أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد أبو قمر - حوار داخل زلعة















المزيد.....

حوار داخل زلعة


محمد أبو قمر

الحوار المتمدن-العدد: 6269 - 2019 / 6 / 23 - 04:07
المحور: الادب والفن
    


حوار داخل زلعة :
==========
في رحلة خاطفة إلي القاهرة نمت في القطار ، فرأيت في منامي امرأة كان خيالي في اليقظة دائما ما يرسمها لي كنموذج للمرأة مكتملة البهاء والتي ينبغي لي حين اصادفها أن أهيم بها عشقا ، يا إلهي!! ، ها هي ذي قد جاءتني في المنام ، وتعارفنا ، وتلاقينا ، وتحادثنا وواعدتها وواعدتني ، كان الحب بيننا ينمو مثل زهرة لا يتطلب رعايتها سوي ألا تحجب عنها شمس الله ، لم أكن أنصت لما تقوله لي في لقاءاتنا لأنني من ناحية كنت أقرأ ما ستقوله لي بمجرد أن تقع عيناي في عينيها ، ومن ناحية أخري أكون مذهولا بتألق ملامحها وهي تتحدث ، أكون مشغولا بمراقبة كيف تعالج خصلة من شعرها انسدلت علي جبينها وهي تتحدث ، لم أكن أنتبه لشكل الكلمات التي تتدفق عبر شفتيها ، لكن انتباهي كله يكون منصبا علي براءتها وهي تترجرج أمامي مثل طفلة داعبتها موسيقي آتية من بعيد.
رأيت في منامي أنها علمت بقدومي إلي القاهرة ، لا أعرف كيف ، وأنها تنتظرني الآن في باحة المحطة ، وحين توقف القطار ونزلت علي الرصيف رأيتها هناك تلوح لي وهي تتقافز فرحة بوصولي ، ومن شدة اشتياقها لي لم تنتظر حتي أصل إليها في الباحة ، بل شقت صفوف المسافرين وهي فاردة ذراعيها كيمامة ، ثم ارتمت في حضني وهي تقول لي : لماذا تغيب عني هكذا.
استيقظت من نومي حين جذبني الشخص الذي كان يجلس بجواري وهو يقول لي : إصح يا أخينا ، خلاص القطر وصل ، ثم قال لي ساخرا : إنت عمال تحلم طول الطريق بالبوس والأحضان.
نزلت من القطار ، وسرت بين المسافرين وأنا أسخر من نفسي ومن أحلامي هذه التي تراودني كلما غفوت حتي لثوان معدودة ، رحت أفكر هل أركب تاكسي أم أركب المترو ، وأغرقت نفسي في المفاضلة بين التاكسي والمترو لكي أتمكن من السيطرة علي مشاعري التي أجّجها المنام في القطار خوفا من أحتضن أي امرأة من النساء الجميلات اللواتي نزلن معي من ذات القطار .
عندما تجاوزت الرصيف وصولا إلي باحة المحطة الفسيحة شاهدت امرأة تشبه تلك التي رأيتها في منامي وهي في حالة ذعر رهيب تستنجد بالمسافرين لعل أحدا من الناس يخلصها من قبضة شخص يهزها بعنف ويلطمها علي وجهها وهو يقول لها : قولي لي هو يقربلك إيه علشان تعملي معاه النجاسة دي يابنت الكلب.
ما أربكني أكثر هو أنّ شخصا آخر يشبهني إلي حد كبير ويرتدي ملابس تشبه ما ارتديه تماما كان يحاول أن يخلص هذه المرأة من بين يدي هذا الرجل الفحل وهو يقول له : سيبها أرجوك ماتعملش فيها كده ، لكن الرجل الفحل القابض علي الجميلة كان يركله بعنف ويقول له : إبعد إنت يانجس ياابن الأنجاس.
في البداية خشيت من التدخل لإنقاذ المسكينة التي تكاد تموت من شدة الذعر فلربما يكون في الأمر جريمة كبيرة ، وربما يكون هذا الشخص الذي كان يرتدي جلبابا أبيض باهتا من ضمن أفراد القوة السرية التي تحمي المحطة من المجرمين والارهابيين.
ولما لم يعد في استطاعتي تحمل رؤية البنت تتعذب هكذا مهما كانت جريمتها تدخلت ، وقلت للرجل القابض عليها : هي عملت إيه يامحترم علشان تبهدلها كده؟!! ، فوجئت به يقول لي : رمت نفسها يا اخويا في حضن الكلب إللي بيحاول يخلصها من إيدي ده ، وحين رأي علي وجهي علامات الدهشة والاستنكار والحنق عاجلني بقوله : كانوا نازلين في بعض بوس وأحضان زي ما يكونوا في بيت دعارة مش في محطة عمومية الناس رايحة وجايه فيها.
في هذه اللحظة تذكرت الحلم الذي راودني وأنا نائم في القطار ، وقلت في نفسي : ماذا لو كان حلمي حقيقة وكانت هذه المرأة هي حبيبتي التي علمت بمجيئي وشقت صفوف المسافرين وارتمت بين ذراعي ، أكنت سأترك هذا الفحل يلمسها أو حتي ينظر إليها نظرة لا تعجبني؟!! ، وعلي الفور مددت يدي ورحت ألوي بكل قوتي ذراع هذا الفحل حتي خلّصت الفتاة من قبضته.
هدوئي وجرأتي وقوتي التي عاملته بها جعلته يعتقد أنني ذو حيثية ما ، أو صاحب نفوذ ما إذ قال لي : يابيه دول كانوا بيبوسوا بعض هنا ، قدام الناس كلها ، ولما سألته إن كان يعرف ما هي علاقتهما ببعضهما ، قال لي : مهو هو ده إللي كنت بحاول أعرفه من الصايعة دي يابيه .
حينئذ دخلنا أنا وهو في حوار كان يحاول فيه تبرير ما فعله بالفتاة ، بينما كنت أنا أحاول إثبات أن ما فعله جريمة يستحق عليها العقاب :
أنا : حتي لو لم يكن بينهما أي صلة قربي فإنه لا يحق لك أن تعاملهما بهذه الهمجية.
هو: إن ما فعلاه هو فعل فاضح في مكان عام يؤذي مشاعر المسافرين ويثير غرائزهم.
أنا : من الذي نصبك وصيا تدافع عن مشاعر الناس وتحميهم من هياج غرائزهم ؟!
هو: رسولنا صلوات الله وسلامه عليه ياباشا يقول من رأي منكم منكرا فليغيره بيده....
أنا : لكن الحديث لم يحدد ما هو المنكر ، فهل تجيز لنفسك أن تحدد ما هو المنكر وما هو غير المنكر؟؟!!
هو: يقول الله تعالي : ولا تقربوا الزني.
أنا : وهل تسمي ما رأيته زني ؟؟!! .
هو : العين تزني وزناها النظر ، واليد تزني وزناها اللمس ، والرجل تزني وزناها المشي ، والفم يزني وزناه القبل ، واللسان يزني وزناه الكلام ، هكذا يقول رسولنا الكريم
أنا : أنت تختزل الحديث لكي تمنح نفسك الحق في ممارسة ما مارسته الآن من إرهاب ، فنص الحديث هو : قال ابن عباس : ما رأيت أشبه بالّلمم من قول أبي هريرة عن رسول الله : كُتب علي ابن آدم حظه من الزنا فهو مدركه لا محاله ، العين تزني وزناها النظر إلي آخره إلي أن قال : والنفس تمني وتشتهي والفرج يصدق ذلك أو يكذبه.
أي أن كل إنسان بمقتضي هذا الحديث يقع بطريقة أو بأخري في الزنا ، ألم تقع عيناك علي مشهد حرام ؟!، ألم تتكلم مرة بغيبة أو بنيمة ؟! ، ألم يتمني قلبك مرة من المرات أن تقدم علي شيء غير سوي؟! ، لكن كل ذلك من اللمم الذي يسهل معالجته.
ثم قلت له : الزنا هو شيء آخر غير ذلك كله ، ومن أجل ذلك قال ابن عباس ما رأيت أشبه بالّلمم ، والّلمم يعني أن كل ما فعلته هذه الجميلة مع هذا الرجل هو من الأشياء البسيطة التي يمكنهما الاستغفار عنها وينتهي الأمر.
كنت أحاول في حواري معه إثبات أنه هو الآخر قد أخطأ بلمسه للفتاة حين قبض عليها وحين لطمها علي خدها ، غير أن الفتاة فجأة قاطعتنا ببصقة مفاجأة علي وجه الفحل ثم بصفعة قوية علي وجهي وهي تقول لنا نحن الاثنين أنا والفحل : من أي مزبلة في التاريخ جئتما ، ثم قالت وهي تشير إلي الرجل الذي يشبهني والذي كان يحاول تخليصها من قبضة الفحل: أنا وجدت نفسي في هذا الرجل وأحببته ، عشقته أيها الأوغاد ، وهو اكتشف نفسه فيّ وأخلص لي في حبه ، وأنا لا أستطيع إلا أن أحبه أو أموت ، وهو من شدة ذوبانه في روحي يقرأ كل خاطرة تطرأ في ذهني رغم بعد المسافة بيني وبينه ، ثم انتفضت بقوة كأنها ستنفجر وهي تقول لنا : ماذا تعرفان عن الروح الإنسانية أيها الحيوانات البائدة ؟!!.
معظم حديثها الغاضب كانت توجهه لي أنا بالرغم من أنني أنا الذي خلصتها من قبضة الفحل ، إذ لكزتني في صدري وهي تقول لي : أي استغفار تتحدث عنه أيها الوغد ، وقالت أيضا : من هو ابن عباس هذا الذي تريد أنت وهذا الحمار أن تربط مصيري بما قاله ؟! ، وقالت : هل تريدني أن استغفر من كوني إنسانة يملأ الحب قلبها؟؟!! ، ثم سألتني بسخرية : ما الفرق بينك وبين الخنزير إذا لم يهز الحب قلبك أيها المتثاقف الذي لا يميزك عن الحيوان سوي أنك تستطيع الكلام؟؟!!.
هدأت المرأة الجميلة قليلا وراحت تمسح عن خديها تلك الدموع التي انسابت من عينيها ، ثم اقتربت بوجهها من وجهي جدا إلي درجة أنني أحسست بأنفاسها تتدفق في حلقي ، كانت تتأمل في وجهي كأنها تتفحصني ، وبدا لي أنها ستقول لي : يخيل لي أنني أعرفك ، أو ستقول لي : يُخيل لي أنني رأيت سحنتك هذه من قبل ، لكنها لم تقل شيئا من هذا وإنما انفجرت في وجهي صارخة : في أي زلعة تعيش أنت وهذا الحشرة الذي ضربني كما لوكنت جاموسة تمتلكها أُمه؟؟!!.
في هذه اللحظة بالذات خُيّل لي أن المحطة كلها تهتز هزا عنيفا وتتحرك جدرانها باتجاهنا حركة غريبة ، ثم تبدأ في التحور والتمحور حتي تحولت في آخر الأمر إلي زلعة كبيرة جدا ، ووجدتني أنا والفحل نغوص في بحر من المش وتتخابط في رأسينا قطع كبيرة من الجبنة القديمة المعتقة.
كنت أقاوم بكل قوتي للخروج من الزلعة ويبدو أنني تمكنت أخيرا من الهرب ، وهرولت مذعورا إلي خارج المحطة ، وبسرعة هبطت درجات سلم محطة المترو كي أتخلص من هذه المصيبة ، وبعد أن استلمت تذكرة المترو قذفت نفسي إلي داخل المترو الذي وصل للتو ، وبينما رحت أحشر نفسي بين الركاب لكي أشعر ببعض الأمان شممت رائحة الجبنة القديمة ، وأحسست أن القائم الحديد الذي استندت عليه داخل المترو ملوث بالمش ، المترو ذاته كان يتحرك بنا علي هيئة زلعة مائلة علي جنبها ، بينما يقبّ الناس ويغطسون في المش مع كل هزة للزلعة دون أي محاولة منهم للتخلص من قطع الجبنة المعتقة التي تتخابط في رؤوسهم بكثافة .
يبدو أنني غفوت في المترو واقفا وسط هذا الزحام ، وإذ بالمرأة مكتملة البهاء التي جاءتني في القطار تقترب مني وتلف ذراعيها بحنان حول عنقي ، ثم تغرقني في قبلة عميقة ، وحين سكرت علي ما يبدو وأوشكت علي السقوط من بين يديها أنهضتني ، وعدّلت ملابسي ، ونفضت عني بعض دود المش الذي كان قد علق بشعر رأسي وهي تقول لي : إطمئن فأنا سوف أخلصك ذات يوم من هذه الزلعة.



#محمد_أبو_قمر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجامعة المصرية والجماعة الارهابية
- خارج الصندوق
- لن أخجل فقد بللت فراشي
- جميعنا شركاء في الجريمة
- مشروع إرهابية
- التنوير بخرافات حداثية
- ملاحظات في شأن من شئون حبيبتي
- البذرة التي تنمو فينا كل يوم
- أُنظر من بعيد لكي تري نفسك بوضوح
- بعض الغبار الذي يهب من الجنوب
- بدون عنوان
- الوهم المقدس
- آل كابوني والاخوان
- ورقة عثرت عليها بين علب الدواء
- أوهام
- أنا أحب النساء
- بين دخول الاسلام إلي مصر ودخول العرب إليها
- الصحيح والعقلاني
- أيها الكهنة هذه ليست لغتنا
- المرجعية واحدة


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد أبو قمر - حوار داخل زلعة