https://www.ahewar.org/ - الحوار المتمدن
محيي هادي
2006 / 8 / 5
كتبت في القسم الأول من هذا البحث عن الحجر الأسود في كتب التراث العربية: عن أهمية الأحجار في الأديان و عن نزول الحجر الأسود مع آدم، كما و كتبت عن تأثير أديان سابقة في الحضارات التي تليها. و كذلك كتبت عن نزول آدم الذي يُقال عنه أنه أبو البشر مع زوجته حواء و أن الأول أنزل على جبل في الهند أما زوجته فقد أنزلت في جدة.
و أستمر في هذا القسم في الكتابة عن لون الحجر الأسود و صفاته و عن العلاقة بين السواد و السيادة و عن بناء الكعبة قبل النبي إبراهيم و ماذا حصل للحجر الأسود عند الطوفان و عن تهديم الكعبة و بنائها في عدة مراحل من مراحل التاريخ.
لون الحجر الأسود و صفاته
كتب ابن عربي في (الفتوحات المكية) أن الترمذيّ ذكر عن ابن عباس أن النبي محمد قال: "نزل الحجر الأسود من الجنة أشد بياضاً من اللبن فسوّدته خطايا بني آدم".
و ذكر الأزرقي في (أخبار مكة) أن آدم نزل من الجنة معه الحجر الأسود متأبطه وهو ياقوتة من يواقيت الجنة ولولا ان الله طمس ضوءه ما استطاع أحد أن ينظر إليه.
و في( السيرة النبوية) عن عمر بن الخطاب أنه قال: الحجر الأسود من أحجار الجنة أهبط إلى الأرض وهو أشد بياضاً من الكُـرسف (أي القطن)، فما اسود إلا من خطايا بني آدم، ولولا ذلك ما مسه أبكم ولا أصم ولا أعمى إلا برأ.
و عن أنس بن مالك أن رسول الله قال: كان الحجر من ياقوت الجنة فمسحه المشركون فاسود من مسحهم إياه.
أما الفيروزآبادي في (القاموس المحيط) فقد ذكر عن الحجر الأسود أن واثِلَةُ اللَّيْثِيُّ قال: رأيتُ الحَجَرَ الأسْودَ أبيضَ. و لم يذكر الفيروزآبادي متى كان ذلك، إذ أنه لو كان قول واثله صحيحا فإن الحجر قد اسود في مرحلة متأخرة جداً.
و في (تاريخ الخلفاء) للسيوطي أن محمد بن نافع الخزاعي قال: تأملت الحجر الأسود وهو مقلوع فإذا السواد في رأسه فقط وسائره أبيض وطوله قدر عظم الذراع.
و كتب ابن عبد ربه في (العقد الفريد) انه ذُكر عن بعض المكيين حديثاً يرفعونه إلى مشايخهم، أنهم نظروا إلى الحجر الأسود إذ هدم ابن الزبير البيت وزاد فيه، فقدروا طوله ثلاث أذرع، وهو ناصع البياض فيما ذكروا إلا وجهه الظاهر. واسوداده فيما ذكروا، والله أعلم، لاستلام أهل الجاهلية إياه، ولطخه بالدم.
و عن سبب اسواد الحجر الأسود كتب ابن عربي في (الفتوحات المكية) أنه: لولا خطيئة آدم لما ظهرت سيادته في الدنيا فهي التي سوّدته وأورثته الاجتباء، فما خرج من الجنة بخطيئته إلا لتظهر سيادته، وكذلك الحجر الأسود لما خرج وهو أبيض فلا بد من أثر يظهر عليه إذا رجع إلى الجنة يتميز به على أمثاله فيظهر عليه خلعة التقريب الإلهي.
و أما ابن سعد فقد كتب أنه: قبيل الإسلام بأربع سنين كان الحيض والجنب يصعدون إلى جبل أبي قبيس يمسحونه –الحجر الأسود- فاسود فأنزلته قريش من أبي قبيس.
و كتب ابن الاثير في ( أسد الغابة) أن عمر بن يوسف الثقفي روى عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، عن أبيه أو جده قال: رأيت الحجر الأسود أبيض، وكان أهل الجاهلية إذا نحروا بدنهم لطخوه بالفرث والدم.
أما الدميري فذكر في كتاب (حياة الحيوان الكبرى) أن الله أنزل الحجر الأسود، وكان بياضه أشد من اللبن، فاسود من لمس الحيض في الجاهلية.
و قد يمكن أن يُفسر قول الدميري، و قبله قول ابن سعد و غيره، بأن النساء كن ينظرن إلى الحجر على أنه مساعد للخصوبة الانثوية. إذ و كما يذكر ميرسي ألياده في كتابه (تاريخ الاعتقادات و الأفكار الدينية) أنه كان هناك اعتقاد في أحد الأديان الفرنسية القديمة تقوم المرأة بموجبه بالإنزلاق على صخرة معتقدة بأنها تساعدها على الخصوبة و الإنجاب.
و كتب ابن حجر العسقلاني في ( لسان الميزان) و هو يتحدث عن السيد الحميري الشاعر: أنه كان يقول بإمامة محمد بن الحنفية، وقد زعم بعض الناس أنه رجع عن مذهبه وقال بإمامة جعفر الصادق و أنه قرأ في كتاب ( رجال الشيعة) لابن أبي علي بخطه أن السيد ذكر عن أبي خالد الكاملي كان يقول بإمامة بن الحنفية فقدم المدينة فرأى محمداً يقول لعلي بن الحسين يا سيدي، فسأله عن ذلك فقال إنه حاكمني إلى الحجر الأسود وزعم أنه ينطق فسرت معه إليه فسمعت الحجر يقول يا محمد سلم الأمر لابن أخيك فهو أحق فصار أبو خالد من يومئذ إمامياً فلما بلغ ذلك السيد الحميري رجع عن الكيسانية وصار إمامياً.
و أنبـِّه إلى أن ابن حجر كان من ألد أعداء الشيعة.
و كتب ابن عربي في (الفتوحات المكية): "وكانت بيني وبين الكعبة في زمان مجاورتي بها مراسلة وتوسلات ومعاتبة دائمة وقد ذكرت بعض ما كان بيني وبينها من المخاطبات في جزء سميناه تاج الرسائل ومنهاج الوسائل يحتوي فيما أظنّ على سبع رسائل أو ثمان من أجل السبعة الأشواط لكل شوط رسالة مني إلى الصفة الإلهية التي تجلت لي في ذلك الشوط ولكن ما عملت تلك الرسائل ولا خاطبتها بها إلا لسبب حادث وذلك أني كنت أفضل عليها نشأتي واجعل مكانتها في مجلى الحقائق دون مكانتي واذكرها من حيث ما هي نشأة جمادية في أوّل درجة من المولدات واعرض عما خصها الله به من علوّ الدرجات وذلك لأرقى همتها ولا تحجب بطواف الرسل والأكابر بذاتها وتقبيل حجرها فإني على بينة من ترقي العالم علوه وسفله مع الأنفاس لاستحالة ثبوت الأعيان على حالة واحدة فإن الأصل الذي يرجع إليه جميع الموجودات وهو الله وصف نفسه إنه كل يوم هو في شأن فمن المحال أن يبقى شيء في العالم على حالة واحدة زمانين فتختلف الأحوال عليه لاختلاف التجليات بالشؤن الإلهية وكان ذلك مني في حقها لغلبة حال غلب عليّ فلا شك أنّ الحق أراد أن ينبهني على ما أنا فيه من سكر الحال فأقامني من مضجعي في ليلة باردة مقمرة فيها رش مطر فتوضأت وخرجت إلى الطواف بانزعاج شديد وليس في الطواف أحد سوى شخص واحد فيما أظن"ّ و "لما نزلت قبلت الحجر وشرعت في الطواف فلما كنت في مقابلة الميزاب من وراء الحجر نظرت إلى الكعبة فرأيتها فيما تخيل لي قد شمرت أذيالها واستعدت مرتفعة عن قواعدها وفي نفسها إذا وصلت بالطواف إلى الركن الشامي أن تدفعني بنفسها وترمي بي عن الطواف بها وهي تتوعدني بكلام أسمعه بأذني فجزعت جزعاً شديداً وأظهر الله لي منها حرجاً وغيظاً بحيث لم أقدر على أن أبرح من موضعي ذلك وتسترت بالحجر ليقع الضرب منها عليه جعلته كالمجنّ الحائل بيني وبينها واسمعها والله وهي تقول لي تقدّم حتى ترى ما أصنع بك كم تضع من قدري وترفع من قدر بني آدم وتفضل العارفين عليّ وعزة من له العزة لا تركتك تطوف بي فرجعت مع نفسي وعلمت أن الله يريد تأديبي فشكرت الله على ذلك وزال جزعي الذي كنت أجده وهي والله فيما يخيل لي قد ارتفعت عن الأرض بقواعدها مشمرة الأذيال كما يتشمر الإنسان إذا أراد أن يثب من مكانه يجمع عليه ثيابه هكذا خيلت لي قد جمعت ستورها عليها لتثب عليّ وهي في صورة جارية لم أر صورة
أحسن منها ولا يتخيل أحسن منها فارتجلت أبياتاً في الحال أخاطبها بها وأستنزلها عن ذلك الحرج الذي عاينته منها فما زلت أثني عليها في تلك الأبيات وهي تتسع وتنزل بقواعدها على مكانها وتظهر السرور بما أسمعها إلى أن عادت إلى حالها كما كانت وأمّنتني وأشارت إليّ بالطواف فرميت بنفسي على المستجار وما فيّ مفصل إلا وهو يضطرب من قوّة الحال إلى أن سرّى عني وصالحتها وأودعتها شهادة التوحيد عند تقبيل الحجر فخرجت الشهادة عند تلفظي بها وأنا أنظر إليها بعينيّ في صورة سلك وانفتح في الحجر الأسود مثل الطاق حتى نظرت إلى قعطر طول الحجر فرأيته نحو ذراع فسألت عنه بعد ذلك من رآه من المجاورين حين احترق البيت فعمل بالفضة وأصلح شأنه فقال لي رأيته كما ذكرت في طول الذراع ورأيت الشهادة قد صارت مثل الكبة واستقرت في قعر الحجر وانطبق الحجر عليها وانسدّ ذلك الطاق وأنا أنظر إليه فقالت لي هذه أمانة عندي أرفعها لك إلى يوم القيامة أشهد لك بها عند الله هذا قول الحجر لي وأنا أسمع فشكرت الله ثم شكرتها على ذلك ومن ذلك الوقت وقع الصلح بيني وبينها وخاطبتها بتلك الرسائل السبعة فزادت بي فرحاً وابتهاجاً حتى جاءتني منها بشرى على لسان رجل صالح من أهل الكشف ما عنده خبر بما كان بيني وبينها مما ذكرته فقال لي رأيت البارحة فيما يرى النائم هذه الكعبة وهي تقول لي يا عبد الواحد سبحان الله ما في هذا الحرم من يطوف بي إلا فلان وسمتك لي باسمك ما أدري أين مضى الناس ثم أقمت لي في النوم وأنت طائف بها وحدك لم أرى معك في الطواف أحداً قال الرائي فقالت لي انظر إليه هل ترى بي طائفاً آخر لا والله لا أراه أنا فشكرت الله على هذه البشرى من مثل ذلك الرجل وتذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرؤيا الصالحية يراها الرجل المسلم أو ترى له"
السواد و السيادة
ذكر ابن عربي في (الفتوحات المكية) أن الله أنزل الحجر الأسود منزلة اليمين الإلهي التي خمر الله بها طينة آدم حين خلقه فسوّدته خطايا بني آدم، أي صيرته سيداً بتقبيلهم إياه، فلم يكن من الألوان من يدل على السيادة إلا اللون الأسود فكساه الله لون السواد ليعلم أن ابنه قد سوّده بهذا الخروج إلى الدنيا كما سوّد آدم فكان هبوطه هبوط خلافة لا هبوط بعد ونسب سواده إلى خطايا بني آدم كما حصل الاجتباء والسيادة لآدم بخطيئته أي بسبب خطايا بني آدم أمروا أن يسجدوا على هذا الحجر ويقبلوه ويتبركوا به ليكون ذلك كفارة لهم من خطاياهم فظهرت سيادته لذلك فهذا معنى سوّدته خطايا بني آدم أي جعلته سيداً وجعلت اللونية السوادية دلالة على هذا المعنى فهو مدح لا ذم في حق بني آدم.
و هنا، و على الرغم من ابتعادي بعض الشيء عن موضوع المقال، لا بد لي أن أشير إلى ما ذكره ابن عربي عن إلزامية إطاعة الحاكم حتى و لو كان جائرا إذ كتب: فالعاقل منا (أي مَن على رأيه) لا يعترض على الله فيما يجريه في عباده من تولية من يحكم بهواه ولا يعمل في رعيته بما شرع له فلله في ذلك حكم وتدبير فإن الله أمر بالسمع والطاعة وأن لا ننازع الأمر أهله إذ قد جعله الله لذلك الأمر فإن عدل فلنا وله وإن جار فلنا وعليه فنحن في الحالين لنا فنحن السعداء وما نبالي بعد ذلك إذا أثبت الله السعادة لنا بما يفعل في خلقه فإن تكلمنا في ولاتنا وملوكنا بما هم عليه من الجور سقط ما هو لنا في جورهم وأسأنا الأدب مع الله حيث رجحنا نظرنا على فعله في ذلك لأن لنا الذي هو في جورهم هو نصيب أخروي بلا شك فقد حرمناه نفوسنا ومن حرم نفسه أجر الآخرة فهو من الخاسرين والذي لنا إذا عدلوا فهو نصيب دنيويّ والدنيا فانية ونحن قد فرحنا وآثرنا نصيب الدنيا على نصيب الآخرة من حيث لا نشعر لاستيلاء الغفلة علينا فكنا بهذا الفعل ممن أراد حرث الدنيا كما أن قوله إذا عدلوا فلهم نصيب أخروي فزهدوا فيه بجورهم فعاد عليهم وبال ذلك الجور فالمسلم من سلم وفوّض ورأى أن الأمور كلها بيد الله فلا يعترض إلا فيما أمر أن يعترض فيكون اعتراضه عبادة وإن سكت في موضع الاعتراض كان حكمه حكم من اعترض في موضع السكوت.
بناء البيت قبل ابراهيم.
كتب ابن اسحاق في (السيرة النبوية) عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو أنه قال: خُـلق البيت قبل الأرض بألفي عام، ثم دحيت الأرض منه. و عن أنس بن مالك أن رسول الله قال: كانت الملائكة تحج إلى البيت قبل آدم، ثم حج آدم فاستقبلته الملائكة، فقالوا: يا آدم من أين جئت؟ قال حججت البيت، قالوا: قد حجته الملائكة قبلك.
و في موضع آخر كتب ابن اسحاق، بشكل مناقض، عن ثابت بن دينار عن عطاء أنه قال: أهبط آدم بالهند، فقال: يا رب مالي لا أسمع صوت الملائكة كما كنت أسمعها في الجنة؟ فقال له: بخطيئتك يا آدم، فانطلق فابن لي بيتاً فتطوفون، فانطلق حتى أتى مكة فبنى البيت، فكان موضع قدمى آدم قرى وأنهار وعمارة، وما بين خطاه مفاوز، فحج آدم البيت من الهند أربعين سنة.
فهل الجبل الذي نزل عليه آدم، و منه ذهب لبناء البيت، لم يكن من الأرض؟
و ذكر ابن الجوزي في (المنتظم) أن الله أنزل ياقوتة فجعلها مكان البيت، وأمر آدم بالطواف حولها. وفي رواية: أن آدم بناه ثم بناه بعده بنوه إلأ أن الغرق عفى أثره وبقي مكانه أكمة إلى أن بناه إبراهيم الخليل.
ماذا حصل للحجر عند الطوفان؟
في السيرة النبوية: عن عبد الكريم أبي أمية قال: كان البيت ياقوتة من ياقوتات الجنة، فلما كان زمن الطوفان رُفع إلى السماء الدنيا، وقع الآن وقع على موضع البيت، يطوف به كل ليلة سبعون ألف ملك. واستودع جبريل أبا قبيس الحجر، وهو ياقوتة بيضاء من ياقوت الجنة، فلما بنى إبراهيم البيت أتاه جبريل، فاخرج له الحجر، فوضعه في قواعد البيت؛ وهو يوم القيامة أعظم من أحد، له لسان يشهد به.
أما ابن الأثير فقد كتب في (الكامل في التاريخ) أنه عند الطوفان أمر الله جبرائيل فرفع الكعبة إلى السماء الرابعة، وكانت من ياقوت الجنة، وخبأ الحجر الأسود بجبل أبي قُبيس، فبقي فيه إلى أن بنى إبراهيم البيت فأخذه فجعله موضعه.
و نقلت د. آمال محمد عبد الرحمن ربيع في كتابها (الاسرائليات في تفسير الطبري) عن تفسير الشيخ عبد القادر المغربي أنه قال: "و ذُكر في الاسفار القديمة أن نوحا وُلد لسنة 182 من عمر ابيه (لامك)، و لسنة 1056 لجده الأكبر آدم، ومعنى نوح: الراحة و التعزية، و كان عمر نوح 500 سنة لما أخذ يلد أولاده سام و حام و يافث، و كان عمره 600 سنة لما حصل الطوفان" ثم كتبت آمال محمد أن الأزهر قد علّق على ذلك، مستندا على الآية (14) من سورة العنكبوت: "و لقد ارسلنا نوحاً إلى قومه فلبث فيهم الف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان.."، و اعتمادا على الآية المذكروة فإن الطوفان قد حدث بعد أن أمضى نوح بين قومه 950 سنة، و هذا ما يُخالف ما نقله المغربي من الاسفار القديمة.
أما ماجد عبد الله الشمسي فقد كتب في (الحضارة و الميثولوجيا في العراق القديم) أن "الحدث الذي جعله العراقيون حداً فاصلا لتقسيم تاريخهم هو –الطوفان-، الذي جاء من الحكيم السومري اوتونابشتهم –بالسومرية-، أو آترخاسس –بالأكادية-، و هو نفسه النبي نوح في المصادر العربية". وفي كلام ماجد عبد الله لدينا مثل آخر من اقتباس حضارات متأخرة أساطيرا من حضارات سابقة. و ليومنا هذا نتحدث عن القصة اليهودية لطوفان نوح التي هي في الحقيقة اسطورة سومرية.
الكعبة بين التهديم و البنيان
كتب القلقشندي في (صبح الاعشى): والذي ذكره الماوردي وغيره أن الملائكة لما قالوا: " أتجعل فيها من يفسد فيها " لاذوا بالعرش خوفاً من غضب الله تعالى فطافوا حوله سبعاً فرضي عنهم وقال: ابنوا في الأرض بيتاً يعوذ به من سخطتُ عليه من بني آدم فبنوا هذا البيت، وهو أول بنائه؛ ثم بناه إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام كما أخبر الله تعالى بقوله: "وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل "، قال في الروض المعطار: ولم يجعل لها سقفاً. قال: ثم انهدمت الكعبة فبنتها العمالقة، ثم انهدمت فبناها قصي بن كلاب وسقفها بخشب الدوم وجريد النخل وجعل ارتفاعها خمساً وعشرين ذراعاً، ثم استهدمت وكانت فوق القامة فأرادت قريشٌ تعليتها فهدمتها وبنتها، والنبي محمد عمره خمس وعشرون سنة، وشهد بناءها معهم، وكان بابها بالأرض فقال أبو حذيفة بن المغيرة: يا قوم ارفعوا باب الكعبة حتى لا يدخل إلا مسلم ففعلوا ذلك.
و ذكر ابن حبيب في (المنمق في أخبار قريش): أن قريشا لما بنت الكعبة جزأوها أربعة أجزاء فصار لبني عبد مناف مابين الحجر الأسود إلى ركن الحجر فناء البيت أجمع، وصار لأسد و عبد الدار و زهرة الحجر كله، و صار لمخزوم و تيم دير البيت، و صار لسائر قريش ما بين الركن اليماني إلى الركن الأسود. فلما بنوه و فرغوا منه تنافسوا في الركن من يرفعه. فقالت بنو عبد مناف هو حيزنا، و قالت قريش: ليس أركن مما اقتسمنا، و أرادوا فيه الشر حتى حكّموا أول من يطلع عليهم من قريش من باب السيل و هو باب آل شيبة، فطلع عليهم رسول الله فحكّموه فأخذ رادءه فوضعه ثم رفع الحجر بيده، و قال لكل ربع: خذوا بطرف من أطراف الثوب فرفعوه جميعا، ثم دخل النبي تحت الحجر فبناه.
أما ابن الأثير فقد كتب في (ااكامل في التاريخ) :لما أرادت قريش هدم الكعبة قام أبو وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم فتناول حجراً من الكعبة فوثب من يده حتى رجع إلى موضعه، فقال: يا معشر قريش لا تدخلوا في بنائها إلا طيباً ولا تدخلوا فيه مهر بغيٍّ ولا بيع رباً ولا مظلمة أحد. وقيل: إن الوليد بن المغيرة قال هذا.
ثم إن الناس هابوا هدمها فقال الوليد بن المغيرة: أنا أبدأكم به، فأخذ المعول فهدم، فتربص الناس به تلك الليلة وقالوا: ننظر فإن أصيب لم نهدم منها شيئاً، فأصبح الوليد سالماً وغدا إلى عمله فهدم والناس معه حتى انتهى الهدم إلى الأساس ثم أفضوا إلى حجارة خضر آخذ بعضها ببعض، فأدخل رجل من قريش عتلةً بين حجرين منها ليقلع به أحدهما. فلما تحرك الحجر انتقضت مكة بأسرها، ثم جمعوا الحجارة لبنائها ثم بنوا حتى بلغ البنيان موضع الركن، فأرادت كل قبيلة رفعه إلى موضعه حتى تحالفوا وتواعدوا للقتال، فقربت بنو عبد الدار جفنةً مملوءة دماً ثم تعاقدوا هم وبنو عدي على الموت وأدخلوا أيديهم في ذلك الدم فسموا لعقة الدم بذلك، فمكثوا على ذلك أربع ليال ثم تشاوروا. فقال أبو أمية بن المغيرة، وكان أسن قريش: اجعلوا بينكم حكماً أول من يدخل من باب المسجد يقضي بينكم، فكان أول من دخل رسول الله فلما رأوه قالوا: هذا الأمين قد رضينا به، وأخبروه الخبر، فقال: هلموا إلي ثوباً، فأتي به، فأخذ الحجر الأسود فوضعه فيه ثم قال: لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ثم ارفعوه جميعاً، ففعلوا. فلما بلغوا به موضعه وضعه بيده ثم بني عليه.
و كتب ابن الأثير في (أسد الغابة) و هو يتحدث عن حزن ابن ابي وهب أنه ومن أشراف قريش في الجاهلية، وهو الذي أخذ الحجر الأسود من الكعبة حين أرادت قريش تبني الكعبة، فنزا الحجر من يده حتى رجع مكانه.
لقد دامت خلافة يزيد بن معاوية ثلاث سنوات كانت حصيلها ثلاث حوادث فظيعة يستنكرها المجتمع الاسلامي إلى هذا اليوم، ففي سنة قتل فيها سبط البني الحسين بن علي، و في سنةأخرى استبيحت المدينة المنورة و هتكت أعراض نسائها و سبين، و في سنة أخرى هُوجمت الكعبة و أحرقت.
و قد كتب الازرقي في (أخبار مكة) أن الواقدي قال: حدثني عبد الله بن يزيد عن عروة ابن أذينة قال: قدمت مكة مع أبي، يوم احترقت الكعبة، فرأيت الخشب قد خلصت إليه النار، ورأيتها مجردة من الحريق ورأيت الركن قد اسود فقلت: ما أصاب الكعبة؟ فأشاروا إلى رجل من أصحاب ابن الزبير، فقالوا: هذا احترقت الكعبة في سببه، أخذ ناراً في رأس رمح له، فطارت به الريح فضربت استار الكعبة، فيما بين الركن اليماني إلى الركن الاسود.
و استمر الازرقي ليعطي رأيا آخر في حرق مكة فكتب: حدثني محمد بن يحيى عن الواقدي عن سعيد بن عبد العزيز عن رجل من قومه قال: نصبنا المنجنيق على أبي قبيس واعتنقته الرجال، وقد ألجأنا القوم إلى المسجد، فبنوا خصاصاً حول البيت في المسجد ورفافاً من خشب تكنهم من حجارة المنجنيق، فكنت أراهم إذا أمطرنا عليهم الحجارة يكنون تحت تلك الرفاف، قال: فوهن الرمي بحجارة المنجنيق الكعبة فهي تنقض.
ثم كتب: حدثنا محمد بن يحيى عن الواقدي عن رباح بن مسلم عن أبيه قال: رأيت الحجارة تصك وجه الكعبة من أبي قبيس حتى تخرقها، فلقد رأيتها كأنها جيوب النساء، وترتج من أعلاها إلى أسفلها، ولقد رأيت الحجر يمر، فيهوي الآخر على أثره، فيسلك طريقه، حتى بعث الله عليهم صاعقة بعد العصر، فاحترق المنجنيق واحترق تحته ثمانية عشر رجلاً من أهل الشام، فجعلنا نقول: قد أظلهم العذاب، فكنا أياماً في راحة حتى عملوا منجنيقاً آخر فنصبوه على أبي قبيس.
ثم أخبرنا بأن للكعبة أنين فكتب: حدثني محمد بن إسماعيل بن أبي عصيدة، قال: حدثني أبو النضر هاشم بن القاسم الليثي عن مولى لابن المرتفع عن ابن المرتفع، قال: كنا مع ابن الزبير في الحجر، فأول حجر من المنجنيق وقع في الكعبة، فسمعنا لها أنيناً كأنين المريض آه آه.
و ذكر الأزرقي في (أخبار مكة) أن: الحجر الأسود كان قبل الحريق مثل لون المقام، فلما احترق أسود، قال فلما احترقت الكعبة، تصدع بثلاث فرق، فشده ابن الزبير بالفضة.
أما أبو حنيفة الدينوري فقد ذكر أن الأموال انحلبت على ابن الزبير، فهدم الكعبة و جدد بناءها، و ذلك في سنة خمس و ستين، و لف الحجر لاسود في حرير و جعله في تابوت و ختم عليه، و استودعه الحجبة مع جميع ما كان معلقا في الكعبة من ذهب و جوهر، و لما بناها أدخل الحجر في البيت.
و ذكر ابن الاثير في (الكامل في التاريخ) أنه لما احترقت الكعبة حين غزا أهل الشام عبد الله بن الزبير أيام يزيد تركها ابن الزبير يشنع بذلك على أهل الشام. فلما مات يزيد واستقر الأمر لابن الزبير شرع في بنائها، فأمر بهدمها حتى ألحقت بالأرض، وكانت قد مالت حيطانها من حجارة المنجنيق، وجعل الحجر الأسود عنده، وكان الناس يطوفون من وراء الأساس، وضرب عليها السور وأدخل فيها الحجر، واحتج بأن رسول الله قال لعائشة: لولا حدثان عهد قومك بالكفر لرددت الكعبة على أساس إبراهيم وأزيد فيها الحجر.
فحفر ابن الزبير فوجد أساساً أمثال الجمال فحركوا منها صخرة فبرقت بارقة فقال: أقروها على أساسها وبنائها، وجعل لها بابين يدخل من أحدهما ويخرج من الآخر.
و ذكر ابن عبد ربه الندلسي في (العقد الفريد) و هو يتكلم عن صفة الكعبة أن: بيت الله الحرام بوسط المسجد كان ارتفاعه في عهد ابراهيم تسع أذرع، و طوله في الأرض ثلاثون ذراعا، و عرضه اثنتان و عشرون ذراعا. و كان له ثلاثة سقوف ثم بنته قريش في الجاهلية فاقتصرت على قواعد ابراهيم و رفعته ثمان أذرع و شبرا تركته في الحِجر، فلما هدمه ابن الزبير رده على قواعد ابراهيم و رفعه سبعا و عشرين ذراعا، و فتح له بابين: بابا إلى الشرق و بابا إلى الغرب، يدخل من الشرقي و يخرج من الغربي. فكان كذلك إلى أن قتل.
و كتب ابن منظور في(مختصر تاريخ دمشق) أنه لما مات مروان، دعا عبد الملك إلى نفسه، وقام فأجابه أهل الشام فخطب على المنبر وقال: من لابن الزبير منكم؟ فقال الحجاج: أنا أمير المؤمنين، فأسكته ثم عاد فأسكته فقال: أنا أمير المؤمنين، فإني رأيت في النوم أني انتزعت جبته فلبستها، فعقد له في الجيش إلى مكة حتى ورودها على ابن الزبير فقاتله بها، فقال ابن الزبير لأهل مكة: احفظوا هذين الجبلين، فإنكم لن تزالوا بخير أعزة ما لم يظهروا عليهما. قال: فلم يلبثوا أن ظهر الحجاج ومن معه على أبي قبيس ونصب عليه المنجنيق، فكان يرمي به ابن الزبير ومن معه في المسجد.
و ذكر ابن عبد ربه أنه: لما تغلب الحجاج على مكة استأذن عبد الملك بن مروان في هدم ما كان ابن الزبير زاده من الحجر في الكعبة. فأذن له فرده على قواعد قريش و سد الباب الغربي و لم ينقص من ارتفاعه شيئا. و حوّل البيت كله إلا موضع الركن الاسود درجة مجصصة، يكون ارتفاعها عظم الذراع في عرض مثله، وقاية للبيت من السيل.
أما الذهبي في (العبر في خبر من غبر) فقد ذكر أن الحجاج ولي إمرة الحجاز. فنقض الكعبة وأعادها إلى بنائها من زمن النبي. وكانت قد شعثت من المنجنيق وأصيب الحجر الأسود، فأصلحوه ورمموه.
يتبع 03/05
https://www.ahewar.org/ - الحوار المتمدن
للاطلاع على الموضوع :
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?t=0&aid=71880