أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - عامر الدلوي - الأرمن العراقيون كما عرفتهم















المزيد.....

الأرمن العراقيون كما عرفتهم


عامر الدلوي

الحوار المتمدن-العدد: 5972 - 2018 / 8 / 23 - 02:19
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


قبل أيام قليلة تطرق الشاعر " إبراهيم البهرزي " في موضوعة له على صفحات التواصل الإجتماعي " الفيس بوك " على ذكر الأرمن العراقيين و ما جرى لهم من حملات تهجير و مطاردة و محاربة بسبب من آرائهم السياسية من قبل مختلف الحكومات و الأنظمة التي حكمت العراق , ساعد هذا الموضوع على نبش ذاكرتي بخصوص بعضهم من الذين كانت لهم مواقف إجتماعية معي أو مع الآخرين تستوجب الذكر في مرحلة ٍ صعبة ٍ كالمحنة التي يمر بها الوطن اليوم .

أبو بيرج

في النصف الثاني من سبعينات القرن الماضي , و بالضبط يوم 31 / كانون الأول / 1977 كنت ملتحقا ً إلى مدرسة مشاة الفرقة الثامنة في معسكر أربيل لأداء خدمة الإحتياط لمدة ستة أشهر أستمرت حتى 30 حزيران 1978 و التي كانت مثابة نزهة في ربوع شمال الوطن قضيت منها ثلاثة أشهر شرق أربيل قرابة 25 كم في منطقة " دربند كومسبان " و ثلاثة أشهر في منطقة " دربند رايات " في أقصى الشمال الشرقي لأربيل قرب المثلث العراقي التركي الإيراني و على مبعد قرابة 10 كم من الحدود الإيرانية .
كان أخي الأصغر مني يقضي خدمته الإلزامية في سرية التدريب الأساسي لمعسكر الرشيد وبسبب من ضعف بصره أعتبر جندي غير مسلح , لكن أموره لن تمض على ما يرام , بسبب معرفة أحد النواب ضباط من أهالي الجنوب كون أخي من القومية الكردية , فأخذ بمضايقته رغبة في المزيد من تملقه لرفاقه الحزبيين , و يمكن في تصوره المريض أنه أكتشف صيدا ً ثمينا ً , فأخذ يسمعه كلمات خشنة من قبيل , أنت من العصاة , و مكلف بالبقاء في الجيش لنقل الأخبار إليهم عن تحركات الجيش , وأيامها كانت قد بدأت بعض التحركات إثر إنتكاسة حركة الملا مصطفى عام 1975 , لمجاميع يقودها جلال الطالباني بعد أن تم توحيدها عرفت بأسم " الإتحاد الوطني الكردستاني " . و كان أكثر تواجدهم خصوصا ً في منطقة خدمتنا في " دربند رايات " .
لم يعكر صفو نزهتي هناك سوى ذلك الخبر المشؤوم الذي جائني به رفيق عزيز على قلبي و قد إلتحق من الإجازة يوم 29 آيار 1978 حول إعدام المتهمين بإنشاء تنظيم عسكري في الجيش من الشيوعيين " مجموعة سهيل شرهان و بشار رشيد " في معسكر بسماية .
في آخر إجازة لي قبل التسريح من الجيش و التي صادفت اليوم الأول من شهر حزيران و بمجرد وصولي إلى البيت في بغداد أخبرت من قبل الأهل بأن أخي هرب من الخدمة في الجيش , و عندما أستعلمت منهم عن مكان تواجده .. قالوا أنه يعمل مع أحد اقاربنا من أهل خانقين و الساكن في منطقة البنوك في فرن للخبز .
عندما ذهبت إليه مستفسرا ً عن سبب هروبه قال لي بالنص , بأنه بحكم كونه غير مسلح فقد أعتبر " جندي شغل " و في يوم 28 من آيار كلف هو و مجموعة يقودها النائب ضابط المذكور بالذهاب إلى معسكر بسماية و هناك أفهموا بعد أن تم تسليمهم معاول بأن يحفروا حفرا ً في الأرض بعمق قرابة نصف متر ثم يضعوا داخلها أوتادا ً خشبية طولها قرابة مترين يذهب نصف منها في الحفرة ليتبقى الظاهر منها متر ونصف . كانت الحفر ثلاثة و ثلاثين حفرة , وبعد أن أنجزوها جيء بالمساجين و تم ربطهم إلى تلك الأوتاد ليتم إعدامهم رميا ً بالرصاص .
يحدثني و الدموع في عينيه و هو لم يكن يعرف عنهم شيئا ً , يقول أن أحدهم كان برتبة ملازم أول .. رفض أن يعصبوا عينيه و عندما جاء رجل الدين العسكري ليطلب منه أداء الشهادتين قبل تنفيذ الحكم به .. بصق في وجه رجل الدين قائلا ً : هل سالت ربك إن كان يرضى بقيامك بهذا الدور القذر ؟ نحن نقتل ظلما ً . ما أن تحرك رجل الدين جانبا ً و هو يمسح وجهه حتى كانت رصاصات الموت تختم سيرة حياة هذا البطل .
يقول أخي في طريق عودتنا في السيارة جلس النائب ضابط جنبي و هو يستفزني بشتى الوسائل و عندما لم يجد مني جوابا ً لإستفزازاته .. قال : سأعمل جاهدا ً من أجل أن أرى اليوم الذي ننصب وتدا ً لك هنا في بسماية .. يومها فقط سيرتاح ضميري , و لذلك قررت أن لا ابقى في الجيش .
قبل إلتحاقي بخدمة العلم , بين عامي 73 و 75 كنت أتسكع مع صديق عزيز إنتقل إلى رحمة الله يملك سيارة إنكليزية فان من طراز " أنجليا " يعمل فيها كوكيل مبيعات لبضائع من إنتاج المعامل المحلية " خل / عصائر / منظفات / و معقمات " و كانت السيارة عرضة لأعطال كثيرة , وكلما أصابها عطل كنا نذهب إلى المحلات الواقعة خلف المسرح الوطني حاليا ً و المقابلة لمنتزه الأوبرا سابقا ً و الذي صار فيما بعد مقرا ً لقيادة القوة الجوية و اليوم يبنى فيه مستشفى عسكري .
كان هناك محل لميكانيكي أرمني رائع ذو محيا طلق ما يلتقيك إلا و الإبتسامة تغطي وجهه المشرق دوما ً يدعى " ابو بيرج " يؤسفني جدا ً أن الذاكرة قد تعبت لحد نسيان أسمه , في الإجازة الأخيرة و بينما هو غاطس في مقدمة السيارة " يبحوش " في محركها بحثا عن العطل .. كان صديقي يسالني عن أخي و كيف يقضي خدمته .. و هل هو مرتاح فيها ؟ حدثته عما جرى و كيف أن النائب ضابط عمل على أن يستصدر أمر نقل لأخي ( رغم ضعف بصره ) إلى سرية مغاوير المعسكر لكن أخي عاجل الموضوع بالهرب من الخدمة .
في تلك اللحظة أخرج " أبو بيرج " رأسه و كان يعرف أخي و عن طريق نفس الصديق .. و قال .. سمعت ماجرى .. هل تستطيع أن تجلبه هنا بعد غد .. قلت لماذا ؟ قال لا عليك إجلبه إلى هنا و سينتهي الأمر .
صبيحة اليوم التالي و في تمام الساعة التاسعة كنا جميعا ً في المحل عند " ابو بيرج " تناولنا الشاي و ما أن مضت دقائق حتى توقفت سيارة ترجل منها رجل وقور يفرض مظهره عليك إحتراما ً لشخصه و الإبتسامة مرتسمة عريضة على محياه و هو يسأل :
- وين هذا الجندي الفرار ؟ .. اليوم إلا إعدامه على يدي .
لم أعد أسمع إلا تأفف أخي و شفتاه تتمتم بالحوقلة ..
- لك يا أخي متكلي وين جبتني ؟
- أسكت أنت و لا عليك , لننتظر النتيجة .
بعد التحية و السلام و مجريات التعارف .. قال الرجل لأخي و هو يرتشف الشاي من الكوب :
- هل تعرف أسم النائب ضابط الكامل ؟ ثم إلى أين تريد أن ننقله ؟ بعد أن تلتحق بوحدتك نادما ً يوم غد .
- نعم سيدي .
أجاب أخي بعد أن هدأ روعه قليلا ً و إدراكه أن مكلمه شخص ذا مسؤولية كبيرة في الجيش .
- الأمر متروك لسيادتكم , أنا لا أريد منه شيئا ً سوى الكف عن تهديدي حتى أكمل خدمتي بدون غياب و لا هروب جديد .
- لك ما تشاء , ولكن تعطيني وعد بأنك ستلتحق لوحدتك .
- وعد و كلام شرف سيدي .
نهض الرجل مستأذنا بالرحيل , شكرناه أنا و صديقي دون أن نعرف ماهيته و شخصيته , حتى هو لم يعرفنا بشخصه لما كان يحمل من تواضع و أدب جم .
عدنا إلى " ابو بيرج " .. يا عمي العزيز .. هلا عرفتنا بشخصه على الأقل .
قهقه بصوت عال و هو يقول :
- هل تريدون أن تذاكروا من خلف ظهري , غدا َ بعد أن يتم الأمر سأخبركم .
في اليوم الثاني إلتحق أخي إلى وحدته و أستقبله مساعد آمر الوحدة بالأحضان و أخذه إلى قلم الوحدة قائلا ً :
- من اليوم فصاعدا ً سيكون دوامك هنا .
عند الظهيرة عاد أخي إلى البيت و وجهه يحمل علامات الإنشراح و الفرحة المشوبة بقليل من الحزن .
- مالك ولك أشو هم خلفتك مكلوبة ؟
- لا أبدا ً ... بس مقهور عالنائب ضابط خطيه !!
- خيرا ً أشبيه ؟
- آني وصلت لكيته شايل جنطته و فراشه و منقول لزاخو .
- أشلون ؟
- أي و الله !
كان هذا الرجل الذي أستقدمه " ابو بيرج " لمساعدة أخي زبون دائم عنده و هو من يتولى تصليح الأعطال في سيارته , و في اليوم التالي عرفنا منه أن الرجل كان مدير إدارة المراتب في وزارة الدفاع .
منذ سفرك إلى أميركا و إنقطاع أخبارك عنا .. أسمك كان عصيا ً على النسيان رغم أن سنوات خدمة الإحتياط السبع من الحرب العبثية في مختلف القواطع قد عملت على محو الكثير من الأسماء من الذاكرة و حفرت مكانها شظايا الهاونات و بساطيل الشهداء .
و جميلك ذاك سأحتفظ به ما دمت حيا ً يا أغلى الناس سواء كنت ما تزال في عالمنا أو غادرت إلى العالم الآخر .



#عامر_الدلوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- - عروس الثورات -
- لروح الشهيد الخالد - عماد الدين سليم الجراح -
- يوم إغتيال الحلم
- هل سيستجيب لكم
- العيد العالمي للطبقة العاملة
- 11 عاما ً من الإنتصار لحقوق المرأة العراقية
- يوم المرأة العالمي ... نضال لا يستكين
- نصرة قضايا المرأة ما بين الأمس و اليوم - الزهاوي مثالا ً
- - سراب بري - رواية من نمط الواقعية الإشتراكية
- الخامس و العشرين من شباط 2011 الذكريات و الدروس و العبر
- بيان تجمع - كفى -
- في ذكرى ليلة المجد
- عندما تعمي الطائفية المقيتة البصر والإبصار
- في الذكرى السادسة والستين لإعدام قادة حزبنا الأبطال يتجدد ال ...
- الذكرى الثانية والخمسين لإغتيال وطن
- في ذكرى يوم المرأة العالمي
- ماذا جرى و يجري في محافظة لحج من جمهورية موزمبيق يا مالكي ؟
- أي دولة قانون هذه يا مالكي ؟
- على هدى الذكرى الثمانين لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي
- إنتخاباتهم و ديمقراطيتنا ... نموذج للمقارنة


المزيد.....




- صدمة في الولايات المتحدة.. رجل يضرم النار في جسده أمام محكمة ...
- صلاح السعدني .. رحيل -عمدة الفن المصري-
- وفاة مراسل حربي في دونيتسك متعاون مع وكالة -سبوتنيك- الروسية ...
- -بلومبيرغ-: ألمانيا تعتزم شراء 4 منظومات باتريوت إضافية مقاب ...
- قناة ABC الأمريكية تتحدث عن استهداف إسرائيل منشأة نووية إيرا ...
- بالفيديو.. مدافع -د-30- الروسية تدمر منظومة حرب إلكترونية في ...
- وزير خارجية إيران: المسيرات الإسرائيلية لم تسبب خسائر مادية ...
- هيئة رقابة بريطانية: بوريس جونسون ينتهك قواعد الحكومة
- غزيون يصفون الهجمات الإسرائيلية الإيرانية المتبادلة بأنها ضر ...
- أسطول الحرية يستعد للإبحار من تركيا إلى غزة


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - عامر الدلوي - الأرمن العراقيون كما عرفتهم