أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - دولة الأوبرا في حضن البتول














المزيد.....

دولة الأوبرا في حضن البتول


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 6000 - 2018 / 9 / 21 - 01:09
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



العذراءُ مريم، عليها وعلى ابنها السلام، لها شديدُ الخصوصية وبالغُ الاستثناء من بين بَني الإنسان. رمزٌ "عابرٌ للأديان"؛ ذاك أن تلك البتولَ المُصطفاة، ذات الحُسن الملائكي الفريد، لا تخصُّ عقيدةً دون أخرى، بل تَعبُرُ فوق مظلاّت الأديان لتستقرَّ رمزًا أبديًّا في قلب الإنسانية الخضراء. رمزٌ للأمومة التي لا تُشبهُها أمومةٌ. أمومةٌ ربوبيةٌ من دون دنس أرضيّ. أمومةٌ حزينةٌ، وأمومة فرِحَة. في البَدء: وجَلَتْ وجفلتْ حين علمت أن جنينًا ينمو في خِصرها البتوليّ النحيل، من دون رجل. وفي المنتهى: قرّتْ عينًا حين أدركت أنها تحملُ النورَ ساطعًا بأمر الله. شاع في قلبها الفرحُ، بعد الوجل والخوف، حين علمت أن اللؤلؤةَ التي تتكوّن في بطنها الآن؛ سوف تكون هديتَها للعالم، وهديةَ السماء للأرض الشقيّة بالخطايا والحَزَن. عذراءُ نقيةٌ سوف تُقدّمُ للعالم صبيًّا "وجيهًا"، كما وصفه القرآن: “إذْ قالتِ الملائكةُ يا مريمُ إن الَله يُبشِّرُكِ بكلمةٍ منه اسمُه المسيحُ عيسى ابن مريم وجيهًا في الدنيا والآخرة ومن المُقرّبين" آل عمران 45، وأنه سوف يغدو شابًّا وسيمًا "يجولُ يصنع خيرًا"؛ يمسحُ على الجباه العليلة فيُبرئ الأكمهَ والأبرص وينفخ الروحَ في الميْتَة فتحيا بأمر الله. “وأُبرئُ الأكمَه والأبرصَ وأُحيي الموتى بإذن الله" آل عمران 49. ثم هي أمومةٌ مفجوعةٌ ثكلَى، سوف ترى وحيدَها الجميل وقد حكم الأشقياءُ عليه بالموت، وبعدُ لم يتجاوز الثالثة والثلاثين من عمره، وما تزوّج ليتركَ لها ما تقرُّ بها عيناها من بعده. لكنّها تعلم أنه حيٌّ عليٌّ في السماء، سواءً صُلبَ وقام من مواته بعد أيامٍ ثلاثة كما في الأدبيات المسيحية، أو رُفع من الصليب حيًّا إلى السماء كما في أدبياتنا الإسلامية: “إذا قال اللهُ إنّي مُتوفِّيكَ ورافعُكَ إليَّ ومُطهِّرُكَ من الذين كفروا وجاعلُ الذين اتّبعوكَ فوق الذين كفروا إلى يومِ القيامة" آل عمران 55، وربما علينا تأمُّل مفردة “مُتوفّيك”. لكنْ، في كل الأحوال، فإن الوجعَ الذي ضرب قلبَ العذراء لا يشبهه وجعٌ. واقفةً تبكي والقلبُ مفطورٌ أمام ذلك الموقف العظيم: ابنُها، الذي ما نَخَسه الشيطانُ، ولم يرتكب خطيئةً، تُبصره حاملاً صليبَه الخشبي الهائل يجرُّ قدميه محكومًا عليه بالموت من دون ذنب. لكنّ الصبيَّ يُبشّر أمََّه بالصبر، ثم يدعو الَله لظالميه من اليهود والرومان، أن يغفرَ لهم لأنهم "لا يعرفون ماذا يفعلون”.
تلك العذراءُ المُصطفاة، التي اختصّها القرآنُ بسورة باسمها، "سورة مريم"، زارت مصرَ وطوّبت أرضَها الطيبةَ وقضت فيها قرابة السنوات الأربع، فكانت تتفجّر تحت قدميها ينابيعُ الماء لتشرب ووليدها الكريم. لهذا فمكانةُ العذراء في قلوب المصريين، على اختلاف عقائدهم، هائلةٌ وراسخة.
وها هي "دولة الأوبرا المصرية"، كما أُسمّيها، تحتفل بعيد السيدة العذراء في المسرح المكشوف، الجمعة الماضية، في حفل بهي شجيّ بديع، حضرته أطيافُ الشعب المصري التي تعشقُ العذوبة والفنّ الرفيع. المايسترا الجميلة، د. هناء طانيوس"، تحمل عصاها السحرية وتقود الأوركسترا الذي غزلت ثوبَه خيطًا خيطًا من سنوات بعيدة بأطفال موهوبين صغار يعزفون الكمان والتشيللو والقانون والعود الشرقي والفلوت والساكس والبيانو والدرامز وغيرها من أدوات تغريد الموسيقى. كبُرَ الصغارُ على يديها وصاروا أساتذة كبارًا ومايستروات، لكنهم لم يتركوا أوركسترا "أم النور" الذي احتضنهم أطفالا، بل راحوا يُدرّبون مع أستاذتهم صغارًا جددًا، لتتوالدُ الكوادرُ وتكتملَ الدائرةُ فلا ينقطعُ حبلُ الموسيقى القبطية الآسرة، التي هي امتدادٌ للموسيقى الفرعونية التي ابتكرها سلفُنا الصالح، المصريون القَدامى. كورال "صوتُ الراعي"، قدّم فرائدَ مدهشةً من الأغنيات والترانيم باللغتين العربية والقبطية، بقيادة المايسترو "راجي كمال"، الذي كان أحدَ الأطفال في الأوركسترا، واستمعنا إلى صولوهات موسيقية آسرة وأغانٍ من أطفال وكبار، كلٌّ منهم يستحقُّ مقالا منفردًا. تحية للدكتورة إيناس عبد الدايم، والدكتور مجدي صابر، وهذه هي مصرُ التي بالتأكيد: "فيها حاجة حلوة".

***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يهودُ مصرَ …… المصريون
- دمشاو هاشم …. احذروا القُبلَةَ الخائنة
- رجاء الجميلة … سلامتك
- طوبَى لصُنّاع الفرح
- أشهرُ صفقة باب في التاريخ
- هرمُ الإسكندرية ... والشيخُ سيد
- حين يفترسُنا العشقُ سرًّا
- دموعٌ على جديلة … وآيسبرج على حُفاة!
- بوق نذير: -أنتِ ماحساش بالناس-!
- هل تعرفون المصريين الأرمن؟
- أسئلةُ -جوجان- الصعبة
- المتحف الكبير … هديةُ مصرَ للعالم
- نادي الشرق الأدنى للأرمن
- قواعدُ الرجال … يا نساء العالم!
- ه. ق. … أقصر رسالة في التاريخ!
- على أبواب الجامعة: كهف الفيلسوف، وحبل الفيل
- الخوف من الخوف
- لماذا الأوغاد لا يسمعون الموسيقى؟
- من الذي جرح ساقها؟
- كتاب الأخلاق … يا وزير الأخلاق


المزيد.....




- أغلق باب بعد تحويل القبلة.. هكذا تطورت أبواب المسجد النبوي م ...
- -كان سهران عندي-.. نجوى كرم تثير الجدل بـ-رؤيتها- المسيح 13 ...
- موعد وقيمة زكاة الفطر لعام 2024 وفقًا لتصريحات دار الإفتاء ا ...
- أسئلة عن الدين اليهودي ودعم إسرائيل في اختبار الجنسية الألما ...
- الأحزاب الدينية تهدد بالانسحاب من ائتلاف نتنياهو بسبب قانون ...
- 45 ألف فلسطيني يؤدون صلاتي العشاء والتراويح في المسجد الأقصى ...
- استعدادا لذبحها أمام الأقصى.. ما هي قصة ظهور البقرة الحمراء ...
- -ارجعوا إلى المسيحية-! بعد تراكم الغرامات.. ترامب يدعو أنصار ...
- 45 ألفا يؤدون صلاتي العشاء والتراويح في المسجد الأقصى
- الأتراك يشدون الرحال إلى المسجد الأقصى في رمضان


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - دولة الأوبرا في حضن البتول