أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - هشام روحانا - ماركس، العبودية السوداء والعنصرية















المزيد.....


ماركس، العبودية السوداء والعنصرية


هشام روحانا

الحوار المتمدن-العدد: 6615 - 2020 / 7 / 11 - 13:46
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    



لقد تابع كل من ماركس وأنجلس عن كثب احداث الحرب الاهلية الامريكية حيث كان ماركس مراسلا مداوما للصحيفة الامريكية "التريبيون" وهي صحيفة ليبرالية ذات ميول اشتراكية مثالية في حينه وقد خصها ماركس وأحيانا أنجلس بمقالات اسبوعية تقريبا غطت فترة الحرب الاهلية الامريكية والوضع في المستعمرات، الهند والصين ومواضيع أخرى.

ينظر الماركسيون الى الرأسمالية والعنصرية بوصفهما مرتبطتان عضويا، تعتمد الرأسمالية في بُنيتها على العنصرية كمصدر للاستغلال وأيضا كوسيلة لتقسيم الطبقات المستغلة واحكام السيطرة، فالعنصرية ضرورية لدق الإسفين بين العمال الذين يشتركون في جميع الأسباب التي تدفعهم للتنظيم الموحد وللتحالف سوية لكن جزءهم يُدفع باسم الانتماء الى عنصر محدد الى أحضان الطبقة المُهيمنة.

إن أي نقاش جاد حول تحرير السود يجب ألا يقتصر على نقد الرأسمالية فحسب، بل يجب أن يضع أيضا استراتيجية ذات مصداقية لإنهائها. هذا من جانب، ومن الجانب الآخر فإنه وبدون التزام المنظمات الثورية رفع لواء مكافحة العنصرية فإن وحدة الطبقة العاملة لن تتحقق أبدًا ولن تتحقق مطلقًا الإمكانات الثورية الكاملة للطبقة العاملة.



لكن وعلى الرغم من كل الأدلة والشواهد على التزام الماركسيين بمكافحة العنصرية الا ان بعض النقاد ما زال يحاجج حول عدم قدرة النظرية الماركسية ذاتها على محاربة العنصرية ويقوم بتحريفها ووصفها بالمركزية الأوروبية، أي انها فكر أوروبي نشأ وقام في أوروبا ولهذا فهي ملوثة بالعنصرية وقاصرة عن نقدها وتجاوزها.

بالإضافة لذلك تُتهم الماركسية بـأنها تختزل مجمل الصراع الاجتماعي الى نظرة طبقية ضيقة تعتقد بأن الطبقة أكثر أهمية من العرق، مما يعني اختزال النضال ضد العنصرية إلى انه مجرد رفع لواء "سياسات الهوية فقط"، وبالتالي فإن على النضال ضد العنصرية أن يجلس منتظرا على المقاعد الخلفية.

لكن الادعاء الماركسي القائل بأن العنصرية هي نتاج الرأسمالية لا يعني إنكار أهمية هذه العنصرية في المجتمع، بل هو ببساطة شرح لأصولها ولأسباب ديمومتها. لا يستطيع المرء تناول الاضطهاد الطبقي في المجتمع الرأسمالي بوصفه نوعا من أنواع الاضطهادات الأخرى العديدة مُتناسيا أو مُهملا أن هذا الاضطهاد هو الذي يشكل بالذات بنية المجتمع التي تتيح باقي أشكال الاستغلال، سواء اتخذ الطابع العنصري أو الجندري أو استغلال الاطفال. إن البنية المادية -الاقتصادية للمجتمع، أي هذه البنية الاجتماعية الرأسمالية هي التي تؤدي الى نشوء أيديولوجيات وممارسات تبرر وتساعد على ديمومة النظام القائم. وفي الولايات المتحدة فإن العنصرية هي أهم هذه الأيديولوجيات.



سنأتي هنا على بعض مقاربات ماركس حول الموضوع، لكن قبل هذا سأقدم هذه الفقرة لعالم السوسيولوجيا الأمريكي من أصول أفريقية دو بويز (W. E. B. Du Bois)

القريب من الحزب الشيوعي الأمريكي في كتابه بعنوان "اعادة اعمار مجتمع السود في أمريكا"(Black Reconstruction in America)) [1935] 1973) والذي يعتمد فيه على كتابات ماركس حول الحرب الاهلية. ويقرر دو بويز بأن العنصرية البيضاء قد اضعفت جهود حركة العمال من أجل التحرر الذاتي:

ولقد تم تضليل حركة العمال البيض المتصاعدة بحروب تُوزَعُ فوائدها على اساس لون البشرة. وبالفعل، يمكننا تقصي بدايات مأزق الطبقة العاملة البيضاء في جميع ارجاء العالم مباشرة في العبودية السوداء في امريكا، فهنا تأسست التجارة والصناعة الحديثة، وهنا استمر تهديد العمل الحر [مقابل عمل العبد، العمل الاسود] الى ان تم التغلب علية جزئيا عام 1863.مما أدى الى نشوء تراتبية تتأسس على لون البشرة (color caste)، وإدامة هذه التراتبية وتبنيها من قبل الرأسمالية ودفعها الى الامام والمصادقة عليها من قبل حركة العمال البيض، والنتيجة هي خضوع العمل الاسود للربح الابيض على مستوى العالم. وعليه فإن غالبية الكادحين في العالم تحولت، بإصرار حركة العمل البيضاء، الى قاعدة لنظام صناعي خرب الديمقراطية وأظهر ثماره البديعة في الحروب العالمية وفي الكساد الكبير.



لم يأتي ماركس وإنجلس على ذكر العبودية عندما تناولا خارطة تطور الرأسمالية في البيان الشيوعي. لكن ماركس كان قد عبَّر وقبل عام منه تقريبا عن رأيه بأن الرأسمالية والعبودية مرتبطتان بشكل وثيق وهذا في رسالة له لصديق روسي، بافل انينكوف بتاريخ 28-12-1846. وجاء في الرسالة وقد كتبها بالفرنسية ويشير فيها الى " عبودية السود [des Noirs] في سورينام، البرازيل وجنوب امريكا الشمالية":

"العبودية المباشرة ما هي الا المحور الذي تدور حوله الصناعة المعاصرة بماكناتها وبرصيدها المالي وما الى ذلك. وبدون العبودية لا قطن، وبدون القطن لا صناعة حديثة. والعبودية هي ما اعطى المستعمرات قيمتها، ووجود المستعمرات هو ما استدعى وجود التجارة العالمية والتجارة العالمية هي الشرط الضروري للصناعة المعتمدة على الماكينات الضخمة ... العبودية هي إذا مقولة اقتصادية ذات أهمية عظمى" (MECW 38, 101-2 الاعمال الكاملة بالإنجليزية)

ينمو لدى ماركس في ستينيات القرن بالإضافة الى وجهة نظره المطالبة بإلغاء العبودية شعور بالتقدير للأمريكان من أصل افريقي بوصفهم افرادا ثوريين، ويكتب في رسالته لإنجلس بتاريخ 11-01-1860 بعد حادثة جون براون:

من وجهة نظري فإن الحدث الأكثر أهمية في العالم الآن هو من جهة أولى الحراك الدائر بين العبيد (Sklavenbewegung]) في امريكا والذي اندلع الآن بعد مقتل براون، والحراك الدائر بين الاقنان في روسيا من جهة ثانية.... لقد قرأت للتو مقالا في ’التريبيون‘ عن انتفاضة للعبيد في ميسوري وبطبيعة الحال تم إخمادها، لكن إشارة الانطلاق قد أعطيت. (MECW 41, 4)

في رسالته للاشتراكي الالماني فرديناند لاسال (Ferdinand Lassalle) بتاريخ 29-05-1861 اشار ماركس لموضوعة جديدة في كتاباته حول الحرب الأهلية الامريكية بين ولايات الشمال المناهضة للعبودية بقيادة لينكولن وولايات الجنوب الداعمة لاستمرار العبودية، وهي الدعم الذي يحظى به الجنوب من الطبقات المهيمنة في بريطانيا والتي يعزوها لدوافع اقتصادية:" كل الصحافة الرسمية في بريطانيا هي بالطبع الى جانب مالكي العبيد. انهم نفس الاشخاص الذين صدعوا رؤوسنا بضجيج تجارة فعالياتهم المُحِبة للإنسانية والمعادية للعبودية. لكنه القطن، القطن " (MECW 41, 291). [ حيث أن ولايات الجنوب كانت تصدر القطن الى بريطانيا].



لقد تابع كل من ماركس وأنجلس عن كثب احداث الحرب الاهلية الامريكية حيث كان ماركس مراسلا مداوما للصحيفة الامريكية "التريبيون" وهي صحيفة ليبرالية ذات ميول اشتراكية مثاليى في حينه وقد خصها ماركس وأحيانا أنجلس بمقالات اسبوعية تقريبا غطت فترة الحرب الاهلية الامريكية والوضع في المستعمرات، الهند والصين ومواضيع أخرى.

يواصل ماركس مرة بعد أخرى التحذير بأن هدف الجنوب هو الهيمنة على شمال امريكا:

" ولهذا فان ما سيتحقق فعلا ليس انحلال الاتحاد بل اعادة تنظيمه تنظيما جديدا يقوم على العبودية في اساسه ويكون تحت سيطرة معترف بها لطغمة أوليغارخية من مالكي للعبيد" (MECW 19, 50). وما سينشأ هو نوع جديد من الرأسمالية تتشكل على اساس الإثنية والعرق ينضم فيها المهاجرون البيض الى السود في قاع السُلم الاجتماعي:

سيلوث نظام العبودية كامل الاتحاد. في الولايات الجنوبية لن تكون العبودية قابلة للتطبيق فعليا، وستُدفع الطبقة العاملة البيضاء الى الاسفل نحو مرتبة تكون فيها كعبيد اسبارطة (يوظف ماركس هنا مصطلح helotry). وسينسجم هذا مع المبدأ الصريح القائل علنا بأن اعراقا محددة أهل للحرية وبأن العمل المضين هو قدر السود في الجنوب وقدر الإيرلنديين والألمان وسلالاتهم في الشمال (51).

وينتقد ماركس في هذه المقالة لينكولن لتلكؤه وهذا بسبب الطريقة " التي رفض فيها لنكولن بجبن اعلان أحد قواد جيشه الجنرال جون فريمونت (Frémont) من ميسوري تحرير العبيد التابعين للمتمردين". فيرضخ لينكولن هنا لاحتجاج مالكي عبيد مؤيدين للاتحاد من كنتاكي.

يتناول مقال اضافي لماركس في التريبيون بعنوان " تجارة القطن البريطانية" مواضيع تخص العلاقة الاقتصادية بين بريطانيا وولايات الجنوب:



يعتمد الاقتصاد البريطاني اجمالا على ركيزتين متساويتين في وحشيتهما. الأولى هي البطاطا مصدرا وحيدا لإطعام الطبقة العاملة الإيرلندية وقسم كبير من البريطانية ايضا. ولقد استبعدت هذه الركيزة بسبب آفة البطاطا وما أعقبها من كارثة إيرلندية، وعليه كان من الضروري اعتماد مصادر غذائية جديدة لإعادة انتاج وصيانة الملايين الكادحة. اما الركيزة الثانية للصناعة البريطانية فكانت القطن المنتج على يد العبيد في الولايات المتحدة. دفعت الازمة الراهنة في الولايات المتحدة الى توسيع مصادر القطن وتحريرها من قبضة الطغمة المسترقة والمستنزفة للعبيد. وطالما أن صناعة النسيج البريطانية تعتمد على القطن المُنتج بالعبودية، فانه من الصواب التأكيد على انها تعتمد على عبودية مضاعفة؛ العبودية غير المباشرة للرجل الابيض في بريطانيا والعبودية المباشرة للرجل الاسود هناك على الجانب الآخر من الاطلنطي (19-20).

في الثاني من شباط 1862 ينشر ماركس مقالا في ال Die Presse بعنوان "اجتماع للعمال في لندن" ويقدم فيه تقريرا عن الاجتماع وقراراته:

يعتبر الاجتماع أن من أهم واجبات العمال وبما أنهم غير ممثلين في مجلس الشيوخ، هو اعلان تضامنهم مع الولايات المتحدة في صراعها العظيم من اجل الحفاظ على الاتحاد ويعلن عن شجبه للخداع الذي تقوم به التايمز ومثيلاتها من الصحف الارستقراطية في دفاعها عن العبودية. ويعبر الاجتماع عن وقوفه الحازم الى جانب سياسة عدم التدخل في شؤون الولايات المتحدة... ويحتج الاجتماع على سياسة الحرب التي يعبر عنها الناطق الرسمي باسم اصحاب التجارة والمرابين (16) ويصرح عن عميق تعاطفه مع مساعي المحاربين من اجل تحرير العبيد ومن اجل الوصول الى حل نهائي لقضية العبودية (MECW 19, 156).

لقد بقي ماركس متفائلا بانتصار الولايات الشمالية وفي رسالة لأنجلس عام 1962 يدعو ماركس الى تنظيم كتيبة جنود سوداء ويقرر:

سيدخل الشمال في النهاية حربا جدية وسيعتمد وسائل ثورية، وسيرمي عن كاهله حماة العبودية سيكون لفوج أسود واحد أثره البالغ على اعصاب الجنوب... وإن لم يفعل لنكولن هذا (ولكنه سيفعله، بالمناسبة) ستكون هنالك ثورة. ومن وجهة نظري طال الزمان ام قصر فإن حربا مثل هذه يجب أن تخاض بوسائل ثورية بينما يحاول اليانكي حتى الآن خوضها بوسائل دستورية.

يتناول ماركس في رسالة أخرى عام 1962 لإنجلس حول العنصرية بوصفها عاملا مقررا بين الإثنيات والعمال والفلاحين:

مدينة نيويورك وهي المكتظة بالرعاع الإيرلندي ما زالت حتى الآن شريكا فعالا في تجارة العبيد ومركزا لأسواق المال وهي المليئة بملاك العقارات واصحاب المستوطنات الزراعية...



يرى الإيرلندي في الاسود منافسا خطيرا. ويكره فلاحو إنديانا واوهايو السود أقل قليلا من كرههم لمالكي العبيد، فبالنسبة لهم الاسود هو رمز للعبودية ولإذلال طبقة العمال بينما تزرع صحافة الديمقراطيين فيهم الخوف من إغراق مناطقهم بالسود (264).

هذا النقد الذي يوجهه ماركس لعنصرية الامريكان الإيرلنديين هو أمر لافت للنظر بشكل خاص على ضوء حقيقة أن ماركس كان يتحدث عن العمال والفلاحين الإيرلنديين عادة بمصطلحات ثورية.

الادعاء الماركسي القائل بأن العنصرية هي نتاج الرأسمالية لا يعني إنكار أهمية هذه العنصرية في المجتمع، بل هو ببساطة شرح لأصولها ولأسباب ديمومتها. لا يستطيع المرء تناول الاضطهاد الطبقي في المجتمع الرأسمالي بوصفه نوعا من أنواع الاضطهادات الأخرى العديدة مُتناسيا أو مُهملا أن هذا الاضطهاد هو الذي يشكل بالذات بنية المجتمع التي تتيح باقي أشكال الاستغلال

في تشرين ثاني 1864 في الخطاب التدشيني للجمعية الاممية للعمال، او ما صار يسمى بالأممية الاولى، والذي كان من بعض قادته نشيطون عماليون قاموا بتنظيم حملة اجتماعات تضامنية مع اتحاد ولايات الشمال اثناء الحرب الاهلية، ادخل ماركس فقرة تخص هذه الحملة:" لم تكن هي حكمة الطبقة الحاكمة من منع سقوطها الاجرامي، بل هي المقاومة البطولية للطبقة العاملة البريطانية التي حالت دون ان تندفع اوروبا الغربية مُغامِرةً بطيش في حرب مُشينة هدفها إدامة العبودية على الجانب الاخر من الاطلسي" (MECW 20, 13). وفي نفس الاجتماع تم إقرار "القواعد الاشتراطية" للأممية ويتم التعهد فيها من قبل "كل جمعية او فرد يلتزم بالأممية" على أن يتم " التعامل الداخلي دون الاخذ بعين الاعتبار اللون أو العرق أو الانتماء القومي" (15). ولقد تم نشر مسودة هذه النصوص بالإنجليزية كمناشير، وزعت بشكل واسع وفي لغات عديدة.

وفي خطاب وجهته الأممية الأولى " الى لنكولن رئيس الولايات المتحدة الامريكية" بمناسبة إعادة انتخابه جاء:

نهنئ الشعب الأمريكي بمناسبة إعادة انتخابك بأغلبية كبيرة. لقد مثلت مناهضة العبودية كلمة السر الكامنة وراء انتخابك في المرة الأولى وإعادة انتخابك هي صرخة الحرب المنتصرة: الموت للعبودية. ومنذ البدايات الأولى لهذا الصراع الأمريكي المهول شعر عمال أوروبا بغريزتهم أن العلم المرصع بالنجوم يحمل معه مصير طبقتهم... ولقد أدركت الطبقات العاملة في أوروبا إدراكا تاما، حتى وقبل ان يطلق تحالف البَغضاء للطبقات المسيطرة تحذيراته المقيتة لصالح ارستقراطية الكونفدرالية، بأن تمرد مالكي العبيد هو صوت ناقوس الخطر يُقرع داعيا لحرب مقدسة تخوضها المُلكية الخاصة ضد العمال. وأدركت بأن جمهور العمال وأماله المستقبلية لا وبل ومكتسباته السابقة معرض للخطر بفعل هذا الصراع العظيم على الجانب الاخر من الاطلسي. لهذا فإنهم وفي كل مكان تجملوا بالصبر حاملين العبء اللاحق بهم جراء أزمة القطن بصمت، وعارضوا بحزم كل محاولة للتدخل دعما للعبودية، ومن معظم أنحاء أوروبا ساهموا بالدم دعما للقضية العادلة. ولو أن جمهور العمال وهم القوة السياسية الحقيقية للشمال سمحوا بأن تدنس العبودية جمهوريتهم، لكانوا وبينما يساد الأسود بالعبودية ويباع ويشترى دون تفويض، وكأنهم يتفاخرون امامه بأن ما هذا الا امتياز رفيع أن يبيع العامل الأبيض نفسه وأن يختار سيده بنفسه، ولما كانوا قادرين على الحفاظ على الحرية الحقيقية للعمل ولا حصلوا على دعم رفاقهم الأوروبيين في النضال من أجل التحرر الإنساني. لكن أمواج بحر الحرب الاهلية الحمراء قد جرفت هذه القيود الآن. يشعر العمال في أوروبا شعورا أكيدا بأنه وفيما افتتحت حرب الاستقلال عهدا جديدا لهيمنة الطبقات الوسطى فإن الحرب الأمريكية ضد العبودية ستقوم بالأمر ذاته من أجل الطبقات العاملة. (MECW 20, 19–20)



أصدر مجلس الأممية في أيلول 1865 تهنئة بمناسبة انتصار اتحاد الولايات الشمالية في الحرب الأهلية وجاء فيها:

نبارك لكم أولا انتهاء الحرب واستمرار الاتحاد مصانا. إن راية النجوم والخطوط التي نُكست بفظاظة بيد أبناء لكم، عادت ترتفع لترفرف في الهواء من الأطلسي الى الهادي، فليس لها بعد الآن كما نأمل، أن يحدث وتُهان من قبل ابنائكم، ولا أن ترفرف على أرض معركة أو خلال الفتن ولا في حرب مع الأجنبي... وإننا نبارك لكم ثانيا القضاء على السبب وراء هذه السنين من المعاناة وإزالته-فلم يعد للعبودية وجود. ولقد أزيلت الى الابد هذه اللطخة السوداء من على شعاركم الناصع ولن تقايض بعد الان مطرقة التاجر لحم الانسان ولا دمه في اسواقكم جاعلة الإنسانية ترتعد في صقيع بربريتها (General Council of the First International 1962, 310–11).

اختتمت الرسالة بتنبيه صيغ بلباقة دبلوماسية لكن بحزم يحذر فيه من عدم التنفيذ الفوري لسياس إعادة بناء فورية تشتمل على مساواة كاملة في الحقوق المدنية للسود:

اسمحوا لنا بما اننا اكتسبنا شرف التعبير المتعاطف مع معاناتكم وشرف القول الداعم مشجعا لكم في مساعيكم وشرف مباركتنا نتائج جهودكم ان نضيف نصيحة من اجل المستقبل، ذلك ان غياب العدالة عن قطاع من شعبكم ادى لنتائج كارثية، على هذا أن يتوقف! أعملوا على الإعلان عن مواطنيكم أحرارا متساوين، دون تحفظ، وإن فشلتم في منحهم حقوق المواطنة المتساوية بينما تطالبونهم بواجباتها فاعلموا انكم تحتفظون للمستقبل ببقية صراع قد يصبغ وطنكم بدماء أبنائكم. إن عيون أوروبا والعالم تتوجه ناظرة الى جهودكم في إعادة البناء والاعداء حاضرون في كل مكان ليقرعوا ناقوس سقوط المؤسسات الجمهورية في أقرب فرصة مواتية. إننا نحذركم كأخوة القضية الواحدة، حطموا كل قيد يقيد ذراع الحرية وسيكون انتصاركم آن إذ كاملا (311-321).

لن تكون هذه المقالة كاملة دون التطرق الى الجانب النظري الذي قدمه ماركس في نقده للاقتصاد السياسي وبنية النظام الرأسمالي في كتاباته الاقتصادية الأساسية.

ولهذا سأقدم الاقتباسين التاليين:

في مؤلفه "بؤس الفلسفة وفلسفة البؤس" عام 1846 وهو من أوائل اعماله الاقتصادية:

إن العبودية المباشرة هي محور الصناعة البرجوازية بالضبط كما الآلات والائتمان الخ. بدون العبودية لن يكون هنالك قطن، وبدون القطن لن تكون لديك صناعة حديثة. إن العبودية هي ما منحت المستعمرات قيمتها، والمستعمرات هي التي خلقت التجارة العالمية، والتجارة العالمية هي الشرط الأساسي للصناعات الكبرى. ولهذا فالعبودية مقولة اقتصادية ذات أهمية عظمى.

بدون العبودية فإن أمريكا الشمالية وهي البلاد الأكثر تقدما ستتحول الى بلد بطريركي. امسح أمريكا عن خارطة العالم فسوف تحصد الفوضى- التحلل الكامل للتجارة العالمية وللحضارة. وإذ جعلت العبودية تختفي فإنك سوف تمسح أمريكا عن خارطة الأمم. ولهذا ولأن العبودية هي مقولة اقتصادية فإنها قد وجدت دائما ضمن مؤسسات البشر. ولقد استطاعت الأمم الحديثة أن تخفيها داخل بلدانها لكنها قد كشفت عنها سافرة دون غطاء في بلدان العالم الحديث.

في القسم المعنون " ما يسمى بالتراكم الأولي" من مؤلف ماركس الأساسي رأس المال الجزء الأول يقرر:

ان اكتشاف مناجم الذهب والفضة في أمريكا، واقتلاع سكانها الأصليين من مواطنهم واستعبادهم ودفنهم أحياء في المناجم، وبدايات غزو ونهب الهند الشرقية، وتحويل إفريقيا إلى ساحة محمية لصيد ذوي البشرة السوداء، ان ذلك كله يميز فجر عهد الإنتاج الرأسمالي. ان هذه العمليات الرغيدة هي العناصر الرئيسية للتراكم الأولي. ثم جاءت في أعقابها، الحرب التجارية التي خاضتها الأمم الأوروبية جاعلة الكرة الأرضية ساحتها. فقد اندلعت بانفصال هولندا عن أسبانيا، واتخذت أبعاداً هائلة في حرب إنكلترا ضد اليعاقبة، وما تزال مستعرة في حروب “الأفيون” ضد الصين، وهلمجرا.(ترجمة الياس شاهين).

في واحدة من رسائل ماركس الأخيرة عام 1970 يقرر:

والأهم! في جميع المراكز الصناعية والتجارية في انجلترا هنالك انقسام داخل الطبقة العاملة الى قسمين متصارعين؛ البروليتاريا الانجليزية والبروليتاريا الإيرلندية. ويكره العامل الانجليزي العامل الإيرلندي لأنه منافس له ويقوم بشد مستوى الحياة الى الأسفل. ويشعر هذا العامل في توجهه نحو العامل الإيرلندي بأنه ابن الأمة المهيمنة ولهذا فإنه يجعل من نفسه صنيعة في يد أرستقراطيته وفي يد برجوازيته، ضد ايرلندا، ويقوم بهذا بتقوية هيمنتهما عليه هو نفسه. ويجند معتقداته المتحاملة دينيا واجتماعيا وقوميا ضده. ويشبه توجهه نحو العامل الإيرلندي تقريبا توجه الفقراء البيض نحو السود في ولايات العبودية السابقة في الاتحاد الامريكي. ويعيد له العمال الإيرلندي في المقابل بنفس عملته. انه يرى في العامل الانجليزي متواطئا أبلها وأداة وسيطة للهيمنة الانجليزية على ايرلندا. وتقوم الصحافة بشكل مصطنع بإبقاء هذا الصراع حيا فتأججه بمشاركة وعاظ الكنائس والمنشورات الكوميدية، وباختصار بجميع الوسائل المتاحة للطبقة المهيمنة. وهذا الصراع هو سر ضعف الطبقة العاملة الانجليزية رغم قوة تنظيمها. وهو سر بقاء قوة الطبقة الرأسمالية. أما الأخيرة فإنها تدرك هذا الامر ادراكا كاملا.

ملاحظة: جميع النصوص المترجمة هي من ترجمتي عدا ما تمت الإشارة اليه بين قوسين. وتجدها بشكل مفصل أكبر في كتاب ماركس ومجتمعات الأطراف تأليف كيفن أندرسون وترجمتي والصادر عن دار أروقة في القاهرة.



#هشام_روحانا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءات في -رأس المال-: ماركس هيجل والصوفية
- تداعيات تحت وقع الكورونا: فريدا كالو وكارل ماركس
- ماركس، حول الفن الاغريقي
- الأزمة وبنيتها، من أجل اللحظة اللينينية (1-2)
- ماركس وروسيا البحث عن ثورة (4-4)
- ماركس وروسيا البحث عن ثورة (3)
- ماركس وروسيا، البحث عن ثورة (2)
- ماركس وروسيا
- سيمون دي بوفوار وجان بول سارتر في كوبا
- المأثرة الكوبية
- -عشرٌ- من الوصايا الليبرالية لليساري المبتدئ!
- باتمان، المأزق الأيديولوجي للرأسمالية المعاصرة
- كيف يتكلم التابع؟؛ مقابلة مع فيفك تشيبر
- دراكولا: -عاجلا أم آجلا سينتصر العطش-
- Viva la FIFA
- أفكار نحو علم جمال للسينما - جورج لوكاتش
- أحمد فؤاد نجم، ماركسيا
- مدخل لبعض مفاهيم التحليل النفسي في النقد السينمائي
- التأويل مقابل الشكلانية - سلافوي جيجيك
- عظمة لينين - ليبقى الأمر فيما بيننا: إذا ما اغتالوني...


المزيد.....




- هدفنا قانون أسرة ديمقراطي ينتصر لحقوق النساء الديمقراطية
- الشرطة الأمريكية تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة ...
- مناضل من مكناس// إما فسادهم والعبودية وإما فسادهم والطرد.
- بلاغ القطاع الطلابي لحزب للتقدم و الاشتراكية
- الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي (الإتحاد المغربي للشغل) تدعو ...
- الرفيق جمال براجع يهنئ الرفيق فهد سليمان أميناً عاماً للجبهة ...
- الجبهة الديمقراطية: تثمن الثورة الطلابية في الجامعات الاميرك ...
- شاهد.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيم ...
- الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا ...
- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - هشام روحانا - ماركس، العبودية السوداء والعنصرية