أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - رشيد الطاهري - المدرس المغربي: مثقف حقيقي أم بائع معرفة مبتورة.















المزيد.....

المدرس المغربي: مثقف حقيقي أم بائع معرفة مبتورة.


رشيد الطاهري

الحوار المتمدن-العدد: 5955 - 2018 / 8 / 6 - 21:01
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


المدرس المغربي: مثقف حقيقي أم بائع معرفة مبتورة.
يحتل المدرس في الدول المتقدمة مكانة رمزية في المجتمع، يمارس دوره كاملا في نشر الوعي والمعرفة العلمية الموضوعية الخالية من كل شوائب الخرافة والأسطورة بإعتباره مثقفا يجد معنى لوجوده في خدمة الوعي والمعرفة وتعليمها وتطويرها وإشاعتها ضدا في الجهل والأمية اللذان يؤديان إلى التخلف. أما في المغرب بإعتباره بلدا متخلفا يوفر فضاء اجتماعيا خصبا لتناسل الفكر الأسطوري والمعتقدات الخرافية فاتحا المجال أمام مزيد من الإستبداد والقهر والسلب المفضوح للحقوق والحريات والأكل الجائر لأموال الناس بالباطل وذلك كله بمباركة خدام السماء وتحت رعاية الأفراد والمؤسسات المستفيدة من ريع الفساد والإستبداد والتخلف فالأمر مختلف.
إن المدرس المغربي يعيش بلا شك أزمة هوية ناتجة عن السياق السياسي والإقتصادي والإجتماعي والثقافي الذي ينشأ فيه ويشتغل فيه، وهو بذلك غير قادر على إحداث أي تغيير يذكر لا على المدى البعيد أو المتوسط أو القريب.
كيف لا ونحن نعلم أن "فاقد الشيء لا يعطيه"، ولعله أقرب ما يكون إلى تجسيد هذا المثل، هذا إذا علمنا أنه يزداد في مجتمع متخلف تشيع فيه كل أشكال الجهل والخرافة مما يجعل تنشئته الإجتماعية محكومة بهذه المحددات، فكما يقول ماركس :" ( ليس وعي الناس هو الذي يحدد وجودهم، بل العكس ان وجودهم الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم)" وغالبا تتم تربيته في أحسن الأحوال على يد أبوين مقيدان بالموروث الديني والثقافي مع كل ما ينطويان عليه من جهل وخرافة ودعوة إلى تقديس التقليد ونبذ الشك والتحري العقلي، فينتقل بعد ذلك للتعلم في المدرسة العمومية التي تتخبط في أزمة بنيوية خانقة كي يتم إستكمال مهمة إنتاج كائن مبرمج لا يفكر إلا داخل الحدود التي ترسم له ولا يحلل الأمور إلا داخل نسقه الموروث والإطار الفكري الضيق الذي يصنع على يد مدرسين يعملون وفق توجيهات وبرامج ومناهج تتسم بالإزدواجية من حيث القيم وبالإنفصام والتشظي من حيث المضامين والمعارف، وإذا أخذنا بعين الإعتبار كل المشاكل والظروف الكارثية التي ترافق وتؤطر سير العملية التعليمية التعلمية داخل الفصل من إكتظاظ وفشل بيداغوجي وبنيات تحتية مهترئة وترسانة قانونية مثبطة ومقيدة للإجتهادات الفردية الناشزة الطامحة إلى جلب قيمة مضافة فإن التلميذ المغربي-المدرس المغربي لاحقا- يصل إلى نهاية السلك الثانوي أوحتى الجامعي غير قادر على التفكير بطريقة علمية، منهجية ومنظمة نظرا لإفتقاره لآليات البحث الضرورية وللحس النقدي وهو عاجز كل العجز عن إنتاج خطاب علمي متوازن بناء على ما حصله طيلة السنوات التي قضاها متنقلا بين حجرات وفصول الدراسة.
إن التلميذ المغربي في أفضل الأحوال ليس إلا ضحية لعملية إعادة الإنتاج التي تتم داخل المدرسة بمباركة مدرسين محبطين (بفتح الباء)، معوزين ماديا ومعرفيا بفعل فاعل،مدرسين يبحثون عن أنواع السيارات المستعملة الأرخص ثمنا والأقل إستهلاكا للوقود الذي لم يعد في متناول قدرتهم الشرائية المتدنية لأن الدولة لا توفر لهم وسيلة نقل كما تفعل مع نواب الأمة المحترمين، مدرسون يبحثون عن مدى مصداقية البنوك الإسلامية مقابل البنوك الربوية الكافرة على حد تعبيرهم لأن هزالة راتبهم يدفعهم للإقتراض كلما ضاق عليهم خناق المصاريف، مدرسون يتباحثون في نقاشاتهم عن أثمنة البقع الأرضية ومواد البناء وتعويضات (كنوبس) لأن وزارتهم لا توفر لهم سكنا وظيفيا، مدرسون لا زالوا يتجادلون عن جواز الزواج بموظفة من عدمه لأن أفكار عصور الظلام لازالت تلقي بظلالها على السواد الأعظم منهم. مدرسون يتهافتون على التلاميذ الراغبين في ساعات تعليمية إضافية طمعا في دراهم إضافية.
مدرسون لا ينتمون إلى مشاكل وهموم الوطن الحقيقية فهم في واد ومشاكل الوطن وقضايا الحرية والمساواة والديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الإجتماعية في واد آخر.
مدرسون أرى الغالبية العظمى منهم كائنات بائسة فاقدة للأمل ترزح تحت وطأة الذل والقهر والمهانة، غير قادرة على الإنتصار لمكانتها الرمزية والعلمية ودورها الطلائعي في قيادة الأمة نحو دولة المواطنة الحقة والديمقراطية الفعلية والتحرر الفكري باعتبارها نخبة مثقفة.
كائنات في الغالب متقوقعة على ذاتها بخيلة على نفسها وعلى المجتمع غير قادرة على نفض غبار التفرقة والتشرذم والوصولية، لذلك فهي تحتمي دوما وراء الآخرين وتعلق فشلها في القيام بدورها على الآخرين تارة على على تنظيماتهم النقابية التي من المفروض أن تمثل صوتهم وتارة على المنظومة التي هم شريانها النابض وتارة أخرى على الوضع السياسي والنظام الذي هم أداة إديولوجية في يده.
وكلما خرج من هذه الفئة الخانعة رجل أو امرأة مفكر أو مفكرة ، مثقف أو مثقفة داعيا إلى تحمل المسؤولية ومنتقدا الأوضاع السائدة تتم محاصرته ومهاجمته ونعته بأقبح النعوت وأبشع الأوصاف، فهو إما خائن متحامل مأجور أو حاقد ناقم، أو كافر جاحد أو أحمق مخبول يبتغي الشهرة على حسابهم وفق مقولة "خالف تعرف".
مدرسون بهذه المواصفات والمشاغل عاجزون كل العجز عن فتح كتاب يوسعون به مداركهم، وعاجزون أيضا عن إدراك مدى الهدر الذي يعانون منه، مدرسون بهذه المواصفات تتساوى معرفتهم بمعرفة تلميذهم الأكثر إجتهادا أو ربما كان أحسن من أحدهم...
مدرسون علموا منذ الصغر أن المعرفة لا تساوي شيئا من حيث هي معرفة وطلبها لذاتها مضيعة للوقت، لذلك تراهم يتوقفون عن التحصيل والبحث والقراءة بمجرد حصولهم على منصب عمل، ومتى ما كان المزيد من الشواهد في خدمة ترقيتهم فهم له طالبون، أما غير ذلك فلا حاجة للإستزادة منها.
لاحاجة لهم بقراءة الكتب، حتى وإن قرأ بعضهم مقدمة رواية ما فمن أجل التباهي بها في مواقع التواصل لا أقل ولا أكثر، لا حاجة لهم بالمشاركة في النقاشات العمومية التي تطرح، لا حاجة لمسايرة ركب التقدم.
مدرسون بهذه المواصفات وهم الأغلبية لا يجوز تسمية أحدهم بالمثقف، لأن الإستزادة من الثقافة حسب فهمهم مضيعة للوقت وحرق للأعصاب وهدر للمال والجهد الذي في نظرهم ينبغي توجيهه من أجل تعلم المزيد من التقشف للحصول على سيارة وشقة بقرض مكبل مدى الحياة.
المدرس المغربي (مع بعض الإستثناءات) يتقاسم مع عامة الناس نفس الأفكار والمعتقدات، فهو أيضا يقبع تحت وطأة الجهل المقدس و يظن أن التفكير والفلسفة والبحث الدائب عن المعرفة والحقيقة طريق مسدود لا يؤدي إلا إلى الجنون أو السجن أو الإلحاد والعياذ بالله في أحسن الأحوال، نحن أمام أجيال من الأساتذة يعتقد كل واحد منهم (مع بعض الإستثناءات) أنه مثقف ومتحرر وحداثي، لكنه في الحقيقة أكثر تزمتا وظلامية من أعتى الرجعيين تشددا، جيل موغل في الأنانية والإنتهازية والوصولية والبراغماتية المتجذرة،
جيل عاجز كل العجز عن تحمل أي مسؤولية وغير قادر على إحداث أي تغيير يذكر.
تلميذ اليوم هو بالطبع مدرس الغد وهو نفسه الذي سيتكلف بإعادة إنتاج نفس المواصفات التي أنتجت فيه قبلا، وهكذا نجد أنفسنا أمام استنساخ مقيت للأجيال والعقليات، استنساخ يجري في حلقة مفرغة أساسها الجهل والإسترزاق تحت رحمة القهر بمعرفة فسيفسائية مبتورة.
هذه الفئة بكل بساطة أخلفت موعدها مع التاريخ، وقد نجحت السلطة من إفراغ كلمة أستاذ من محتواها عن طريق برامجها التعليمية الملغومة ومناهجها الفاشلة وتجويعها الممنهج للمدرس الذي لا يمكن إخراج الوطن من براثن الجهل والتخلف إلا بإعادة الإعتبار له.



#رشيد_الطاهري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- لعلها -المرة الأولى بالتاريخ-.. فيديو رفع أذان المغرب بمنزل ...
- مصدر سوري: غارات إسرائيلية على حلب تسفر عن سقوط ضحايا عسكريي ...
- المرصد: ارتفاع حصيلة -الضربات الإسرائيلية- على سوريا إلى 42 ...
- سقوط قتلى وجرحى جرّاء الغارات الجوية الإسرائيلية بالقرب من م ...
- خبراء ألمان: نشر أحادي لقوات في أوكرانيا لن يجعل الناتو طرفا ...
- خبراء روس ينشرون مشاهد لمكونات صاروخ -ستورم شادو- بريطاني فر ...
- كم تستغرق وتكلف إعادة بناء الجسر المنهار في بالتيمور؟
- -بكرة هموت-.. 30 ثانية تشعل السوشيال ميديا وتنتهي بجثة -رحاب ...
- الهنود الحمر ووحش بحيرة شامبلين الغامض!
- مسلمو روسيا يقيمون الصلاة أمام مجمع -كروكوس- على أرواح ضحايا ...


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - رشيد الطاهري - المدرس المغربي: مثقف حقيقي أم بائع معرفة مبتورة.