أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - أم البلابل. . نص سيري يُمجد المكان المُستلَب















المزيد.....

أم البلابل. . نص سيري يُمجد المكان المُستلَب


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 6435 - 2019 / 12 / 12 - 14:11
المحور: الادب والفن
    


تُعدّ رواية "أم البلابل" لعمّار تاسائي الأحوازي الصادرة عن دار E-Kutub Ltd في لندن نصًا مكانيًا بامتياز ولعله يذهب أبعد من ذلك حينما يُصبح بعض الأمكنة شخصية من شخصيات النص الروائي مثل قرية "أم البلابل" أو مدينتي الأحواز وعبادان اللتين تدور فيهما معظم الوقائع والأحداث. ولو تجاوزنا مكانية النص السردي لوجدنا أن بنيته المعمارية تقوم على السيرة الذاتية المزدوجة لجاسم وأبيه الحاج محمد اللذين يصعب الفصل بينهما لأنهما شخصيتان فاعلتان ومتواشجتان منذ مُستهل النص حتى جملته الختامية. وأكثر من ذلك فإن الثيمة الروائية تتشظّى لتناقش موضوعات كثيرة من بينها الحياة المدينية، والدراسة، والحُب، والزواج، وخيانة الوطن، والفروقات الطبقية، وعودة الوعي المُستلَب، والتشبّث بالأرض، والتمسّك بمنظومة القيم الأخلاقية التي تربّى عليها المواطن العربي الأحوازي.
يُركِّز عمّار الأحوازي على شخصية جاسم بطريقة أوتوبيوغرافية مُتتبعًا إيّاه منذ طفولته حتى زواجه وهروبه من ملاحقة السافاك. وحسنًا فعل الأحوازي حينما ترك جاسم يروي سيرته الذاتية بضمير المتكلم من دون أن يتدخّل الراوي العليم وكأنّ وعي هذا الصبي الصغير بدأ يتفتح من تلقاء نفسه على الرغم من محاولات الأب الذي يريد أن يُحرمه من الدراسة على اعتبار أنّ "هذه الأرض هي أفضل مدرسة، وهذا الحقل هو أفضل مُدرِّس"، ويمنعهُ من التفكير في الذهاب إلى المدينة خشية أن تتبدل طباعه القروية الأصيلة.
تبدأ الانعطافة الأولى في هذه الرواية حينما تتقدّم الدولة لشراء أراضي قرية "أم البلابل" بعد أن اكتشفت شركات التنقيب وجود النفط في المناطق المجاورة لها. وعلى الرغم من موافقة غالبية الفلاحين على بيع أراضيهم والانتقال إلى المدن إلاّ أن الحاج محمد يرفض أن يبيع أرضه مهما كلّفه الثمن. وحينما سمع مهندس المشروع إيزدي يصف العرب بالجبناء هاجمه ليلاً وأوسعهُ ضربًا لكنه سيدفع الثمن غاليًا إذ حُكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات يقضيها بسجن في الأحواز، وهي ذات المدينة التي ستنتقل إليها عائلته الكبيرة بعد أن تضطر لبيع الأرض وتسكن في حيّ العامري الذي شعر فيه بالغربة اللغوية، والتناشز الاجتماعي شكلاً ومضمونًا. ورغم تقوقعه في الأيام الأولى بهذه المدينة الكبيرة إلاّ أنّ خاله سرعان ما يجد له عملاً في مقهى في السوق الكبير وسيدفع له الأسطى عبدالرزاق 1000 ريال أسبوعيًا تُعينه على تحمّل أعباء الأسرة الكبيرة التي بات مسؤولاً عنها بعد حبس الوالد. يتشكّل وعي جاسم رويدًا رويدًا في المدينة ويكتشف الفروقات الكبيرة بينها وبين القرية وعلى الرغم من تحذيرات الأسطى عبدالرزاق ونصائحه المتواصلة لجاسم إلاّ أنّ هذا الأخير سيتمرد عليه ويلتقي بأصدقاء السوء ارميّض، ابن الغجرية، واللص حبش اللذين يُعيّرانه بأصله القروي وعدم قدرته على الاندماج بالمجتمع الفارسي والذوبان فيه. ومنْ يقرأ هذه الرواية سيجد أنّ فصولها التي جاوزت الأربعين فصلاً تكتظ بهذه المحاولات المستميتة للاندماج بفضاء المدينة حيث يصرّ على تعلّم اللغة الفارسية واتقان نطقها الصحيح، كما يغيّر مظهره الخارجي بعد اشتراكه في عملية سرقة أحد المنازل حيث يتخلى عن الدشداشة، ويرتدي بدلة سوداء، ويقص شعره قَصّة حديثة، ولا يجد حرجًا في التدخين، وشرب الجِعة التي كان يراها حرامًا إلى وقت قريب، بل أنه بدأ يتجاوب مع الفتيات الفارسيات اللواتي يصادفهن في المراقص الليلية ليكتشف أنّ الحياة الحقيقية الممتعة مقتصرة على الفرس من دون بقية القوميات الأخرى، ولكي يتردد على هذه الأماكن الراقية بشكل مستمر اقتنع بضرورة تغيير اسمه فأصبح شهرام علواني خصوصًا بعد أن نجح في امتحان الصف السادس وسوف يتعيّن لاحقًا بمساعدة الأستاذ الكعبي في شركة النفط بعبادان. أما الأب السجين فقد أُفرج عنه بقرار عفو أصدره الشاه لمناسبة عيد نوروز لكنه خرج هزيلاً وكئيبًا ومدمنًا على المخدرات ومع ذلك فقد ظلّ متشبثًا بزيّهِ العربي، وقيمه التي تربّى عليها. وعلى الرغم من حصوله على عمل كحارس ليلي في أحد الكراجات إلاّ أنه بقي عالة على أسرته التي تزوِّده بالنقود التي تلبّي رغباته الجديدة. أما الانعطافة الثانية في حياة شهرام فتتمثل بانتقاله إلى عبادان وحصوله على الوظيفة في شركة النفط التي نقلت حياته كليًا إلى عالم آخر، فقد منحتهُ الشركة بيتًا صغيرًا، وكان يتقاضى راتبًا قدره أربعة أضعاف الراتب الذي كان يتقاضاه في المقهى، كما تعرّف على عدد من الأصدقاء من بينهم شهين التي سيقع في حبها ويتعلّق بها كثيرًا، وخالد الكعبي مسؤول الشؤون الإدارية الذي اعترض على جاسم لأنه غيّر اسمه إلى شهرام مُعاتبًا إياه:"اسمك هُويتك وثقافتك وتاريخك، كان من الواجب أن تحافظ عليه". سبق أن أشرنا سلفًا أن هذه الرواية مكانية تجعل القارئ يتعلق بالأمكنة التي تعيش فيها الشخصيات فمثلما نتذكر تفاصيل "أم البلابل" نسترجع انهماك جاسم في المقهى واستماعه لحكايات القصخون، وصداقاته التي أخذت تتوسع رغم تحذيرات الأسطى الذي بدأ يخشى عليه من الانحراف بعد أن بدأ يُدخن، ويحلق شاربه، ويرتدي البنطال. كما نتذكر لياليه الملاح في منازل الغجر أو فنادق الدرجة الأولى التي يراقص فيها الفتيات الفارسيات ويغازلهن من دون خوف أو حرج. وسوف تتكرر هذه اللقاءات الحميمة مع صديقته شهين التي يصطحبها إلى صالة سينما تاج ويطبع على شفتيها قُبلة حارة يؤكد فيها صدق مشاعره العاطفية التي تنتهي بالزواج منها رغم أنّ والده كان يتمنى عليه أن يتزوج ابنه من إحدى بنات عشيرته. كان شهرام منهمكًا بتوسيع علاقاته الاجتماعية فهو يحلم بالثروة والجاه ويعتقد أن هذه الزيجة على الرغم من قيودها وكلفتها المادية العالية ستنقله إلى العالم المخملي الذي تعرّف عليه في أثناء حضوره لحفل زفاف شقيقة شهين الذي حضره الأهل والأقارب والأصدقاء ومن بينهم ساسان، ابن خالتها الذي سبق أن رآه في مرقص فندق بارس الشهير في عبادان. ربما تكون الانعطافة الثالثة هي تجنيد شهرام من قِبل السافاك لمعرفة تحركات صديقه خالد الكعبي، الشيوعي الذي يدعو لتشكيل دولة عربية في "خوزستان". وفي إحدى زياراته يتعرّف على مجموعة الكعبي التي تتألف من أربعة أشخاص ثوريين ويركِّز على الموضوعات التي ناقشوها مثل سياسة الشاه والعرب، واتفاقية 1975، وتوزيع الثروة بطريقة عادلة وحينما يعود إلى بيته يجد فيه ساسان وهو يتحدث إلى شهين ويشتم والده الحاج محمد فتثور ثائرته ويدفع الباب بقوة ويضربه على رأسه بقضيب معدني غير مرة ويرديه قتيلاً في الحال متصورًا أن زوجته قد خانته مع قريبها ساسان. لم يجد جاسم بُدًا من الاعتراف لصديقه خالد الكعبي بأنه كان يتعاون مع السافاك، ويتجسس عليه لكنه لحسن الحظ لم يزوّدهم بأي تقرير حتى الآن الأمر الذي يدفع خالد إلى الصفح عنه شرط أن يدافع عن قضية شعبه الأحوازي المحتل فينصحه بالهرب إلى العراق لكنه يقرر شراء أرض زراعية محاذية لنهر الكارون وبعيدة عن الأنظار يعيد فيها تشيّيد "أم البلابل" من جديد بمساعدة أبيه وبمعونة الحاج صبر الذي كان يزوّده بالمؤونة والأخبار طوال مدة اختبائه وحينما يتأخر "صبر" ذات مرة لمدة شهرين نفهم أن سبب تأخره يعود إلى الثورة التي أطاحت بالشاه وجاءت بالخميني إلى سُدة الحكم.
تكشف القراءة النقدية لهذه الرواية بأن شخصيتي الأب وابنه أوتوبيوغرافيتان متوازيتان، تتصادمان وتفترقان كثيرًا في إشارة واضحة إلى صراع الأجيال والأفكار والقناعات، لكنهما تلتقيان في خاتمة المطاف على حُب الأرض، والتشبث بها حتى النفس الأخير، ولعل هذا الهاجس الوطني هو الذي يدفع عمّار الأحوازي لكتابة رواية واقعية يتسيّد فيها المكان كشخصية رئيسة من شخصيات النص السردي من دون أن يعوّم الزمان أو يتناسى أهميته التي تشير، في الأعم الأغلب، الى حقبة الاحتلال الفارسي للأحواز منذ عام 1925 وحتى الوقت الحاضر. أصدر عمّار رواية "كوت عبدالله" وهو منهمك حاليًا بكتابة روايته الثالثة التي تتمحور حول الشيخ خزعل الكعبي أمير عربستان الخامس الذي خطفته القوات الإيرانية عام 1925 وفارق الحياة في مقر إقامته الجبرية عام 1937.
سنة الإصدار: 2017
عدد الصفحات: 244



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشهداء يرقبون من المطعم التركي ما يحدث في المنطقة الخضراء
- رحَّالة . . تآزر الوثيقة التاريخية مع الخيال المجنّح
- سيرة اللقطة السينمائية وتجلياتها منذ ولادة الفن السابع وحتى ...
- أرواح صغيرة. . رحلة من جحيم الحرب السورية إلى -جنّة- المخيما ...
- مْباركة فيلم يرصد المهمّشين ويغوص في قاع المدينة المغربية
- الفنان حميد شكر . . . فيكَرات تائهة تُطلق العنان لمخيّلة الم ...
- طفلان ضائعان لسلام ابراهيم قصص ترصد وحشة المنفى وتستدعي الحن ...
- طيور الأحواز تحلّق جنوبًا.. رواية واقعية لم تنجُ من الخيال
- نوتة الظلام . . مَصفاة لتكرير النفوس الحائرة
- ربيع التنّومة: سيرة مدينة مُنتفضة، وشخصيات مُثقَلة بالعُقَد
- مراجيح الناثر بدر شاكر السيّاب. . دمامة اللغة بعيدًا عن وهج ...
- فيلم نباح يرصد تفكّك الأُسَر المهجّنة في بلدان الشَتات
- صمتُكَ كثيرٌ وظهيرتي لزجة: شطحات شعريّة تخرق المسكوت عنه
- البنتُ التي لا تحِّبُ اسمَها رواية تُراهن على قوّة الخيال
- وردة الأنموروك رواية تستعيد الإبادة الجماعية للأرمن
- إكس عدرا ترصد قصص الناجين من الموت الممنهج لنظام الأسد
- رواية الاغتيال. . دعوة لتنظيف البيت العربستاني
- أزاهير الخراب رواية تنسف التيمة وتراهن على اللعبة السردية
- أكثر من 100 عرض على مسرح دار الأوبرا السلطانية مسقط في موسمه ...
- أنبياء سومريون.. بحث رصين يدحض النظريات المُضللة


المزيد.....




- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...
- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - أم البلابل. . نص سيري يُمجد المكان المُستلَب