أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - أحمد الشحماني - من دفاتر الذكريات ... (2)















المزيد.....

من دفاتر الذكريات ... (2)


أحمد الشحماني

الحوار المتمدن-العدد: 5989 - 2018 / 9 / 9 - 16:19
المحور: كتابات ساخرة
    



ليلة في السجن بلا ذنب – (سحور ليلي)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

في اثناء الدراسة الجامعية في فترة الثمانينات – كنت اسكن الأقسام الداخلية القريبة من ساحة سعد (في البصرة الفيحاء) .. ولساحة سعد ذكريات في مخيلتي لا تُمحى ولا تُهزم ولا تنتهي حتى لو اسردتها على شكل قصص قصيرة وروايات.
ساحة سعد كانت هي المنطقة الاقرب للأقسام الداخلية التابعة لكلية الآداب – الأدارة والاقتصاد – كلية الطب – التربية الرياضية آنذاك ..
كان لشهر رمضان في تلك المرحلة طقوسه الجميلة رغم بساطة الحياة المتواضعة لطلبة الأقسام الداخلية.
* * *
حدث يوما ان صديقي ورفيق ايامي الدراسية ورفيق ايام عمري الصديق الحاضر الغائب (محمد) كان متضايقا قليلا وطلب مني ان ارافقه الى ساحة سعد في منتصف الليل لتناول وجبة السحور – ترددت في بداية الامر – ولكن - لأن محمد كان صديقي الحميم لم استطع ان ارفض طلبه رغم اني كنت متعبا ومشغولا في التحضير لمادة الامتحان لليوم التالي (مادة الشعر) وكان الوقت متأخرا والنعاس بدأ يهاجمني من كل صوب وبدأت جيوشه تتسلل الى منافذها لتهزمني.
خرجنا انا ومحمد على عجل ولم ننتبه الى مستمسكاتنا الشخصية.
كان هناك طريقان او منفذان – الأول عبر البوابة الرئيسية ولكنه طريق طويل وفيه مضيعة للوقت.
أما الثاني فهو الأقصر والأقرب ويمر عبر الأقسام الداخلية للطالبات (عيني عيني).

اخترنا الطريق الثاني بسبب عامل القرب وبسبب حالة النعاس التي صاحبتني حتى بانَ عليّ في مشيتي كأنني سكران ثمل.
كانت الأقسام الداخلية للطالبات مشرعة النوافذ وتحديدا الطابق العلوي - كما لو انها تتوقع مرونا في هذا الوقت المتأخر من الليل.
رمقت فتاة تتزين في هذا الوقت المتأخر من الليل وتهيأ نفسها بأبهى صورة – واخرى رمقتها تمشط شعرها – واخرى تغني طربا كما لو انها تتهيأ لملاقاة حبيبها.
تبخر التعب مني ورحلت جيوش النعاس وقلت لنفسي ويحك يا احمد لماذا انت نعسان ومتعب؟
* * *
تجاوزنا الأقسام الداخلية للطالبات وكان هناك شرك فيه فتحة تشبه الى حد ما الفتحة التي تتسلل منها الجيوش المهزومة في الحرب, تلك الفتحة هي ضالتنا الوحيدة في العبور والاتجاه الى ساحة سعد.
اصوات اصحاب المأكولات وبسطيات الشاي بدأت تقتحم مسامعنا وروائح الأطعمة الشهية بدأت هي الأخرى تتسلل الينا عبر نوافذ حاسة الشم القوية حينما اقتربت خطواتنا شيئاً فشيئا.

توقفنا قرب عربة لبيع البيض المسلوق والطماطم بالزيت.
كانت العربة محاطة بطابور من طلبة الأقسام الداخلية ينتظرون دورهم في الطعام.
جاء دورنا فطلبنا وجبة بيض مسلوق وطماطم بالزيت مع الشاي.
* * *
آه والف آه ..
ليتنا ما توقفنا عند هذه العربة, وليتنا ما خرجنا في هذه الليلة, وليتنا ما غادرنا الأقسام الداخلية, وليتنا ما كنا في ساحة سعد, وليتنا وليتنا, بل ليتنا ما ولدتنا امهاتنا في وطنٍ أسمه العراق.
ما إن وضعنا أول لقمة في فمنا ولم نهنأ بطعمها ولذتها حتى احاطت بنا رجالات الشرطة وكأننا اشخاص دواعش قادمين من وراء الحدود.
ــــ هويتك ..
يا ستار استر ..!
أوف هاي شلون ورطة, شورطاك يا احمد, بيش ابلشت يابو بشت.

في كل دول العالم, رجال الشرطة يتمركز دورها في المحافظة على إمن البلد والمحافظة على النظام ومنتسبيها (منتسبي رجال الشرطة) يتحلون بالثقافة والإنسانية والمروءة وليس مراقبة واصطياد حرية الناس.
وضعت يدي على صدري افتش عن هويتي (هويتك حريتك – فمن لا هوية عنده لا حرية له) فلم اعثر عليها فتذكرت بأننا خرجنا على عجلٍ ولم نأبه معتقدين بأن الوقت متأخراً وليس هناك حاجة ضرورية للهوية طالما ان ساحة سعد قريبة من جغرافية الأقسام الداخلية.

- معذرة نحن طلبة اقسام داخلية ونسينا هوياتنا بسبب خروجنا بوقتٍ متأخر وبسبب العجلِ.
لم يتفهموا وضعنا – بل اجزم انهم تفهموا حقيقة وضعنا لكنهم بخبث وحقدٍ وكراهية للطلبة اقتادونا الى السجن كقطيع غنم.
كان عدد الطلبة الذين تم اصطيادهم واقتيادهم يتجاوز العشرين طالباً.
الليل أصبح طويلا كليل امرء القيس رغم ان الصباح بات قريبا قاب قوسين او ادنى لكن الوقت مازال ليلاً.
* * *
وصلنا الى السجن.
شرحنا القضية للأشخاص المسؤولين لكنهم لم يعذرونا بإعتبارنا مجرمين وخونة وعملاء وإرهابيين.
في تلك الأثناء قدِم احد اصدقاءنا وهو الأخ الصديق العزيز (كامل) ومعه هوياتنا.
احضرها لنا مشكوراً لغيرته وطيبة قلبه حيث يبدو بأنه سمع الخبر من بعض الطلبة فسارع لأنقاذنا من هؤلاء المغول اللاإنسانيين, لكن جهوده الدبلوماسية لحلحة الوضع السياسي المتأزم باءت بالفشل.
بعد ان باءت محاولات الأخ كامل بالفشل - افترشنا الارض بدون فراش.
مازلت اذكر هذا المشهد المؤلم.
* * *
كان قبالنا يمتدُ شخص مقيم لسنوات. شخصٌ محكوم عليه بالسجن المؤبد حسب ما افتهمنا في تلك الليلة الليلاء.
بدأ الخوف يدب في عروقنا وبدأت هواجس القلق تلتف حولنا كالأفعى.
إلهي اين نحن؟ ..
ماذا جنينا؟ ..
ايُّ قدرٍ احمق جاء بنا الى هنا؟ّ
اذكر بأن احد اصدقاء هذا السجين المحكوم عليه بالمؤبد اقترب منا وسألنا بصوت هاديء.
- ماهي قضيتكما؟
- هل هي قضية قتل ام سرقة؟
- التفت انا الى محمد والصمت يداهمنا والقلق والتوتر يمزقنا.
- قلت له لا قضيتنا سحور ليلي ..
- اطلق قهقهة ثم اردف قائلا سحور ليلي ..!
- هل هي فتاة ام محل لبيع المجوهرات؟
- اجبته: ليست فتاة ولا محل لبيع المجوهرات بل هو سحور ليلي بدون تأشيرة فيزا الهوية الجامعية.
لم يفهم ما كنت اعنيه, فغادر محطات السؤال بوجه عابس.
* * *
اقتربت الساعة الثامنة صباحا من موعدها.
نادى علينا احد المنتسبين الشرطة العاملين في السجن (احمد ومحمد) تعالوا الى هنا.
- اكتبوا اسماءكم في المحضر لكي تغادروا المكان.
- تم اطلاق سراحكم ..
رجعنا من حيث التينا ونحن مكبلين بالوجع والقهر والخجل كما لو اننا ارتكبنا جريمة يعاقب عليها القانون المدني ولسان حالي يقول:
بعد التوبة اذا اخرج بدون هوية حتى لو سحور ليلي مع الملكة اليزابيث ..



#أحمد_الشحماني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطغاة والفاسدون يتشابهون في سلوكياتهم
- المتباكون
- الناخب العراقي بين العاطفة والعقل
- الحقيقة المؤلمة . .
- الثلوج هي بكاء الطبيعة بدموع بيضاء
- مارين لوبن وعاصفة الإستياء اليهودي . .!
- دونالد ترمب وبداية المشوار. . .!
- «باراك أوباما في دائرة الأتهام» . . .
- خالد العبيدي . . . «لقد كنت متأخرا في هجومك»
- كونوا نيلسون مانديلا . . .!
- تراتيل في معبد السياسة العراقية المضحكة . . . !
- السياسة في العراق ولعبة الحية والدرج . . .!
- ماذا تعني استقالة وزراء التيار الصدري . . ؟
- هل سيصلح العبادي ما افسدته العملية السياسية . . .؟!
- أيها المتظاهرون: الدموع لا تمسحها مناديل الكلمات . . !
- كامل سواري . . . وصلاة الفقراء. . .!
- جمهورية المنطقة الخضراء في العراق الفيدرالي الجديد. . . نقطة ...
- السياسة ليست كما الحب . . .!
- عبد الفتاح السيسي وسياسي العراق وغدر ابن ملجم . . .!
- أيباااااااه . . . -مفوضية الأنتخابات العليا ومشعان الجبوري و ...


المزيد.....




- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم ...
- تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
- فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى ...
- بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين ...
- ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية
- فنان مصري مشهور ينفعل على شخص في عزاء شيرين سيف النصر
- أفلام فلسطينية ومصرية ولبنانية تنافس في -نصف شهر المخرجين- ب ...
- -يونيسكو-ضيفة شرف المعرض  الدولي للنشر والكتاب بالرباط


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - أحمد الشحماني - من دفاتر الذكريات ... (2)