابع و ثانوي. كما هو الحال في عدم ثبات وضعية التناقض الرئيسي و التناقضات الثانوية هو كذلك الأمر ما بين طرفا التناقض، أي أن ما هو رئيسي في هذه الحالة أو تلك يصبح تابعا في حالة أخرى و العكس بالعكس.
إن الاهتمام بالطرف الرئيسي هو نابع من كونه “هو الذي يلعب الدور القيادي في التناقض و أن طبيعة الشيء يقررها في الدرجة الأولى الطرف الرئيسي للتناقض الذي يحتل مركز السيطرة” (ص 483).
فما هو إذن الطرف الرئيسي في التناقض بين النظرية و الممارسة داخل الحركة الشيوعية المغربية في الوقت الراهن؟ IV.1. موقع الممارسة العملية كطرف للتناقض الرئيسي داخل حشم اليوم. إن الممارسة العملية هي التي تأخد في أغلب الأحيان موقع الطرف الرئيسي في التناقض بينها و بين النظرية باعتبارها هي العنصر الحاسم لإنجاز المهام و بلوغ الأهداف، فكما قال لينين، إن النضال النظري لا يفعل شيئا سوى أنه يقدم الإجابة على مسائل النضال الميداني.
إن الممارسة العلمية هي على حد تعبير لينين" أعلى من المعرفة (النظرية) لأنها لا تمتاز بصفة الشمول فحسب، بل تمتاز كذلك بصفة الواقع المباشر وهو ما يعني أسبقية الممارسة على النظرية. وعندما نتحدث هنا عن الممارسة فلا يجب ان يحصرها المرء كما يحصرها بعض خريجي مدرسة القاعديين(!!) في الاطارات أو في شكل واحد من أشكال عمل الانسان في الانتاج وفي الصراع الطبقي...الخ. إن الممارسة العملية هنا هي الممارسة الاجتماعية ففي هذه الممارسة يكتسب الانسان المعارف بشكل عام. ولكي يكون المرء أفكاراً صحيحة ومعرفة علمية عن العمل الثوري حاجاته، متطلباته، قوانينه... يجب في المقام الأول أن ينخرط ويشارك في هذا العمل بالذات. إن النظرية المادية الدياليكتيكية عن المعرفة تضع الممارسة العملية في المقام الأول، إذ تعتبر ان معرفة الانسان لا يمكن ان تنفصل إطلاقا عن الممارسة العملية
وهنا تجدر الاشارة الى ضرورة التمييز بين المعرفة المباشرة والمعرفة غير المباشرة، فالانسان بوصفه كائنا اجتماعيا قد ينال المعرفة بشكل غير مباشر اي عن طريق خبرة ومعرفة الاخرين. تلك المعرفة التي تنتقل من غنسان الى آخر ومن جيل الى آخر ومن تجربة الى اخرى. إن الانسان الفرد لا يمكنه، على كل حال، الانخراط في التجربة المباشرة في كل شيء. إن هذا التمييز الماركسي حول المعرفة المباشرة والمعرفة غير المباشرة لا ينفي إطلاقا كون اكتساب المعرفة رهين في المفام الول بمشاركة المرء في الممارسة العملية التي تهدف الى تغيير الواقع.
إن المعرفة بالاشياء لا تتكون دفعة واحدة، بل تمر عبر مرحلتين أساسيتين: معرفة حسية يمتلكها الانسان عند اتصاله الأولي بهذا الشيء(عمال، فلاحين، طلبة، نساء،...) وهذه الدرجة من المعرفة لا تستطيع الإلمام إلا بظواهر الأشياء و بعلاقتها السطحية. أما المرحلة الثانية من المعرفة العلمية أي النظرية ففي هذه الدرجة من المعرفة تتكون المفاهيم و التجريدات و يتم الكشف عن القوانين. إن هذه المرحلة من المعرفة تستدعي الدراسة و البحث و تحليل العلاقات و فك الارتباط بين الأشياء...الخ.
لنأخد مثالا لنوضح الأمور أكثر. فعندما يدخل المرء إلى السوق لأول مرة لاقتناء شيء ما و قد يجد بائيعي الخضر في هذا المكان و بائعي الفواكه في مكان آخر و بائعي الملابس في مكان ثالث الخ فيستنتج أن بيع البضائع في هذا السوق موزع في المكان حسب أصناف البضائع و قد يدرك أيضا إذا كان لا يمل من السؤال عن ثمن البضائع بين هذا البائع و ذاك أن ثمن البضائع في مقدمة السوق هو أعلى منه في مكان آخر من السوق فيستنتج أن الباعة في مقدمة هذا السوق يتصيدون الزبائن الذين هم في عجلة في أمرهم. و قد و قد ... الخ إن كل تلك المعرفة هي معرفة حسية و ليس بعد معرفة علمية و لكي تتحول معرفته بذلك السوق إلى معرفة علمية فيجب عليه أن يقوم بالدراسة و البحث، يجب عليه أن يعرف قوانين السوق، يجب عليه مثلا البحث عن روافد ذلك السوق أي المناطق التي يحمل فلاحوها الفقراء بضائعهم إلى ذلك السوق و قد يستنتج من ذلك بعد الدراسة طبيعة الزراعة في المنطقة و أحد أوجه أوضاع الفلاحين الفقراء و يجب عليه لكي بدرك “سر” توزيع الأماكن بين الباعة، أن يقوم أيضا بالبحث و التقصي و معاشرة الباعة و العاملين فقد يرتبط ذلك بالبعد التاريخي أو بالدعيرة المادية التي يفرضها الشيوخ و المقدمين على الأماكن بداخل السوق...الخ. و بكلمة لكي يكون معرفة علمية عليه أن يقوم بالدراسة و التحقيقات.
و ذلك حال المعرفة بالعمل الثوري أيضا، فلكي يكون المرء معرفة علمية به و عنه يجب أن يستحضر هذه المراحل في تكون المعرفة. فالمعرفة مثلا التي يكتبها الطلاب في ممارستهم العملية عن العمل الثوري هي مجرد معرفة حسية لا تدرك جوهر هذا العمل و لا قوانينه، و هذه المعرفة الحسية بدورها متفاوتة بين هذا و ذاك و ما بين هذه التجربة أو تلك. فالمعرفة الحسية عن العمل الثوري مثلا لدى الطلاب الذين لم يعرفوا في تجربتهم العملية سوى تتبع المحاضرات تكون أبعد إلى الصواب منها عند أولئك الطلاب الذين شاركوا بتجربتهم المباشرة في الممارسة النضالية، و المعرفة الحسية عن العمل الثوري لدى من لم يعرف في تجربته النضالية داخل القاعديين مثلا سوى الحلقيات و استعراض العضلات و التظاهرات، و حتى اللقاءات هي أبعد إلى الصواب منها عند أولئك الذين عرفوا في مردسة القاعديين أشكالا أخرى من النضال الثوري.
و لكي تصل هذه المعرفة الحسية إلى درحة المعرفة العلمية لا يكفي الحصول على الإجازة أو الابتعاد عن الشئون المباشرة للنضال الطلابي، بل إن أحد شروطها هو الانخراط و الاستمرار في العمل الثوري من جهة، و القيام بالدراسة و التقصي و البحث من خلال التقييم الدائم و المستمر للممارسة العملية و الاطلاع على التجارب الأخرى و ...، “حيث أن معرفة الإنسان لا تثبت صحتها إلا عندما يتوصل من خلال ممارسته العملية و الاجتماعية (خلال الانتاج الاجتماعي و الصراع الطبقي و التجربة العملية) إلى إحراز النتائج المنشودة” (ماو). لكن يجب الانتباه، ليست كل معرفة نظرية هي معرفة علمية. وحدها نظرية البروليتاريا هي القادرة على التعبير العلمي عن الحقائق و الوقائع . فهكذا فالمعرفة الحسية لا تتطور دائما إلى معرفة علمية عند الجميع، بل قد تتطور إلى معرفة مشوهة عند البعض و هذا هو حال بعض خريجي القاعديين !! و لنأخد مثلا المعرفة بالجماهير لدى بعضهم. فمن أجل تكوين معرفة علمية عن الجماهير يجب بدون شك معاشرتها و الانخراط إلى جانبها في ممارستها العملية المباشرة و في تجربتها الخاصة “فمن ينكر الإحساس و ينكر التجربة المباشرة و ينكر المساهمة الشخصية في الممارسة الرامية إلى تغيير الواقع، فهو ليس بمادي” (ماو). و عندما نتحدث عن الجماهير فنحن لا نحصرها –كما يفعل بعض خريجي القاعديين أصحاب الأفكار الانتهازية– في القاعدة الاجتماعية للإطارات الجماهيرية التي لا تتجاوز في أغلبها بما في ذلك أوطم 10 أو 20 في المئة. و لا نشوه أيضا القضية بالقول أن “الجماهير إذا كانت تهمكم فإنها توجد في السوق”، فمن يضع “الجماهير” بالسوق في مقابل “الجماهير” في الإطارات لن يفاجئنا إذا ما وجدناه يحدد علاقته بالجماهير كعلاقته بالبضائع. فقد سرح (بل و كتابة) أحد هؤلاء الضالين المثيرين للشفقة و التقزز بدون خجل و لا حياء ضد من يحصر الجماهير في تلك الموجودة داخل الإطارات “الجماهيرية” قائلا: “إذا كانت الجماهير هي التي تهمكم، فإنها توجد أيضا في السوق، و التقتنو أفضل العمال أفضل لكم من الزعيق”!! و الله إن زعيقهم مهما بدى تافها لأهون ألف مرة من الضلال المبين.
هذا هو الموقف من الجماهير. و هذه هي واجبات الضالين تجاه الجماهير بعد أن نزع أقنعتهم : مجرد سوق لاقتناء أجود العمال. فانظروا إلى ما وصلت إليه المعرفة الحسية من تشويه و ضلال على يد من حثالة خريجي القاعديين الذين يدافعون على الاستقلالية!!؟ و لا يخجلون من التوقيع باسم طالب قاعدي، فحتى إذا لم تستحيي فلن نسمح لك بفعل أي شيء.
و الحال أن من كان يرى في الجماهير الطلابية مجرد “قطيع” لاقتناء أجود الطلاب، طبعا أجودهم في حبك المؤامرات و الدسائس و نشر النزعات القبلية و ما شابهها، لا ينتظر منه سوى ما وصل إليه هذا السوق. و لنعد إلى المثال الذي أعطيناه حول تكون المعرفة لدى زائر السوق، و لنفترض أن ذلك الزائر إنسان ساذج مثل صاحبنا و لا يعنيه من الأمر سوى اقتناء “أجود البضائع” و لأن صاحبنا يسكن في سفح الجبل و يوجد في سفح الحركة فلنسميه “سفيحو” على وزن السفح (و ليس الجبل). إن صاحبنا سفيحو سوف يمتلك بالطبع معرفة حسية لدى زيارة للسوق هي بهذا القدر أو ذاك من الصحة، فقد لا يدرك أن أماكن البضائع موزعة حسب الأصناف، خصوصا إذا كانت تصنيفاته للبضائع تختلف على تصنيفات أي إنسان عاقل. فقد يحدث أن تحتج هذه الجماهير على مظهر من مظاهر طغيان الشيوخ و الدرك و يتحول السوق إلى أرض لمجابهة الطغيان و لأن سفيحو لا يرى في الجماهير سوى بضائع للاقتناء فسوف يكتفي بلعن الشيوخ و الدرك ليس لأنهم يضطهدون الجماهير، بل لأنهم فوتوا عليه فرصة اقتناء أفضلها. و قد نجده أيضا أول من يطلق العنان لقدميه كالريح تاركا الجماهير لوحدها بدعوى أنه سوف يذهب “لدراسة” أوضاعها أو بدعوى تحصين المحترفين. فصاحبنا سفيحو يعتبر نفسه محترفا و لا يرى في الجماهير سوى بضائع للإقتناء.
إن المعرفة هي مسألة علم. فلا يجوز أن يصحبها أدنى شيء من الكذب و الغرور. بل المطلوب هو العكس بكل تأكيد أي الصدق و التواضع“و كما أن حصر الممارسة العملية في حقل الإطارات أو في حصرها في الإطارات أساسا هو النتيجة الطبيعية لتقديس العفوية و إبعاد النضال النظري و إسقاط المهام السياسية الأساسية من جدول الأعمال، فإن الابتعاد عن الممارسة العملية و تشويه القضايا هو النتيجة الطبيعية لاحتقار الجماهير و محاولات ارتداء أقنعة”العارف" لإخفاء الجهل و العجز. إن الجانب السياسي الآخر لأهمية الممارسة العملية هي ضرورة نشر خلاصات العمل النظري في صفوف الجماهير و التأكد من صحة تلك الخلاصات و تبيان الجوانب الخاطئة منها. و المعرفة بالعمل الثوري هي الأخرى لا تستثنى من هذا القانون أي: الممارسة العملية، ثم المعرفة و العودة إلى الممارسة العملية ثانية ثم المعرفة أيضا، و هكذا تتكرر العملية و المعرفة إلى مستوى أعلى. هذه هي كل النظرة المادية عن المعرفة، و هذه هي النظرية المادية الديالكتيكية عن وحدة المعرفة و العمل" (ص 451).
IV.2. النظرية و النضال النظري كطرف رئيسي.
إن الممارسة العملية هي محك صحة النظرية أو خطئها. غير أن “الممارسة التي تفتقد للنظرية هي ممارسة عمياء لا تستطيع تحديد أهدافها و لا الوسائل اللازمة و الضرورية لتحقيق تلك الأهداف ، لذلك”حين لا توجد نظرية ثورية لا يمكن أن تكون هناك حركة ثورية، كما قال لينين، فإن خلق النظرية الثورية و الدعاية لها يلعب الدور الرئيسي الحاسم. و عندما ينبغي القيام بعمل ما (و هذا ينطبق على أي عمل) لكنه لم ترسم بعد سياسة عامة أو طريقة أو خطة أو ساسية محددة، فإن رسم كل هذا يصبح العامل الرئيسي الحاسم“(ص 487). إن الواقع الحالي للحركة الشيوعية المغربية يجعل بالفعل أهم واجباتنا في المرحلة الراهنة من تطور الحركة الشيوعية المغربية، إنما هي”خلق النظرية و الدعاية لها"، فكيف إذن يمكن إنجاز هذه المهمة ذات الدور الرئيسي الحاسم؟
إن أحد أهم الخلافات المبدئية بين المناضلين و “الفرق” داخل الحركة الشيوعية المغربية، إنما هي مرتبطة بمسألة التناقض بين النظرية و الممارسة العملية و تحديد الطرف الرئيسي داخل هذا التناقض و كيفية حله و وسائل ذلك. و إذا كان العديد من الذين يسمون انفسهم “ماركسين” يجهلون كليا هذه المسألة و لا يدركون أن مضمون الصراعات التي خيضت في السنوات الاخيرة ، إذا ازلنا منها المشاحانات الحقيرة ، هي نابعة من هذه النقطة المبدئية ، فإن ذلك الجهل لا يمنع من كونها حقيقة مادية تعبر عن نفسها سياسيا بسيادة النزعة الداعية لنبد النظرية عن طريق الهرولة و الالحاح على أولية الممارسة الجماهرية و أهميتها على النظرية و النضال النظري في المرحلة الراهنة ، أو تعبر عن نفسها بالمقلوب أي نبذ الممارسة عبر وهم “بناء النظرية” بعيدا عن الممارسة كما يروج لذلك بعض الديماغوجيين الضالين طبقيا. إن كلا هذين الوجهين يعصف بالموضوعة الماركسية حول وحدة النظرية و الممارسة.
لقد عبرنا مرارا و تكرارا على ضرورة خلق النظرية التي اعتبرناها أكبر من أن تحصر في التراث و المجلدات و أكدنا على أن خلق النظرية الثورية يعني بالتحديد خلق نظرية للثورة المغربية أي التقدم لامتلاك الأجوبة الصحيحة من مجمل القضايا و المسائل المرتبطة بالثورة المغربية و هو ما يعني امتلاك رؤية واضحة لقضايا صراع الطبقات ببلادنا.
إن أهم واجبات الماركسيين اليوم إنما هو بدل أكبر الجهود و تكثيفها لخلق هذه النظرية و تنظيم عمل الدعاية لها. و ليحاول من يتطاول على الماوية التي تنذر الوقائع بأنها في طريقها إلى أن تصبح موضة لدى بعض الديماغوجيين التافهين أن يضحض موضوعة واحدة من هذه الموضوعات النظرية البروليتارية. فعلى هذا المستوى النظري تنكشف الأفكار التي تشكل فعلا حربا داخل نظرية البروليتاريا و على هذا المستوى تعرى الأفكار الانتهازية كما يتعرى من لم يجد ما يقوله في نظرية البروليتاريا فسال مداده بالحديث المشبع بثقافة السرير و الخمارات.
إن طبيعة الشيء يقررها في الدرجة الأولى الطرف الرئيسي في التناقض الذي يحتل مركز السيطرة " إن هذه الأطروحة الماوية كما يحلوا لبعض التافهين الإشارة إليها معتقدين أنهم بحماقاتهم تلك قد ينتقصون منها (!!) إنما هي أهم الموضوعات النظرية الواجب استحضارها و المثابرة على معرفة ربطها بواقعنا الملموس فكرا و ممارسة. إن هذه الدراسة التي بين يدي الرفاق تهدف إلى تسليط الضوء على بعض الخلافات المبدئية و الساسية مع الداعين إلى بناء وحدة الماركسيين و بناء وحدة حزب البروليتاريا عن طريق بناء التيارات الميدانية داخل الإطارات الجماهيرية أو خارجها (!!) حتى و لو أرادوا لها أن تكون على مقياس القاعديين. لقد سبق و أن بسطنا العديد من الانتقادات سواء الأطروحات التي تحدد أولويات و مداخل حل أزمة الحركة الشيوعية المغربية في الممارسة الجماهيرية، أو للنزعات التي تبرر العجز و الجبن بالدعوات التضليلية للانسحاب من صفوف الجماهير، و اليوم إذ نحاول تناول ذات المسألة من زاوية دراسة التناقض داخل الحركة الشيوعية المغربية سوف نعمل على قطع الطريق على الانتهازيين الذين يشوهون اللينينية و يتمسحون بها من خلال هجومهم الصبياني التافه على الماوية باستحضار أهم الدروس اللينينية في الموضوع.
ففي تقييمه لوضع الحركة الشيوعية الروسية سنوات 1907-1909 أبرز لينين مهام و أولويات الماركسيين في شروط التفسخ النظري بالكلمات التالية: “إن مرحلة السنوات الثلاثة السابقة قد أشركت عن وعي في الحياة الاجتماعية أوساطا واسعة ما تزال إلى اليوم في معضم الأحيان تخطو حقا الخطوات الأولى للاطلاع على الماركسية و بهذا الصدد تولد الصحافة البرجوازية عددا من الضلالات أكثر بكثير من مضى و تنشرها على نطاق أوسع. و لذا كان التفسخ و أسباب حتميته في الفترة التي نجتازها، و التجمع لمكافحته بحزم، المهمة التي يفرضها عصرنا على الماركسيين، بكل معنى الكلمة الدقيق و الأولي” (ص 154 التسطير لي). بهذه الكلمات ختم لينين تقييمه لخصائص تطور الماركسية التاريخي. لكن هم كثيرون أولئك الذين ينسون هذا الدرس العظيم لمرحلة من أهم مراحل تطور أرقى نظرية عرفتها البشرية إلى اليوم و في قلب نضالات أكثر العمال كفاحية في مطلع القرن العشرين.
إن كل من ينسى هذا الدرس إنما ينسى الماركسية كلها، فالتفسخ النظري الممتد تاريخيا داخل الحركة الشيوعية المغربية منذ عشرات السنين قد ساهمت مجمل الصراعات التي عرفتها الحركة في كشف مدى عفونته بالقدر الذي كشفت عن صحة هذه الأطروحة اللينينية التي لا تستمد صحتها و قوتها من اسم لينين و من تاريخ الحركة الشيوعية الروسية فقط، بل تستمد صحتها و دقتها أساسا من خلال الواقع الملموس للحركة الشيوعية المغربية في المرحلة الحالية من تطورها. فالمبادرات التي خيضت على المستوى النظري و الاستحضار الدائم للنضال النظري من طرف بعض الرفاق قد ساهم بشكل واضح في انتعاشة حقيقية داخل الحركة الشيوعية المغربية إلى درجة أنه أعلن في خضم هذه الصراعات عن ميلاد “تنظيمين ثوريين” ببلادنا ( و الله اعلم ، فلا وجود لهذين التنظيمين سوى على صفحات الانترنيت ). و في هذا الصراع النظري و بالتأكيد و التركيز عليه و تجسيده أيضا برز العاجزون الداعين للتخلي عن هذا النضال و إلى جانبهم المشوهون له المشبعون بروح التعالي المليئة بالأحقاد و المشاحنات الحقيرة.
إن اللينينية علمتنا أنه في أوضاع التفسخ النظري و البلبلة الفكرية أن نجعل من النضال النظري الركيزة الأساسية و الأولية لتجميع الماركسيين أنفسهم و أن نجعل من مهمة مكافحة التفسخ النظري“و التجمع لمكافحته بحزم، المهمة التي يفرضها عصرنا على الماركسيين، بكل ما تحمله الكلمة من معنى دقيق و أولي” (لينين).
إن كل ما سبق دكره يجعلنا أكثر وعيا و تشبثا بالشعار الذي لن نمل تكرار نداء الماركسيين للالتفاف حوله باعتباره المدخل الأساسي و الأولي للخروج من عنق الزجاجة، أي شعار الوضوح الفكري و السياسي و النضال ضد التفسخ النظري.
إن هذا الشعار هو التعبير عن المركز الخاص الذي تحتله النظرية في التناقض بينها و بين الممارسة العملية. غير أن محاولات بناء الوضوح الفكري و السياسي و النضال ضد التفسخ و البلبلة الفكرية لن يؤدي –في أحسن الأحوال- عندما يفصل عن الممارسة العملية سوى إلى بناء وكر يجمع قطيعا من الرهبان.
إن النظرية الثورية هي ثورية بقدر ما توجه ممارستنا العملية، و هي تتطور و تنمو في ارتباط داخل وحدة بينها و بين الممارسة العملية. إن النظرية الماركسية هي التعبير الفكري عن حركة الجماهير و على رأسها البروليتاريا داخل حركة صراع الطبقات. و نحن لا نقول للعالم كف عن نضالك –فنضالك- كله باطل، بل إن واجب الماركسيين هو إفراز الشعارات المناسبة لنضال الجماهير و قيادتها نحو النصر، و لكي يتحقق ذلك الهدف يجب معرفة هموم و متطلعات الجماهير، يجب دراسة معاركها، انتصاراتها و هزائمها من أجل استخلاص العبر و الدروس و تحديد المهام و الأولويات ونشر الخلاصات في صفوفها. إن الجماهير هي صانعة التاريخ، إن الإيمان بهذا المبدأ الماركسي لا يعني مجرد تكراره في أوكار “المثقفين” التافهين و لا مجرد الزعيق به و ترديده لإخفاء حقيقة احتقار النضال النظري و إخفاء حقيقة الأهداف.
إن تدعيم معارك العمال و الفلاحين و الطلاب و المعطين و كل الشعب المغربي و التعلم منها و تعليمها لتطهير النظرية و تبيان أخطائها و انحرافاتها و الشروط التي يقام فيها هذا النضال أو ذاك و رسم اتجاهاته و أهدافه إنما هي إحدى الواجبات المباشرة أمام الماركسيين لبناء الوضوح الفكري و السياسي و إحدى الوسائل الأساسية لمحاربة و مكافحة التفسخ النظري.
V. عودة إلى تعرية بعض الافكار و الممارسات الانتهازية داخل حشم.
لقد خلق الصراع من أجل تحديد العلاقة بين النظرية و الممارسة تاريخيا خطين داخل الحركة الشيوعية العالمية و المغربية على حد سواء خط ثوري و آخر انتهازي يظهر تارة في صورة نبذ النظرية أو الانتقاص منها و احتقارها و تارة أخرى في صورة نبذ الممارسة العملية و الترويج لضلال الانعزالية، و سوف نتناول في ما تبقى من هذا البحث في تناولنا لمسألة الممارسة العملية داخل الحركة الشيوعية المغربية مسخا للخط الانتهازي “المناضل” من أجل بناء حزب البروليتاريا من داخل المركزيات النقابية و ما شابه!! ففي مقال تحت عنوان “راهن الماركسيين بين التنظير و الممارسة” قدم أحدهم الخلاصات الأساسية لأهم الخلافات المبدئية و السياسية حول الموضوع و عرى جوهر المسألة المثارة حاليا في صفوف العديد من المناضلين و المناضلات. إننا من موقعنا نشكر صاحب هذا المقال جزيل الشكر على ذلك بالرغم من أننا انتظرنا طويلا قبل أن يتجرأ و يفعل ذلك.
“راهن الماركسيين بين التنظير و الممارسة” هذا هو العنوان الذي اختاره صاحب المقال لعرض أفكاره و الترويج لها، و لن تعجبوا عندما لا تجدون أي شيء له صلة بالماركسية على الإطلاق، اللهم التأكيد الصبياني المثير للشفقة لصاحب المقال على أنه “ماركسي لينيني”!!! و بالمناسبة نتمنى أن يكون ما أوضحنا أعلاه حول التناقض بين النظرية و الممارسة في راهن الحركة الشيوعية المغربية درسا يعلم صاحبنا و أمثاله أن الانتماء إلى فكر الطبقة العاملة لن يحققه ادعاء كاذب (كما سنوضحه) بالدفاع عن الماركسية اللينينية ولا تطاول حقير و غبي على الماوية بل هو الثبات على المذهب المادي الجدلي...
إن هوس صاحبنا بالنضال الميداني قد ولدت لديه العديد من الأوهام إلى درجة أنه لم يعد –كغيره- يستطيع استيعاب ما يجري من حوله. و هذا ليس كلاما مجانيا و ليس “خلطا للأوراق، لنضع ما نريد أين نريد و لنقوله ما نريد حتى تسهل عملية الطعن من الخلف التي تعذرت في محطات أخرى”؟!! كما يدعي صاحب المقال بل سوف نقدم الدليل على انتهازية كل الأفكار التي يروج لها و نوضح طبيعة الأخلاق العفنة التي تشكل أحد أوجه ازمة الحركة في الوقت الحاضر. إن صاحبنا يعترف بعجزه عن توضيحه ادعائاته و يبررها بصعوبة الكشف عن حقيقتنا (!!) و عندما تسأله أين تكمن تلك الصعوبة يجيب:
"و تكمن الصعوبة فيمايلي:
* تقمص صفة مناضلي الشعب ...
* التمسح بتجربة القاعديين واعتبار انفسهم امتدادا طبيعيا، وحيدا ومغلقا لهذه التجربة على مستوى الشارع ".
إن هذا القول وحده كاف لنوضح درجة الهذيان التي يوجد عليها صاحبنا. فأين سمعت او قرات اننا نعتبر انفسنا “إمتدادا طبيعيا ، وحيدا ومغلقا لتجربة القاعديين على مستوى الشارع”؟ وبغض النظر عن حماقة ما اسماه“الامتداد الطبيعي” الذي لا معنى له سوى محاولات تنميق اسلوب رديء للغاية وتافه. فنحن لا ندعي ولا نعتبر انفسنا “امتدادا طبيعيا (!!) وحيدا مغلقا لتجربة القاعديين بالشارع. ولا نفكر مجرد التفكير ان نكون كذلك. إن صاحبنا كغيره من التلاميذ الذين تخرجوا من مدرسة القاعديين وهم لا يتجاوزوا الصف الأول، قد اوصله الهوس بتجربة القاعديين إلى درجة أنه لم يعد يميز بين متطلبات العمل الثوري ككل والعمل الثوري الشبه جماهيري، ولم يعد قادرا على النظر ابعد من تجربة القاعديين لبناء جزب البروليتاريا(!!). إن هوس صاحبنا بتجربة القاعديين قد جعلته يفصح ويكشف عن إحدى الخلافات الجوهرية بينه وبين الماركسيين، حيث يصرخ:” ... لا طريق غير طريق النضال الجماهيري الواسع والمكافح الذي لا هوادة فيه لتفجير التناقضات الطبقية وتبريزها لتازيم البنية القائمة وحفر قبر النظام القائم" (التسطير لي).
ونحن نرد بهدوء على صراخ صاحبنا بالقول: لا ابدا ايها المنشفي الصغير. هناك نضال آخر غير النضال الجماهيري الواسع، هناك نضال آخر بدونه يستحيل “تأزيم البنية القائمة وحفر قبر النظام القائم”. إن هذه المعزوفات الانتهازية التي يغنيها هذا المطرب الرديئ قد مل الكل من سماعها منذ قرن من الزمن.
إن إحدى المآثر الكبرى في تجربة القاعديين هي انهم راكموا الى جانب النضال الجماهيري الواسع نضالا من نوع آخر ربما لم يعرفه صاحبنا في تجربته الشخصية داخل القاعديين. تلك التجربة التي يختزلها في ممارسات نخجل من ذكرها في هذا البحث. إن إحدى أسباب الأزمة الحالية هي انسداد أفق أمثال هذا المنشفي الصغير لبناء حزب البروليتاريا في تجربة القاعديين التي لا و لن يقبل أي ماركسي أصيل بالاحتداء بها لبناء حزب البروليتاريا .
إنكم انتم أيها السادة (وأمثالكم) من يتمسح بتجربة القاعديين عبر المحاولات الكاركاتورية لنسخها في مجموع الاطارات الجماهيرية (او غير الجماهيرية) حتى يتسنى تجميعها لبناء الحزب الثوري ( !!!).
إن صاحبنا الذي اتهمنا بأننا نعتبر أنفسنا “امتدادا طبيعيا وحيدا لتجربة القاعديين بالشارع” قد اختلطت عليه الأوراق كلها ولم يعد يميز الأبيض من الأسود. فلم يعد يميز بين من يناضل لجعلها نموذجا لبناء وحدة الماركسيين وبين من يناضل ضد الذين يريدون أن يجعلوا منها كذلك. إن ما وصل إليه صاحبنا من ضلال لا يختلف كثيرا عن ما وصل إليه “منظرو” الخيدق حول “الماركسية القاعدية”. إن تجربة القاعديين بما لها وما عليها هي اكبر بكثير من ان يستوعبها عقل مسخ منشفي كعقل صاحبنا الذي لا تنقصه بالرغم من ذلك الوقاحة لإعلان الانتساب الى اللينينية.
إن وضع الارتباك التام الذي يوجد عليه صاحبنا ومشتقاته هو النتيجة المباشرة والأولى لاستبعاد النظرية وعدم إدراك أهميتها والانغماس حتى الرأس في العفوية والانتهازية.إن من لا يعرف حتى أفكار خصومه او اعدائه ومع ذلك يتجرأ على انتقادهم لن يضع نفسه سوى في هكذا حال. لكن صاحبنا لا يقتصر جهله بأفكار الأخرين بل إن جهله يمتد الى درجة انه لا يعرف حتى ما يريده هو بذاته غير الهجوم الحقير على الآخرين. ولكن ومع ذلك فالمقال اليتيم الذي تقدم به هؤلاء كاف بالنسبة لنا لنوضح حقيقة اصحابنا و مواقعهم.
تحت عنوان فرعي: “اي دور يجب على المناضلين القيام به تجاه البروليتاريا ؟” يجيب صاحبنا على هذا السؤال بمقولة مقتطفة من مقال لينين “بم نبدا”، وإليكم تلك المقولة: “إن جميع الاشتراكيين الديمقراطيين متفقون على أنه من الضروري تنظيم نضال الطبقة العاملة الاقتصادي، وأنه من الضروري القيام بالتحريض بين العمال في هذا الميدان، أي مساعدة العمال في نضالهم اليومي ضد ارباب العمل ولفت انتباههم إلى جميع أشكال وحالات التعسف وتبيان ضرورة الاتحاد...ولكن نسيان النضال السياسي بسبب النضال الاقتصادي يعني التخلي عن الموضوعة الاساسية للاشتراكية”( لينين: بم نبدأ).
إن كل مطلع (حتى السطحيين) على تجربة الحركة الشيوعية بروسيا خلال المرحلة التي كتبت فيها هاته الكلمات (1889) يعرف جيدا ان هذا الكلام كتب لإدانة الاقتصاديين المولوعين بالنضال العملي وبالنضال الجماهيري الواسع، ولتثبيت الخط الثوري وتحديد السياسة الماركسية وواجبات الثوريين اتجاه الطبقة العاملة. ولأن هذا النص الذي ادرجه صاحبنا في مقاله يدينه هو بالذات فقد حاول الاحتيال عليه قائلا “ونضيف على ما قاله لينين إن استبعاد النضال الاقتصادي وإلغاؤه من مستويات الصراع الطبقي في ظل الأوضاع الراهنة... هو ضرب من ضروب الثورية الخرقاء”. إن هذه الاضافة العظيمة لهذا المنشفي الممسوخ هي ذاتها ما كان الانتهازيون يتهمون به لينين. إن هذا الاحتيال على اللينينية هو اشبه بقصة جحا عندما استعار ملابس جاره ليستعملها كدليل للاستحواذ على حصانه.
ما هي الدروس والخبرة التي نجدها في مقال “بم نبدأ” الذي شكل ارضية أو مسودة “ما العمل؟” اليس هو تبيان انتهازية الذين يحصرون النضال الجماهيري الواسع الذي ينادي به هذا المنشفي الصغير. ولماذا اراد صاحبنا ان يشدد على النضال الاقتصادي ويكثر الكلام عن خطورة استبعاده بالرغم من ان لينين في ذات النص الذي ساقه صاحبنا يؤكد على ان “الماركسيين” متفقون على ضرورة تنظيم نضال العمال الاقتصادي...“اليس ذلك هو أكبر دليل على التمسح باللينينية وتشويهها والاحتيال عليها؟ ألا يشكل الدرس السياسي من خبرة تلك الصراعات التي شهدتها الحركة الشيوعية بروسيا آنذاك هي اكبر إدانة للإضافة التي تقدم بها المنشفي الصغير صاحب المقال. تلك الاضافة التي لم تفته المناسبة لنسبها للطلبة القاعديين قائلا:” ...إن عملا من هذه الطينة هو ما يجسده الطلبة القاعديون الاوفياء لقضايا الجماهير يومياً ..." أفهناك إذن وقاحة وانتهازية أكثر من هذه؟ أفهناك حقاً ضلال مبين أكثر من هذا؟
إن وضوح هذا الإفلاس التام سوف يكتمل مع ما تبقى من المقال الى درجة ان صاحبنا المنشفي الصغير طرح سؤال ما العمل؟ تجاه هجوم البرجوازية والامبريالية و ....الخ. وصاغ لنا برنامجا منشفيا حقيرا وممسوخا حدده في:
* التصدي للمخططات الطبقية.
* مواجهة القيادة البيروقراطية.
* كشف خداع القيادات النقابية.
* تكريس الحضور الفعلي الى جانب الجماهير.
ليضيف مشكوراً وكاشفا كنه المسألة: “إن هذا كل ما مارسه المناضلون الشرفاء” ونحن بالمناسبة نقول له ولهم، إن هذا بالضبط هو اهم ما انتقده قلم ماركسية ام كانطية؟ فيكم.
فبعد ان كشف قلم “ماركسية ام كانطية؟” طينة اصحابنا وعرى خلفياتهم النظرية والسياسية لم يجد هؤلاء السادة ما يقولونه سوف انهم يتفقون مع مضامينها (!!). لينتقلوا الى نقدها بدعوى أنها تزور الحقائق. حيث كتب من لا يمتلك سوى الحديث عن الأسٍرة قائلا: “لقد كان بمقدور مقالكم ان يكون مادة لنقاش علمي جاد ومسؤول ما احوج الوضع إليه لو اعتمدتم الأخلاق النضالية الثورية لتوجيه النقد الى وجهته الحقيقية...” لكن ماذا انتقدت ماركسية ام كانطية؟ أليس الهرولة وراء سراب ممارسة عمياء بدون نظرية، ألم تنتقد هذه الأفكار التي تعبرون عنها اليوم بوضوح اكبر؟ الم يضع قلم ماركسية ام كانطية أحد الخلاصات الجوهرية لكل ذلك النقاش على النقد التالي: “و مهما يكن فإننا نعتقد أن غياب العمل النظري القادر على رسم الحدود الفاصلة بين الماركسيين و كل الاتجاهات الأخرى و الكفيل بتجسيد البوصلة الضرورية لتفادي الانحرافات في تحديد الأهداف و الوسائل الكفيلة للوصول إليها. سوف يظل أحد المهام الجوهرية و الملحة داخل الماركسيين اليوم”.
إن كل الكلام الذي قيل و كتب يدل على أنكم لم يستوعبوا أي شيء من مضامين “ماركسية أم كانطية؟” و من الأفضل لكم قبل حمل القلم للحديث عن الماركسية و عن الحركة الشيوعية العالمية أو المغربية و عن الماوية و عن “مظلة المنبر الإعلامي” و “المجموعات الأخرى بنفس الموقع” (!!!). أن تحملوا الكتب و الدراسات بما فيها “ماركسية أم كانطية؟” لتحاربوا الأمية و تتعلموا الافباء الماركسية فقد بدى زاضحا للعيان أنكم لا تعرفون شيئا لا عن الماركسية و لا عن الحركة الشيوعية العالمية و لا المغربية و لا عن الماوية و لا عن “الميزان الإعلامي” و لا حتى عن ماذا كان يقع بالموقع الذي أشرتم إليه.
إن صاحبنا المسكين المهووس بتجربة القاعديين و التي يختزلها في تجربته الشخصية أو تجربة الموقع الذي ينحدر منه و الذ يتهمنا بالانتقال (!!) إلى الماوية و بتحريم العمل داخل الإطارات (!!) لا يعلم حتى الوقائع التاريخية فكيف يمكن له أن يثبت الوعي في شيء لجهله. إن هذا المنشفي الذي يثير الشفقة و التقزز لا يعلم أن من يتحدث عنهم كان بعضهم في الأجهزة القيادية للعديد من الإطارات النقابية و الجمعوية منذ سنوات 98-99 و لا يعلم أيضا أن الموقع الذي يشير له كان يصدر نشرة أطلق عليها اسم “في الممارسة الثورية” صدر منها سبعة أعداد خمسة منهم خصصوا بالكامل لمقالات الرفيق ماو إلى درجة أن بعض الأقلام سمت أنداك بعض من أولئك الرفاق سنة 1998 بالماويين . إن تجربة القاعديين بما راكمته من أخطاء و عفونات هي أعظم بكثير مما قد يتخيل إلى أولئك الذين يعرجون على أول خمارة سياسية يجدونها على يمينهم أو يسارهم.
إن الوضع المضحك الذي يوجد عليه صاحبنا اليوم و الضلال النظري الذي لا يخجل من نشره إنما هو أكبر الأدلة التي نقدمها على صحة شعاراتنا في المرحلة، أي الوضوح الفكري و السياسي. و لن نجد أروع ما نقوله في هذا العدد من ما قاله الرفيق خ. ص. أي قلم “ماركسية أم كانطية؟”.
إن الممارسة التي لا تفتقد للنظرية هي ممارسة عمياء، لا تستطيع تحديد أهدافها و لا الوسائل اللازمة و الضرورية لتحقيق تلك الأهداف. فبالنسبة للماركسيين النظرية هي موجهة العمل و هي البوصلة الضرورية له، فلا يمكن الاعتقاد بتغيير الواقع دون القدرة أولا على تفسيره و لا يمكن تغييره إلا بامتلاك الرؤية و التحليل القادرين على ذلك، و هاته الرؤية و التحليل إنما هي النظرية العلمية أي الماركسية اللينينية" .
نتمنى أن يستفيد صاحب المقال و صحبه من هذا الدرس و أن يبذل جهودا أكثر على استيعاب ما يجري من حوله و مرحى بانتقاداتكم حتى الخسيسة منها فهي على كل حال أنساهم في توضيح الخطوط و المواقع الطبقية فكل طبقة و كل فئة لها أخلاقها الخاصة. و سوف نختم هذه المحاولة الاولية لمقاربة الازمة الحالية التي تجازها الحشم ، بتجديد النداء الى كل الشبوعيات والشيوعيون الى المزيد من الوضوح الفكري و السياسي و المزيد من الثبات على المبادئ و المزيد من النشبث بالموضوعة اللينينية التي صيغت في وضع التفسخ النظري و البلبلة الفكرية : النضال ضد التفسخ النظري “و التجمع لمكتفحته بحزم ـ تلك هي ـ المهمة التي يفرضها عصرنا على الماركسيين بكل معنى الكلمة الدقيق و الاولي” .
إن كل ما طرحناه من موضوعات نظرية يفرز بكا تأكيد العديد من المهام السياسية و التنظيمية و هو ما لا يتطلب في اعتقادنا سوى الاستعداد و الجدية و الجرأة .
فمزيدا من الوضوح.
مزيدا من الجراة.
مزيدا من التقدم و الانتصار.
عاشت الحركة الشيوعية المغربية.
عاشت الثورة المغربية.