أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الحوار المتمدن - الكتاب الشهري 2007 شباط : مستلزمات بناء مجتمع مدني علماني ديمقراطي في العراق - محمود حمد - إقصاء المثقف عن البناء الوطني يخلق فراغا يملأه التخلف والإرهاب!















المزيد.....

إقصاء المثقف عن البناء الوطني يخلق فراغا يملأه التخلف والإرهاب!


محمود حمد

الحوار المتمدن-العدد: 1839 - 2007 / 2 / 27 - 12:55
المحور: الحوار المتمدن - الكتاب الشهري 2007 شباط : مستلزمات بناء مجتمع مدني علماني ديمقراطي في العراق
    


إذا جاز لنا عبور حقل المفاهيم بسلام، وسَلّمْنا بمفهوم – النشاط الثقافي – كنشاط معرفي إبداعي للإنسان ، مكمل للنشاطات الاقتصادية –الاجتماعية المتنوعة الأخرى، فبإمكاننا تصنيف تلك العناصر المكونة لذلك النشاط بالتالي :
 المثقفون..بالمفهوم الواسع للكلمة ومنهم (الأدباء والفنانون).
 المؤسسات الثقافية.. (التأهيلية، والإنتاجية، والتداولية)، الرسمية والخاصة.
 النتاج الثقافي..(المقروء، والمسموع، والمرئي).الذي أنتجه وينتجه المثقفون.
 الذاكرة الثقافية..التراث الشعبي (الشفاهي، والحركي، والتشكيلي)، والقيم الجمالية والسلوكيات المعرفية السائدة في المجتمع.
وتستهدف الأنظمة المستبدة تلك المكونات بالإقصاء، والتهجين، والتشويه، والتحريف، والتبديد.
ويُملأ الفراغ الذي يخلفه إقصاء المثقفين بموظفين بصفة(مثقف)، وتتحول مؤسسات الإنتاج المعرفي والثقافي والإبداعي إلى (مصائد) للمثقفين و (ورش لصناعة وسائل وأساليب الخراب والإفناء) ، وتحل الشعارات المجوفة محل النتاج الثقافي البنّاء، فيما تلوث الذاكرة الثقافية والتراث المعرفي للمجتمع ويقام على خرائبهما (ردح الكاولية)..وبذلك تُقطع أنفاس المعرفة ويشل - النشاط الثقافي -.
ذلك لان المعرفة (طاقة وحاجة) ولان الفرد والمجتمع هما منظومة من الطاقات والاحتياجات ومنها (الطاقة المعرفية والاحتياجات المعرفية) ، والتي تشكل احد أهم الطاقات والاحتياجات المؤشرة بنموها إلى تمدن الأفراد والأمم، وبضمورها وخوائها إلى تخلف الأفراد والأمم.
ويمكن تشبيه تلك الطاقات والاحتياجات – مجازا- بفضاء متنامي أو منحسر في كينونة الوجود الإنساني، سواء عند الفرد أو المجتمع، وهو موجود موضوعيا عند كل فرد أو مجتمع، ولا يمكن نفيه أو إلغاءه، لكن يمكن تغيير مضامينه.
وتشكل تلك المكونات للنشاط الثقافي الإنساني التي اشرنا إليها والعلاقات الجدلية والمتنامية بينها مضمون تلك الطاقة والاحتياجات المعرفية.
لذلك ..تدشن الأنظمة المستبدة أطوار تسلطها بجملة من الاجراءات القمعية التجفيفية للثقافة والمثقفين، لأسباب موضوعية تتعلق بالتعارض بين الثقافة كنشاط إبداعي تنموي تجديدي منفتح المديات، وبين الاستبداد كأسلوب ورؤية وسلوك منغلق ومتحجر وعنيف وراكد من جهة اخرى، وبين المثقف المعبر عن الحرية والساعي إليها، والمستبد المتشبث بالاستعباد كأسلوب ومضمون لبقائه في السلطة من جهة أخرى.
وتكون تلك الإجراءات القمعية مقننة أحيانا أو مطبقة وفق عرف الاستبداد ونوازع المستبدين الصغار والكبار في تلك المرحلة أو ذلك المجتمع، أحيانا أخرى ، وبكليهما غالبا، وفي المقدمة منها تلك المتعلقة باحتكار العمل في مؤسسات الدولة بحزب السلطة او الموالون لها فقط ، واقصاء جميع المكونات الاجتماعية والسياسية غير المنطبقة عليها معايير الولاء الخانع والمتماهي في سلطة الاستبداد،وتحريم النتاج الثقافي التقدمي المتمدن،وتلويث ذاكرة المجتمع المعرفية بطحالب الاستبداد المنتزعة من مستنقعات التاريخ ، أو فجاجة الحاضر.
ويمارس إقصاء المثقفين من مؤسسات الدولة والمجتمع كخطوة تمهيدية لسجنهم او تصفيتهم الجسدية، أو ملازمة لها ، ويسود مصلح ( وزارت مغلقة لحزب معين أو لقومية أو طائفة أو قبيلة!..كما جرى خلال سلطة حزب البعث)..ويتفشى هذا الوباء عند استيطانه في كيان الدولة والمجتمع ليعم جميع مؤسسات الدولة والمجتمع عند وجود بيئة متخلفة خالية من ثقافة وسلوكيات المشاركة المتساوية بإدارة شؤون الوطن.
وطالت عمليات الإقصاء – في تلك الحقبة من تاريخ العراق- أعداد غفيرة من المثقفين الذين اجبر قسم كبير منهم على مغادرة البلاد الى فيافي الغربة ، والقسم الاخر صدرت بهم قوائم بالنقل من المؤسسات العلمية والثقافية والتعليمية والاقتصادية والإعلامية إلى دوائر أخرى بعيدة عن اختصاصهم ، لردم منابعهم وجذورهم وتطلعاتهم. ولم تتوقف تلك الاجراءات عند هذا الحد ، فقد لاحقتهم اجهزة الامن ومنظمات الحزب الى الدوائر الحكومية التي نقلوا اليها والى منازلهم وفاضلتهم هذه المرة بين الانتماء لحزب البعث او السجن والاعدام وتصفية عوائلهم.
وتؤدي عمليات إقصاء المثقفين عن (المؤسسات الثقافية) إلى ظهور تجويف عميق وواسع في جسد تلك المؤسسات ،وخواء في روح الثقافة، فتسعى سلطة الاستبداد لملأه بـ - حشوة – من موظفين بصفة ( مثقف )..مستعدين لان يكونوا معولا لهدم الثقافة، ومطاردة المثقفين، ومتحمسين للاذعان وتكميم العقول، وتضليل البصائر والضمائر.
فتجنح المؤسسات الثقافية آنذاك عن أغراضها المعرفية والإبداعية لتؤدي دور أبواق الدعاية ونذر الحروب، وينسحق من تبقى خلف جدرانها من مثقفين مبدعين افلتوا من قوائم الإقصاء!. وتنتفخ الحياة الثقافية بأكوام من المبشرين والدعاة والمروجين لإقصاء العقل وتمجيد الأوهام!. لكن هذه الإجراءات الاقصائية المصيرية ليست هي الوحيدة المخبوءة في كنانة الأنظمة المستبدة فهناك اشكال من الاقصاء لاتقل خطورة وقسوة على الانسان..ومنها:
إقصاء المثقف عن مصادر المعرفة:
إن ماهية الإنسان الفرد والمجتمع هي– المعرفة-..فالإنسان– مخلوق يتعلم ويَعرف ويُعَلِم - ولهذا فان المعرفة هي– المحتوى- الذي يعبر عن – شخصية- هذا المخلوق الذي نسميه الإنسان، وهو بدون ذلك يتعذر إقحامه في السلالات الإنسانية . وتتغير مضامين هذا – المعرفة – من فرد لآخر، ومن مجتمع لآخر، ومن طور تاريخي لآخر .وتستهدف جميع الحركات والنظريات والثورات والانتكاسات التحكم بمضمون تلك –المعرفة- لان من شان أي تغيير في مضمونها توجيه مسار الأحداث وفق مصالح تلك القوى الاجتماعية التي أشاعت تلك المضامين بحقول– المعرفة-.
وتستهدف جميع الطبقات والفئات الاجتماعية المتصارعة تاريخيا التأثير والتحكم بمضامين تلك _المعرفة_ بما في ذلك (تطويرها)أو(تدميرها) تبعا لمصالح كل مكون اجتماعي.
فالمستبدون عندما يشيعون الظلام في الحقول التنويرية لـ-المعرفة- فإنهم يخلقون فراغا جاذبا لسيل الأفكار المتعصبة والمتطرفة والبدائية التي تنشط في العتمة، وتجد بيئة مناسبة تتفشى فيها، وتفرخ أجيال من ملوثي الثقافة الذين يجندون ما تبقى من مفردات الثقافة الشاحبة كوسيلة للحرب في مواجهة - المعرفة التنموية – .و في ذات الوقت تشكل تلك المفاهيم المجوفة والمتطرفة المنابع – المعرفية! - لسلوكيات القسوة، والإقصاء، واحتقار العقل، وتمجيد التوحش، والبلادة، والإرهاب.
فالمستبدون خصوم للمعرفة والثقافة وللمثقفين لذلك فهم يستمرؤون تبديد ما بناه الإنسان على مدى قرون في لحظة من لحظات شهوة التسلط والاستبداد..
فهم يحكمون قبضتهم على اعناق الحروف، ويفقئون احداق المكتبات، ويقطعون الزيت عن فوانيس الاستدلال، ويُعْقِمون الأفكار، ويحبطون التجارب، ويلوثون ذاكرة المجتمع، ويغلقون النوافذ بعد الابواب بالممنوعات على المثقف..كي يصاب بالخواء ، ويصطف الى طابور (المداحين،والمشعوذين، والذرائعيين،ومبرري التوحش والحروب).
اقصاء المثقف عن المتلقي:
عندما تعجز آلة السلطة عن كبح طاقة الابداع في روح المثقف وعقله، رغم كل متاريس الحصار الاسفلتية حول احاسيسه ..الذي يباغتها باعمال ابداعية مجددة واعتراضية ومشاكسة وبناءة..رغم القحط الذي يحاصره، فيسعون إلى تجفيف منابعه الاجتماعية بعد إن أخفقوا في تحقيق مآربهم من تجفيف منابعه المعرفية.
وهنا تبدأ أشكال مختلفة للاقصاء.. وهي انماط يعرفها المثقفون..حيث تساق النصوص والأعمال الثقافية والإبداعية إلى الاستجواب ، وتتحول إلى شهود إدانة لأصحابها ، وتودي بحياتهم وحريتهم.
وفي تلك الفترات المعتمة والموبوءة بالخوف..يطفح إلى سطح الحياة الثقافية إلى جانب (ممثلي سلطة الاستبداد المدججين بوسائل وأساليب الإفناء) فئات من الموظفين( المدجنين) المستعدين لتلويث الفكر واستباحة حياء الثقافة..وتتشابك مصالح هذه الفئات مع عدد قليل من المثقفين – ومنهم مبدعون حِرَفياً- .. الذين يئسوا من زوال سلطة الاستبداد، بعد إن طال أمدها، وعشعش جورها في عروق المجتمع وروحه!..
فتتحول المؤسسات الثقافية آنذاك إلى (مصائد) لاقتناص المثقفين واستغلال حاجتهم الانسانية لايصال منتجهم الابداعي الى المتلقي..او بسبب انغلاق أبواب العيش في وجوههم ..الا هذا الباب الزلق العتبات..في اجواء الرعب واختفاء الاصدقاء والمعارف من البيوت والشوارع..لهذا لم نكن مستغربين من وجود اعمالا ثقافية إبداعية في مختلف فروع المعرفة تقدم من خلال تلك المؤسسات(المصائد) لمثقفين عرفوا بمواقفهم الإبداعية والاجتماعية التقدمية..
لتلك الأسباب التي ذكرناها ولغيرها..
وبذلك تستخدم سلطة الاستبداد تلك الاسماء واعمالهم لتغطية عورات ثقافتها الاستبدادية العقيمة والهابطة فكريا وذوقيا.
واستكمالا لهذا الدور تتحرك السلطة كجهاز امني قمعي لتخويف جمهور المتلقين من الاعمال الثقافية التنموية .. مرة بالتهديد الجسدي للمتلقي ، واخرى بتخويفه من المثقف والثقافة التي ينتجها، فينفرط عقد الجماعة من حول المثقف ويبتعد عنه جمهور الثقافة ، فتتصحر البيئة التي تحيط به..ويعزل عن التواصل مع مريديه .
ان اسماء مثقفين عراقيين مبدعين كثر اقسروا على ترك الوطن وتشتتوا في كل بقاع الارض، او اضطروا للانكفاء في معتكفات داخل الوطن وهم الذين اغنوا عقولنا وارواحنا بثمار عقولهم ونبض قلوبهم..نسيتهم الاجيال الجديدة، وانقرضت اجيال متلقيهم ، واصبحوا ضحايا ذلك الاقصاء الممنهج من قبل سلطة الاستبداد ..واليوم نفقدهم الواحد تلو الاخر بصمت.. ودونما توديع مهيب عرفانا بالجميل لهم.
فيما عَلَقَتْ في ذاكرة الناس اسماء – كاربونية وحفنة من الموظفين المدجنين!-اندمجت مع ثقافة النظام المستبد وصارت غطاءا لفجوره واحد وجوهه القبيحة .. وهم اليوم يعاودون الظهور تحت الاضواء كممثلين لمرحلة ما بعد سقوط الصنم، بعدما كانوا اضواء مسلطة لتنوير الصنم!..في هذه المرحلة الدخانية..المختنقة بالتخبط في الاداء، والتشويش المعلوماتي، وفوضى الاراء، وخطاب التكفيريين الدموي، والتباس المفاهيم، وانحسار صوت الثقافة التنموية، وطغيان الزعيق القسري..
إقصاء المثقف عن الوطن وفي الوطن
يشكل إقصاء المثقف عن الوطن واحدا من اقسى العذابات التي يتعرض لها المثقف ذو الوعي العميق والرؤية الجلية والحس المرهف والانتماء الحميمي للمكان..ذلك الاغتراب الذي ينخر روحه رغم البيئة المشجعة التي تتوفر له احيانا في الغربة اذا ماقورنت بالعسف الذي كان يلاقيه في الوطن..فنحن عندما نستعرض الانجازات العلمية والثقافية والفنية للمثقفين العراقيين خارج الوطن، نجد ان المشترك فيها هو نزيف الوجع الصاخب احيانا، والمكتوم المحتدم احيانا أخرى..المتمثل بالغربة عن الوطن.
ومعهم عاش زملائهم المثقفين داخل الوطن أشكالا متفاقمة القسوة من الغربة والعزلة التي فرضتها ظروف الملاحقات وشبح الموت الذي يتعقبهم في كل مخابئ الوطن ودروبه ، فمنهم من اختفى عن انظار جواسيس السلطة المنتشرين في كل مكان حتى بين الجدران التي يحتمون بها لسنولت مديدة،ومنهم من تلفع بغشاوة تقيه شر الاقصاء واسرته عن الحياة.. لكنهم لم يتوقفوا عن الانتاج الثقافي والمعرفي الذي ميز واحدة من اكثر سنوات عمرهم مرارة وجدبا ومخاطرة وسيرا على سلك مشدود فوق الجحيم.ستسحقنا الحروب إن لم نستأصل نهج
الإقصاء من سلوكنا وثقافتنا ونظام حكمنا
واليوم تتلبد في سماء حياتنا من جديد غيوم الاقصاء ،متبخرة من مستنقعات الطائفية المقيتة، والتعصب العرقي المتخلف، والتشنج العقائدي المتوعد، بعد ان تحولت المؤسسات الرسمية الى كهوف للطوائف والاقوام والقبائل والموالون وابناء العمومة والمنتجبون من جيوش النظام السابق، الذين باغتوا الجميع بارتداء اللحية وإتقان أداء المواعظ الدموية، وهتك الحريات الخاصة، والحقوق العامة، وادارة المحاكم الشرعية لقطع الرؤس وسلب الغنائم.
وان لم ينتبه المفكرون والسياسيون والمثقفون والفنانون وقادة المجتمع المدني والشباب والنساء الى خطورة الهاوية التي سيجرنا اليها الاقصائيون الجدد من كل الأصناف، فان حروبا طاحنة متنوعة الاساليب ومتعددة الاغراض ودموية الوسائل ستسحقنا جميعا، وستظل ملايين العراقيين في الغربة الذين انضمت اليهم خارج الوطن ملايين اخرى طعما لمخالب الانتظار الذي كانوا يحلمون بانقضائه لحظة سقوط الصنم ..ولكن خاب أملهم!.
وطفحت نتيجة نهج الاقصاء ظاهرة من اكثر ماافرزته ثقافة الإقصاء مأساوية وريبة وعاراً..واعني إقصاء العوائل من منازلها ومواطنها ، ونشوء حالة الهجرة الداخلية والاغتراب داخل حدود الوطن..
فهل على المغتربين في الخارج والداخل ان ينتظروا عقودا جديدة لسقوط الاصنام التي فرختها مرحلة الاحتلال وسقوط (الصنم الضرورة)!؟ لكي يعودوا الى وطنهم ويشاركو في حلم اعادة بناءه.
المثقف ضحية نهج الإقصاء السياسي
تسعى الحركات السياسية لجذب المثقفين أو احتوائهم أو استخدامهم كأدوات للدعاية أو للتقرب إلى القطاعات المتآصرة مع هذا المثقف أو ذاك.
وتستخدم تلك الحركات أساليب متنوعة تتسق مع رؤيتها للثقافة وموقفها من المثقف ، وهي بشكل عام تميل إلى (الاهتمام) بالمثقف في المرحلة التي تسبق احتواءه..ويتجلى الموقف الحقيقي من المثقف بعد انضوائه تحت جناح ذلك الطائر السياسي، فمنهم من يحلق وإياه إلى فضاء الصراع الاجتماعي والفكري فتتقد في المثقف براكين التغيير ، ومنهم من يجعله فريسة بين أثافيه يشحطها من مستنقع إلى كومة فطائس.
لكن الحركات العقائدية المتعصبة أو المتحجرة المتسمة بالاستخفاف بالإنسان الفرد عندما(تحتوي)المثقف تقحمه في أغلال العقيدة وتحدد له الإنفاق والدهاليز التي لا يجوز الخروج عنها ،وهي في الغالب مكابح لحرية الإبداع ودوامة للصراع بين نصوص العقيدة وعبدتها ونهجهم الوعظي، وبين المثقف الحالم وخطابه التغييري.
وما أن يمد المثقف ( المتمرد على القيود بطبعه) خطوة خارج تلك الأقبية والدهاليز ، إلا وشهرت بوجهه مفردات التخوين لخروجه عن طاعة العقيدة، فيتحول في ليلة وضحاها من رمز لثقافة العقيدة إلى مارق طريد، ويتم إقصاءه من ذاكرة جمهوره بالملوثات الجاهزة.
فيصاب البعض من هؤلاء المثقفين بالذهول والصدمة وينحى إلى أقصى يمين أو يسار الحركة العقائدية التي نبذته أو نبذها، ويتحول إلى مُلاسِنْ غليظ بعد أن كان طاقة إبداعية رقيقة، وبالتالي يقصي نفسه عن تيار الحركة الإبداعية، وينزلق الى جوقة المتشاتمين على الهواء!
ويُقصى المثقف هنا مرتين.. مرة عندما يزج نفسه خلف جدران العقيدة الصلبة والمكفوفة المديات.. والثانية عندما تنبذه العقيدة لتمرده عليها ويرجمه العقائديون بين جمهوره!.
إن مثقفين عراقيين من أجيال مختلفة خاضوا هذه التجربة المريرة وخرجوا منها مدحورين أو ملوثين أو منبوذين أو مشوهين..
المثقف وغياب تكافئ الفرص
إن ترسيخ الحياة الدستورية، وثقافة احترام الإنسان، ووضوح الإجراءات،واختيار الكفاءات النزيهة لإدارة المؤسسات الثقافية ،واستبعاد أي شكل من أشكال التمييز بين المثقفين في تقديم التسهيلات أو الخدمات أو الدعم لهم، هي ضمانة أساسية لبيئة تنموية ثقافية تستثمر طاقات الفرد والمجتمع الإبداعية.
وإذا توفرت هذه المقومات ومعها رؤية تنموية وطنية ذات طابع إنساني خلاق سوف توفر بيئة صالحة للتعامل مع المثقفين، وتفسح في المجال لهم للعطاء والتنافس الإبداعي دون إقصاء أو تهميش أي منهم ،ولأي سبب كان.
لقد عانى ويعاني المثقفون العراقيون مثل جميع مواطنيهم من غياب تكافئ الفرص في العمل والحياة والمبادرة على امتداد عقود من الزمن، وما يزالون مثقلين بتداعيات ذلك النهج الإحباطي الجائر، فكم من مشروع تحديثي قبر وهو في طور التكوين وانتزعت فرصته من قبل الموظفين العاملين بصفة(مثقف) المتربصين بالفرص كطرائد يعرفون من أين وكيف ومتى يحين الانقضاض عليها.
إن حرمان المثقف من فرص الاسهام في بناء وطنه.. هي في جوهرها حرمان للوطن من طاقات ابداعية للتنمية المتوازنة والغنية والشاملة والمستديمة، ويعني هذا الحرمان للمثقف من فرص اطلاق طاقته الابداعية ، تقديم تلك الفرص الى قوى التخريب والاستهلاك الغرائزي لانتاج الناس المادي والروحي، التي تؤدي الى خواء المجتمع معرفيا وتلبد الاشنات التي ستطفح منها اوبئة التخلف والاستبداد والاذعان والارهاب .



#محمود_حمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا اغفل الدستور العراقي احتياجات الثقافة والفن؟
- الفنان العراقي بين مرحلتين-الفنان والحرية-2/21
- في ذكرى رحيل الصديق الفنان فائق حسين-رحيل الفنان السومري الح ...
- 1/21 :/الفنان والاستبداد/الفنان العراقي بين مرحلتين/
- التاسع من شباط1963
- الازمنةُ العراقيةُ!
- صِبيانٌ غابوا في مُنتَصفِ الدَربِ إلى-اللُقْمَةِ-!
- بيتٌ -عليٍ- والفانتوم!
- إمّا البيضةُ أوْ بَيتُ الطاعةِ؟!
- و-إذا الايامُ أغسَقَتْ-(1) فَلا تَنسوا -حياة شرارة-!
- لوحةٌ على جُدرانِ غُرفَةِ التَعذيبِ!
- طِفلٌ قُرويٌّ يقرأُ ألواحَ الطينِ
- لا يَصلِحُ لبلادِ النَهرينِ إلاّ السُلطانُ الجائِرُ؟!
- -عمالُ المَسْطَرِ- (1) بضيافةِ -عُقْبَة - (2)
- عبد الرحمنٌ ..كوَةُ ضَوءٍ في الظُلمةِ!
- -شهدي-(1)واحدٌ مِنّا!
- أميرةُ -الحَضَرِ- تبحثُ عن بَطنِ الحوتِ!
- ليلةُ الغدر ب -محجوب-
- الوحوش يغتالون الإبداع
- نَخلةٌ طَريدةٌ على الخليجِ!


المزيد.....




- بعد حملة اعتقالات.. مظاهرات جامعة تكساس المؤيدة لفلسطين تستم ...
- طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة
- تعرف على أبرز مصادر تمويل الأونروا ومجالات إنفاقها في 2023
- مدون فرنسي: الغرب يسعى للحصول على رخصة لـ-تصدير المهاجرين-
- نادي الأسير الفلسطيني: الإفراج المحدود عن مجموعة من المعتقلي ...
- أمريكا.. اعتقال أستاذتين جامعيتين في احتجاجات مؤيدة للفلسطين ...
- التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن الأ ...
- العفو الدولية تطالب بتحقيقات دولية مستقلة حول المقابر الجما ...
- قصف موقع في غزة أثناء زيارة فريق من الأمم المتحدة
- زاهر جبارين عضو المكتب السياسى لحماس ومسئول الضفة وملف الأسر ...


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الحوار المتمدن - الكتاب الشهري 2007 شباط : مستلزمات بناء مجتمع مدني علماني ديمقراطي في العراق - محمود حمد - إقصاء المثقف عن البناء الوطني يخلق فراغا يملأه التخلف والإرهاب!