أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد الحسين التهامي - رسالة إعتذار ... ياأبي - قصة قصيرة















المزيد.....

رسالة إعتذار ... ياأبي - قصة قصيرة


احمد الحسين التهامي

الحوار المتمدن-العدد: 5997 - 2018 / 9 / 17 - 13:31
المحور: الادب والفن
    


؛
قصة قصيرة:
رسالة إعتذار يا... أبي !!
للكاتب احمد الحسين التهامي
1.
حين اصبحت في الساحة الواسعة الممتدة بين واجهة مبنى الوزارة والسور ؛ لفتت نظري بقايا برك الماء؛كانت قد امطرت صباحا ؛ اما الان فالشمس بالرغم من انها في اعز ساعاتها إلا انها ترسل اشعتها بوهن وضعف الى الارض ؛ و لذلك ثمة إحساس لدي بالبرد ؛.. هل ثمة ريح ؟!.. لم يكن للريح أي اثر.. فمن اين جاءني البرد ياأبي من اين؟!
نظرت الى الشرطي الواقف عند الباب وقلت:
:- عندنا اجتماع
قال:
:-دقيقة استاذ
انهمك في البحث عن شئ ما ؛ فالتفت الى الخلف ؛ رأيت الشارع حيث اوقفت سيارتي .. كدت اضحك !.. كانت تمد انفها المشلوم بين عدد من سيارات فخمة وضخمة بينما نصف مقدمتها الايمن قد اختفى !.. ذهب الى حاله في حادث وقع منذ سنتين.
عاد الشرطي يقول:
:-ما اسمك يا استاذ؟
قلت:
:- علي بوجدرة؛ كاتب
بدا كانه لم ينتبه الى كلمة كاتب إذ اسرع يبحث في قائمة ورق في يده؛ اصبعه يجري على الورق وفمه يجري باسمي!
:- حرف العين .,. حرف العين اه ع.عا .. عب .. اها علي بو... علي بوجدرة
:- نعم هذا انا
ازاح القائمة جانبا داعيا اياي للدخول الى مبنى الوزارة ؛ عبرته مفكرا مشغولا ؛ كنت مدعوا لاجتماع في وزارة الشؤون الاجتماعية سوف يحضره مبعوث للأمم المتحدة ؛ وكنت ساعة عبرت من امام الشرطي افكر:و لكن ماعلاقتي أنا الكاتب بالشؤون الاجتماعية و بالأمم المتحدة ؟! لم اجد اجابة واضحة فقط تلك الدعوة التي وجهها الي الوزير حين التقيته صدفة على هامش مؤتمر سياسي حضرته ايضا بالصدفة!؛ بعد احداث عام 2011 في ليبيا اصبح من السهل ان تلتقي وزيرا فعددهم يفوق عدد قصاصات الورق المبعثر في هواء الشارع!؛ احسست و انا داخل الاجواء المعتمة بالرغم من قوة الإضاءة الكهربائية بشئ من الخسارة؛ فالضوء الطبيعي الساطع والمطر بقيا في الخارج !! وتلك الضجة المحببة التي لا تتوقف تمر بالجالس على كرسي يحدق بالشارع.. اه لو ان النهار يمتد فلاينتهي! اه لوان اشعة الشمس تزداد قوة وقسوة ويحل الصيف سريعا وينتهي الشتاء البارد! اه لو.. خلال لحظات قليلة وجدتني في ردهة مظلمة تقريبا وبدت مغلقة في نهايتها ثم فجاءة لاح.. باب كبير مفتوح على مصراعيه كنت لحظتها افكر من النادر في حياتي رؤية مصراعي وقد فتحا معا !؛ وقفت في الباب ونظرت الى الداخل: توزع اناس كثر على شكل دائرة من نطاقين حول طاولة اجتماعات كبيرة تملأ القاعة وفي بعض اطرافها اتساعات وضعت فيها كراسي بعيدة عن الطاولة؛ ارتدى بعض الحاضرين بدلا اوربية حديثة فيما بدا على يسار الداخل الى القاعة وفي مقدمة الجمهور جمع من رجال كبار في السن تلوح على محياهم ملامح شيوخ القبائل يرتدون البستهم العربية المعتادة لكن ثمت ايضا حالات اخرى اختلط فيها النمطين العربي والأوربي الحديث فالبعض ارتدى عباءة عربية فضفاضة فوق البدلة للإيحاء بحجم الوجاهة وأهميتهما والبعض ختم كل قطع البدلة الاوربية بوضع شنة ( طاقية عربية) فوق شعره! فيما لمعت صلعات البعض وعكست الاضاءة الى فضاء القاعة فاسهمت في زيادة نسبتها!!.. كنت تقريبا ابحث عن اقرب كرسي فارغ قريب من الباب ذي المصراعين لكي لا اتعطل عند الخروج فلم اجد فقلت لنفسي ربما تأخرت رفعت موبايلي والقيت نظرة عليه فوجدت الساعة لم تصل بعد الى الواحدة ظهرا الموعد الذي حدده الوزير في دعوته فاستغربت؛ عبرتني ضجة لدقيقتين اربكت كل الحضور فانتبهت لعل المبعوث قد جاء؛ احترت فالضجة سببت نوعا من الحركة الدائرية لجماعات الحاضرين الجالسين والداخلين معا؛ فالجالسين تحركت رؤوسهم بحثا عن المبعوث فيما دار الداخلون الجدد بكامل اجسادهم... لحظات قبل ان يصاب الجميع بخيبة امل ظاهرة.. وتهدأ الربكة ويقل الاضطراب ..؛ كنت احس انني اضيع وقتي فقلت لنفسي: المهم ان يشاهدني الوزير عند دخوله فيعرف انني حضرت كما قد طلب؛ لابد للمرء ان يجامل الناس ولا يمكنك ان تعيش لوحدك ولنفسك فقط .. هكذا كان يقول ابي؛ كانت هذه مجرد ذكرى عابرة لمشاحنات المراهقة بيني وبين ابي ! ذكرى فقط.. يالهي ياابي اني اسالك كيف تغدو كل ساعات القلق تلك امرا عابرا هكذا ؟!.. ؛ ياابي قل كيف تغيرت انا دون ان ادري؟ انا ياابي تغيرت!! ويبدو انني اليوم سوف اتبع تعليماتك بالحرف؛ الغريب انني اكتشفت في نفسي خلال السنتين الاخيرتين ميلا للاختلاط بالناس للذهاب الى كل حالة وفاة معزيا والى كل فرح مهنئا كأنني اؤدي اعتذارا عن هربي من كل هذا في مراهقتي !! ماهذا الشعور الداهم والخانق بالحاجة الى الناس الى التواجد وسطهم وسط زحامهم؟! ماسر هذا الانقلاب الكبير؟! ياالهي ياابي كم كان العيش مرهقا!! مجرد العيش..مرهقا..
2.
اخيرا جلست
اخترت كرسيا على يمين الباب قرب بعض معارفي؛ هل كانوا معارفي فعلا؟ يالهي ياابي تعال الى ابنك ياابي انه يعرف اليوم وهو المفلس تماما والذي يعيش على نصف دخله الحكومي فيما يذهب نصفه الاخر لأقساط سيارة ياابي لم يركبها يوما ياابي وقد لا يركبها العمر كله ابنك هذا ياابي يعرف رجال اعمال ودكاترة جامعة !! كانوا قد شكلوا حزبا سياسيا منذ فترة قريبة؛ وانا ياأبي لا احب السياسة واعتقد انها ايضا لا تحبني! نحن فقط ياأبي نتبادل النظرات الغاضبة عبر زجاج الممرات الفاصلة بيننا هي هناك في البعيد وأنا هنا قرب اصدقائي السياسيين ومعارفي الجدد. . انشغلت عنهم بتقليب الفيس بوك على هاتفي كنت تقريبا اضع راسي داخل هاتفي ..ثم عادت الربكة وعمت الفوضى وبسرعة لافتة دخل المبعوث الاممي القاعة يرافقه الوزير فقلت في نفسي : الحمد لله ها قد صار عندي دليل انني مدعو ولست متطفلا ؛ فمن دعاني شخصيا قد حضر! لو سألني احدهم ماذا تفعل هنا سأنظر اليه واطلب منه الاجابة على الاقل! دخل الوزير مع المبعوث ووقف الجمع للتسليم ؛ دار المبعوث بعكس حركة عقارب الساعة وكنت تقريبا الوحيد الذي لم يعر الامر أي اهتمام! كنت اواصل تقليب هاتفي و فيسي ! فيما تصل الى سمعي بضعة مقاطع من الحديث الدائر والتوصيات و الاشواق وبعض الكلام الرسمي التافه؛ وحين وصل الوزير الي اشار الي برأسه مبتسما فبادلته الابتسام ثم ذهب رفقة المبعوث الى صدر القاعة وجلسنا جميعا وبدا الاجتماع الرسمي ..؛ جلس الوزير في المنتصف تماما؛ والى يمينه جلس المبعوث وقربه جلست عانس لبنانية ؛ و إلا فمالذي يعنيه الشعر المبعثر الممتد كخيوط المكرونة المجعدة ؟! ان لم يكن شعر عانس لبنانية بعدها جلست موظفة اوربية بياضها يبدو مشوشا جدا؛ يبدو باهتا ؛ قطع الوزير خيط الهمهمات داعيا الحاضرين لتقديم انفسهم للمبعوث عند إلقاء كلماتهم؛كرت سبحة المتحدثين ياأبي وكنت احيانا اتحمس للرد ثم اترك الامر و اتلهى بهاتفي و فيسي احد اصدقائي يزرع الفيس جيئة وذهابا بالنكت العابرة فيما صديقة تزرعه بالدعوات المضادة لذلك الرجل الذي اخل بمواثيق الهوى !! ؛ رفعت راسي فوجدت ان السبحة توقفت عند رجل بدا من صوته انه ستيني العمر ؛ بدا مختفيا داخل غابة من رؤوس الحاضرين لكن صوته يصلني ظاهرا واضحا
- قال: انا ناشط مدني وشيخ قبيلة!!
ومضى الرجل في حديثه مطولا حتى قارب الربع ساعة والمبعوث ينظر اليه لحظة ثم الى ساعته لحظة ثم الى الوزير لحظة..
بالنسبة لي ياأبي توقف الزمن عند جملته الأولى فكيف اجتمعت في جملة واحدة الف سنة من قتال دام؟! طافت كتبي بي ياأبي فلم اجد تفسيرا !! الكتب ياأبي لم تعد تفسر لي شيئا كما كانت تفعل في مراهقتي تركتني ياأبي اقاسي العيش وحدي! تركتني و ذهبت..
مر بي ضحك هادئ عبرني ومضى..
لا حقا في يوم اخر من ايام الله الممتدة دونما حدود؛ التقيت الوزير املا ان اجد عنده عملا ؛ فاعدت عليه ماقاله الرجل الستيني ؛ انفجر الوزير الرزين بالضحك وضحك كل رفاقه !!..؛بدا كانه يسمع الامر لاول مرة.. هل كنت انكت يأبي؟!
3.
اخيرا انتهى الاجتماع
.. وغادرنا المبعوث كان كل شئ قد تغير ياأبي كل شئ حتى السماء..؛ خرجت امشي ببطء حزينا يا أبي ؛ خرجت من العتمة المضيئة الى الضوء الساطع والافق المفتوح والناس وبرك المطر المتناثرة وضجة الشارع العابرة؛ و جلست في سيارتي استعيد ماحدث ؛ تذكرت رحيلك عني ياأبي ؛ بعد كل هذا العمر ذهبت لتعيش في مدينة اهلك وتركتني اعيش في مدينة اهلي مدينتك ياأبي !! تركتني ياأبي ؛ فلماذا تركتني ياأبي ؟!...
؛حدقت في المشهد السماوي كان النهار قد انتصف وزاد؛ وغطت غيمة رمادية السماء فحجبت الشمس الواهنة ؛ و عاد المطر يسقط بهدوء وحزن؛ القيت نظرة الى المنعطف القريب فوجدته مكتظا مزدحما؛ قدت سيارتي اليه واندسست وسط الزحام.
بنغازي 13 سبتمبر 2018.



#احمد_الحسين_التهامي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل تقتل المصالحة السلام ؟!! الدور الأممي في ليبيا : العجز يع ...
- هل يغير اعلان باريس قواعد اللعبة الليبية ؟!!
- مناورات التيار الإسلامي الليبي ضيقة الأفق محدودة الاثر
- هل تتناقض المطالبة بدولة ديمقراطية مع دعم العسكر؟!
- خطة سلامة الجديدة: اعادة تاجيج الحرب
- كيف يفكر الامريكيون في الازمة الليبية؟!
- في شأن الملابس الداخلية الليبي(1): العويلة الحمر............ ...
- المواجهة الوردية-في بعض اليات التحول الفكري والعقدي-المسير ن ...


المزيد.....




- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...
- عبر -المنتدى-.. جمال سليمان مشتاق للدراما السورية ويكشف عمّا ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد الحسين التهامي - رسالة إعتذار ... ياأبي - قصة قصيرة