أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمود عباس - هل الله مقدس؟- الجزء الرابع















المزيد.....

هل الله مقدس؟- الجزء الرابع


محمود عباس

الحوار المتمدن-العدد: 6001 - 2018 / 9 / 22 - 12:37
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


عندما قدم الراوندي أبو الحسين (205هـ -245هـ) إلى بغداد وكان يسبقه شهرته، وبعض من كتبه المتجاوزة حسب بعض المصادر المائة كتاب، حاملا مخطوطته (الفرند) ساعيا بين الذين لهم صلات بالأوساط العلمية لكي يزكوه إلى الخليفة، أهتدى إلى وراق يدعى عباس الصرم، فرجاه أن يستنسخ له عدداً من النسخ من كتابه. يقال إن عباس شرع في تصفح الكتاب، ودقق النظر في عناوين فصوله، وكانت حيرته تزداد كلما ازداد وقوفا على محتويات الكتاب وجرأة صاحبه. فدار بينهم حديث، ويقال إن الحديث داره بينه وبين الخليفة المتوكل وله تشعبات ومنها هذه:
قال له: يا أبا الحسن هل طالع أحد هذا الكتاب؟
فأجاب: نعم، هناك نسخ منه في متناول المهتمين بموضوعه في الرأي.
فقال: يدهشني أنت ما زلت على قيد الحياة ناعماً بحريتك في الذهاب والإياب، على الرغم من هذا الكفر الذي تبثه في ثنايا الكتاب.
فقال ابن الراوندي: ما سجلته في هذا الكتاب حقائق وليس بكفر.
فعاد يقول له: لقد أنكرت الأصول الثلاثة للإسلام، وهي التوحيد والنبوة والمعاد.
فقال ابن الراوندي: ليس الأمر كما تتصور، فلو دققت النظر لعرفت أنني لم أنكر التوحيد، وإنما رغبت في تنزيه الخالق عن الخرافات التي تنسب إليه.
ولربما هذا ما نحن بصدده، فلا النصوص نزه الخالق، ولا متبعي الإبراهيمية فعلوها بتفاسيرهم أو تأويلاتهم، بل أضافوا على تصغير الخالق أو القوى الكونية إلى مستويات التجسيد ومحدودية العقل البشري، وبعضها لغاية فرض العبودية على المجتمعات، وبعضها للتسييد باسم الإله.
فما بين الإنسان والإله أبعاد مطلقة، والإنسان هو المتحكم بتفكيره لإنتاج المعرفة، وفهم واكتشاف أسرار الطبيعة، والإله، أو العلة الأولى، خارج التحكم في الطبيعة الإنسانية، لأنه ليس كقوى تجسيدية مراقبه، أو حتى قوى كونية مطلقة في التصور الإنساني، ولا حواس كما يصفه الأديان كمراقب لحركة الكون والإنسان، أنه المطلق الحاضن لكل العلل ومنها المطلق الإنساني الذي صغره رغم وضعه خارج أبعاد التحكم، ولكنه صوره كمغير لمسارات الإنسان والطبيعة، بأهواء مقاربة لأهواء البشر، يغضب ويثور، ويرحم، ويغفر، ويعاقب، ويرمي الإنسان في الجنة والجهنم، وهي ذاتها سجون إلهية، وغيرها من المشاعر الإنسانية النسبية المتناقضة مع المطلق الإلهي الأبعد من المطلق الإنساني المحدد كما ذكرنا بأبعاد الكونٍ، أي أن الإله، إما آلهة، أو مالك نزعات، وهنا ينزع عنه الكمال، ووحدة أو كلية العلة، الإله، وإرادته تتأثر بأفعال البشر.
ولهذا عرض الإنسان إلَّههُ على مقاس الأباطرة والفراعنة الذين كانوا بحاجة إلى من يقدسوهم ويعبدوهم، وأورد النص التالي “وما خلقت الإنس والجن إلا ليعبدوني" ليقضى بهذا على اللا محدود الإلهي، فهل الإله بحاجة إلى من يعبده، وما الغاية من هذه العبادة؟ والذي لا يوجد تبرير له والله لا يحتاج إلى من يعبده؟ أليست هذه المفاهيم نابعة من ثقافة العبودية المستمرة على مدى عصور مديدة، والسلطتين الدنيوية والدينية كانا بحاجة إلى ديمومتها، لتبرير طغيانهم على المجتمعات، فتم نقلها من لدنهم إلى حيث عبادة الإله من خلال سلطاتهم، ومعابدهم التي يتحكمون بها.
وما يتناقض مع لاهوت الأديان السماوية، أن الإله خارج مجالات الفعل كما يقول ديكارت، فالقوى المطلقة الكلية لا حاجة بالفعل مع الأبعاد الإنسانية اللامتناهية بالصغر. ولا حاجة إلى السلطات الاستبدادية اللاهوتية أو السياسية الدينية للتعريف بذاته أو وصاياه، وكل الفرق الإسلامية المدعية أنها تملي الشروط الإلهي ليست بأقل كفراً من قاتل الأطفال بحجج الحفاظ على الوطن، وكل من فوض ذاته نائبا عن الإله، أو مدعيا أنه ناقل نصوصه وإملاءاته ينافق العلة والمعلول إي الإله والإنسان، وغايتهم ترسيخ سلطة الاستبداد باسم الإله، بتصعيد درجات الرهبة من إلهه المركب ذاتياً، وفي شرقنا تلاقت السلطتين الدينية والسياسية الاستبداديتين وعلى مدى قرون متتالية إلى أن تعارضت مصالحهما، وتصارعا وكان حطبهما شعوب المنطقة، وفكرة الإله، وتساوى في محاولات إعدام العدالة، والأخلاق، وإحلال أوبئتهم مكانها، وهو ما أدى إلى ظهور إنسان يعاني الكثير من الأمراض، ويحتاج إلى ثورات فكرية صحية متتالية، خارج اللاهوت الإسلامي لإنقاذه.
فجميع الأفكار المطروحة عن الإله ومن ضمنها هذه، البعض يراها عبثية ولا نهائية ولا تؤدي سوى إلى المتاهات، والصراعات السفسطائية، والأديان أكثر المجالات الفكرية البشرية ضبابية وتائهة، لذلك ينقل ولا يناقش العقل. وآخرون يرونها من ضرورات المعرفة البشرية، والتطور الذهني، وتدفع تراكمه المعرفي إلى التوسع فيها.
الزمن البشري معدوم في الحضور الكوني، والقوة المتحكمة بالكون تنعدم فيها الأرض وأبعادها، والإله أو القوة المسمى بالإله، أبعد من التقديس، والحاجة إلى العبادة، وما ظهرت من الأديان، وعرض الآلهة، إلى أن رست إلى الآلهة الإبراهيمية خلال مراحل التطور الفكري، وفرضت بأسمائهم القوانين الاجتماعية وعرضت النصوص كدساتير، لا تتجاوز الأبعاد الإنسانية، حتى ولو كانت كثورات فكرية اجتماعية ساهمت في التطور الحضاري، مثلما جلبت الكوارث والدمار للبشرية، ووقفت في بعض العصور أمام الحضارات، والتطور العلمي، استغلتها في مراحل عديدة شرائح من الناس للهيمنة، وترسيخ سلطاتهم، مثلما سخر التكفيريون الإسلاميون في السنوات السابقة النص القرآني لغاياتهم، وشرعوا الشر والقتل باسم الإله، وتحت خيمة حماية الأمة الإسلامية، الأمة التي لم تكفرهم، وظلت تحيل أفعالهم إلى الإله، ولهذا يكرسون مفهوم التقديس ويجرمون تحت ظل التعرض للذات الإلهية.
فهل الإله له عبرة في الإجرام والسبي، وهل له جنة لهؤلاء الأشرار لأنهم يقدسونه، وجهنم لمن قتلوا وتم سبيهم ولا يؤمنون بالتقديس له بمنطقهم؟ هل الله سيحاسب الإيزيديين في يوم القيامة كأمة كافرة؟! أم ستحاسب جماعات داعش ومن والاهم؟ أي إله هذا الذي يتلذذ بالقتل وعذاب الجهنم لبشر هو خالقهم وهو القادر على تسييرهم كيفما شاء؟ لا مكان هنا لعلم الكلام في تأويلات القدريين والجبريين، لتبرئة الله؟ وترسيخ مفاهيم التقديس للإله أو ما يربط به من شخصيات أو أماكن على الأرض، وهي مثلها مثل غيرها بل ولربما أٌقل أهمية؟ ولماذا يبرئون الإله، وهل يحتاج إلى تبرئة بهذين المفهومين؟ أليست تأويلاتهما طعن في لا محدوديته وتقديسه؟
وإذا فرضنا جدلا هناك نهاية ويوم القيامة، من سيحاسب من في ذاك اليوم؟ هل الله سيحاسب الإنسان لأنه لم يعبده ولم يقدسه؟! أم الإنسان سيحاسب الله؟ من عذب من؟ من خلق المجرمين والأشرار والمنافقين والطغاة؟ ألم يكن الله على علم بما خلق؟ فلماذا خلقهم والإنسان البسيط؟ هل ليعذبه ويتلذذ بتعذيبه؟ ويعلم أن الإنسان الذي يخلقه طوع إرادته؟ أليست هذه المفاهيم تشبه كخلق الإنسان للكمبيوتر، فعندما يصبح الجهاز عاطلا وغير صالح يقوم الإنسان بمعاقبته وتدميره، وإذا كان ناجحا يستخدمه ويحافظ عليه، وبالتالي يطلب من الجهاز عبادته وتقديسه، أليس معاملة الإله للإنسان تشبه هذه المعادلة البسيطة، والإنسان وضعه الله أمام خيارين، إما الجهنم أو الجنة.
لا حكمة في الخالق المقدس والخليقة، إذا نظرنا إليهما من البعد الديني، ولا تحتاج الخليقة إلى الحكمة إذا بحث في وجوده من الحيز العلمي. مع ذلك تبقى البشرية بحاجة إلى الأديان وفكرة الإله، وتقديس أشياء أو تقديرهم، ولكن ليست الآلهة التي تخدم شريحة من البشر. مثلما هي بحاجة إلى التطور العلمي، وتحرير وتطوير الأديان والمذاهب المدمرة للبشرية، والتي تسخرها الأشرار لتمرير غاياتهم الإجرامية، ولتصبح الأديان مساندة للتطور الحضاري، ولا تقف عائقا أمام العلوم والعلاقات الإنسانية الطيبة، الأديان التي تربط الإنسان بإلهه دون التقديس ودون طموح لسطوة أو إجرام.



#محمود_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل الله مقدس؟ -الجزء الثالث
- الكرد في الاحتدام الأمريكي الروسي على سوريا
- هل الله مقدس؟ -الجزء الثاني
- هل الله مقدس- الجزء الأول
- مصداقية الباحث العربي محمد جمال باروت مثالاً- الجزء التاسع و ...
- هل كان للكرد أدباء وفلاسفة قبل الإسلام- الجزء الثامن عشر
- معركة السوريين الحقيقية
- هل تحرر المثقف الكردي
- هل ستتفتت تركيا كالإمبراطورية العثمانية 2/2
- هل ستتفتت تركيا كالإمبراطورية العثمانية-1
- انحطاط الآلهة
- كردستان يتيمة الإمبراطورية العثمانية
- كيف يخسر الكرد قدراتهم
- الكرد في قمة هلسنكي
- هل خسر الكرد في سوريا
- مصداقية الباحث العربي محمد جمال باروت مثالاً -الجزء الثامن و ...
- هل كان للكرد أدباء وفلاسفة قبل الإسلام -الجزء السابع عشر
- لنعيد الأمل بالمثقف الكردي
- القضية الكردية بين النجاح والضياع
- أوجه الخلاف في نقد الأحزاب الكردية


المزيد.....




- اتفرج الآن على حزورة مع الأمورة…استقبل تردد قناة طيور الجنة ...
- خلال اتصال مع نائبة بايدن.. الرئيس الإسرائيلي يشدد على معارض ...
- تونس.. وزير الشؤون الدينية يقرر إطلاق اسم -غزة- على جامع بكل ...
- “toyor al janah” استقبل الآن التردد الجديد لقناة طيور الجنة ...
- فريق سيف الإسلام القذافي السياسي: نستغرب صمت السفارات الغربي ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف مواقع العدو وتحقق إصابات ...
- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...
- الأوقاف الإسلامية في فلسطين: 219 مستوطنا اقتحموا المسجد الأق ...
- أول أيام -الفصح اليهودي-.. القدس ثكنة عسكرية ومستوطنون يقتحم ...
- رغم تملقها اللوبي اليهودي.. رئيسة جامعة كولومبيا مطالبة بالا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمود عباس - هل الله مقدس؟- الجزء الرابع