|
شهادة المحتل الأمين بمن يحتلهم من السوريين
ياسين الحاج صالح
الحوار المتمدن-العدد: 8079 - 2024 / 8 / 24 - 01:08
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
ليس هناك ما يستغرب في شهادة حسن نصر الله بعمالة معارضين سوريين لإسرائيل وعمالة الإسلاميين منهم لأميركا، على ما قال في آخر خطاباته الكثيرة قبل أسبوعين. فالرجل هو الشاويش الأعلى لقوة احتلال في سورية تتبع الجمهورية الإسلامية في إيران، وليس إلا متوقعاً منه أن يشهد شهادة سوء فيمن حاصرتهم وجوعتهم وهجرتهم وقتلتهم ميلشياه من معارضي النظام الذي يحامي عنه هو بالسلاح والخطاب. شهادته في هذا الشأن لا تختلف بأي قدر عن شهادة نتنياهو في أي مقاومين فلسطينيين بأنهم همج بدائيون يخوض ضدهم معركة حضارية، أو شهادة وزير دفاعه بأنهم حيوانات بشرية ستعامل على هذا الأساس، أو أقرب إلينا شهادة بشار الأسد ونظامه بأن الثائرين عليه إرهابيون منذ البداية. هذه في جميع الأحوال خطابات إبادية، اقترنت فعلياً بممارسات إبادية في سورية طوال ما يقترب من 13 عاماً ونصف، وفي غزة طوال عشرة أشهر ونصف. ما قد يستغرب بعض الشيء من نصر الله هو الكلام على معارضين علمانيين، فضلاً عن إسلاميين، بعد أن كان معارضو حكم السلالة الأسدية إرهابيين تكفيريين، قال إنهم يقاتلهم في سورية كيلا يضطر إلى قتالهم في لبنان، حتى أنه دعا منازعيه اللبنانيين إلى مقاتلته في سورية إن كانوا يريدون القتال. من غير المحتمل أن يوجد عملاء لإسرائيل بين المعارضين العلمانيين (أو الإسلاميين) السوريين أكثر مما في بيئة حسن نصر الله وحلفائه، أو في بيئة نظام بشار الأسد، أي حيث العملاء مفيدون، ولعلهم وراء اختراقات إسرائيل المتكررة في بيروت ودمشق. غرض الخطيب المرجح هو الطعن في قضية عموم المعارضين بإظهارهم عملاء لقوى معادية، أناس بلا قضية، أي قتل قضيتهم بعد المشاركة في قتل ما لا يقل عن نصف مليون منهم. هذه الشهادة استمرار للقتل والحصار والتجويع بوسائل أخرى، يأتي من شخص مجاهر بتبعيته لقوة امبريالية فرعية، هي قوة احتلال واستتباع وتمزق وطني في سورية والعراق واليمن، ولبنان عبر ميليشياه: إيران. كلام نصر الله يندرج ضمن خطاب اجتراري مكرور هو خطاب الوطنية الممانعة أو التخوينية. وهذا خطاب يضع الوطنية في يد من يملكون السلاح، ويجعل من قادة ميليشيات وأجهزة مخابرات أمناء على وطنية عموم المواطنين المفترضين، ولا يكف عن اتهام جميع أنواع الخصوم بالعمالة لقوى أجنبية، إسرائيل وأميركا تحديداً، والشهادة للنفس بالوطنية. الخيانة الوطنية المزعومة هي نتاج خطابي لهذه الوطنية التخوينية، التي تضع الشعب كله في موقع المشتبه به، يتعين عليه أن يثبت براءته أمام قتلة وجلادين. في سورية ولبنان يضرب هذا الضرب من الوطنية الممانعة عصفورين بحجر: أولهما احتكار قضية تنال دعماً شعبياً ونخبوياً واسعاً كقضية فلسطين، واستخدامها هراوة ضد أي خصوم محتملين، وسلاحاً للرقابة وفرض التجانس والطاعة؛ وثانيهما حجب الطائفية الجامعة لتحالف الممانعين وراء وطنية يستأثرون بتعريفها، بحيث يبدو أن من يعترضون على هذا التكوين الطائفي هم الطائفيون، وهم من يفرقون الصف الواحد. الوطنية الممانعة وطنية قمعية وكاذبة في آن، تستخدم قضية فلسطين استخداما أداتياً لحساب قوة توسعية تنسب لنفسها على دأب الامبرياليات كلها قضية عامة جامعة. ومعلوم أن تعزز نفوذ هذه القوة في المجال العربي بالميليشياوية والطائفية وفشل الدول. ماذا تريد إسرائيل أكثر من ذلك؟ مقابل الوطنية الممانعة والتخوينية تلامحت في بواكير الثورة السورية وطنية ديمقراطية، تكثفت في شعار شهير: اللي بيقتل شعبو خاين! ماذا يفعل الخائن؟ يقتل مواطنيه، يعتقلهم ويعذبهم ويذلهم، ينكد عيشهم، ويولي بقائه حاكماً متحكماً المكانة العليا وليس حماية الوطن ولا كرامة المواطنين ورفاههم. ماذا يفعل الوطني؟ عكس ذلك: يصون كرامتهم، يعمل على رفاههم، يحميهم من عدوان غيرهم وعدوانهم على بعضهم. خسرنا المعركة من أجل وطنية ديمقراطية، تصير فيها "سوريا لينا وما لبيت الأسد"، وفشل التطلع إلى إقامة الوطنية حول أهل البلد. لكن هذا، أي ملكية السوريين لبلدهم، لا يزال لب القضية السورية، مثلما هو لب قضية الفلسطينيين، وكذلك العراقيين واللبنانيين واليمنيين، والإيرانيين. لسنا حيال وطنيتين شرعيتين على حد سواء. الثانية هي الوطنية الوحيدة الحقيقية لأنها تضع الوطن ومستقبله بين يدي أهله، فيما الأولى هي وطنية خائنة بالفعل، وسلاح لحماية الطغيان. في سورية استخدمت هذه الوطنية الزائفة التي تخوِّن الشعب من قبل بطل هزيمة حزيران ووريثه لسحق المجتمع السوري. خلال ما يزيد على نصف قرن من هذه الوطنية تحطم المجتمع السوري إلى حد يصعب تخيله. ترى لو كان الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين هو من حكم البلد، هل كانت لسورية أن تتحطم إلى هذا الحد؟ وإنما بفعل هذا التحطم الذي شهد أعجوبة تحول ميليشيا طائفية لبنانية إلى قوة احتلال في سورية، ظهرت ضروب من العدمية في أوساط سورية أخذت في الغالب شكلاً سلفياً جهادياً أو تكفيرياً، إن شاء حسن نصر الله، ولكن ظهر لها شكل إسرائيلي هامشي، ضرب من فهلوة أفراد مغامرين بلا وزن يبحثون عن دور وظهور على وسائل التواصل الاجتماعي. ليس هناك وجه معقول لتفهم سلوك هؤلاء الأفاقين الأخيرين فهم مسؤولون عن أفعالهم وعلاقتهم بكيان عنصري إبادي. لكن أخر من يحق له الاعتراض على مثالهم السيء هو حسن نصر الله الذي يقود قوة احتلال وقتل في سورية، تابعة فوق ذلك لقوة أجنبية، قومية توسعية. خلال 11 عاماً ونيف من تدخل علني لم يدع حسن نصر الله يوماً إلى حل سياسي يصون الحد الأدنى من كرامة السوريين والحد الأدنى من العدالة في وطنهم، ولم يحاور تنظيمه يوماً أي معارضين سوريين، أو يعبر عن تفهم لغضب السوريين وقضيتهم. لقد حسم أمره منذ البداية إلى جانب نظام القتل. وبينما لم يكفل عودة أي لاجئين سوريين إلى وطنهم من لبنان، بل كان قوة تهجير من مناطق سورية أقرب إلى مناطق سيطرته في لبنان (تماماً مثلما تفعل إسرائيل، وتركيا في السنوات الأخيرة)، فقد استطاع حث الحكومة اللبنانية إلى تسهيل ركوب "النازحين" السوريين البحر إلى أوربا، كي يأتي الأوربيون ويدعموا لبنان بالمليارات. هل هذا التفكير الأداتي السينيكي طارئ على الشاويش؟ وهل علاقته بفلسطين وقضيتها مختلفة؟ ما هي الذات العميقة لحسن نصر الله؟ ما هي القيمة المطلقة التي يعتنقها؟ أين فؤاده؟ في حكم الولي الفقيه في إيران. هو صريح في هذا الشأن، وهذا يحسب له. الأداتية، أو لنقل الماكيافلية بالمعنى الشائع للكلمة، هي سمة من يصدرون عن عقيدة عالية كل العلو ومطلقة إلى درجة أن كل وسيلة، مهما تكن خسيسة، مشروعة في خدمتها. الاغتيال جيد، الحصار والتجويع جيد، نشر الكراهية الطائفية جيد، العمالة لإيران جيدة. السؤال المهم الذي يثيره وضع ميليشيا نصر الله هو كيف أمكن لقوة جزئية خاصة، مجاهرة بالطائفية، مجاهرة بالتبعية لدولية أجنبية، مسلحة وناشرة للكراهية، مسؤولة دون ريب عن اغتيالات كثيرة في لبنان، كيف أمكن لها أن تظهر في صورة قوة عامة، تحمل قضية عامة جامعة، حتى أن لها جناحاً ثقافياً يحامي عنها؟ الفراغ وغياب القوى العامة هي المدخل للإجابة على هذا السؤال الذي يستحق تناولاً مستقلاً.
#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الصفح المستحيل: أفكار في شأن الصفح والعدالة والانتقام في الس
...
-
في فشلنا التربوي العظيم
-
من الهولوكوست والاستعمار إلى الممانعة و«الربيع العربي»: في ن
...
-
-نظام بلا سلطة-، تعليق نقدي
-
حزب الله قوة احتلال وقتل في سورية
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
-
من السويداء إلى غزة: بحثاً عن توازن رادع
-
عن الإذلال واللاعدالة في ذاكرة سورية وراهن فلسطيني
-
في شأن اليهود والغرب والتطبيع الممتنع
-
في تفنيد مركزية سورية ناشئة
-
الشرق الأوسط، حيث لا مساواة ولا حرية ولا أمن
-
في الكوارث ونمط التغير الكوارثي
-
حوار مع -المفكرة القانونية- حول سورية وغزة وألمانيا والعالم
-
في أربعين هبة حاج عارف: أن لا ننسى
-
عن آرون بوشنل والضمائر والمبادئ
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
-
-عرب ويهود- و-سقوط الجولان-: عن كتابين من ماض يمضي ولا يمضي
-
ماذا بشأننا؟ لماذا ليس بيننا عادلون عاقلون؟
-
غزة وعالم الامتيازات والحل الفاشي
-
الطائفية والديني السياسي
المزيد.....
-
بتوبيخ نادر.. أغنى رجل في الصين ينتقد -تقاعس الحكومة-
-
مصر.. ضجة حادث قتل تسبب فيه نجل زوجة -شيف- شهير والداخلية تك
...
-
ترامب يعين سكوت بيسنت وزيراً للخزانة بعد عملية اختيار طويلة
...
-
ترامب بين الرئاسة والمحاكمة: هل تُحسم قضية ستورمي دانيالز قر
...
-
لبنان..13 قتيلا وعشرات الجرحى جراء غارة إسرائيلية على البسطة
...
-
العراق يلجأ لمجلس الأمن والمنظمات الدولية لردع إسرائيل عن إط
...
-
الجامعة العربية تعقد اجتماعا طارئا لبحث تهديدات إسرائيل للعر
...
-
ابتكار بلاستيك يتحلل في ماء البحر!
-
-تفاحة الكاسترد-.. فاكهة بخصائص استثنائية!
-
-كلاشينكوف- تستعرض أحدث طائراتها المسيّرة
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|