الصفحة الرئيسية - جواد البشيتي - كاتب ومُفكِّر ماركسي - في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: التَّصوُّر المادي للكون....والنَّظريات الكوزمولوجية الحديثة. / جواد البشيتي - أرشيف التعليقات - رد الى: جاسم الحلوائي - جواد البشيتي

رد الى: جاسم الحلوائي - جواد البشيتي

- رد الى: جاسم الحلوائي

العدد: 415028

جواد البشيتي

2012 / 9 / 18 - 18:47
التحكم: الكاتب-ة

الأستاذ جاسم الحلوائي المحترم
تحية
أشكرك على مداخلتكَ الممتازة.
وأودُّ أنْ أُوضِّح لكَ الآتي: إنَّني لم أخلط بين المفهومين الفيزيائي والفلسفي للمادة.
الإشكالية التي بسطتها وشرحتها إنَّما كانت في -التعريف العلمي- للمادة، أيْ في التعريف الفيزيائي لها؛ والدليل على ذلك هو أنَّ الفيزياء لم تُوفَّق في تعريف المادة (تعريفاً فيزيائياً).
الفيزياء قالت، في محاولتها تعريف المادة، إنَّ المادة هي كل شيء يشغل حيِّزاً، وله كتلة.
لو أخذنا بهذا التعريف لصار لِزاماً علينا أنْ نستثني -البيضة الكونية- من عالَم المادة؛ لأنَّ هذه -البيضة-، وبحسب تعريفهم لها، لا تشغل حيِّزاً؛ ولصار لِزاماً علينا، أيضاً، أنْ نستثني -الفوتون- من -المادة-؛ لأنَّه -عديم الكتلة-، أيْ لا يملك -كتلة سكون-.
والفيزياء، في كثيرٍ من مفاهيمها، تُميِّز -الماد- من -الطاقة-؛ وهذا إنَّما يعني أنْ نستثني -الطاقة- من -العالَم المادي-؛ فإذا استثنيناها منه، فهل نضمها إلى -العالَم الروحي-؟!
والفيزياء تُميِّز -المادة- من -الفضاء-؛ فهل يترتَّب على ذلك أنْ نضم الفضاء إلى عالم آخر (غير العالم المادي)؟!
وسبب هذا الاستعصاء الفيزيائي في تعريف المادة يكمن في كَوْن المادة مطلقة؛ فنحن عندما نُعرِّف الأوكسجين، مثلاً، نقول، في مستهل تعريفنا له، إنَّه -غاز..-؛ و-الغاز-، مفهوماً، هو أوسع وأشمل من مفهوم -الأوكسجين-؛ فإذا أردنا أنْ نُعرِّف -المادة-، فيزيائياً، في الطريقة نفسها، فما هو هذا الشيء الأوسع والأشمل من -المادة- حتى ننسبها إليه؟!
نأتي الآن إلى التعريف الفلسفي للمادة.
هذا التعريف لم يأتِ به إلاَّ لينين في مؤلَّفه -المادية ومذهب النقد التجريبي-، وفي معرض انتقاده لأفكار ماخ.
لينين كان يَعْلَم أنَّ إنجلز هو الذي كان أهلاً لتعريف المادة؛ لكنه لم يعرِّفها.
لينين عرَّفها قائلاً: إنَّ المادة هي -مقولة فلسفية لتفسير الواقع الموضوعي المعطى إلينا عبر إحساساتنا..-.
أخي العزيز
على أهمية هذا التعريف (بمعنى ما) فإنِّي لا استصلحه كثيراً؛ لماذا؟
لأنَّه يبدأ بعبارة -المادة هي مقولة فلسفية-؛ والمثاليون الموضوعيون (من أتباع هيجل مثلاً) قد يقولون: أُنْظروا، ها هو لينين يُقِرُّ ويعترف بأنَّ المادة -مقولة (فلسفية)-؛ فإنَّ العالَم المادي عندهم هو -مقولات (ومفاهيم)- في أصوله.
ولينين في تعريفه لا يُعرِّف -المادة-، وإنَّما يُبيِّن الصِّلة الحقيقية بين -المادة- و-الفكر-، بين -الواقع الموضوعي- و-الصور الذهنية-.
إنَّ الواقع الموضوعي (أي العالم المادي الموجود في خارج الذهن، وفي استقلال عنه) ينتقل إلى -دماغنا المادي- من طريق -الحواس-، وعلى شكل -أحاسيس-؛ ومن هذه -الأحاسيس- نبتني -المفاهيم-؛ فالأحاسيس والأفكار والمفاهيم.. إنَّما هي جميعاً صور ذهنية نَتَجَت من تفاعل الواقع الموضوعي مع دماغنا المادي.
إنَّ أبسط طريقة في تعريف الشيء هي أنْ نُعرِّفه بـ -نقيضه-، كأنْ تقول -النور- هو نقيض -الظلام-؛ و-الظلام- هو نقيض -النور-.
وعملاً بهذه الطريقة تستطيع القول إنَّ -المادة- هي -كل شيء غير الفكر-، وإنَّ -الفكر- هو -كل شيء غير المادة-؛ فالشيء إنَّما نميِّزه بنقيضه.
لكن، ثمَّة محاذير؛ فـ -المادة- و-الفكر- لا يمكن فهم الصلة بينهما كما نفهم الصلة بين ضدين؛ فالضدان يتَّحِدان اتِّحاداً لا انفصام فيه. إنَّهما، وعلى الرغم من صراعهما الدائم، لا يوجدان إلاَّ معاً؛ فكلاهما يستحيل وجوده من دون الآخر؛ فهل يستحيل وجود -المادة (والعالم المادي)- من دون -الفكر-؟!

للاطلاع على الموضوع والتعليقات الأخرى انقر على الرابط أدناه:
جواد البشيتي - كاتب ومُفكِّر ماركسي - في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: التَّصوُّر المادي للكون....والنَّظريات الكوزمولوجية الحديثة. / جواد البشيتي