|
سيروان شاكر يتقصى الحوار الدائر بين الأشياء
غريب ملا زلال
الحوار المتمدن-العدد: 6077 - 2018 / 12 / 8 - 20:48
المحور:
الادب والفن
لم تبهرني أعمال بقدر ما أبهرتني أعمال الفنان التشكيلي الكردي العراقي سيروان شاكر ( 1968 ) ، أبهرتني بهندسة ألوانها ، و بقيمة هذه الألوان المستخدمة لذاتها ، و وصولها إلى دينامية بصرية تحرك عين المتلقي مع حسه لترميه في رحلة بين حقول الضوء ، فسيروان بذلك يسوق لنا و بتواتر بهائي دور المتلقي في إتمام نسج خيوط حكايته القائمة بذاتها ، و غير الخاضعة إلا لسلطة الضوء ، السلطة التي ستتحول إلى زخارف لونية جاذبة ، و متألقة في جوهرها ، فهو أنموذج لا ينتمي إلى قوانين محددة ، بل يقدم مظاهر مرئيّة مختلفة عن السائد ، و يؤكد على إستقلالية عمله إزاء ما يقدم ،
فالإنحطاط الحضاري الذي نتنفسه بعمق شديد يجعل الفنان يحطم قيمها ، ليبني لنفسه قيم معرفية جديدة ، قيم فنية تنبض به و بالإنسان الغائب ، الحامل للحكاية و مقامها ، قيم كل ما فيها تدل على وجود مخلوقات هي على قدر ما في حوار مع الأسطورة الأولى لكسر ذلك الحد الفاصل بين الواقع و المتخيل مع إثارة قوته الإنفعالية و تكثيفها ، و يكاد يكون الإنفعال الإنطباعي و الإنفعال الذاتي هما من أهم المعايير التي يعتمد عليهما سيروان في سياقاته و التي بهما يزيد من الحافز الإدراكي الجمالي لمتلقيه و يزودانه بزاد وفير دون أن يهمش أهمية المعايير الأخرى كالنفسي و التاريخي و الإجتماعي و ….. إلخ ، و مع ذلك فسيروان يستخدم غالباً المقاصد الجمالية الغائرة في الطبيعة و في النفس الإنسانية ،
و في تقديرنا وجود هذا الكم من الوقائع النشطة اللاموضوعية و التي لها تأثير خفي على درجة و مستوى ذوق متلقيه ، تجعله يلجأ إلى النمط الذي يشتغل عليه ، فهو بفعل البحث و تعزيز هذا البحث يثبت مدى إنخراطه في مقومات الفعل الجمالي و تحويل القيم الإجتماعية إلى قيم معرفية جمالية و لهذا فهو يتقصى الحوار الدائر بين الأشياء دون أن يلغي ما هو قائم في اللاوعي ، بل يمنحه نكهات مختلفة من أصابعه ، و بلغة أدق فسيروان يُحْيي الرقي الجمالي في مشهده البصري و يُظهر مكامن تجلياته من عالمه الإبداعي نحو إجادة التجديد و ما يساعد على الكشف المانح لرؤيته بسر جمالي ، و بدقة الخبير يتهيب لحظة الإنجاز ليؤكد أن العثور على بؤرة الإنفجار في العمل الفني هي بلورة أخرى في إعادة صياغته فنياً ، و ما ذلك إلا إشارات عن العثور على محاولات تسكن توجهاته ذات الصِّلة بمفاهيمه و إستخداماتها ،
فهو يعطي دفقة عذبة و قوية لعلاماته و على نحو أخص في تلك الأعمال التي تتعدى أحادية اللوحة ، أي تلك الأعمال التي نفذها في أكثر من لوحة و التي تشكل عملاً واحداً في فصول مختلفة و تعيش أزمنة مختلفة في الوقت ذاته فهو هنا لا يتوقف عند فضاءات اللوحة بعين واحدة بل بأعين كثيرة وفي اللحظة ذاتها و لهذا يراها و نحن معه في زمن متدفق و بألوان متدفقة ، و لا يجد أية صعوبة في إختراق مخيلة المتلقي و إنعاشها بطيب مختلف النكهات .
سيروان يجبرنا على متابعته بأريحية تليق بإبداعاته التي تجبر بدورها الضوء على التفاعل معها بالأريحية ذاتها ، و لهذا يقوم بتلخيص الكثير من مراوغاته الجميلة في صيغ نعتقد أنها تمهيدية نحو ما يشغله من خطط و بحث و تجارب لإنجاز مشروعه الفني المفتوح على التمايز و الدهشة و الذهول ، مشروعه المبصر لعمق و جوهر العمل الفني و دوره في زركشة المشاعر و الأحاسيس و تحميلهما ،
مشروعه المنفتح على هاجس تحريك الشأن الفني تمهيداً لتجاوز المألوف ، و إقرار لغة تستوعب نسقه الفني المغلف برؤية التحفيز و التحديث ، و إدخال الفضاء التشكيلي في إنفتاح خططه و خطواته نحو ممرات موثوقة و غير مطروقة مسبقاً ، يرافقه يقظة لونية مرتبطة إلى حد كبير بمدلولاته البصرية بترانيم غنائية جديدة تحمل كل إيقاعات أحاسيسه ، المتوترة و الصاخبة و العاصفة منها ، و الخرافية النبضات الراقدة بهدوء مبهم ، وحينها سيكون لبصمته الأثر في حدود الفعل و الممارسة و كذلك في حدود تخصيب الجمال و التوق لرؤيا ستستمد مفرداتها و مقارباتها من المجال ذاته الذي يخطو سيروان فيه . سيروان الذي ينتمي لتساؤل مفتوح بالنفاذ كالضوء إلى أعماق الروح و لحظاتها القلقة الغائرة في الحياة .
#غريب_ملا_زلال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سيروان شاكر يتقصى الحوار الدائر بين الأشياء
المزيد.....
-
فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ
...
-
انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا
...
-
صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة
...
-
الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف
...
-
حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال
...
-
الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
-
الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم
...
-
الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
-
أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم
...
-
-جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|