أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد كشكار - ماذا علمتني الحياة؟














المزيد.....

ماذا علمتني الحياة؟


محمد كشكار

الحوار المتمدن-العدد: 6263 - 2019 / 6 / 17 - 09:05
المحور: سيرة ذاتية
    


وُلِدْتُ سنة 1952 في قرية جميلة تقع في الجنوب الغربي التونسي بولاية ﭬ---بلي تحديدًا، بلدةٌ أعشقها واسمها جمنة. وُلِدْتُ من أبٍ (1886-1967) كان يصلي مرة واحدة في الأسبوع، يوم الجمعة في الجامع، ومن أم (1912-1993) بدأت تصلي بعد وفاة أبي وقد تجاوزت الخمسين من عمرها.

تبين لي بكتابة مقال بعد آخر من هذا النوع أن الاشتغال على الذات هو أحب أنواع الكتابة إليّ، لا الكتابة في السياسة ولا في الدين ولا في أي موضوع آخر ما لم أحاول مزجه بتجربة حياتية عشتها في الواقع. ثم تبينتُ أيضًا أن كتابة هذا النوع من المقالات هو في الحقيقة أكثر ما يجلب لي السرور على الإطلاق، أكتبه بصدق ودون عناء، أسبح في ذاتي كالسمكة في الماء، أنسى همومي وأنسى أين أنا. أكتب عن طفولتي.. دراستي.. أساتذتي.. أمي.. أختي.. أصدقائي وحتى خصومي والمناوئين والأعداء.

حماسي في شبابي للشيوعية مر بسلام دون أن يعكّر عليّ صفو حياتي. لم يكن في الساحة الجامعية غير الحمراء وفي السبعينيات لا زالت في المهد الخضراء. كان لي موقف غير متعاطف مع الدين، وكنا نقول عنه "بنية فوقية لا تغير الواقع".. "أفيون الشعوب".. ولم نكن نعرف تتمة قولة ماركس "الدين صرخة المظلوم.. الدين روح عالَم بلا روح".

في أواخر الثمانينيات، تلقت الشيوعية الضربة القاصمة، انكسر عكازي مع انهيار جدار برلين، انكسر عكازي الذي كنت أظن أنه صلبٌ حديدْ، شديدٌ عنيدْ، لا ينكسر فاعتراني شك عميق ولم يعد من الممكن أن أميل إلى تفسير التاريخ بالعوامل المادية فقط مثلما يميل الماركسيون في أغلب الأحوال بل تبينتُ أن هناك أشياء أخرى أكثر عمقا وربما أكثر ثباتا من العوامل المادية، ولم يعد الدين في نظري بنية فوقية.

المفارقة الكبرى أن أكثر الكُتّاب تأثيرًا فيّ، هُمُ مفكرون أحرارٌ غير مسلمين من أمثال ريمون آرون، ميشيل أونفري، ميشيل سارّ، إدﭬ---ار موران، جان بول سارتر، سيمون دي بوفوار وغيرهم، يليهم في التأثير مفكرون أحرارٌ مسلمون لكنهم غير أرتدوكسيين من أمثال الطاهر الحداد، علي شريعتي، جمال البنّا، محمد أركون، محمد الطالبي، محمد حداد، هاشم صالح، هشام جعيط، عبد الله العروي وغيرهم.

هذا التحول المفاهيمي (changement conceptuel progressif) في التفكير لديّ قَوّاه ولم يضعفه اكتشافي في مرحلة إعداد الدكتورا كم كنا نبالغ في موضوعية العلم وحياديته، وفي إمكانية النهضة به وحده دون الحاجة إلى الدين. واكتشفتُ مع مدير أطروحتي بيار كليمان أن العلم غير موضوعي مائة بالمائة وغير محايد مائة بالمائة، إنما هو في الواقع منحازٌ لمنتجيه والمتاجرين بنتائجه، واكتشفتُ أيضًا أن علمًا بلا أخلاق كحصانٍ بلا لِجام. ثم تبينتُ شيئًا فشيئًا أن العلم هو أكثر ذاتية مما كنتُ أظن وأقل نفعًا مما كنتُ أتوسم فيه، ومن ثم من الممكن جدًّا أن يكون ضارًّا ومدمّرًا كما حدث في هيروشيما وتشرنوبيل. وفي نفس الوقت تبينتُ أيضًا أن الدين رغم أنه لا يقوم على التجربة، قد يكون قوة دافعة لأعمال عظيمة أو قوة مدمّرة لو تحول إلى مجموعة "هويات قاتلة" كما يحدث اليوم في سوريا وليبيا. ربي يستر، يبدو لي أنني "هربت من القطرة جِيتْ تحت الميزاب"! فما هذا الغرور إذن الذي يتسم به الطرفان، الشيوعيون والإسلاميون؟

مصالحتي مع المتدينين واحترامي لهم، شيئان أملاهما عليّ تعاطفي مع مجتمعي وحرصي على تقدمه، ومَن أراد أن يفعل في المجتمع فعليه أن يتكلم لغته، ولا لغة للمسلمين غير الإسلام. لا أسيء إليهم، أراعي مشاعرهم دون أن أنافقهم، مع حقي في الإعلان عن إسلامي غير الأرتدوكسي وعلمانيتي غير المعادية للدين والاحتفاظ في نفس الوقت بيساريتي غير الماركسية أو ما قبل الماركسية. أعي جيدًا أن تعدد الهويات أمرٌ مرفوضٌ عند الماركسيين ومنكورٌ عند الإسلاميين: الماركسيون لم يغفروا لي تجاوزي لإيديولوجيتهم الماركسية والإسلاميون لم يقبلوا اختلافي عن إيديولوجيتهم الإسلامية. الغريب أنني لا ألوم سلفيّي الجهتين، الخضر والحمر على السواء، على ما اقترفوه في حق حرية الضمير، بل أتفهم دوافع صدهم ومقاومتهم للرأي المخالف.

خاتمة: ما حيلةُ ناقدٍ هدّامٍ-بنّاءْ للإيديولوجيات الكاملة الصماء، الماركسية والإسلام السياسي، الأولى يعتقد معتنقوها أن ماركس أنزلها، والثانية يدعي أصحابها أنها كالقرآن نزلت من السماء؟ وما حيلة مفكر حر وجد الحل في تعدد الهويات ويسعى دومًا إلى التوفيق بين الإيديولوجيات؟

ملاحظة: للأمانة العلمية، استوحيتُ مقالي أعلاه واستعرتُ بعض جُمله وتراكيبه من كتاب "ماذا علمتني الحياة سيرة ذاتية"، جلال أمين، دار الشروق، الطبعة السابعة 2015، بداية من صفحة 295 إلى صفحة 319، فاختلط في نصي النقلُ بالبيان وتشابكت السيرتان.

إمضائي: "وإذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك، فدعها إذن إلى فجر آخر" جبران





#محمد_كشكار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثورة يوليو 1952 والولايات المتحدة الأمريكية؟
- الإعجاز العلمي؟
- حوارٌ سِرْياليٌّ بين الشعب التونسي وضمير الشعب التونسي؟
- الناسْ!
- ألِفْ باءْ العلم (Les abc de la science)؟
- مقارنة مقتضبة بين أنشطة المجتمع المدني في بلدية حمام الشط وف ...
- الشعب التونسي -شعب 3000 سنة حضارة -: أكبر كذبة في التاريخ! م ...
- إحباط!
- جوابٌ غيرُ عميقٍ على سؤالٍ عميقٍ!
- لماذا؟
- أعجبني حديثٌ يُقالُ أنه موضوعٌ!
- هل يحتمل وطني التمزيق على اثنين بين والدتين مزيفتين؟
- باسم الإسلام و باسم القومية، لم نخدم الإسلام وفقدنا بعض الوط ...
- هل أصبح تراثنا العربي الإسلامي كالبيت الآيل للسقوط؟
- كيف أفهم ديني؟
- سؤال إلى المطالبين بتطبيق الشريعة الآن وليس غدًا: أيهما الأف ...
- أيُّ أمة نحن، عَجَزَ الدين والعلم والثورة مجتمعين عن تغييرها ...
- هل الإيمان بالله وراثيّ أو مكتسب؟
- الإنسان بين رحمة خالقه الواسعة وضيق أفق بعض إخوانه الإسلاميي ...
- اجتهادان تونسيان مختلفان في فهم القرآن الكريم


المزيد.....




- وحدة أوكرانية تستخدم المسيرات بدلا من الأسلحة الثقيلة
- القضاء البريطاني يدين مغربيا قتل بريطانيا بزعم -الثأر- لأطفا ...
- وزير إسرائيلي يصف مقترحا مصريا بأنه استسلام كامل من جانب إسر ...
- -نيويورك تايمز-: الولايات المتحدة تسحب العشرات من قواتها الخ ...
- السعودية.. سقوط فتيات مشاركات في سباق الهجن بالعلا عن الجمال ...
- ستولتنبرغ يدعو إلى الاعتراف بأن دول -الناتو- لم تقدم المساعد ...
- مسؤول أمريكي: واشنطن لا تتوقع هجوما أوكرانيا واسعا
- الكويت..قرار بحبس الإعلامية الشهيرة حليمة بولند سنتين وغرامة ...
- واشنطن: المساعدات العسكرية ستصل أوكرانيا خلال أيام
- مليون متابع -يُدخلون تيك توكر- عربياً إلى السجن (فيديو)


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد كشكار - ماذا علمتني الحياة؟