أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف بمناسبة الأول من أيار 2006 - التغيرات الجارية على بنية الطبقة العاملة وحركتها النقابية والسياسية - المنصور جعفر - خزريات بابل ينشدن الزنج والقرامطة















المزيد.....



خزريات بابل ينشدن الزنج والقرامطة


المنصور جعفر
(Al-mansour Jaafar)


الحوار المتمدن-العدد: 1543 - 2006 / 5 / 7 - 12:08
المحور: ملف بمناسبة الأول من أيار 2006 - التغيرات الجارية على بنية الطبقة العاملة وحركتها النقابية والسياسية
    


المحور الأول
هل طرأت تغيرات جدية وملموسة على بنية الطبقة العاملة خلال العقود الأخيرة؟ وما هي تلك التغيرات الكمية والكيفية؟


بتوسع وزيادة أقسام الصناعة (الأساسية والوسطى والنهائية التي تسبق الإستهلاك)، وتوسعها يمكن القول: إن الصناعة قد زاد إنتشارها وتكثفت في العالم وإن أصناف عملها قد جمعت - بفعل خاصة التقسيم الرأسمالي للعمل وعشواءه هذا التقسيم- بين البساطة الشديدة والتعقيد الشديد في عملية الإنتاج وأسلوب إفاضة القيم المادية للمواد الخام بهذه العملية الإنتاجية، وإنتزاع القيم المالية لهذه الإفاضة من العمال، بالإحتكار القانوني من جانب رأس المال لأرباح هذه الصناعة دون العاملين عليها، كما تراوح حال العمل الصناعي نفسه ففي جهة معينة تكرس في العامل الأحدية في الإنتاج والتخصص الشديد المخصوص بعمل معين، وفي جهة أخرى يكرس تجميع الصناعات والتكثيف الشديد للإنتاج كينونة العامل الشامل في بعض مناطق العالم وورش الإنتاج فيه ومعامله ومصانعه.


وقد إتصلت الزيادة الكمية والنوعية لأعمال الصناعة في العالم بظاهرتين جدليتين هما: ظاهرة زيادة عدد المنسوبين للطبقة العاملة الصناعية وإنتشارها في جغرافية العالم وتطور هذا الحال بصورة وئيدة خلال المآئة وخمسون عاماً الأخيرة من عدد ملايين محددة في بضعة بلاد وقت صدور البيان الشيوعي إلى مايقارب ثلث السكان في جميع بلدان العالم الآن. وكذلك إرتبطت الزيادة الكمية والنوعية لأعمال الصناعة في العالم بظاهرة تعطيل وتهميش مئات الملايين من العمال الصناعيين وغيرهم في جميع انحاء العالم وخاصة في الدائرة المهمشة لمركزه الرأسمالي التي تتكون من حوالى 150بلداً بالحساب القديم لعدد البلدان أو من حوالى 100 بلد بالحساب السياسي الجديد لعدد البلدان بما فيه من تقسيم الإتحاد السوفييتي ويوغوسلافيا وإنضمام دول شرق أوربا الستة إلى غربها الرأسمالي ومنح (الإستقلال) وصفة الدولة لعدد من الجزر المغمورة جغرافيةً وإعلاماً في البحار المحيطات بقارات العالم.


وترافق مع هذا الإنتشار العشواء بما فيه من تشغيل وتعطيل وتقدم وتخلف في صناعة المكائن والألآت إمتياز في عدد المعامل والورش في العالم بسلاسة إنتاجها وخفته على عدد المصانع الثقيلة وإنتاجها بشروط عمل أدنى تنحط بقابليها إلى أسفل سافلين، مما دفع كثرة من العمال إلى هجر الصناعة والنضال النقابي الجماعي لتحسين شروط العمل إلى مجالات التكسب والحرف الفردية وإلى الهجرة وإلى الجهاد والنضال المسلح في عالمنا أو إلى صفوف الجماعات الفاشية والجيوش الذاهبة لفرض رأس المال.


كذلك تغيرت الطبيعة العامة الخشنة للعمل في كثير من الأعمال الصناعية الجديدة إلى طبيعة ناعمة، كثر فيها عدد النساء واليافعين بين العمال (200-300 مليون طفل بين الرابعة والرابعة عشر يعملون كعمال وجلهم في البلاد التي يحكمها السوق)، كما تمتعت مراكز الصناعة ومجالات الحياة فيها ببعض الرغد واليسر في أسباب العيش والخدمات، بالمقارنة مع الشظف الذي تكرسه في المناطق الخادمة لها.


وقد شابهت سمتي الإتساع والنعومة في الأعمال الصناعية ومجالاتها كثير من سمات أعمال الطبقة الوسطى ومجالات وأساليب عيشها الظاهرية، ولكن بمخاطر أشد في العمل الصناعي وأكثر فداحة قدرتها منظمة العمل الدولية ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية بمعدل تتراوح أعداده بين 200مليون - 400 مليون إصابة عمل سنوياً تسيل منها دماء العمال في عملية الصناعة وكثير من تلك الإصابات مقعد ومعجز عن العمل والعطاء إلى نهاية عمر المصاب، دعك عن قتلى عمال نظافة المصاهر، والمصانع الكيماوية، وناقلات النفط، وعمال الصهر والقطع والبناء والنقل والمناجم.


وجملة يمكن القول إن زيادة الوضع الإقتصادي للصناعة في العالم قد ترافق مع تحولات إجتماعية وإقتصادية متنوعة تختلف في مدى تناسقها وإتساقها مع وجود المجتمعات القائمة فيها والحاجات الضرورية لهذه المجتمعات وأساليب إجابتها و وإشباعها هذه الحاجات.


وفي تقديري إن هذا الإختلاف في درجة التناسق الإقتصادي-الإجتماعي بين وضع الصناعة ووضع الناس المتصلين بها يرتبط بالموقع السياسي للمجتمع وحاجاته من عملية الصناعة الدائرة فيه، ومدى مركزيته في هذه العملية أو هامشيته، سواء كانت هذه العملية في بيرو أو الأحواز-خوزستان أو أيرلندا أو
غينيا أو جنوب أفريقيا أو في الصين أو في كوريا الشمالية.



ما هو تأثير ذلك على الحركة النقابية والسياسية للطبقة العاملة وعلى دورها ومكانتها في الاقتصاد والمجتمع؟

لم تكن زيادة الصناعة نتاج وحدها وفريدة عصرها وأوآنها، بل تواشجت زيادة الصناعة بالسيطرة والديكتاتورية العامة لرأس المال لا في عملية العمل وحسب، بل وفي جملة التنظيم الدولي وبنياته السياسية من دول ومنظمات ومعاهدات ومؤسسات إجتماعية ومالية وتجارية دولية، بدءاً من سيطرة الدول الرأسمالية السيدة في هيئة الأمم المتحدة على تكوين الدول الجديدة بعد 1945 بشكل رهن إستقلال تلك الدول (المتحررة حديثا)ً وشرط التصديق (العالمي) على إستقلالها بقبول تلك الدول وموافقتها على استمرارها في الإلتزامات الدولية السياسية والإقتصادية العامة للنظام العالمي لصيانة الأمن والسلم الدوليين فيه، وإبعادهما عن (التوتر) بما في هذا الإلتزام من صون للمعاهدات المالية المعقودة قبل الإستقلال و(إجراءات) ضمان قيمة العملة (الوطنية) عبر قبول شروط تنظيم البنوك الدولية لتلك الإجراءات التي تمتد لأسس إقتصادات البلدان التي تزمع الإستقلال، وإجراءات تعاملاتها وتحويلاتها المالية، وأسلوب تحديد سعر صرف العملة (الوطنية) في "السوق الدولية"، وما أدي إليه كل هذا التحكم من تسعير مباشر وغير مباشر لإنتاج الدول التي أعلنت (إستقلالها) حديثاً عبر أجهزة الإعلام، بينما كان واقعها قد تبدل من شكل قديم للإستعمار إلى شكل حديث منه: فقد سبب ذلك التحكم الإقتصادي الذي فرضته الدول الإستعمارية على موارد الدول (المستقلة) حديثاً وتبادلاتها ونشاطاتها تحكماً إمبريالياً في الأحوال والطبيعة السياسية والإجتماعية للدول الجديدة والنظام العالمي عامة تحكماً إرتبط بالتحديد القديم لوضع رأس المال وتحكمه القديم والراهن في وضع الصناعة وتطورها في بلدان العالم وهو التحكم الذي شمل في البلاد (المستقلة) حديثاً طبيعة حكوماتها وطبيعة وجود وحياة طبقاتها الإجتماعية العاملة والمالكة ومالف لفها من طبقات وفئات وشرائح، والمستقبل العام لجملة هذا الجزء الظالم من التاريخ وهو المستقبل الذي نعيشه حاضراً.


ومن هنا تأتي ضرورة التوضيح السياسي الطبقي للقوى الدولية والإجتماعية التي تؤثر على وجود وتطور الصناعة والطبقة العاملة في بلادنا ووضع مجتمعاتها وسير الأمور فيها وهو بالضرورة توضيح تاريخي يعتبر بتطورات التاريخ الحديث للصراع الطبقي بين قوى التملك وإحتكار الأرباح وقوى الإنسان التي تروم العمل سداً لضرورات حياتها وهو الصراع الذي وضحت معالمه مع تجمع المؤسسات الدولية التجارية والصناعية والمالية وتلاحمها مع كيان الدولة الإستعمارية وإنتشارهم سوياً في قطاعات الإنتاج وفي بلدان العالم في الحالة الإمبريالية لأحتكار الموارد والثروات والسلطات ومنظومات القيم بواسطة قوى معينة في نظاق العالم كله.


وقد كانت بداية تشكل هذه الظاهرة الإمبريالية الحديثة بالأوضاع التي شكلتها وفرضتها الرأسمالية العالمية في بلدان العالم نتيجة التغلب بالقوة على الإقطاع في أضعف حلقاته التي تباعدت فيها المكونات القومية والدينية والطبقية والثقافية لكياناته في بريطانيا (1640-1840) وفي أمريكا (1505- 1913) وفي فرنسا (1756-1920) ومفاقمة ظواهر الإستبداد العسكري الداخلي في تلك البلاد وتحول النهضة الرأسمالية فيها مع إحتكار الرأسماليين بالقوة والحيلة لشعارات الحرية ولجهاز الدولة إلى حالة داخلية مقننة من الإستبداد الليبرالي عرفت بإسم "الحرية" وحالة دولية من الإقطاع عرفت بمفهوم "الإستعمار"، ونتيجة لهذا الإستعمار ونهبه موارد البلدان وتعطيله لإرادتها، وتركيزه الشحيح لبعض المشروعات في بعض مناطقها ومجتمعاتها، تفاقمت ظواهر الإستغلال والتهميش والتخلف والتبعية في العالم، وفي خضم ذلك نشأ نضال عصبة الشيوعيين لوحدة عمال العالم وشعوبه المضطهدة بداية لحركة التحرر الوطني بمفاعيلها الطبقية والسياسية.


وقد كان عمود منطق النضال الأممي لأجل الحرية الشاملة بشيوع موارد الثروة والسلطة في كافة المجتمعات متسلسلاً في ترتيب تاريخي طبيعي جدلي في إن لا إستقلال لبلد ما دون إستقلال مجتمعه، ولا وجود ولا إستقلال لمجتمعه ولا رفعة له دون وجود وإستقلال الطبقة المنتجة لوجود ذلك المجتمع – مهما قل عددها طالما قامت بإنتاج ضرورات وجود المجتمع- وقيامها بمضاعفة إمكاناتها على العمران والنمو والإزدهار. فلأجل كل ذلك كان نضال الشيوعيين الشامل لأجل وعي الطبقة العاملة الصناعية بذاتها، وبما تمثله من ضرورة للحياة الإجتماعية بإنتاجها مقومات هذه الحياة، وبدورها التاريخي في نقل المجتمعات بهذا الإنتاج الجامع بين الناس والألآت والخامات من حال البداوة والإنتاج الزراعي الخام إلى مصاف التحضير المتناسق وتحقيق كينونة الإنسان في الإنتقال بالحياة البشرية من ممالك العزلة والحاجة والضرورة إلى مملكة التواشج والإبداع وشيوع الخيرات والجمال.


وقد كان التكوين الشمولي لأفكار الشيوعية والطبقة العاملة - التي لا تصبح طبقة في ذهن افرادها إلا بوعيهم بوجودها ودورها الموضوعي في الحياة وبقدرتها على تغيير أوضاع المجتمع إلى ماهو افضل- كان تكويناً متسماً بتعدد عناصره ومائزاً بأحوال الحياة وعناصرها المادية العلمية: الجدلية منها والتاريخية، على حساب التصورات المثالية والتجارب البحثية، مثلما إتسم التكوين الشمولي لأفكار الشيوعية والطبقة العاملة في فلسفته وطبيعته بالمشج والتكوين الثوري لهذه العناصرالمادية العلمية الجدلية والتاريخية وتشكيله بها للحياة الحاضرة بشكل موصول (على المستوى النظري) بمستوى زيادة وعي الطبقة العاملة بذاتها وظروف وجودها، ومتقدم بتقدم مستوى إحتياجاتها ونضالاتها.


وفي كل ذلك كان الفكر الثوري الجديد وطبقته العاملة ممزوجاً ومتصلاً بعملية لم تزل قائمة إلى الآن لإبعاد الفكر الإنساني كله عن التصورات والأفكار الأحدية الجزئية التي تصور تاريخ الحياة والبشر قدراً غيبياً مفصولاً في طبيعته الإجتماعية عن قوانين الطبيعة العامة، أو تتخيل الواقع صناعة وفضلاً من بعض الملوك والأبطال، أو نتيجة لعبقرية بعض الأفراد وتحكمهم في متغيرات الطبيعة الإجتماعية، أو تظنه حالة أبدية من التدليس والتآمر الداخلي والخارجي، أو نتيجة لبعض االحروب أوالأعمال الخيرية، أو لإنتشار بعض الأفكار والعقائد الطيبة في نفوس الناس.


فضداً لهذه التمثلات والتوهمات المنبتة والمجزوءة ربطت الشيوعية أعصاب الحياة ومادتها وتاريخها الجدلي بين تحرر الإنسان ومجتمعاته ودوله وتحرر أفكاره وظروف عيشه التي تنتج تلك الأفكار أو تكسبها سماتها الواقعية في المجتمع، وكان ذلك التحرير منها بإيضاح القوانين الأساس لحركة الطبيعة وشرح إتصال الطبيعة الإجتماعية بها، وهي:

 تطور الأشياء من البساطة إلى التعقيد،
 تكثف التغيرات العددية في عناصر الطبيعة المفردة إلى تغيرات نوعية شاملة،
 وحدة عملية نفي العناصر والكليات وتوكيدها في الطبيعة، وتقدمها جملةً ونموها بكل ما فيها من مراكمة للتحولات السالبة (-) والتحولات الموجبة (+) ، فوق التراكم القديم وإنقطاعها عنه بالصعود والإرتقاء إلى مستوى أعلى من التحولات يمثل في صيرورته الإجتماعية تقدماً إلى الأكثر جدة ونفعاً .


ولم تترك الشيوعية العلمية هذه القوانين معلقة في علوم الطبيعة وعناصر وفضاءات تمثلاتها في علوم الفيزياء والكيمياء والأحياء وما لف لفها، بل عقدتها وبشكل ثوري مناف للإكتمال والثبات، بممارسة نقد ما أعتقده الغالب في العدد من الناس في حينه وحتى الآن، بانه عناصر وقوانين خالدة سادت في الثقافة البرجوازية وما أنتجته من في واقعها وواقعنا من فلسفات مثالية لعلوم الإجتماع والإقتصاد والسياسة، كرستها العقائد والفلسفات المثالية الذهنية والأسمية القادمة من عالم البداوة بكل ما فيها من تباعد وتأمل وتقلب وجمود وعصبية وعدوانية التي نقلتها الحوامل الثقافية عبر الأزمان إلى عالم للحضارة يفترض إنه للتمدن والتغيير والسلام والرُقي.


وقد شمل هذا النقد البنيوي الشامل الذي قامت به الشيوعية ولم تزل كعلم تطبيقي لتحرير البروليتاريا: المسائل العددية والنوعية والحركية لوجود الطبيعة والحياة الإجتماعية وطبقيتها، بتاريخ دفع حاجات الفرد وضرورات عيشه للإنسان إلى ممارسة العمل وتنظيمه لتلبية هذه الحاجات، وإيضاحها بذلك التاريخ لدورالعمل البشري والإنتاج في تأسيس المجتمعات وتطورها، ودور إتساع هذا العمل وإنقسامه، وتخصصه وكيفية إيجاده وإنتاجه للقيم ووزنه لها وتبادله إياها، وتأثير هذا الدور في تغير أوضاع العمل وأوضاع الإنسان القائم به في المجتمع وتحول مفاهيمه تبعاً لهذه العملية. كما تناول النقد في دراسات علمية مفصلة ومحققة العملية القديمة لقيام مجتمعات البشر وطبقاتهم الوليدة بنَظم الأطر العامة التي تحكم وجود وحركة هذا الإنتاج وتبادلاته من منظومات وموازين توزيع المهام والثمرات واشجت في تكونها تكون أحوال السياسة والحرب مثلما واشج ذاك التكون بدوره تكون أحوال العائلة والملكية الخاصة والدولة والدين والثقافة والعلوم والحكومات والثورات.


ولم تكتف الشيوعية بعملية شرح وإيضاح تكون الفقر والبؤس الإنساني وكشف الأوضاع التي تنتج الطبقات وإيضاح المفارقة الحياتية التي شكلها إنقسام العمل والقسمة الغارمة لمكاسبه بين ارتباط وجود الناس وكرامتهم وحريتهم بوجود ضرورات العيش والعمل ووجود ملكية موارد العمل وأسبابه وثمراته، والتباين الذي نشأ في الناس والمجتمعات من تباين هذين الوجودين، وإنقسام البشر بنتيجته إلى طبقات. فقد تباينت الحياة بهذا القسمة الظالمة بين الكادحين في جهة والملاك المترفين بكدح هؤلاء في جهة ضد ،


فمنذاك نشأ التباين الطبقي بين حياة المنتجين للضرورات بما فيها من جوع وخوف وتكالب، وحياة المتملكين والمستهلكين والكانزين لأعظم ثروات الحياة التي أنتجها العمال، منذ طغيان الملوك على إنتاج أهل القرى وإحتكارهم موارد الماء والكلأ والنار، وسحت الملاك لثمرات كدح العاملين بالأشكال المألوفة للطاغوت والجبروت والمستمرة إلى هذا الزمان الذي تواصل فيه تجديد وخلق الأوضاع الطفيلية التي تعيش فيها بعض القوى الدولية والمجتمعات والطبقات المتملكة الرأسمالية على حساب دول ومجتمعات وطبقات كادحة تجردها بالتنظيم الرأسمالي وسوقه الحرة من ثرواتها وإرادتها، وتنتج فيه الفقر والتخلف والجهل والمرض والأمية الأبجدية والثقافية.


وفي تجاوزه الدقيق للقديم البالي، واشج فكر الشيوعية سعي الطبقة العاملة ونضالها لتنظيم نفسها وتحررها بدرس وتنظيم وحشد ثوري لأرقى أفكار وأشكال التغيير الأحدية التي كانت ولم تزل سائدة في العالم من قدسيات وجماليات وأدبيات وأفكار علمية وتعليمية وخيرية وتعاونية ونقابية وعسكرية وسياسية، ناظماً جواهرها نظرياً وعملياً في عملية نضالية موحدة لم تزل بدورها مستمرة، للقيام بكسر وإزالة الطبيعة الطبقية لنظم أحوال العالم، ومحق التراتبية العنصرية التي كنفت تطور مجتمعاته، معبداً بها الطرق الموضوعية لإرتقاء الإنسان من حالة الحاجة إلى ضرورات العيش والتكالب على موارده ووسائله وثمراته – بكل ما في ذلك التكالب من إزدراء وإزراء وإرزاء ـ إلى حال لشيوعية هذه الموارد والوسائل والأسباب تسمح بطبيعتها الجدلية المتقدمة بشكل علمي متناسق مزدهر للإنسان بتحقيق وجوده وكينونة مجتمعاته وأفرادها بإبداع وتفريد الجمال في الطبيعة وإزهاءه وتنسيقه وإشاعته.


وتتميز المنظومة النضالية لأفكار الشيوعية وتحرر الطبقة العاملة عن غيرها من منظومات التفكير وتنظيراته بالتحدد والإنضباط كمنظومة مغلقة محددة بقوانين التطور الإجتماعي الطبيعية، وهي قوانين علمية تعبر عن ظواهر طبيعية لا سبيل منطقي علمي لتجاوزها في الواقع الإجتماعي الطبيعي دون الإبتعاد عن دروب العقلانية والحرية:


ففي القوانين الموضوعية لتطور المجتمع لتلبية الحاجات الضرورة لحياة أفراده بأعدادهم الزائدة وطموحاتهم المتفتحة يحتم التطور في أعداد البشر تطوراً نوعياً فى أسلوب الإنتاج الذي يلبون به حاجات هذه الزيادة، يحققونه بفهم هذه الحاجة وكبفية تلبيتها بإستعمال هذه الأداة أو تلك الألة في عملية الإنتاج وبتعديل هذا الوضع المادي أو ذاك الوضع المعنوي لعنصر من عناصر العملية الإنتاجية أو لشيئ من تنظيمها وطبيعة دورانها وتوزع مواردها وجهودها وثمراتها.


وبما إن تطور هذا الإنتاج يحكم منطقياً وواقعياً بتطور قواه المادية والبشرية، فإن المهم عند مناقشة مدى تطور هذه القوى الإنتباه إلى إن هذا التطور محكوم بدوره بتطور العلاقات الإنتاجية لتوزع الجهود الإنتاج وثمراته التي تحكم تركيز هذه القوى وتوزعها في المجتمع.


وتقود مناقشة تركيز الأعمال الإنتاجية وتوزيع مواردها ووسائلها وجهودها وثمراتها إلى فحص طبيعتها كعلاقات سياسية ترتبط مجالات القبض والحرية فيها بسمات النوع الطبقي للديكتاتورية | الُسلطة السائدة في المجتمع، وخدمتها إما لرأس المال وقبضه على أسباب تطور المجتمع ورقيه بالمركزة والتهميش، أو بخدمة تلك الديكتاتورية لمصالح الطبقة العاملة الصناعية وما لف لفها من تكوينات طبقية.
ففي كل شأن تأريخي ساد في العالم كانت الديكتاتورية | السلطة هي التي تنظم بقوتها العسكرية والقانونية الأحوال الرئيسة الموجهة لعمليات تملك موارد العمل في المجتمع وتوزيعها وعلاقة وضع هذه الملكية بالعمل والطبقة العاملة الصناعية وما لف لفها.


ولهذا التواشج والترابط البنيوي السياسي بين قوانين الإنتاج وقوانين الوجود والتطور الإجتماعي والطبقي يتراجع المتجهين للفصل والفصم بين الطرح الشيوعي للقوانين العامة للتطور الإجتماعي وبين تطور أوضاع وأحوال المجتمع، وأوضاع وأحوال اوضاع الطبقة العاملة عن مسارات العقلانية التي تقتضي أسسها المكونة من معلومات ومنطق والمواقف الموجبة منهما، الربط بين التطورات الإنتاجية والإجتماعية والطبقية العمالية.


كما يقوم الفصل بين مفردات الفهم الإجتماعي للحرية كمنظومة إجتماعية سياسية لتحقق الإنسان، ولو كان ذلك الفصل بدعاو التركيز والتخصص وتقسيم العمل السياسي لتسهيله وضبطه بدفع (منطقي) إلى حالة من التصورات الأحدية الفردية للحرية، تفصل في الوجود وأوليته الكينونة السياسية للحرية وإجراءاتها وأدواتها النظرية من علمانية وبرلمان وحريات تنظيم وتعبير ومساواة أمام القانون ومحاسبة نزيهة، ومناخ ثقافي منفتح، عن أساسها الطبقي. حيث تقدم تنظيرات الفصل النسبي بين تقدم الشيوعية وتقدم الاوضاع العامة للمجتمع هذه الحرية العامة على (مسآئل النضال الطبقي) موجلة تحقيقها إلى ما بعد تحقق "الديمقراطية" والحرية، واضعة بذلك العربة أمام الحصان أو إلى جواره، بينما يتشكل الوجود -الواقعي- في الطبيعة بتراتب منطقي تحكمه ضرورات حياة كل عنصر وولادته بالتفاعلات لما بعده وليس لما قبله تراتباً منسقاً بديعاً من نمو الجذر في الأرض بالتفاعل مع موادها والمياه فيها وصولاً بعد إستواء النبات إلى الزهرة والثمرة.


ولكن نتيجة تراكم التقسيمات في العالم وإلتباس القيم والمعايير والتصورات والأوضاع نهج كثير من الناس في سيرهم بهذا الفهم الذي حرفته أساساً الطبيعة الظالمة للأسس والمحركات الإجتماعية بعد نشوء الملكية الخاصة وتحديد وتجميع الموارد حيث إنحرفت الدنيا بتقديرات دعوات الأديان للناس في بداواتها حين وجهتهم لإسلام أحوالهم من شرور البداوة وأغلال الحضارة بنبذهم التراتب والطاغوت وتوكيد قيم التوحيد ضد ذا التراتب وطاغوته، وإسلام النفوس وأحوال المجتمع منهما. وهو التوكيد الذي بقامت بتبديده - آخر هذه الدعوات- الطبقة السيدة على إيلاف قريش ، حيث قامت وجوه تلك الطبقة وفق مصالحها المنظورة أمامها بتوكيد نظام "الدولة" التراتبي وتعظيمه بالسياسة والحروب وتطور توكيدها إياه بأثر من قراءتها حالة تواشج الأوضاع الإمبراطورية المحيطة بها مع حالة تضجر المهمشين في أرجاء إمبراطوريات ذاك النظام العبودي القديم في تخوم جزيرة العرب وميلهم إلى الحرية من طغيان أباطرة الرومان وكسارنة الفرس، حتى جاء الحال الذي إلتبس فيه الحق بالباطل وأشتبهت فيه الأمور وإختلطت النيات والمقاصد في (الفتوحات) المزعومة التي إلتبست فيها عمليات التحرير من العبودية القديمة بعمليات إقطاع وإستعباد جديد للناس الذين ولدتهم أمهاتهم أحراراً.


وأكتمل التبدد السريع للتوجه الديني نحو الحرية، بنشوء ما سماه الأمين (ص) بـ"الملك العضوض"، بما فيه من خلفاء وسلاطين وجيوش وجواري وخدم وعبيد، وهو ملك أقطاعي لفئة باغية سياسياً وإقتصاداً وإجتماعاً لم تنجح في الخروج عليه إلا (القرامطة) الذين جمعوا بقوة ثورية بين إتجاهات التشيع الإسماعيلي الإجتماعية الرافضة للظلم الطامحة للعدل، وإتجاهات إخوان الصفا العقلانية وفلسفتهم العلمية التاريخية الجدلية المتواضعة بحكم الظروف الثقافية لذاك الزمان، والقوة الضارية للنوبة السودانيين الذين شكلوا عماد ثورة الزنج، بفكرهم الهرمي المرتب المنظوم، وبعض جماعات الفرس واليهود بكل ما يملكه أفرادهم من معارف وفلسفات وخبرات فنية وعسكرية من الذين أسرف العباسيون في التنكيل بهم، فبالضفر الثوري لأوضاع وأفكار وآمال وقوى هؤلاء، ولغيرهم في أنحاء ذلك العالم،تأسست (دولة) متينة صغيرة الحجم شاعت فيها مراكب الصيد والمزارع، وضبطت اعمال الورش على حاجة الناس وكسفت فيها النقود، ورفعت فيها المدارس، ونظم الطب، وحررت فيها العبادات من عقالات الملكية الخاصة والتفسيرات الأحدية، والتصورات الأنانية، حتى تكالبت عليها الجيوش وأخذتها.

وجملةً يمكن القول إن التوجه الديني بحكم طبيعته الفلسفية المقترنة بالإنفصام القديم لقيمة العمل عن وجود وحقوق العمل ذاته، وميل الأذهان للإعتقاد بإنفصام وجود الطبيعة عالم الأرض فيها عن عالم السماء، قد إهتم بتحرير الناس -الذين ولدوا احراراً- من ملك الإستعباد بداية بمحاولة تحرير أذهانهم من فكرة التراتب ودفعهم نظرياً وعملياً إلى عالم المساواة والتوحيد، بمنع الكذب والتطفيف في موازين القيم ومكاييلها وزور المعايير وتثمين الكسب بعمل اليد وتحريم الربا، والحث على عتق الرقاب، ومنع الكنز، والأمر بدفع فضل الظهر والمال والزيادة في كل شيء، وإنفاق العفو.إلخ


ولكن التطورات الإجتماعية السياسية في الأرض وغلبة مصالح الطبقة السائدة وأسلوب حياتها الطفيلي القائم على إدامة تطفيف موازين القيم وزور معاييرها لمراكمة الأرباح جهة العناصر القوية تأكل بها وتسحت العناصر المستضعفة في الأسواق من جموع المنتجين والكسبة الصغار الذين رزءوا معيشة ضنكاً جراء هذا الشكل التقليدي لفصم القيم والعقائد والطبقات وصلات الرحم، الذي فصم الشكل الجمالي العام للرسالة الدينية حينذاك الزمان عن المضمون العملي والإجتماعي الإقتصادي السياسي والثقافي لها في أرض الواقع الذي أضحى ملكاً عضوض إذا دخل ملوكها برؤوس أموالهم أو برؤوس جيوشهم قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة.


فبغلبة الملك العضوض والباطل على الموجهات الأخلاقية للأديان دخل البشر بذلك الحكم المطلق في منزلة بين المنزلتين، أي بين منزلة العبودية والقنانة في الجهة الواقعية لعيش الناس، ومنزلة حرية الكسب (الحضاري) والمساواة الخمسية في الصلاة في جهة الإدعاء الثقافي العام ضد إدعاء الملوك القدامى للربوبية المطلقة لأنفسهم، على ما في إشتباه هذه المنزلة الوسطى بأحوال كثيرة في الترتاب الفرعوني المؤله والبداوة الهمجية الطليق.


وبحكم وحدة قوانينه نجد إن حال التطور الإجتماعي في أنحاء العالم الأخرى قد سار على نفس المنوال المؤجل للتغييرات الإقتصادية الإجتماعية لحين الفراغ من التغيير السياسي في سطح المجتمع: فبنفس هذا النسق الفكري والعملي العام تم إنتقال المجتمعات البشرية من بهم البداوة والعبودية إلى حضارة تملك وإقطاع الأراضي بما ومن عليها، وكذلك في الخروج والإنتقال من الإقطاع حيث تحولت ثورات البرجوازية بعد تحكمها بقيادة القوى العسكرية للثورات بالتحكم في السلطات والموارد المحررة من الإقطاع وملوكه وتحولت بالمجتمع من النضال للحرية والإخاء والتعاضد والسوية بين الناس إلى حالة رأسمالية وإستعمارية لم تزل جاثمة على كثرة من بلاد العالم التي فضلت إلى حين تحقيق كينونته السياسية تأجيل الكينونة الإجتماعية للصراع البشري لأجل الحرية والعدالة والسلام، إن لم نقل إنها قامت بكبت وقمع حرية عصب مجتمعاتها (الطبقة العاملة) إلى حين تحقيق حرية دولها ومجتمعاتها! فلا أرض قطعت ولا ظهراً أبقت.


من كل ذلك يمكن القول إن الصلة بين الطبقة العاملة، والأفكار الشيوعية كانت ولم تزل صلة تاريخية وعضوية، وإستراتيجية، قارة وأبدية طالما بقي الإنسان وبقيت إحتياجاته للضرورات فهي الجوهر البشري للديالكتيك لا تقبل القطع ولا التقسيم ولاالتفتيت ولا المرحلة ولا التظهير ولا الإبطان، جهتها وحدة الهيدروجين والأكسجين في تكوين الماء، ووحدة الحواس والمؤثرات في عملية الإدراك، ووحدة المخ والمعلومات والتفكير في تكوين العقل، بما في ذلك من ضرورات الماء والإدراك والعقل لنمو الحياة وعمرانها وإزدهار الإنسان من كتل البشر المتضاحنة منذ ألآف السنين .


فوفقاً لهذه الصلة التاريخية الموضوعية النامية بنمو الحياة، وما أثبتته في تاريخ التحرر الوطني من إمكانات جزلة في الدفاع عن حقوق المضطهدين وتكريس ديكتاتوريتهم، وبناء قدراتهم ورفعة أوطانهم والدفاع النزيه عنها في كافة مراحل التحرر السياسي للإنسانية ضد أشكال الإمبريالية والإستعمار حققت الشيوعية والطبقة العاملة مكانة كبرى في التاريخ البشري والإنساني من تأسيس الدول الاولى للعمال والفلاحين في العالم، وحرية الرجال والنساء فيها في تدبير سلطاتها ومواردها، إلى بناء البنيات الأساسية النظرية والمادية للتآخ والتقدم الإجتماعي والقومي والوطني، والتعاون والصداقة الأممية.

وقد شملت معالم ذلك الوضع -على علاته- ساعات عمل قليلة، وطعاماً موفوراً صحي للجسم والذهن محسوباً بلا تبذير، وتعليماً عاماً وعالياً مفتوحاً،وعلاجاً وتنقلاً وإسكاناً وخدماتاً بالمياه والكهرباء والأثاث والمعدات والمفارش، ودفئاً عزيزاً في البلاد الباردة، وشراباً طيباً، وتنقلاً هانئاً وخدمات لنشر ثقافة وجود الإنسان وعلمه بتفاصيل هذا الوجود وتفاصيل حياته وتشاكله مع الطبيعة التي يعيشها، وقد شملت تلك الخدمات إيجاد وتشغيل وتنمية المطابع والمكتبات والمسارح والمعارض والملاعب والمسابح والأدوات العلمية والرياضية والحرفية، وغير ذلك من أشياء كل واحدة منها تمثل في بلاد العالم السوقي حلماً يزداد بعداً كلما تحدث المجددون عن تأجيل الكينونة الطبقية للصراع الإجتماعي لحين الفراغ من إكمال ملعبها السياسي!


وهذه الأشياء البسيطة في الحياة التي (سهل) توفيرها في ظروف البناء الشيوعي في أقل من عقد من الزمان الممتد بين الأعوام 1927- 1936 كان توفيرها وتقديمها ولم يزل يفهم في عالمنا السوقي على إنها كانت منحاً وهبات مجانية من حكومة طيبة إلى شعب، بينما كانت في حقيقتها الموضوعية هي المقابل المباشر لديكتاتورية الناس، ونشاطهم التشريعي والتنفيذي والتنموي المبااشر من خلال السوفييتات وهي المجالس المحلية للسكان العمال والزراع والجنود ومن لف لفهم، في تحديد أقانيم تنظيم المجتمع وحكم البلاد والموارد المادية والبشرية فيها وتنميتها وفقاً لحاجاتهم وقدراتهم.


لقد كان هذا الوضع الكريم للإنسان – على علاته- هو نتيجة مباشرة لعمل الناس المباشر وحكمهم المباشر لأنفسهم، ونضالهم الطبقي المباشر لتشكيل وضع سياسي جديد بكامله، وتدمير أسس وأشكال الصراع الإجتماعي القديمة، بحكم كشفهم لزيفها، وزورها، وخلبها، وسمية التعامل معها بثقة في معدنها البرجوازي، ولم يركز الناس الذين عانوا لألآف السنوات وذابت بينهم الى حد كبير بالإشتراكية في موارد العيش وتقاسم الجهود الفوارق والحواجز الطبقية والعنصرية، هذا الخير في مجموعة او ناحية منهم عمداً، ولم يرهقوا كينونتهم بالخوف على غدهم، وقد عهد الزائرون تلك البلاد آنذاك في أهلها أمآنهم على غدهم وعلى أكل وسكن وتعليم ورياضة وثقافة أولاد أولادهم، والثقة الشديدة في تقدم مجتمعاتهم دون إستعمار لبلاد ومجتمعات العالم أو بنوك دولية، قديماً كان ذاك الإستعمار أم حديثاً، بل وعرفت تلك البلاد الإشتراكية رغم شح كثير من أراضيها وجدبها بالصحاري والثلوج، بمساعدة الدول والشعوب الصديقة والشقيقة في مسائل التحرر والدفاع والتنمية والتعليم والثقافة، ومارافق ذلك المد الشيوعي العظيم – على علاته- من كشوف مذهلة لإرتياد الفضاء وفلق الذرة وما بينهما من رياضيات وفيزياء وكيمياء وصناعة، أسست بالمناخ العلمي والثقافي المنفتح لها لكثير من التطبيقات الراهنة في مجالات صناعات النقل والإتصالات والكيمياء والأحياء ومثلت في عموم توفيرها للخيرات، القوة الخلاقة لمجد الإنسان وتدفقه بالخيرات حين يتمكن من موارد حياته، وإبداعه بهذا التمكن لحرية نفسه ومجتمعاته بشكل إجتماعي متناسق خال من الإنفصام والنفاق والسراب الفكري والعملي.


وقد إستمر إرتقاء التحرر الوطني بالتحرر الطبقي والأممي، بهذا الشكل الصاعد حتى المؤتمر العشرين 1956، حيث كان إنتصار المناشفة بعد وفاة ستالين في عملية التحكم في الحزب الشيوعي السوفييتي الذي كان قائداً أدبياً وسياسياً بحكم تاريخه النضالي للحركة الشيوعية آنذاك، ومنذاك النصر الذي انتجت عوامله كثير من جوانب النقص والقصور السياسي والإقتصادي والإجتماعي والثقافي في سبك وتشكيل وتكريب وشحذ وصقل أوضاع ديكتاتورية الشعب وإضاءتها وصيانتها وحراستها.


فقد نمت في الجوانب المهملة والمظلمة من ديكتاتورية الشعب الأفكار السامة للمناشفة بطبيعتها المتخلفة بنظرتها العنصرية إلى المسألة اليهودية في روسيا بمجتمعاتها المسيحية والمسلمة، وتعاملها معها بقوة رد الفعل التاريخي القديم على (إستيلاء أو تسلط) الشيوعيين البلاشفة على الحزب القديم للمناشفة، الإشتراكي الديمقراطي الروسي، بفضل نجاح النشاط اللينيني والستاليني في حشد وشحذ العناصر الكامنة في أرياف روسيا المسيحية والمسلمة، وتفعيل العملية الثورية بينهم ضد القيصرية وسدنتها وأحبارها، الذين غرتهم الإجراءات الديمقراطية لحكومة القيصر آملين في تجذيرها لسنوات طويلة يتوفر فيها نوع من الرفاه والتقدم الإجتماعي يمكن لهم بعدها مناقشة مسألة الثورة!؟


وبهذه النظرة الأصولية الضاربة في القدم والفاصلة والفاصمة بين العمل والقيمة، والممارسة والنتيجة والشكل والمضمون، والفكرة والوسيلة، والحالة القومية والحالة الوطنية، وبين التطور السياسي والتطور الإجتماعي كان تقدم المناشفة الوئيد والحصيف والذكي في جوانب الإقتصاد والمجتمع في التبادلات الإقتصادوية المهملة في الخطط العشرية، وفي مراكز الحزب التي فقدت حيويتها الثورية بالنزعة الصناعية الألية النظم واشكالها العسكرية-الإدارية التي عمت أعمال حكومات العالم وسياسات إدارته بنتاجها الباهرة في الحرب العالمية الثانية،التي خفتت رويداً رويداً ببوخ الحلم الإشتراكي نفسه مع رتابة الإنتاج والحياة بعد سنوات النصر على ألمانيا النازية وخفق رايات الشيوعية والتحرر الوطني في أوربا والصين وكوريا وأمريكا الجنوبية وأفريقيا. فجملة كان إنتصار بعد وفاة ستالين متصلاً بالنمو الخبيث لممارساتهم السوقية وسيطرتها الذكية على بعض مراكز الإتصال والتنظيم الحساسة في الحزب الشيوعي السوفييتي وتغلغل أفكارهم من ثم من هذا المركز السوفييتي المجيد إلى باقي الحركة الشيوعية وإلى جملة النضالات الإشتراكية الفاعلة والمنفعلة، مما سجل في تصادمات وتناقضات شتى حتى عام 1992.

وتتلخص جملة أفكار المنشفيك وممارساتهم في:

 ربط قيم المنافع وتوزيعها في المجتمع بالنقود، مع تحجيم دور التخطيط، وعزل عمليات الإدارة والإنتاج والتوزيع ومكافأة الإنتاج عن الطبيعة الديمقراطية والطبقية لوجود المجتمع الإشتراكي ووحدة العمليات السياسية والإنتاجية فيه. مما كون تناقضات أكثر في النضال الإشتراكي.
 تحول حالة فصل القطاعات السياسية والإنتاجية إلى حالة مدمرة للمركزية الديمقراطية ومفرغة لها من معانيها الطبقية العمالية والإشتراكية وتحويلها إلى مزيج من الديكتاتورية والإنتهازية
 تفكيك الحالة الاممية للشيوعية، بالتساهل مع أخطاء النضالات الإشتراكية في بلدان "العالم الثالث" والتغاضي في جهة معينة عن أخطاء حكامه المتصلين بحركة التحرر الوطني وفي جهة أخرى التمسك الصارم بضرورات وتكتيكات التعايش السلمي مع الإمبريالية الأمريكية وإستعمارها الحديث الصاعد ضداً للنفوذ الإستعماري الإنكليزي والنفوذ الإستعماري الفرنسي القديم في عالم المستعمرات، بتقديم من المناشفة لسياسة الحرية وفصلها وتأويل وجودها على وجود التقدم الإجتماعي وتحققه.


وقد نجحت هذه السياسة المنشفية في تفكيك الوضعية المجيدة لتلاحم النضال الشيوعي والعمالي وتطويره الخلاق لنصالات الشعوب والمجتمعات وتحررها الطبقي والوطني حيث تحول الوضع السوفييتي والأوربي الشرقي أو حول إلى حالة من التقديرات الذاتية وردود الأفعال، مما رد إلى الأفكار البرجوزية قوامها الذي فقدته في العالم بالإستعمار القديم، وإعادت إليها رونقها وبهاءها وإشراقها الذي سخم بغبار المدافع في الحربين العالميتين إعادة رافقتها الموسيقى الصاخبة والحرية الجنسية والتراتيل العالية، والفلسفة النفسية، كما أضحت الأحزاب الشيوعية والنضالات المتلحقة بها في بعض نواحي أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية قوة ضعيفة في الصراع (الأخير) في بلدانها في مرحلة الإستقلال الذي أخذ في التمحور بين القوى الإستعمارية الجديدة الأمريكية والقوى الإستعمارية القديمة الإنكليزية في جهة. وقد ضعفت الأحزاب الشيوعية أكثر في ظروف الحرب الباردة بما فيها من سرية وغموض وتقلبات قيادية، وفردية مع التبدل الدقيق أوالمعلن للأفراد والمهام والأهداف التكتيكية في الحرب الباردة، وتقلب إلتزام الأفراد بهذه السياسة أو تلك في ظروف التجسس المتبادل والتعامل المزدوج والبيع وتبادل اللجوء والضرب بين المعسكرين مما وسم كثير من تعاملات الدول (الكبرى والصغرى) في الحرب الباردة، وأدخل حنكة مراكز البمعلومات والبحوث ورجال المخابرات والإنقلابات ودرايتهم عاملاً رئيساً في الصراع السياسي الذي أرتضته الأحزاب الشيوعية بضعفها الذي أكتسبته بالفصل النظري والنضالي بين ضرورات ومهمات التحرر الطبقي وضرورات ومهمات التحرر السياسي.


وإن كان لينين منفتحاً بتعامله الداخلي لتوسيع جبهة البلاشفة ومنقبضاً بشروط طبقية وحزبية صارمة في تعاملات الحزب الخارجية لعله حذر التأثير الخارجي للمناشفة، فقد كان ركن حربه ستالين على العكس منه منفتحاً بتعاملاته الداخلية والخارجية إلى جهة الريف، مطمئناً، كريفي، إلى نقاءه، مسفهاً ومهملاً لكثير من العصبيات التي يحملها كل إنسان من نشأته إلى مدينته، وقد أثر هذا الإنتشار في التركيبة الطبقية والفكرية للحركة الشيوعية تأثيراً سالباً قلل عماليتها وإنضباطها الألي الحديدي وأفقدها الصرامة المطلوبة لإنجاز النضال الثوري، وبدد طاقاتها في صراعات رعوية وزراعية.


كذلك تأثرت الشيوعية سلباً وعلى كافة المستويات المحلية والدولية بالتصادم الطويل الذي نشأ بينها وبين الحركة الصهيونية حتى قبل البدايات الرسمية للحركتين أي منذ البذور الأولى لخلافات اليهود البدو واليهود الحضر في قديم الزمان من (تسلط) (النيليين) الأفارقة على أراضيــ(ـهم) حيث إنتصر البدو للحرية والحضر للإستقرار، كذلك بعض شوارد خلاف موسى وآرون حول الخروج من مصر أو البقاء فيها ومسايسة فرعون، ثم الخلاف على عجل آرون الذهبي الذي جمد فيه حكمة الدين ساخراً منه، وكذلك بقية خلافات الفرق اليهودية التي تأثرت مثلها مثل كل الفرق الدينية في العالم تأثراً إختلف ألوانه وفقاً لوضعها الطبقي والإجتماعي في المجتمعات والدول التي كانت تعيش فيها سواء من ناحية العيش قرب مراكز الآمان والقرار والنفوذ أو ببعدها عن تلك المراكز وقربها من مراكز الزلازل الإجتماعية والثورات والصدامات، مما تبلور بقوة بعد ذلك في الخلاف اليهودي في الأندلس بين الأراء والجماعات الثورية المتصلة بالحبر الفيلسوف موسى بن ميمون الذي إشترك مع جابر بن حيان في تنظير رقمية الحياة وإنقسام جسومها إلى ذرات صغيرة يمكن بالوصول إليها وإلى أعدادها وترتبيها تغيير طبيعة هذه الجسوم وخواصها، وهي نظرية نوبية طرحها إدريس | Enoch، ويونانية طرحها ديمقروطيس قديمة، وبعد خروجه المبكر من الأندلس لتحالف حكامها العرب مع الفرانك الذين كانوا يقتلون اليهود والعرب في فلسطين وصل إبن ميمون إلى مصر وأدار من مستشاريته لحكامها الأيوبيين المعارك السياسية والعسكرية ضد الكاثوليك في بيت المقدس، وضد بقايا العباسيين في العراق، وقطع المدد المغربي عن حكام الأندلس. وقد تصادمت أرآء هذا الرأس وجماعاته مع الأراء والجماعات التجارية والصفوية والمتصوفة المتصلة بالحبر الفيلسوف (الزاهد) سعدية قاوون المائل لترك الأمور لله وتغييرها بالحكمة والموعظة الحسنة بينما كان رافلاً في مملكة بني ذوالنون، وقد عجلت تفاقمات هذا الخلاف بتفتت ونهاية الدولة الأندلسية وخروج اليهود إلى تركيا وعودة بعضهم أو هجرته إلى أوربا، كذلك إتصل خلاف الفكر التقدمي بكنهه الطبقي المفتوح لكل الناس على مختلف أصولهم والفكر القومي القديم المتصل بفلكلورهم وعصبياتهم بالخلاف الجوهري الذي شحذته الخلافات اليهودية في المنتديات والمحافل الماسونية في الثورة الفرنسية بين الجناح اليساري لليعاقبة بقيادة روبيسبير المتأثر بأفكار جان جاك روسو حول المساواة والوحدة بين العمل وناتجه وإنتفاء الضرورة والمصداقية السياسية للنقود والأجنحة البرجوازية التي تركزت فيها مصالح البرجوازية اليهودية الفرنسية والبريطانية بقيادة حلف لافييت وروتشيلد التي كرست نابليون حاكماً مطلقاً وإمبراطوراً عظيماً حرر المضطهدين اليهود والمسيحيين في أوربا ثم طالب الجميع بالدخول في كتائبه والخضوع لتعليماته، كذلك الخلاف بين جماعة تحرير العبيد في بريطانيا وجماعات مالكي سفن تجارة العبيد، كذلك الخلاف في الثورة الأمريكية وتأطير الطبيعة الإقتصادية الإجتماعية للإستقلال بين جماعة فلادلفيا وجماعة نيويورك، ثم في الحرب الأهلية بين جماعة الثماني- أربعينيين وجماعات الجنرال هاوس، وكذا الصولات الأخيرة لتأسيس بنك الإحتياط الفيدرالي1913، كذلك كتابة ماركس لكتاب "المسألة اليهودية" ونبذه فيه للعلاقة المتوهمة بين التحرر السياسي والعلمانية وإيضاحه للجوهر الطبقي البرجوازي لربط الحرية بالعلمانية، وعدم تحقق القومية بمجرد الهجرة إلى مكان أو الإجتماع في مكان واحد ساخراً فيه من كوزنة بعض اليهود ومن خواء تدين أكثرهم في ظل عبادة المال حيث فتح ذاك الكتاب الباب الواسع للصراع مع الحركة الصهيونية بقوتها العالمية المالية والثقافية الجبارة، مما أكده ماركس وإنغلز مجدداً في "نقد برنامج غوتا" كذلك موقف لينين وستالين من الوجود الملتبس لليهود وهم قومية طويلة عريضة في جوانب الحكم القيصري وفي المعارضة ضده، وفي تقبل التقدم الإجتماعي والتغيير، وفي تحويلهم (الماركسية) إلى مجرد دراسة فكرية، للتأمل، ومعارضتهم لإنجاز الثورة وأكثرهم بذلك الحزب الإشتراكي الديمقراطي الذي أسسوه من فئة البرجوازيين الصغار، كذلك موقف ستالين من (تأمرهم) عليه بعد وفاة لينين، ومن محاولتهم (الثورية) الضعيفة في ألمانيا الفايمرية، ونضالهم ضد الشيوعية في أسبانيا ضد الثورة في الصين بالتعاون مع اليابانيين، وضد الثورة في المكسيك وهلم جراً حتى تجميع مدارس فيينا لعلم النفس وروما للإقتصاد وفرانكفورت للنقدية الإجتماعية ووارسو للمنطق، و..و .و تأسيس الأممية الرابعة وتجاهلهم الجمهورية الكاملة التي منحها لهم ستالين، والتي مازالت باقية حتى اليوم.. خاوية على عروشها، مؤسسين إسرائيل، التي أخلت بموازين الصراع العالمي ضد القوتين حتى (وفاة) ستالين، وإدخال أمريكا إلى جهنم كوريا وفيتنام حيث عقد المؤتمر العشرين بقيادة دقيقة لأعهيليا إيهرنبيرج، وصدارة خرتشوف ويحي مالينكوف بداية نهاية إتحاد السوفييت وإنفراطه، بالفصل المتواتر المتصل المتفاقم بين المصالح الطبقية والإجتماعية والسياسية


لقد مثل الصراع الشيوعي مع الحركة الصهيونية الذي غذته الإتجاهات والعصبيات القديمة ضد اليهود بأكثر مما غذاه الموقف الطبقي العمالي الذي تطورت مضامينه من النضال ضد الرأسمالية العالمية "روتشيلد" والإستعمار"فرنسا-بريطانيا" إلى النضال ضد الإمبريالية العالمية، خسارة كبرى، تبددت فيها كثير من طاقات الشيوعية والطبقة العاملة، ضد الصهيونية، بينما كانت الجماعات الرجعية الإسلامية المرتبطة ببريطانيا، والجماعات المسيحية المرتبطة بالمخابرات الأمريكية ودوائرها الكاثوليكية التي المؤمنة والحامية لجنجويد هتلر وموسلييني، كانت هذه الجماعات المسيحية والإسلامية ومعها كثيرر من الإتجهات القومية العربية تطعن وتخرب في النضال العمالي والشيوعي أكثر مما كانت تواجه الصهيونية بينما النقابيون والشيوعييون يستبسلون في معركة ثانوية خاسرة بالطبيعة القومية لممارسة حربها، أصلها تنازع قومي حول الوجود في منطقة واحدة تحله هذه النسبة من معدلات الولادة أو تلك، لكن الشيوعية والطبقة العاملة إلتهوا بهذه الأزمة العالمية الخطيرة تاركين القضايا الأساسية لتحرر الطبقة العاملة في العالم التي –بحكم الضرورة- كانت ستقود إلى ما سمي حينها -وحتى الآن- بـ(تحرير) فلسطين فنتيجة تأجيل القضية الطبقية الرئيسة، وطرح القضية القومية الناتجة عنها في مقدمة جدول الأعمال خسر الشيوعييون إتحاد السوفييت وخسرت الطبقة العاملة نضالأ مجيداً إنتهى بأقسام واسعة منها ومن حلفاءها إلى مواجهة القمع والديون الدولية والعولمة والخصخصة والحروب الأهلية والإحتلال، وضاع قسم منها بين المطارات والمواني وهو يحلم بالجنة الأمريكية أو بين إختلافات الفقهاء تلقيهم في يم الصراع الطبقي مكتوفين يفسر الواحد منهم الماء بعد الجهد بالماء، بينما خسر الفلسطينيون وحدتهم وشيئاً كثيراً من كرامة نضالهم في مزايدات الحكام العرب وأموال النفط وصراعات المخابرات ونشاط العملاء
والديكتاتورية والفساد وتوسل حماس لمن كانت تسميهم أعداء الله، مع سبها نضالات فتح. ل


قد كانت خسارة فادحة للجميع ربحتها الصهيونية رغم التفتت الذي بدأت علاماته تظهر فيها بأثر النشاط اليساري السياسي الفلسطيني والإسرائيلي مطالباً بدولة لجميع مواطنيها خالية من إشارات التمييز الدينية في علمها وإسمها ودستورها ووظائفها وممارسات أجهزتها، وبضمان حق عودة اللاجئين، وإعادة الأراضي العربية المحتلة .


وإن كان دور الشيوعية والنضال الطبقي العمالي دوراً مجيداً نجح خلال النصف الاول من القرن الماضي في تثبيت المعالم النظرية والعملية للنضال لأجل التحرر الوطني والإجتماعي وعقد هذا النضال بتحررالأحوال الإقتصادية السياسية للطبقة العاملة، إلا إنه خلال النصف الثاني من القرن العشرين وهذا النيف من القرن الحاضر شهد العالم بعملية تفكيك هذه العلاقة ونمو أشكال معارضة هذا التفكيك ظاهرة ثنائية زوج تتمثل في إنهيار المركز السوفييتي الأوربي الشرقي القديم للشيوعية في جهة، وصعود نجم الشيوعية والإشتراكية في انحاء آسيا بصينها وكوريتها وفيتنامها وفي انحاء أمريكا الجنوبية وفيها نجمات كوبا وفينزويلا وبولوفيا والبرازيل وشيلي وأورغواي، وفي أفريقيا الجنوبية وأكثر من نصفها الشرقي من دار السلام إلى أسمرة مروراً بأديس أبابا، وشذرات من غربها في غانا وغينيا وبنين، إضافة لإرتفاع (أسهم) الشيوعية والإشتراكية والتقدم الإجتماعي في أوربا الغربية والوسطى والجنوبية من فرنسا، والمجر وحتى إيطاليا وقبرص واليونان وأسبانيا. وعلاوة على ذلك فمن المشاهد المأوفة في الإعلام الإمبريالي توهج الحركة ضد العولمة جهة الترابط مع حركة المنتظمات والمنتديات الإجتماعية من سياتل إلى مومباي إلى كاركاس، وتصاعد إهتمام العالم البرجوازي بأحوال التنمية الإقتصادية والشروط البنيوية لها، حقوقاً نسائية وإنسانية وعمالية وصحية وإعلامية، ونزاهة، وبيئة، وزيادة حركة النقابات والإضرابات، والتمردات في أوربا، وإنشقاق احزابها التقليدية، خاصة وإتساع نشاطات ووتائر المقاومة العسكرية للإمبريالية والحكومات العميلة لها في جملة أنحاء العالم الثالث.


وقد واشج الصعود الحاضر لنجم الشيوعية وإشراقه، تطورالأزمة البنيوية لنشاط رأس المال وتفاقمها:
فتوسع رأس المال في تخديم التكنولوجيا (التي يٌغلي قيمها) يفرض على بقية أسواقه بطالة وضيقاً في الأمكانات المالية للمستهلكين، يعبر بحد ذاته عن تضخم خفي، يزيد بدوره نشاط المضاربة في الأسهم والعقارات والأعمال غير المنتجة التي تعبر زيادتها أيضاً عن تضخم خفي موارب مضاف لما سبقه يبدد القيمة الحقيقية لموجودات وأرباح رأس المال. وكذلك حال التبدد والذوبان إن سكت رأس المال عن التوسع حيث تقل ارباحه الحقيقية وتزيد على رأسماله المطالب والمصروفات، ويوافق صعود هذه الأزمة إنهيار المصادر الإقتصادية الثلاث للقوة الإمبريالية وهي:


 الربا والفوائظ على الديون الدولية، وإتفاقات التجارة الدولية وحصصها القديمة وحرياتها الحديثة المنشودة: فتحت وطأة الضغط والنضال الشيوعي والنقابي والجماهيري والعسكري أشهرت كثير من الدول والحكومات المديونة إفلاسها الإقتصادي واعلنت تخليها عن سياسة الإعتماد على الديون في القيام بأعمال التنمية، وتزايد معدل التجارة البينية الإقليمية بين الدول على حساب التجارة المغلقة مع المراكز الإستعمارية القديمة.

 إحتكار تصنيع وتجارة المواد نصف المصنعة والبضائع الإستهلاكية: حيث تحررت اقسام واسعة لهذه الصناعات من سيطرة دول الإستعمار القديم على الصناعات وأصبحت بفضل كثير من المساعدات الإشتراكية في التنظير والتطبيق ومجالات الخبرة العلمية والمهنية ذات قدرة على التفرد بإنتاجها الخاص داخلياً (برخص غربية ودونها) من صناعات الصابون ومنتجات البلاستيك والألمونيوم والأجهزة المنزلية، بل وإمتد وضع الصناعة الناهض إلى صناعات إشتقاق النفط الأسمنت والحديد والألآت الخفيفة بل والسيارات والسفن والطائرات.

 صناعة السلاح وتجارته التي كانت تدر عائدات كبرى: حيث قلت كثيراً تحت طائلة دفع الديون وتحسن الهندسة العسكرية في دول العالم الثالث وتبادلها الخبرات والمصنوعات، وبتأثير رغد معاهدات الحرب على الإرهاب وتوفيرها كثير من المصروفات العسكرية وتحويلها على حساب الولايات المتحدة الأمريكية، زيادة إلى ذلك إتساع إمكانات الإتصال والمعلومات ودعمه أشكال الرقابة الدولية والشعبية على الشركات والحكومات القائمة عليها، وإنهيار كثير من الديكتاتوريات التي كانت تقوم بها.


وفي كل جنب من جوانب هذه الأزمة تبدو النظريات والنضالات الشيوعية متقدمة من الإجتراحات الأولى للبيان الشيوعي إلى نهوض السوفييات إلى التنمية الإشتراكية المتوازنة والسلام، إلى إزدهار التكنولوجيا والتجارة الصينية بفضل حسن تركيب قاعدتها التحتية ودقة التنظيم الشيوعي العام لأمورها الإجتماعية الإقتصادية، إلى النشاط الكوبي في أمريكا اللاتينية، إلى نضالات تحرر شرق وجنوب أفريقيا، وحتى سقوط مشروعات البرجوازية للوحدة الأوربية، وحكوماتها الأسبانية والإيطالية والفرنسية فـ(الإنكليزية) على التوالي وتخبط تنظيرات اليمين الليبرالي والمحافظ الجديد تحت ظلال أفكار مهترئة تتراوح بين السياسات الباطشة والسياسات المقترة على الناس في قواعد وساحات الإنتاج والتبادل الرأسمالي وهي سياسات تظهر ضرورة تكريب تكوين ونضالات الأحزاب الشيوعية والطبقة العاملة وتجهيزها بهذا التكريب والنضال لقبور الرأسمالية.



هل ساعدت هذه التغيرات على تطوير العلاقة بينها وبين بقية الطبقات والفئات الاجتماعية التي يهمها تحقيق مهمات المرحلة الراهنة؟

إلى حد ما ومن ناحية الشكل فحسب، فقد إتسمت إتجاهات النضال المشترك والتحالف والتجبه الإشتراكي وكذلك إتسمت إتجاهات الإستقلال الحزبي في الستينيات والسبعينيات بالنجاح على حساب وحدة الطبقة العاملة ووحدة نضالها، كما تمثلت إتجهات التقارب مع القوى شبه الإقطاعية والرأسمالية الليبرالية في فترة الثمانينيات وأوائل التسعينيات بفقد الجماهير الثقة في العملية السياسية وفي الأحزاب الشيوعية وبإبتعادها عن الطروح النظرية الاحزاب الشيوعية ولجؤها للتدين والهجرة والنضالات المُركزة الجزئية (الإقليمية والأثنية والمدنية) ففي الحالين المبرقط والمخص، اللتين تعبران عن فقد الحزب لروح المبادرة النضالية وإندراج سياساته في خانة رود الأفعال، وترك العملية السياسية وأسلوب لعبها في يد القوى التي يفترض بالحزب إن يناضل ضد وجهيها في آن واحد بالتضامن مع قوى شعبية وليس بالتنقل بين معسكرات اليسار القومي واليمين الرجعي، وهو التنقل الذي أوقع بخفة موازينه وتقديراته أضراراً ثقيلة سياسية وطبقية على حالة الحزب الشيوعي بأكثر من إفادته بأي وضع من أوضاع الحالين .



وكيف ترى واقع وإمكانية تطور العلاقة بين الأحزاب ( اليسارية خاصة! ) والمنظمات العمالية والجماهيرية، وهل يجب أن تكون تلك المنظمات مستقلة أم أن تكون جزءاً مكملاً لسياسة الأحزاب ؟

أمام ماسبق عرضه من صعود وإنحسار متراوح لأحوال الأحزاب الشيوعية والطبقة العاملة وفي مواجهة ماتلاقيه الطبقة العاملة نفسها من عنت ورهق وإزراء، فليس ثمة شك منطقي في ضرورة تكامل قطاعات الحركة الشيوعية القوية والضعيفة وإعادة تنظيمها أممياً، تنظيماً يقوم بتعدد مراكزه الفنية ووحدة قيادته السياسية وتنوع حركته الجماهيرية المدنية والنقابية والعسكرية بدور عملي في تجاوز العصبيات والحواجز الوطنية والقومية والدينية الناشئة بطبيعية الحال بين البشر، هادفاً من ذلك لربط التطورات الوطنية والعالمية بالتطورالطبقي العمالي بعدما فصل هذا التطوران طويلاً عن بعضهما.


وفي هذا التعضيد لا يمكن القبول بمنطق وضع الطبقة العاملة الصناعية وإغلاقها في الحدود النقابية بعيدةً عن الشكل السياسي الحزبي للصراع الطبقي كما لا يمكن بحكم طبيعتها الأوسع قبولها ملحقة بأحد مكاتب اللجنة المركزية يدير أمرها شخص واحد قد يفقد بحكم مكتبيته الغريزة الثورية، وهذا الوضع يحتم توسيع نسبة التمثيل العمالي داخل الأحزاب الشيوعية وطلائعها، وتوسيع نسبة الشيوعيين داخل الطبقة العاملة وشبيبتها، وعقد ما يمكن من إجراءات نظرية وعملية وإدارية وسياسية إنتخابية تتيح توسيع هذا التواشج بينهما وتقليل الفوارق الشكلية أي اللا أيديولوجية، بينهما.


إن محاولة تشذيب العلاقة بين الشيوعية والطبقة العاملة بالفصل النسبي (الزائد) بينهما أدت إلى هزيمة الإثنين: منذ هزيمة الشيوعية في روسيا (1956) وما تبعها، إلى هزيمة التحولات الإشتراكية في اندونيسيا والعالم العربي(1965- 2006) وإلى هزيمة الطبقة العاملة وأفكار النقابة المعتدة في فرنسا، وإنكلترا وإيطاليا واليونان (-1986- 2006) وصولاً إلى الهزائم التي كنفت حزب المؤتمر الوطني في الهند، والتقلبات في تقدير(الطبيعة الخاصة الجزئية للمرحلة المعينة من مراحل الثورةالوطنية الديمقراطية بخصائصها القومية في الصين)!


في كل هذا الفشل يمكن تبين الموقف الصحيح في نضالات جنوب افريقيا (حيث يضم المؤتمر الوطني مثله مثل المؤتمر الوطني الهندي القديم والجمعية الوطنية الأولى في باريس(أكتوبر 1789)، ثلاث قوى متناغمة ومتداغمة وهي الحزب الشيوعي والنقابات وعدد من الجمعيات السياسية والمدنية).
كذلك يمكن تبين أسباب النصر في نضال أمريكا الجنوبية حيث إنصهر النضال السياسي والنقابي والعسكري في بوتقة الماركسية اللينينية وتم سبك معدنه و تشكيله وتخديمه وفقاً لمعادلة: القدرات الوافرة فيه والتوقعات المرجوة منه والضرورات التي تحتم جهاته الموجبة او إتجاهه للثلم والسلب ضد هذا الوجود الرأسمالي أو ذاك، فيما إنتج بتضافره المحلي وتعاضده الأممي حالة جدة لإزدهار الشيوعية ونضال الطبقة العاملة.




المحور الثاني
هل التحزب السياسي يكون لصالح الطبقة العاملة ؟هل استطاعت الأحزاب السياسية في العالم العربي، التي وضعت قضايا العمل والعمال في معظم برامجها الحزبية، والتي عرَّفَ بعضها نفسه باعتباره ممثلاً للطبقة العاملة وطليعتها السياسية أن يعزز دور ومكانة الطبقة العاملة في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في مجتمعات العالم العربي، أو أن يحقق لها وللمجتمع مكاسب ملموسة؟ أم أنها ساهمت، وبسبب ادعاء كونها الممثل الوحيد والمطلق للطبقة العاملة، في تفتيت الحركة العمالية وشرذمتها؟

حرب الطبقة العاملة ضد الرأسمالية هي حرب سياسية شاملة، لا يمكن فيها فصل جيشها السياسي عن عناصره، ولا عناصره عن قيادته، ولا الإثنين عن أسلحتهما النظرية والتطبيقية، ولا عن تكوينهما وخبراتهما ووضعهم التاريخي في هذه المرحلة أو تلك من مراحل الحياة الإجتماعية، ومن مراحل الصراع الطبقي لأجل وجود الإنسان، وفي ذلك لا يكون للطبقة العاملة -مثلما لوجودها نفسه- وضع في إختيار التحزب أو غيره من المواقف السياسية (اللاتحزبية)، فهذا التحزب الشيوعي مندغم بوجود الطبقة العاملة كطبقة منتجة ومحرومة، بفعل نظام التملك الفردي الخاص للموارد العامة، والطبيعة الإستثارية لتجديد الطبقة الرأسمالية السيدة لهذا النظام لنفسها بنزع (قانوني) للأرباح من حصيلة جهد العمال في عملية للإستغلال مقننة بنظام العمل المأجور والشروط الثقافية والإجتماعية السياسية له التي تكون بها الطبقة الرأسمالية هذه الأرباح على حساب الطبقة العاملة، وهي شروط تدفع رأس المال بحكم طبيعته الطبقية والذهنية للإرتباط بالتوجهات والأحزاب ذات الأفكار والمواقف الأحدية المجزوءة التي بحكم تفتت وجودها تفصل في تقديرها لــ(الصالح العام) ليس بين العناصر والأنساق الإقتصادية والإجتماعية والسياسية الثقافية، جملة، فحسب، بل بين كل عنصر من هذه عناصر فيها، مما يجعل مفهوم"الحرية" وواقعها في أرض التملك حالة حرة من القمع ضد كافة حقوق الإنسان وكبتاً هداماً لبنياتها هذه الحقوق بحرية تملك موارد حياة الناس ومعيشتهم من خلال السيطرة على الأجور والأسعار وإمكان مضاربته بها وحرمانهم بهذه الثقافة والطريقة في العيش بالعمل المأجور من السيطرة على مجريات أمورهم.


وبما إن رأس المال يقوم في تحزبه على قطع المفاهيم وجمعها، ورصها وفق مصلحته، فإن تحرر الطبقة العاملة في طبيعة تكونه الموضوعي والتحريري، منعقد بمفاهيم إتصال الطبيعة وإتصال التاريخ، وتواشجهما،لا ينفصل وجود المجتمعات فيهما عن وجود الأرض وقوانينها الفيزياوية والكيماوية والحيوية كما لا ينفصل وجود الحاضر من الأيام عن وجود البشر وأعمال مجتمعاتهم في السالف منها، وترابط عناصر حياتهم السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية، لا تنفصل فيها مطلقاً ولكن بشكل نسبي بعض المقادير منها عن بعض مقاديرها الأخرى إختلاف الألحان ووحدة الموسيقى، وأختلاف المناطق ووحدة المفاهيم، وإختلاف المؤسسات العامة ووحدة الحكم والإدارة العامة وإختلاف الجور والإمازات ووحدة النظام الطبقين وتباين عمال فرنسا عن عمال نيجيريا ووحدة الطبقة العاملة، وتباين أشكال الناس ووحدة البشر وتعدد انواع الحكم ووحدة النظام الطبقي.


ولم يمكن وجود الطبقة العاملة في هذا الوضع الحقير المستغل لجهودها وإمكاناتها، والمخصص لمواردها وكفاحها وثمراتها والوائد لأحلامها إلا بفضل تقسيم الإمكانات والعمل والوجود والأفكار والعقائد وأساليب العيش ومناهج النضال فيه تقسيماً يمحق الطبقة العاملة في كل حالة من حالاته بما يعبر تماماً بصورة موضوعية شعورية أو لا شعورية عن مصالح الطبقات السيدة في التحكم في وجود الطبقة العاملة وفكرها.


وفي ظروف هذا الإستضعاف تحاول الرأسمالية بطبيعتها السالبة نفي هذا الوجود الثوري، ومحق تغريب ذهنية التفكير النضالي في هذا الوجود وفي أسبابه والوسائل السياسية الضرورة للتحرر منه، حيث تحاول أليات الرأسمالية الصماء والناطقة إبدال هذه الذهنية المتمردة بذهنية (الحرية) أي الحرية من ذهنية النضال، بتجريد الحرية نفسها بالقمع وبأليات السوق وطبيعة الحياة التي يفرضها بما فيها من أحدية وخوف وعجلة وعدم ثقة من مقوماتها الموضوعية في النظام الإقتصادي الإجتماعي وفي الشكل السياسي لتعاملاته وفي البنية الثقافية الشاملة مضمون وشكل هذا النظام حيث تقوم أليات السوق الجامعة بين الحشو والتفريغ والإطفاء والإبهار والتسمين والتجويع بتحويل دعاة الحرية ودعواتها بل والحرية نفسها إلى مجرد حالة ذهنية مزاجية من الروقان واللذة الإغراق في التجريب والبحث النظري وفي المحاولات الجزئية، تجعل (الحرية) شعاراً عاماً بلا دالة معيارية موضعية في المجتمع تتراوح تفسراتها وتتشتت تقديرات دعاتها بين هذه الطائفة وذلك الحزب وتلك الجمعية، متنقلة تنقل الأيتام على موائد اللئام.


وإن وضعت الأحزاب الشيوعية نفسها في خانة الطبقة العاملة أو ضعت الطبقة العاملة نفسها في خانة الأحزاب الشيوعية فهذا ليس بذي شأن، طالما كانت النظرية في وادي والتطبيق في وادي اخر، فليس كل شعار أو إسم أو تضام، يعبر في الحقيقة عن واقع، إلا بالتبرير.


ومثلما فشلت في عالم العرب الحالات اليهودية والمسيحية وإنخسفت في الأرض دولة الإسلام بالملك العضوض، وصار المال عصب الحياة: دولة بين الأغنياء! وأضحى الأعراب الذين كانوا يأنفون السكن إلى صريفهم ووبرهم على خفته ويـأكلون أصنامهم صاروا يتطاولون في البنيان ويتحدثون عن الإيمان! فعلى هذا النهج فإن التنافر بين النظرية والتطبيق لايعيب نظرية علمية: خطأ الطبيب في حساب الدواء، والمعلم في التربية، والقاضي في تطبيق القانون، والمنظر في حساب بعض العوامل.


كذلك في نضال الشيوعية والطبقة العاملة لا تدان (النظرية) كتَلةً واحدة، وهي هنا قوانين علمية صرفة، بل يكشف التنافر ظرفياً وبدقة وفي المجالات الأكثر حيوية بتبين الفرق بين الضرورة التي كانت تحتمها طبيعة الموقف، والقرار الفعلي الذي أتخذ وفحص مدى ملائمته لجواب هذه الضرورة وسد هذه الحاجة الطبيعة أو تلك من الحاجات التي إستدعته في بعض الظروف، فحصاً جمعياً متكاملاً لكل الوضع. وفي خلفية الفحص تكمن المبادئي العلمية الإجتماعية التاريخية، والأهداف التي بينتها المبادئي، والظروف المحيطة التي شكلت الوضع العام والموقف السياسي إزاءه حيث تنداح الأوضاع والعوامل والمواقف الإقتصادية الإجتماعية والسياسية والثقافية متفاعلة مع بعضها وفق تراتب جدلها الطبيعي التاريخي، محددة طبيعة وحقيقة وجود تلك الأوضاع والعوامل والمواقف في الحياة العامة و دورها الموجب أو السالب في هذا العمل أو ذاك.


بشي من ذلك الكشف للمفارقات والنقد الجذري لها وقراءه البدائل إلى حدها الأقصى يمكن تحديد كثير من الأخطاء التي أحاطت بذلك النضال وطبيعة التمثل الذي قام به للنظرية في جزءها المعين بتأثير جزء أو ظرف ثان مما ينتج على مستوى الخلايا قراءة عملية تطبيق النظرية على ما هي عليه - ككل النظريات الإجتماعية- من عموم وسعة، ويكشف بحرص في كل ظرف إشتباهه ويدان التضام والدغم، بما يحد من من الإيغال في الخطاً، وهي أوضاع وعوامل ومواقف عامة وخاصة، وداخلية وخارجية، متصلة ومتقطعة، سياسية وإقتصادية وإجتماعية وثقافية في كل واحدة منها مذاهب ثمانية تقل أو تزيد، بيد إن تجاهلها وعدم تصحيحها، والغرق في شعاراتها السمجة من نوع : فصل التحرر الوطني والإجتماعي عن التحرر الطبقي، وتحقيق الحرية أولاً ثم إصلاح وضع المجتمع ثانياً ثم المكانة الأنسب للطبقة العاملة في المجتمع، ثالثاً (أي بعد خراب سوبا)


وهو ذلكم النوع من الأخطاء المتصل بالإستغناء عن التعامل العقلاني الثوري الذي يتصور الثورة ضرورة حتمية لها شروط ذاتية معينة ينجزالحزب شروطها بمهمات متنوعة جماهيرية وثقافية وعسكرية يحددها بالحساب الدقيق والنضال الثوري والإنتقال من إنضباط هذا التعامل وتبديله بالتعامل لعاطفي الذي يتصور الثورة خيالاً وحلماً بعيداً، ويدفع بالمضربين لفك الإضراب وبحركة الجماهير المسلحة إلى تسليم أسلحتها، وبحركة مثقفيها إلى الإغتراب، وبحركة نقابييها العماليين إلى التضام الشديد وبحركة نقابات برجوازييها الصغار إلى التعدد والتنوع حيث يفرق تكامل البنيات النظرية والواقعية للشيوعية والطبقة العاملة بمنهج تمييز وفرز هادم لوحدتهما يكرس الظلم على الطبقة العاملة، وفي كثير من الأحيان كان إسم هذا النوع من الأعمال هو مراجعة الأخطاء وفتح الجروح لتنظيفها وعلاجها بدلاً عن تقيحها، كلمة حق يراد بها باطل.


فجهة الفصل بين الحزب الشيوعي والطبقة العاملة، وهو الإتجاه الذي زاد بعد الإئتمار العشرين للحزب الشيوعي السوفييتي 1956 فإن شواهد التاريخ في العالم شرقه وغربه تدل على إن عملية الفصل بين الشيوعية والطبقة العاملة -إلا في ظروف الدولة الشيوعية- قد أضرت بالنضال الشيوعي أكثر مما نفعته، كما إن شواهد التاريخ في المنطقة الأفريقية والمنطقة الأسيوية وفي المنطقة الأمريكية الجنوبية وفي المنطقة الاوربية قد دلت إلى إن حالات التقارب البسيطة التي تمت بين الطرفين العمالي الصرف والشيوعي قد أكدت نجاحات فائقة لهما في صيانة الحقوق العمالية، في مختلف المستويات من تحديد شروط وساعات العمل ومكآفآت الإنتاج وتعويضاته وضماناته الإجتماعية والإقتصادية، وإرتقت بهاالأحوال التعليمية والمهنية والثقافية للطبقة العاملة إلى ان صارت عناصرها تخالط المجتمع بعدما كانت من بؤسها محطاً لنفوره، وقد صار كثير من ابناء الطبقة العاملة البررة وحتى الخاسئين من علية أهل الحكم والإدارة، وبعدما كان المتكبرين ينظرون إليهم شذراً ويصنفونهم في ثرثرتهم كالأنعام بل أضل سبيلاً، صار لأبناء العمال والكسبة حقوق متساوية مع غيرهم من أبناء الطبقة المالكة في التعليم والعلاج والركوب والعمل العام، وجملةً، يمكن القول بصدد تلك المقاربات التي تواشجت فيها الشيوعية والطبقة العاملة ولم تعش طويلاً : ان نصيب الطبقة العاملة من الثروة القومية العامة التي تقوم عليها قد زاد، وإن هذه الزيادة تعثرت بزيادة اخرى للتفارق النسبي بين الشيوعية والعمال وإندرجت بفعل البرجزة السياسية المحلية والدولية إلى المحق والنقص المريع والتبدد والإنذرار أدراج الرياح الإنقلابية والعولمية.


ولكن، ألا يعتقد سائل السؤال أعلاه إن الموقف السيادي المجيد الحميد الشعوري أو اللاشعوري للحزب الشيوعي العراقي الكريم من الإحتلال الأمريكي والبريطاني للعراق وذيليته للأحزاب والقوى الرجعية للطائفة الشيعية، وإصطفافه -المخالف- معها، ضد حكم السنة المنفرد والمتواصل لألف واربعمآئة سنة، يمثل رغم تواشجه بقضية الخلاص من ديكتاتورية الطائفة-الطبقة يمثل طعنة طائفية للفكر الشيوعي في العراق أدت لنسف مقوماته ولإنقسام صفوفه، وتبدد طاقته الحاضرة في الدفاع عن (حكم) عميل جاءت عناصره بأثر حصار مرير على مقدرات العراقيين ملتصقة بأطر جنازير الدبابات الأمريكية والبريطانية ، وبفوهات مدافع قواتها الجوية والبرية، وبقضبان سجونها وسياط جلاديها، وعلى جثث المدنيين، مستجيراً من الرمضاء بالنار، تماما مثلما كان تحالف الحزب والطبقة العاملة نفسها عزيزاً محمداً مع حكم البعث الذي كرس طائفية (السنة) حين كان النائب صدام حسين بالخصوص يقف على مساندة الأمريكيين ويصلي أهل الإمامة في الجنوب بالحديد والنار ويغدق الخيرات على أهل الشمال! ألا يرى السائل شبهاً وغرابة في الموقفين وتحالف الحزب فيهما مع قوى طائفية؟ ألا يتطلب ذلك مراجعة لحقيقة تذبذب إلتزامات الحزب أمام الضغوط القومية والخارجية ؟ ألا يرى السائل شبهاً بين ماحدث في حلبجة وماحدث في الفالوجة وبقية أسوار بغداد وفي سجن أبو غريب في العهدين التوأمين للعقوبات الجماعية؟

ألا يرى السائل إن الشبه بين الموقف الشيوعي المؤجل لمصالح الطبقة العاملة العراقية وأسلوب حكم البعث المؤجل لنفس المصالح وأسلوب الإحتلال المؤجل لنفس المصالح بدعاوى داخلية و خارجية شيئاً يفرق مواقف الطبقة العاملة في العراق؟ وإن هذا التأجيل المسوف لحقوقها، يسهم في تشتت عناصرها وإنتهاءها لقمة سائغة للفقر والنزوح ولإرهاب عصابات الغدر وهجمات الإنتقام؟ أو للهجرة؟ ألا يرى؟



المحور الثالث
إلى ماذا تسعى حركة الطبقة العاملة؟ هل هناك أهداف سياسية واجتماعية محددة تسعى إلى تحقيقها في هذه المرحلة أو على المدى البعيد؟ هل تريد السلطة السياسية، أم تسعى إلى تطوير عملية التنوير السياسي والاجتماعي والوصول إلى الدفاع عن مصالح الفئات الكادحة والمهمشة والمحرومة في المجتمع، وهل حققت الحركة العمالية، السياسية منها والنقابية، خلال العقود المنصرمة، بعض المنجزات المهمة على طريق النضال من أجل الحريات الاساسية والحياة الديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق العمال؟

إن حركة الطبقة العاملة ككل الحركات في الطبيعة الإجتماعية مقودة بضرورات بقاءها وترتبط هذه الضرورة لبقاءها بالضرورة المعروفة للعمل والإنتاج لحياة البشر وبقاء الإنسان. وفي كافة الحواضر التي تأسست على إقتسام ثمار عمل الطبقة العاملة، فإن وضع الطبقة العاملة كطبقة منتجة لأسباب الحياة وهي في الآن نفسه أكثر الطبقات حرماناً من هذه الأسباب، فإن الطبقة العاملة تتفرد عن جميع الطبقات والحركات السياسية بسعيها لإلغاء الملكية الخاصة للموارد العامة وإلى توفير أسباب العمل الكريمة والراحة لجميع الناس، بنسفها الثوري لأسس إستغلال بعض من الناس لبعض أخر منهم.


فحرية الطبقة العاملة من حالة الحوجة إلى ضرورات العيش ونقص هذه الضرورات وأسباب إصطناع هذا (النقص) الماثلة في الجبروت العسكري والتملك الخاص وتقنيناته ونظمه، هي حرية متصلة بحرية البشر من مراتبة القيم والوجود الإجتماعي بالزور والزوف وماتنتجه تلك السياسات من ظلم وجور.


وحرية الطبقة العاملة من أصفاد التكييف الطبقي للحياة وإغلالها بالأنانية الملوثة لأوضاع ومفاهيم العائلة والدولة والدين بقيود شينة تلحمها بثقافة الملكية الخاصة وسياساتها الرأسمالية سواء بوضعية الدوائرالعليا للحكم أو بدوائر العيش والتعارف والتبادل المختل المنافع بالسوق اليومية قاعدة للمجتمع. فهذا الوضع الشين لحياة البشر الذي يفترض (عامة) الناس إنه وضع طبيعي أو قدر إلهي لافكاك منه، يفرض على الطبقة العاملة ضرورة إلغاء الموازين المطففة والمبخسة لجهود الناس، وإيفاء كيل وميزان إجتماعي جديد. ويقوم هذا الكيل والميزان الجديد بقسط إشتراك الناس في السلطة والثروة القومية لبلادهم وفقاً لوضعهم في الحياة كأناس سواسية في الكرامة والحقوق والواجبات العامة، ووفقاً لحاجاتهم الطبيعية للبقاء والإزدهار وقدرتهم على الإسهام في العملية الإجتماعية لإنتاج أسباب هذا البقاء وإزدهاره.


وهذه الإشتراكية لا تتحقق خبط عشواء أو بمرورالأيام، فلإصطناعها كميزان جديد لوزن القيم والمنافع المادية والإجتماعية وزناً يحكم إنتاج الناس لهذه القيم ويقسط تبادلهم إياها، لابد من نظم محسوب معقول للموارد البشرية والعلمية والمادية التي تمكن الناس في قلب الميزان السوقي القديم من الإسهام في إنتاج ونصب الميزان الإشتراكي بمعاييره العلمية والعملية الإجتماعية الجديدة.


ويرتبط هذا النظم بحكم الضرورة، بتوضيح أسبابه وأبعاده للمجتمع ثم بعملية فرز العناصر الأولية صاحبة المصلحة الأكبر في إنتاجه هذا النظام في هذا المجتمع او ذاك ثم فرز العناصر القادرة على القيام بأعباء هذا الإنتاج من بين تلك العناصر الأولية، ثم بعد ذلك الشروع في نظم هذه القوى وأمكاناتها في أعمال محددة نظرية وعملية-في آن واحد- ذات أشكال إقتصادية إجتماعية سياسية وثقافية عدداً يؤدي تراكمها العددي إلى تغير نوعي في الطبيعة الإجتماعية حولها يتواشج مع غيره من التغيرات والتغييرات التي توافقه أو تختلف معه بصراع طبقي، تقوم فيه القوة الضرورية للحياة الإجتماعية بنفي القوة الكمالية في الحياة وإفناء أسباب وجودها.


وهذا النفي والإفناء المتصل بتدمير وإزالة تقنين الملكية الخاصة للموارد الإجتماعية العامة، وإشاعة أسباب ووسائل الحياة بين الناس يربط موضوعيا بين وجود الطبقة العاملة والنضال الشيوعي في وحدة بنيوية جامعة مثلما يجمع وجود الذهن بين خواص الطبيعة وخواص الطبيعة الإجتماعية، لذا فإن تفريقها يسهم في إضعاف الإثنين وتقوية الرسملة المحلية والدولية للحياة البشرية ومسخ الإتجاه الإنساني في الطبيعة الإجتماعية: حيث يرد هذا التفريق بين الذهن والتفكير والتحقق الإجتماعي، ويرجع حال نشؤ الإنسان وتطوره السابق عن الحالة الهمجية للبشرية في الطبيعة بأن يعاد إليها مغلولاً بواسطة عملية تغريب الطبقة العاملة والنضال الشيوعي وشطرهما عن بعضهما.



فبهذا التغريب والفصل ترد البشرية من حال الإتجاه الى إدراك وترتيب وجود عناصرها وأهدافها وأعمالها بالعلم والعمل المتناسق مع ضرورات وجود وحياة المجتمع وأسباب إجتماع أهله والطبيعة المتقدمة لهذا الإجتماع، إلى متخلفة حالة يظلم فيها المجتمع نفسه بترتيب لعناصره وأهدافه وأعماله يقوم على بالجبروت تراتباً يتملك فيه ملوك الموارد ورؤوس الأموال أسباب حياة وأعمال أهل القرى والناس كافة، مفسدين بهذا التملك الخاص للموارد الإجتماعية وطبقيته الظالمة جملة إنسانية البشر وعقلانيتهم وكرامتهم.


وما ذلك التغريب والإفساد إلا بحكم الطبيعة الإستئثارية للنظام الرأسمالي للملكية، وما تفرضه هذه الطبيعة الطفيلية من نزع لفوائض الإنتاج بتقنين جهد العمال بأجور بخسة تواشج خط الفقر، بتغريب المنتجين والعمال -وهم الغالب من العدد في الناس- عن أعظم أسباب وجودهم وعملهم وعن ثمار إنتاجهم، فبتخديم رأس المال للقوة الباطشة والمعتدلة وبتدجيله القيم المادية والمعنوية بالزور والزيف وتطفيف موازين المنافع حالة ضنكا تسخط الناس وتقفل قلوبهم تجعلهم صم بكم عمي لا يفقهون، حميراً للإستغلال كالأنعام أو أضل سبيلاً .


ولخروج البشر من هذه الحالة الحمارية، إلى حال الإنسان، فإن وعي الطبقة العاملة بذاتها وطبيعة وجودها في الحياة الإجتماعية وما تقوم به من أعمال ونضالها للحرية من أغلال إستغلالها وحرمانها في المجالات الإقتصادية الإجتماعية السياسية والثقافية، كل هذا لا يمكن بشكل منطقي فصله عن الشيوعية التي تمثل الكينونة السياسية لحرية هذه الطبقة وسؤددها، إلا بالمقدار الذي يمكن فيه إنجاز شيء ما دون معرفة عناصره ودون خطة لفرزها أو جمعها أو ترتيبها! والتعجب لخفاء لوازم الإنجاز، فهو حال يماثل حال تفرقة كمبيوتر عن برامج تشغيله فمنطقاً لا يمكن لأحدهما (الحياة) أوالعمل دون وجود الأخر.


فالهدف العام للطبقة العاملة والاحزاب المتصلة بها عضوياً هو تحقيق الإنتظام والإبداع الحر للإنسان في الحياة. والأساس في تحقيق هذا الحلم الإنساني العموم هو إيقاد الثورة الشيوعية عن طريق ضفر العوامل الذاتية للبشر الساعين إليها، بالعوامل الموضوعية للحياة الطبقية حولهم، وكسر هذه الحياة الطبقية في أضعف فقراتها، والنفاذ إلى تدمير هذه الحياة الطبقية تدميراً شاملاً من أغفل الثغور فيها سداً وحراسة، وبأشد ما يتوفر من قوة نظرية ومادية لهؤلاء الثوار الطلائع. وفي هذا الصدد تبدو ضرورة ديكتاتورية الكادحين (بمعنى السُلطة التي شرحنا موضوعيتها فيما سبق) في تأسيس الحياة الإشتراكية الجديدة.


فالهدف المرحلي الرئيس للطبقة العاملة الصناعية هو السيطرة على السلطة وقيام هذه الطبقة بالقوة السياسية والعسكرية لجماهيرها وعموم الناس المستضعفين بفرض ديكتاتوريتها (= حكمها المطلق) على أقانيم وعتلات وأزانيم الكيان الطاغوتي القديم بتراتبه ورؤوسياته وربوبياته الزيف، تحقيقاً لهدفها في تدمير وإلغاء التراتب الأرعن ومحو الطغيان من حياة الناس في مجتمعها، وإزالة طاغوته بكيانها السياسي | الشيوعي، مقدمة طبيعية منطقية لحرية الناس من أوضاع الإستغلال والقهر المادي والمعنوي وتشكلاتهم وإرتقاء الناس بهذه الديكتاتورية الشعبية من حال الجهد في الإنتاج والحرمان من ثمراته وفقدهم ضرورات العيش وتكالبهم عليها وقلقهم وخوفهم على أمنها، إلى حال جديد لإجتماع الناس أحراراً سواسية بإشتراكهم في حكم شؤون معاشهم وأمور بلادهم وتحديدهم معاً موارد هذا العيش وثرواته وكيفية تنظيم أساليبه ونظم موازينه، وذلك وفقاً للحاجات الطبيعة لوجود الناس وإزدهارهم، وحسب قدرتهم على الإسهام في صيانة أو إنتاج ضرورات وجودهم، فبهذه الحال الإشتراكية المتقدمة تنفي بشكل علمي تطبيقي حر ديمقراطي أعظم الاسباب الظاهرة للتناقضات الإجتماعية القديمة وهي: الملكية الخاصة لموارد عيش المجتمع، وحيث توفر الظروف لتقدم ذلك الحكم الإشتراكي بالإشاعة المضطردة للموارد والأعمال والأفكار وتفتحها في العالمين حدائق غلبا.


وبغض النظر عن الأهمية الموضوعية للصياغة الآيديولوجية للأسئلة، فإن الشيوعية والطبقة العاملة في الوضع الراهن الذي تطبق فيه أوضاع تأزم وإنهيار النظم البرجوازية الصغيرة والكبيرة في العالم على أنفاس الناس في بلادنا لا تسعى إلى ما يسميه السؤال تطوير التنوير السياسي والاجتماعي والوصول إلى الدفاع عن مصالح الفئات الكادحة والمهمشة والمحرومة في المجتمع، فالأزمة أقتل لذلك وأضلم، ففي الظروف المادية الزائدة لإغتراب الناس وإستلابهم يضحى الكلام عن زيادة التنوير ضحكاً، وفي الظروف المادية والسياسية التي يقهر الناس فيها ويظلمون أنفسهم بأنفسهم، ويلقون بأيديهم وموارد ومصادر عيشهم في تهاليك العنطزة الشوفينية والعصبيات القبيلية والطائفية الدينية، والإمبريالية الأمريكية والبريطانية، وعولماتها وخصخصاتها موارد الحياة، يضحى الكلام عن (الوصول إلى الدفاع عن مصالح الفئات الكادحة والمهمشة والمحرومة في المجتمع) ضحكاً ايضاً ولكنه ضحك على الذقون.


فكيف يمكن الوصول إلى حال التمكن من الدفاع عن مصالح الفئات الكادحة والمهمشة والمحرومة في المجتمع، بينما رأس المال يعمل حثيثاً وينتج في بلادنا ومجتمعاتنا بطبيعة نشاطه عوامل الإغتراب والفرقة والشتات والتدمير الذاتي، فإلى من يتجه ذلك الدفاع؟ أإلى الظالمين أم إلى المظلومين؟
إن الظهور بمظهر المدافع عن الطبقة العاملة، يتطلب موضوعياً الإندماج في قضيتها، والنهوض بها نهوض طالب الحق به، لا نهوض المحامي للدفاع عن شخص ما! كما إن مصالح الفئات الكادحة والمهمشة والمحرومة لا تتطلب الدفاع عنها، وإنما ضرورة وجودها وحياتها وتقدمها لوجود الإنسان ومجتمعه وجوداً صحيحاً معافى تفرض على الهميم لمصالح الفئات الكادحة والمهمشة والمحرومة في المجتمع لا المهتم بها، أن يضاعف جهده في عمليات تثقيف هذه الفئات المستضعفة وضفر عناصرها ومعارفها وخبراتها وقواها، وشحنها بها وتذخيرها ونصرتها، ودفع طلائعها لإوهان النظام الطبقي الظالم القائم، وزعزعة تماثيله، وإيقاع أصنامه الفكرية والسياسية بفصل أعماله عن أسبابه ومقاصده ونتائجه عن جهوده، زحزحة وتبديلاً ودفعاً، وتخريب وهدم العلاقة السلطوية اليومية الراتبة والمنظومة بين موظفيه ومبانيه وقراراته الورقية، بتخريب وقطع الصلات المادية والمعنوية الواشجة بينها والجامعة لها.


فالدفاع عن مصالح الطبقة العاملة لا يكون على طريقة كشف وتوضيح المخالفات الرأسمالية للدستور أو لحقوق الإنسان أو للمواثيق الدولية للعمل والحقوق النقابية وإعلان تلك المخالفات في البرلمان أو في الصحف أو في الندوات المفتوحة أو السرية بأسلوب صادق حذق وجذاب، وغير ذلك من المهمات التي يقوم بها عدد كريم من العناصر الشيوعية التقدمية والبرجوازية اليبرالية والإقطاعية النبيلة والدينية المستنيرة، وبشكل مبدع خلاق، بل يتطلب الدفاع عن مصالح الفئات الكادحة والمهمشة والمحرومة في المجتمع النضال الطبقي الثوري الشامل ضد النظام القائم بإستضعافها، وهي مهمة تتطلب ثوريتها وشموليتها وضديتها جهازاً وطنياً مستقلاً للنضال، وجهازاً أممياً جامعاً لتنسيقه كانت ضرورته هي الأساس لوجود ونشوء وتقدم الحركة الشيوعية، في وحدة نضالية للأعمال الثورية الموجبة لحرية العمال والمستضعفين والمتقدمة بفداءهم وسؤددهم.


ويختلف هذا الوجود بطبيعته النقدية والنضالية الصدامية، عن طبيعة السياسة في وصل الأراء وجمع الناس بها أو تفريقهم، بما في ذلك من تأثيرات لغوية على الاذهان، وأعمال تتصل جلائلها بالحرية من الإقطاع، وتمليك رأس المال زمام حياة المنتجين لثمرات العيش والقائمين بكدهم وكدحهم على إزدهاره.


وعن طريق الإتصالات الحديثة فإن لعدد قليل جداً من المنتظمين وبجهد بسيط وآمان كاف أن يرصد الإنتهاكات الأساسية لكافة حقوق الإنسان، ورفعها إلى الهيئة الحكومية أو الدولية المختصة، حيث تصدر بها هذا التقرير أو ذاك مثل لذلك لقمة اليتيم في يد اللئيم، ولو قاد الأمر لمعالجة ما، فعادة ماتكون تلك معالجة جزئية أحدية موقوتة ومظروفة، مما لا يغني عن النضال الشيوعي للطبقة العاملة وحلفائها لتدمير وإزالة أسس ونظم واشكال التملك الخاص للوسائل العامة لعيش الناس فى المستويات المحلية والدولية.


وكما تبددت بسرعة النجاحات النسبية لبعض الإصلاحات الإشتراكية في الستينيات والسبعينيات فكذلك تتبدد الإصلاحات الليبرالية في الوقت الحاضر بسرعة أشد، في مجتمع مهضوم بين الخصوصيات العشائرية والإثنية والطائفية الدينية لقوى ونظم شبه الإقطاع في الداخل وأحط وأخبث أنواع الإستعمار بما هو الحال عليه في كثير من البلاد من خصخصة للموارد وإحتلال عسكري يحرس هذه الخصخصة ويؤجج لها التناقضات النائمة.


ففي الحال الإصلاحي التأميمي المصادر أو المدير لإستقلال حركة الحزب الشيوعي والطبقة العاملة، وفي الحال المخصص لهذا الإستقلال والمعولم له، تدهورت كثيراً بأكثر مما تقدمت أحوال الحزب الشيوعي والطبقة العاملة، وذهبت أدراج الرياح الإنقلابية والمعولمة الإنجازات المجيدة في مجالات الحريات الاساسية والحياة الديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق العمال نتيجة تحكم عناصر وأفكار ورؤى البرجوازية الصغيرة أو عناصر وأفكار ورؤى البرجوازية الكبيرة، المحلية أو الدولية، في عملية تطور الإنتاج الإجتماعي وشروطه العامة وميل الحالين بقوة متفاوتة للفصل بين التطور الوطني السياسي والإقتصادي الإجتماعي والتطور في وضع ومصالح الطبقة العاملة في عملية الإنتاج، وهي الطبقة العود للوجود الإجتماعي ولحالته السياسية والوطنية، بمنطق يأمل إستقامة الحال دون إقامة حالها مما يدعو للإنكار لا للإكرار، فكيف يستقيم الظل والعود أعوج؟


لهذا، فإن إقامة الوضع الأعوج وعدله، تتطلب زيادةً وتكريباً في الترابط النضالي بين الحزب الشيوعي والطبقة العاملة الصناعية، فهي القائدة الموضوعية لتغيير علاقات الإنتاج وتقدمه بشكل متناسق، وبالتالي تناسق وتقدم وضع المجتمع القائم عليه بتحسن بنيته الموضوعية وحالته العامة الإقتصادية والسياسية والوطنية، وإزدهار أحواله الإجتماعية الثقافية. ويتصل تكريب هذا الترابط بين الحزب الشيوعي والطبقة العاملة الصناعية وعموم الكادحين، بتشديد منظوم متناسق للنزعة النقدية وللوجوه الصدامية من النضال ضد أعداء الشيوعية والطبقة العاملة، فحسب خبرات كثير من الحركات الشيوعية والدينية فإن هذه النزعة والحال النضالية هي التي تفل الحديد، وتكسر الصخور، والأحوال دون ذلك من توخيات وتمنيات وإستسهالات وإصلاحات وتقارير وأوراق وندوات بين متفقين على رأي أو رافضين له فهي ملهاة حزينة قد تفيد في مجال التنظير وتكراره، ولكنها لم تفد من قبل لا الحزب الشيوعي ولا الطبقة العاملة الصناعية، ولا عموم الكادحين بل زادت عليهما الضرر والعذاب أضعافاً وجرت عليهم العجز وضعف الحيلة والهوان على الناس، إن رافض بعض الناس هذا التاريخ نبهوهم قولوا لهم: أنظروا إلى الخراب حولكم ، أنظروا إلى الخراب في نفوسكم، يرتد إليكم البصر خاسئاً وهو حسير.




المحور الرابع
كيف يمكن للحركة العمالية أن تواجه مشكلات المرحلة الراهنة التي تمر بها شعوب العالم العربي وما تتعرض له من أستبداد خانق وأزمات اجتماعية ومعيشية واحتلال؟ او البروز المتنامي للتيارات الاسلامية ،هل في مقدور الأحزاب والمنظمات التي تدعي تمثيلها أو الحركة النقابية ضمان المشاركة الفعالة في مواجهة تحديات المرحلة والانتصار عليها لصالح مجتمعاتها؟ وكيف تقف الطبقة العاملة وتنظيماتها من حقوق الاقليات في الدول العربية ومن مبدأ حق تقرير المصير للشعوب؟

إن الفصل النظري الآيديولوجي بين وضع الشعوب ووضع الطبقة العاملة الصناعية في جهة وبين الجذر العام للأزمة الإجتماعية-الإقتصادية-السياسية والثقافية القائمة في قطاعات الإنتاج الصناعي وما لف لفها والشكل السياسي العام لها بصوره المتراوحة من إستبداد خانق وأزمات اجتماعية ومعيشية وإحتلال وتدين سياسي، والقلق على وجود الشيوعية والحركة النقابية منها هو أحد الأسباب الرنيسة لهذه الأزمة وأحد المحركات الرئيسة لتفاقمها.


فكل هذه الأزمات في سطح المجتمع ناتجة من الوضع الأزوم في قاعدته، ومن فصل وجود المنتِج عن وجود إنتاجه، يبدأ فصل الوجود والقيم والمواقف والعشائر والقوميات والمذاهب والسياسات والأقاليم عن بعضها البعض، فإن لم يشترك الناس في تقرير أمور إنتاجهم لأسباب عيشهم وفي نظم توزيع موارد ووسائل هذا الإنتاج وعناصره وموضعة جهودهم وثمراته، من السهل أن يتحول التباين والتناقض في قاعدة المجتمع ويتخذ في سطحه هذا الشكل الأحدي أو ذاك، لقد كانت النظم الإشتراكية على علاتها نظاماً قلل كثيراً من العصبيات القديمة، وجمعت بيسرها وإشتراكيتها الوليدة بين الشامي والمغربي، وما إن داخلتها السوقية وتجزئة الصلات، حتى إنفط سامرها، وقعقت فيها الأسلحة وفرقعت فيها المدافع والقنابل كذلك كان إجتماع المهمشين من البطحاء إلى أنحاء فارس وبيزنطة، في ثورة بدأت على التراتبات والربوبيات والمظالم البدوية والحضرية، ولكن ما إن داخلتها الغنائم والخموس والإقطاعات والجواري وبدأت في التمايز، وتفارطت فيها الصلات بين الكينونة الثورية والكينونات الإجتماعية المتصلة بها حتى بدأت في التبدد قبل قبض الروح الأمينة، فكل هذه الأزمات الإجتماعية هي شكل خارجي للأزمة العضوية والبنيوية لعملية الإنتاج في المجتمع .


ومحاولة التغلب على هذه الأزمات بتأجيل إقتضاء مصالح الطبقة العاملة، والمباينة بينها وبين النضال الشيوعي، بحجج متنوعة أهمها تبريد الموقف وإستيعاب القوى الخارجة عن المألوف الليبرالي، لم تؤدي في التاريخ السياسي لكثير من دول العالم وحركاته النقابية والسياسية إلا لصعود الفاشية والنازية وجمعها الماكر الخبيث القهار لأشتات من الفكر القومي والديني ووالنقابي والإشتراكي والتنظيم الألي الصناعي العسكري والدعاية التجارية الوجيزة والمتصلة ونشرها في راية كبرى من الأكاذيب والعنف والحروب، أسهمت رغم نصر الشيوعيين الجبار عليها في تضام قوى الإستعمار القديم وتحولها بسرعة أكثر إلى حالة الإستعمار الحديث والتمكن به من حصار الدول والقوى الإشتراكية لدرجة إن كثير من حركات التحرر الوطني خاصة مع إستيلاء القوى السوقية على مقاليد الأمور في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفييتي، قامت للخروج من مأزق الوضع الدولي بين عدوين لها بتأسيس حالة عدم الإنحياز ليسهل قبولها في الهيئة الدولية المنصوبة بسم الأمم. وقد تمثل ذلك الحياد قولاً فعلاً في تخفيف التحول الإجتماعي إلى الإشتراكية، وتقطيع وتجزئة وتفتيت وتعليب وتسويق ضرورات الثورة الإشتراكية. وقد كانت صادقة في ذلك التخفيف فكانت نظمها وحكوماتها هجيناً عقيماً بين الملكية الخاصة والتعاملات السوقية في أحوال أكل وغذاء المجتمع وسكنه وكثير من تنقلات ومواصلاته في جهة والنشاط العمومي (الإشتراكي) في مجالات التعليم والعلاج فماذا كانت النتيجة الكبرى:


ففي خضم تحويل وجود وحركة عناصر تلك المجتمعات المستقلة حديثاً وتغييرها عن الحالة الأحدية التي خلفها فيها الإستعمار القديم إلى حالة متقدمة للإشتراكية، لقد قامت تلك التباينات بتوفير إمكانات نظرية وسياسية للقوى البرجوازية وفرت لها الصلات الإدارية والدولية لمراكمة الأموال وشجعتها على النمو الطفيلي والتكاثر والإنتشار حتى قضت على اللحم والعظم والأخضر واليابس:

ومن هذه التباينات والإمكانات ما تمثل في تضخم الفوارق وتضاعفها بين الأجور المنظومة حكومياً، لجهاز الدولة الضخم في بلاد ضعيفة الإنتاج، والأسعار المطلقة السراح، كذلك ما بين الشعارات الإشتراكية الملغوثة والوقائع الإثرائية والترفية والقمعية البينة كذلك التناقض بين أحوال الأرياف المفتقرة لأبسط الضرورات كالماء وحشاش الأرض بينما مراكز المدن المتفتحة بالمحلات والنوادي والطرق المزهورة بالورود والشباب اللاهي أو الملهي والغنوج.


ففى المستوى الإقتصادي الإجتماعي الثقافي السياسي الشامل لتراكم هذه التباينات، نشأت إمكانات ضخمة لتشتت مفاهيم الناس وحسهم بعدم الأمان، وجهدهم من كل هذا التنازع والجدل والتناقض الذي يكذب ويأكل بعضه بعضاً إلى الهجرة المادية أو المعنوية أو إلى الإثنين معاً، من عبارات الشيوعية والطبقة العاملة ودعاوى السياسة التقدمية هجرة إبراهيمة أو موسوية تفرق الناس بها أيدي سبأ شعوباً وقبائل وتاهو في ملاهي وصحارى العولمة وعواصفها ونسائمها لاهين ومصلين ومجاهدين وأعضاء بمجالس أعلى، وبألوية وكتائب تعيش على إعانة أعداءها، ومقالات رتيبة خفيضة حد السكوت تجرجر أذيالها.


ولا ينفع لعلاج هذا الحال تكرار العلاج بالتي كانت هي الداء، أي بفصل عملية تقدم الوطن وسياساته ووضع مجتمعه، عن عملية التقدم النضالي الصدامي والثوري للحزب الشيوعي وحركة الطبقة العاملة، وهما العصب الحيوي للإستقلال والعدل الإجتماعي والكرامة الوطنية، خاصة إذ كان إستدعاء ذلك العلاج متصلاً بشدة الظروف الواقعية للصراع الدائر في عالمنا بين عموم الناس في جهة ووجوه وتلفزيونات ومنابر، ورشاشات، وسكاكين، وقنابل، ودسائس، الحلف المتلون بين قوى شبه الإقطاع وقوى الإمبريالية، فلا يفل الحديد إلا الحديد.


ولو كان الأمر بغير ضفر لأعلى أشكال الفكر التقدمي في زمانه بعناصر القوة الثقافية والجماهيرية والعسكرية لما تقدمت وإنتصرت الثورة النيبالية، أو الثورة البوليفية، أو الثورة الفنزويلية، أو الثورة الجنوب أفريقية، أو الثورة الأرترية، أو الثورة الأثيوبيـة، أو الثورة اليوغنديـة، أو الثورة الغينية، أو الثورة الناميبية، أو الثورة الأنغولية، أو الثورة الموزبيق، أو الثورة التنزانية، الثورة اللاوسية، أو الثورة الكمبودية، أو الثورة الفيتنام، أو ثورة اندونيسيا أو حتى ثويرات الدول العربية، أو الثورة الكورية، أو الثورة الكوبية، أو الثورة الصينية، أو الثورة البورمية، أو الثورة الروسية، أو المكسيكية أو البلويفارية، او الثورة الفرنسية، أو الثورة الأمريكية، أو الثورة الإنكليزيـة، أو الثورة الهولندية، أو الثورة الدنماركية، فقد عرف جمهور هذه القوى سواء بالأصالة أو بالإتعاظ بغيره إن عملية تغيير الأوضاع الإجتماعية تغييراً شاملاً بمجرد مناقشات منطقية أو حجج دامغة أو مناورات ذكية أو تجنبات ماهرة أو كياسة حذقة فطنة أو لباقة كريمة أو شدة في القول والكلام، مسألة فقيرة الموضوعية.


ولو كان أمر التغيير الإجتماعي يقوم على ثقة الإنسان في عدالة قضاياه وعلى ثقته في حسن عرضه لمطالبه وجودة إقتضاءه لها وحسن إدارته لشؤون تحقيقها أو على مدى إخلاصه لرأيه لتفتحت أحوال الدنيا بدعوات المظلومين أو بالأعمال الصالحات الزاكيات، أو بوجوه الأعمال الحرفية والمهنية المباشرة أو بالأعمال التي تروم تحسينها وتحسين الأوضاع الإجتماعية المتصلة بها مثالاً الأعمال النقابيـة أو التعاونية أو السياسية الفاضلة أو التآمرية البلانكية، أو الإشتراكية الديمقراطية، ففي كل مما سبق كان التراكم النوعي لأرقى أشكال النظر والعمل السياسي وقوته وجمعها المقصود الخبير الحريف، وأخذها السلطة بقوة هو الفيصل في إجراء التحول التاريخي من عصر الإقطاع ومابعده إلى عصر الحرية أو عصر الإشتراكية أو إلى العصرين معاًَ.


فحسن الختام لا يكون إلا بحسن الغرس والإعداد والتنمية، وهي أمور ترتبط في مسألة الثورة الإجتماعية بمواصلة التناقضات والمصدامات، وحشدها وتكثيفها بأليات التنظيم والدعاية التظاهر والبرلمان وبالتي هي أشد فتكاً بأليات القمع والسلطة التراتبية الطاغوت.


أما الركون لشكل مبسط (هادئي) وئيد ونزيه لـ (الإصلاح) السياسي بتأجيل المصالح العمالية وتفنينها فهو قتل نظيف لقضية الثورة وإبادة ذكية لملايين البشر من حيث يدري أو لايدري، فحسب الشعر النضر تاج السر جعفر الخليفة:(( أن لايدرك المقتول معنى أن يموت أو أن تموت على يديه قضية كبرى)).






المحور الخامس
وما هو موقع ودور الاتحادات والنقابات العمالية والجماهيرية والمنظمات غير الحكومية في العالم العربي في زمن العولمة والقوانين الاقتصادية التي فرضتها والتغيرات السياسية والاجتماعية والتكنولوجية التي أحدثتها في العالم؟ هل يمكن الحديث عن نقابات عمالية مستقلة عن سلطة ونفوذ الدولة والاحزاب الحاكمة؟ هل يمكن الحديث عن حركة عمالية أممية واحدة أم حركات وطنية وقطرية؟

يبدو من العبث القول بوجود حقيقي وفاعلية للمنظمات والمنتظمات الفئوية والجماهيرية، وتطورها من تلقاء ذاتها بعناصر خاوية أو بفضل عصبيات مذهبية دينية أو شيفونية، فتقدم تلك المنظمات منعقد بتكريس فاعلية الحزب والفكر والعمل الذي يصل بينها وبين العناصر والمقومات الموضوعية للإزدهار أو للإنهيار في المجتمع، فدون معرفة المنظمات الفئوية والجماهيرية للأسباب العميقة لتحسن أوضاع منتسبيها أو للأسباب العميقة لتدهور تلك أوضاع، ودون إلمام هذه المنظمات وقيامها بجوانب النضال المختلفة اللازمة لإحداث تغيير جذري في تلك العناصر والأوضاع لجهة تصحيحها وتنميتها، وما تتطلبه تلك المعرفة وهذه الممارسة النضالية من تواشج وطني وأممي بدوائر النضال الشيوعي والنقابي النظرية-التطبيقية في بلادها وفي العالم، فإن الحديث عن منظمات مزدهرة في بلاد ومجتمعات مختلة، دون مقاربة لمؤسسات وأليات وممارسات الثورة الثقافية والجماهورية وأنشطتها الشديدة الحديد، يبدو ناقصاً لأهمية توضيح مدى تواشجها مع الحزب الشيوعي ونضاله الصمدي والمفتوح في آن واحد.


كما إن الوحدة الموضوعية لقضايا الكادحين في العالم ولأحوال الشعوب المستضعفة، ووحدة قضاياها تفرض عليها ضرورة لا إختياراً التضامن الأممي الصلب مع قضايا ومنظمات الكادحين والمستضعفين الأخرى، خاصة في مواجهة متطلبات الخصخصة والعولمة، وما تمارسه وحداتها من نهب للموارد القومية، وتلاعب بالحقوق النقابية والإنسانية عامة وإهدارها المتصل لكرامة الإنسان بالتمييز تارة والإصطفاء، أو بالغمض والإخفاء والإقصاء والإطفاء.


ولكن السعي للوحدة بين المنظمات والقوى الفئوية والجماهيرية، لا ينشد بعيداً عن الإتصال والإجتماع بأشد القوى والعناصر والافكار ثورية وطلب التواصل مع كياناتها الراقية، أيما كانت أشكالها، والإصرار على اللين والرفق والحرص في دراسة وقائعها ووقائعنا بـالتمحيص والنقد والمدارسة والسجال، وجس النوابض وعصر التجارب، والوئد في مسك المرافق، وجذب الجسوم، وضم الجوانب، ونهل العيون، ولثم المحاسن، وجمع الدواني مع الأعالي، وفرك الحقائق، ومس الشدائد، وشد الحديد، وقذف اللواهب في الجوف الرطيب، وفرد الحرير وحرق البخور للكلمة النشطة والرأي السديد.


بدون هذا الشكل من التواصل والإجتماع الواشج الفعال بين الشدة واللين تظل المنتظمات العامة في عالمنا مجالاً للتنزه والإغتراب أو السلوان الإجتماعي، وتصير مجالاتها الأممية أقرب للممارسة الراتبة وبعيدة من العملية الثورة بكل ما فيها من شدة وقبض ولين وبسط وسوح وبيارق يتصل وجود جمالها بتعاشقها وإنتصابها ورفرفتها وإنبساطها لا ببرودها وكمونها وكبتها لقدراتها وصومها عن العطاء وإعتزالها مكاناً نقابياً أو جمعية لحقوق أو وكالة دولية تديرها الدول الثلاث الكبرى، أو .. فالثورة الفكرية والنضالية هي وحدها التي تقيد المنتظمات والمنظومات وتضيء خلايا مجتمعاتها وتذيب بأنوارها اللاهبة المفاصل الشاحمة للحكومات.




المحور السادس
ما هو دور المرأة العاملة في حركة الطبقة العاملة النقابية والسياسية، وهل استطاعت أن تنتزع مكاناً ودوراً لها في العملية السياسية والاجتماعية الجارية في هذه المجتمعات؟ ما هي مكانة المرأة مع بداية القرن الحادي والعشرين ودورها في العملية الإنتاجية وفي مجمل العملية الاقتصادية، وهل استطاعت، بفعل نضالها الطويل، أن تحقق استقلالها الاقتصادي وتنتزع حريتها الفعلية؟ وكيف ترى إمكانية تحقيق أهداف الحركة النسوية عموما والعمالية على نحو خاص في هذه الفترة التي تشير إلى وجود ارتداد اجتماعي وسياسي واسعين في هذه المنطقة من العالم؟

إنه لمن المخجل أن يطرح سؤال تقدمي بهذه الأهمية في مؤخرة الأسئلة، وقد وضحنا في الإجابة الأولى كيف تأنث الفقر والإنتاج، بحكم زيادة الطرد المركزي للرجال مع توسع المركز الرأسمالي وصولاته.
ولكن هذه الإشارة الذكورية ليست كافية بحال، طالما كان إستدعاءها النوعي لواقع النساء ، ملحقاً بتناول غير نوعي لوضع الحزب الشيوعي والطبقة العاملة ودورهما الرائد والقائد في المجتمع.


فكل هذا التناول على طوله الذي أوجبته طبيعة الأسئلة قد قصر وتخلف عن فحص التركيبة العضوية للحزب الشيوعي من حيث إنتماءات أعضاءه وعضواته للعناصر الرجالية أو النسوية، وللمراحل العمرية بالسنين، وعن كشف الوضعية الطبقية لعناصره المركزية والقاعدية، وإيضاح الإنتماءات المذهبية الدينية التي يدرج فيها أعضاءه في المجتمع، وتحديد التركيبة العرقية أو الإثنية أوالقومية ما أمكن ونسبها في عضويته، بل والإيماء للتركيبة السياسية فيه ومدى تباين رؤى أعضاءه حول عدد من المسائل (الرئيسة) في دستوره أو في برنامجه أو في أشكال نضاله وعلاقاته الداخلية أو الخارجية ونوع الطبيعة التي يفترض أن تكون عليها وفي أي مرحلة؟ وكذلك عن مباشرة فحص هذه التركيبة وأكثر في صفوف الطبقة العاملة، وفي جسد المجتمع لقياس التوائم والتنافر بين أجسادهم وقياس متطلبات التناسق بين عناصرهم وأعضائهم ومجالات نشاطهم.


وإن لعب غياب الإحصاءات دوراً في ذلك، فإن هذا لا يعفي من إفتراض حالة التخالف والتباعد والإنفصام والإغتراب بين هذه المكونات، وبينها وطبيعة نضالاتها وتكوينها لمزيد من التناقضات الثانوية
على حساب التناقض الرئيس في المجتمع بين حرية التملك الخاص للوسائل العامة للإنتاج وذكورية هذا التملك وبين حال القمع والإضطهاد والإستغلال والإستلاب والتغريب الذي ترزح فيه الطبقة العاملة وفئات الكادحين والمهمشين وجملة المستضعفين، وفيهم لاتقل نسبة وجود النساء عن النصف إن لم تزد، بحساب رهق العمل المنزلي غير المدفوع في الظروف الرأسمالية التي تمكن الرجل لأسباب ثقافية طويلة من الذهاب بإنتظام للتمتع بحقوق العمل المدفوع وإمتيازاته.


ويتطلب هذا الوضع تغييراً نوعياً في مفاهيم العمل التنظيمي والسياسي للحزب الشيوعي وإنفتاح تركيبته إلى جهة التناسق بين تكوينه العضوي والتكوين العضوي للمجتمع بنساءه وقومياته ومذاهبه وشبابه وعماله وزراعه وصياديه ورعاته وكسبته والإتجاهات الأكثر وضوحاً وجذرية وثورية لمثقفيه ومثقفاته.
فدون ذلك التغيير تفتت الحزب وإشتباه سياساته وتهدده بالتحلل وتوالي الإنقسامات والتشتت والضياع، ودون أن يعلن موته أحد، ومايرافق ذلك من ضياع لمجتمعه وتحلل دولته وفقد وطنه للوحدة والسيادة الشعبية وللوحدة والسيادة الوطنية، نهباً للتفجرات الداخلية لأزمات إحتكار أسباب الثروة والسلطة وللتدخلات الإمبريالية المرتبطة بها مثلما يحدث الآن في براري وحواضر العراق، والسودان، وفي جمهوريات القوقاز والتتر والبشكر والتركمان والاوزبيك والكازاخ والقرقيز وفي أرمينيا وأندونيسيا وفي عموم الكنغو وفي خوزستان-الأحواز وفي البلقان.


وفي هذا الصدد تظل مسؤولية التجديد الموضوعي لوجود وفاعليات ونضالات الأحزاب الشيوعية والطبقة العاملة الصناعية وحلفاءها رهينة بالتناسق والشمول الذي تعقده كل منهما بين التنظير الماركسي-اللينيني لحتمية التغير والتغيير الإجتماعي، وطبقيته العمالية، والشكل الثوري السياسي الإجتماعي الصدامي الذي تباشر به عناصرها عملية التجديد.


إن مسؤولية هذا التجديد تقع بصورة كبيرة على عاتق المرأة بإعتبارها الأكثر إضطهاداً والأرقى مصلحة في تجديد الحزب والطبقة العاملة، لتجديد عملية الإنتاج وعلاقاتها الديكتاتورية المتعددة الأشكال، ومن ثم تجديدها الخلاق المبدع للمفاهيم والأهداف والأوضاع والآليات الطاغية على وجود المجتمع والعائلة والدولة والدين والثقافة والإعلام والتواصل والتعارف بين الناس وتحريرها جميعاً من تشوهات وأغلال الملك الخاص للموارد العامة لحياة الناس وحرمان عيشهم بها من حالة متواشجة من الكفاية في إنتاج ضرورات الحياة ومن العدالة في توزيع موارد ووسائل وأسباب وجهود وثمرات الإنتاج والإشتراكية بين الناس في سلطة تقديرها ونظمهم أمورهم وادوارهم وحقوقهم جهتها في شيوعية نامية لإنتاج الخيرات وتوزعهم جهودها وثمراتها برشادة وعقلانية وسلام، تجنبهم أسباب الأنانية والتنازع والحروب والإضطهاد والإستغلال والتغريب في متاهات الجوع والنهم للإستهلاك، وفي مدن الإعلام الأمبريالي الملوثة وفي صحاري تيه المنابر والفتاوي والعجول الذهبية والإجماع التام المستحيل.


كل ذلك تقع مسؤوليته على المرأة الجديدة التي ترى في قضايا الطبقة العاملة والقوى المهمشة ومناطقها، الجسد العام لقضيتها، فبالإنقسام الطبقي قهرت النساء في المجتمع قبل أن يتسلسل ذلك القهر، فثورة المرأة إذا وضعت أثقالها تحقق للحزب الشيوعي شموله العضوي، وللكيان الثوري قراره الإنساني، تنبت به من كل زوج بهيج، ففي المرأة عقل حصيف وريف دجن الحيوان وإكتشف الزراعة وهذب النشاط البشري وذهبه، وحرك فرعون وجن سليمان. كما إن طبيعتها الأمومية المنتقية والمشذبة، الولادة للجديد والجميل تتسق مع طبيعة الكلمة الطيبة وطبيعة البندقية المقاتلة، فالمجد لمن قلن لا في وجه من قالوا نعم.




وختاماً في هذه المرحلة المملؤة بضجيج المحركات والموسيقى الصاخبة وأصوات القنابل والطائرات والتظاهرات من كل شكل ونوع فهناك حاجة إلى فهم الضرورة المنطقية لأولوية قضية الطبقة العاملة ومصادمتها المقصودة المتنوعة العنيفة للنظام الرأسمالي وإجتراح تغييرها الثوري لعلاقات الإنتاج وتقدم هذا التغيير على قضية تغيير شكل النظام السياسي لهذه العلاقات، والقضايا المتفرعة منه في مجالات الحرية والمساواة...فدون تغيير هذه العلاقات لا يستقيم الإنتاج والتبادل ولا يتزن، ويظل حال المجتمع في أحسن الأحوال متفاوتاً في سرعة السقوط العمودي إلى الأسفل كما تتساقط الأحجار في الهاوية، ودون تغيير علاقات الإنتاج ستكون سياساته تجديداً للنظم والقوى الحاكمة على الإنتاج والمجتمع بالإختلال تكراراً ساخراً للأخطاء القديمة. ودون توثيق للصلات بين الشيوعية والطبقة العاملة وبين النشاطات النقابية والجماهيرية والثقافية الإعلامية والعسكرية، ستبدد الجهود والأنفاس التي تنفخ في هذا الجانب مادام الجانب الأخر مثقوباً حيث يخرج الطلاب إلى الشارع ولا يجدون العمال او يخرج العمال إلى الشارع فلايجدون الطلاب، أو يخرج المقاتل فيجد نفسه وحيداً، أو الشاعر، أو يخرج الريف كله مسلحاً، وأهل الحزب في المدينة يناقشون مشكلات إنقطاع الكهرباء عن منطقة معينة، ونظام المجتمع كله مظلم، في مثل هذه الظروف التي تؤثر فيها تركيبة الحزب العضوية على حرارة مواقفه السياسية وعلى طبيعة فعاليته الثورية في الرصد والتحليل وإتخاذ القرار والموقف، وحشد القوى والإمكانات له في مثل ظروف كهذه هناك حاجة لمماثلة نسبية بين التركيب الحزبي والتركيب العام للمجتمع تتصدر فيها قوى الطبقة العاملة والنساء والشباب من عناصر الريف المهمشة المقاتلة تشكيلة لجنته المركزية، وللعلماء فيه فضل الإستشارة والإشارة، وللمثقفين فيه فضل الكشاف وفتح الآفاق الجديدة.

كل ذلك يلفتنا للإنتباه إلى ما بين الثورة في البلاد المختلفة من وشائج ضرورة وصلات لوحدة القضية ولوحدة تطور الإنسان ولوحدة العدو المشترك، ولتعدد القوى وتكاثف الخبرات والأراء لتحرر العمال في عصر الإتصال والعولمة.

للحزب الشيوعي التقدير

للطبقة العاملة الإحترام

لأول مايو علماً أحمر

لخزريات بابل

الزنج والقرامطة

والمجد كاملاً

لمن قلن لا

في وجه من قالوا نعم

للنار في وجه الجوع والعدم

الغضب للشفيع ،

ورمح الدينكا

المغروس في الأرض

قرنق



المنـصـور جعــفــر
[email protected]



#المنصور_جعفر (هاشتاغ)       Al-mansour_Jaafar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هوية الأزمة في موضوع أزمة الهوية: عناصر أولية
- المسألة اليهودية في السودان
- أفراح الحزب والدموع دجلة وفرات على وجه العراق
- إدانة الهجوم الدموي لجمهورية مصر العربية على لاجئين من السود ...
- أناشيد إسماعيلية لخزريات بابل المعاصرة
- قيـامـة النبي في كـوش
- الوقت العصيب العراق
- من الجهود المبذولة لحل الحـزب الشيـوعي وتصفيه وجوده العلني ا ...


المزيد.....




- بعد جملة -بلّغ حتى محمد بن سلمان- المزعومة.. القبض على يمني ...
- تقارير عبرية ترجح أن تكر سبحة الاستقالات بالجيش الإسرائيلي
- عراقي يبدأ معركة قانونية ضد شركة -بريتيش بتروليوم- بسبب وفاة ...
- خليفة باثيلي..مهمة ثقيلة لإنهاء الوضع الراهن الخطير في ليبيا ...
- كيف تؤثر الحروب على نمو الأطفال
- الدفاع الروسية تعلن إسقاط 4 صواريخ أوكرانية فوق مقاطعة بيلغو ...
- مراسلتنا: مقتل شخص بغارة إسرائيلية استهدفت سيارة في منطقة ال ...
- تحالف Victorie يفيد بأنه تم استجواب ممثليه بعد عودتهم من موس ...
- مادورو: قرار الكونغرس الأمريكي بتقديم مساعدات عسكرية لأوكران ...
- تفاصيل مبادرة بالجنوب السوري لتطبيق القرار رقم 2254


المزيد.....

- خزريات بابل ينشدن الزنج والقرامطة / المنصور جعفر
- حالية نظرية التنظيم اللينينية على ضوء التجربة التاريخية / إرنست ماندل
- العمل النقابي الكفاحي والحزب الثوري / أندري هنري


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ملف بمناسبة الأول من أيار 2006 - التغيرات الجارية على بنية الطبقة العاملة وحركتها النقابية والسياسية - المنصور جعفر - خزريات بابل ينشدن الزنج والقرامطة