أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - فكري آل هير - الدولة والدولة الطائفية في فكر عامل















المزيد.....

الدولة والدولة الطائفية في فكر عامل


فكري آل هير
كاتب وباحث من اليمن

(Fekri Al Heer)


الحوار المتمدن-العدد: 5924 - 2018 / 7 / 5 - 22:48
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


لطالما اعتبرت المعطيات الأيديولوجية التي شكلت مفهوم الدولة والنظام السياسي في المنطقة العربية- من وجهة النظر اليسارية- نتاجاً برجوازياً لثقافة استعمارية (امبريالية) جرى ادماجها وتعميمها في الوعي والواقع العربيين في ظروف لم تكن موضوعية أو عادلة، وهو ما سمح بتفريخ ونهوض الأنظمة المستبدة على اختلاف أشكالها وصورها، بما في ذلك التأطير الغربي للدولة الطائفية القائمة على المحاصصة وتقاسم السلطة، وهو النموذج الذي برز على نحو واضح في التجربة اللبنانية، وربما يسير العراق حالياً الى صيغة مشابهة.
في هذا الاتجاه، يُعتبر مهدي عامل من أولئك القلة من المفكرين العرب الذين ادركوا منذ وقت مبكر اشكاليات نموذج دولة المحاصصة على أسس طائفية، نظراً لما كان عليه موقفه من نموذج ميشال شيحا للدولة اللبنانية والذي تكون لديه على نحو مغاير لذلك الموقف الذي نظر إليه باعتباره تجسيداً فعلياً لدستور 1926، فالنموذج الطائفي للدولة اللبنانية في نظر مهدي عامل – وأيضاً في نظر ناصيف نصار- جاء موافقاً لأهواء وطموحات القوى البرجوازية بأشكالها وتوصيفاتها الطائفية، انطلاقاً من تعريف للبنان–- بأنه بلد أقليات طائفية متشاركة، ولهذا عملت تلك القوى بكل الوسائل على فرض هذا النموذج وترسيخه، ليصبح الواقع اللبناني مريراً ومكرساً لخدمة الكيانات الشرذمية[1].
أجلى عامل موقفه من الدولة الطائفية - كمفهوم ونموذج- في كتابه "في الدولة الطائفية"، معتبراً إياها جذراً خطيراً وسبباً كامناً على الدوام للصراعات والحروب الأهلية، إن لم تكن هي الوجه الآخر أو المرآة ذاتها للحرب الأهلية. ومن ثم فلابد لأي موقف نقدي لنموذج الدولة الطائفية لكي يكون موضوعياً أن يستند الى رؤية فاحصة للمقولات التي يقوم عليها هذا النموذج، بما في ذلك النصوص الدستورية وسائر الأدبيات المكرسة له، بل والى رؤية واعية الى حقيقة أن مفهوم الطائفية بحد ذاته لم يكن يوماً مفهوماً ثابتاً ومستقراً على صفحة الوعي، وهذا ما ينطبق حتماً على نموذجها المتجرد على صفحة الواقع، وأن أي حديث عن الطائفية أو تكريس لها هو حديث عن اللااستقرار من جهة، وتكريس له على الواقع من جهة أخرى.
على هذا الأساس رفض مهدي عامل المقولات التي أُسس عليها النموذج الطائفي في لبنان، على ذلك النحو الذي أقامه لها وعرضها به ميشال شيحا. فهي في نظره لا تعدو أكثر من مقولات تبريرية وذرائعية تخفي ورائها حقيقة ميولها وأهدافها الخادمة للكيانات والقوى الطائفية نفسها، وإذا كان لابد من إسقاط هذا النموذج فلابد أولاً من اسقاط النصوص الدستورية التي تشرعن له، وهي النصوص التي يصفها بأنها تقع في ذلك الحقل الذي يجري فيه الصراع الطبقي المحتدم في حرب أهلية مستمرة[2].
إذا ما كان المسار الثوري بالأساس ماضياً نحو استئصال شأفة الأسباب والعوامل الكامنة في الطائفة نفسها للحرب الأهلية، فإن مقاومة نموذج الدولة الطائفية لابد وأن يكون على رأس مهام الحراك الثوري الذي قاوم الاستعمار من قبل، هكذا نظر عامل الى المشهد اللبناني دون أن يغفل عن طرح اشكاليات دقيقة بشأن هوية الحلول التوافقية بكونها منتجاً استعمارياً وامتداداً له أو صيغة محلية له، ومن ثم فإن الحراك الثوري لابد وأن يظل مستمراً في مقاومة ورفض كل أشكال النظام الطائفي للدولة، وإفشال كل المحاولات الرامية الى تأبيده[3]. وهذا بدوره ما يقضي بإحداث مراجعات مستمرة تهدف الى إعادة بسط مفهوم الدولة بشكل صائب على صفحتي الوعي والفعل الثوريين وفق نهج وطني متحرر من كل أشكال وصور الوصاية المقنعة بالشعارات والوجوه الوطنية.
إن ما هو سياسي في نظر عامل ليس إلا الصراع الطبقي، وهو على كل حال ليس الدولة وليس الحقوقي، وليس هو المؤسسي أيضاً، بقدر ما يجري التنظير له بأنه هذا كله من وجهة نظر القوى المسيطرة. فإذا كان ولابد من تمتين الطروحات النقدية برؤى ايديولوجية أو اقتصادية فلابد أيضاً أن تكون هذه الرؤى نابعة في الأساس من منبعها السياسي القائم في الأساس على الصراع الطبقي، ذلك أن الدولة بحد ذاتها هي مشروع ومنتج سياسي، ولا ينبغي اطلاقاً أن تخرج عن حقيقتها هذه، أياً كانت المبررات ومهما كانت الذرائع[4].
يؤكد عامل على الدولة المركزية الواحدة كأساس متطلب دائماً وعلى كل حال في لبنان وغير لبنان، ومفهوم هذه الدولة وتعريفها والأسس التي تنهض عليها يجب أن تكون بعيدة كل البعد عن المنتج الطائفي، ناهيك عن اعتباره أساساً للدولة، وانطلاقاً من الحقائق التي كشفتها الحرب الأهلية في لبنان، لابد من التحول الى نموذج الدولة المركزية الواحدة، التي تنظر الى جميع المواطنين بنظرة واحدة كلبنانيين دون أي عناصر تفرقة أو موجبات للتمييز بينهم على أسس طائفية، وأن الصراع الطبقي هو المحرك الاجتماعي والاقتصادي والسياسي لنهوض هذه الدولة وليس الطائفة والتمايز الطائفي. فما هو سياسي ويعنى به وفق هذا التوصيف ليس مماثلاً لجهاز الدولة، ولا للبناء الحقوقي والمؤسسي، وإنما هو في أساسه وشموله الصراع الطبقي نفسه، وإلا فسوف يصبح جهاز الدولة رهين أيديولوجيات الطبقات المهيمنة، ويجعل من وجودها وجوداً موهوماً.
يمكن التماس ماهية الدولة ومفهومها عند عامل باعتبارها النقيض تماماً للدولة الطائفية كشكل نموذج وممارسات نخبوية وفئوية تحركها وتغذيها الطائفة، فالدولة ينبغي أن تكون متحررة من كل أشكال السيطرة الطائفية لتكون موجودة بالفعل، وبالتالي فإن الدولة اللبنانية الحالية تسير بشكلها الحالي ونموذجها في مسار منحرف كثيراً مع كل المبادئ المنطقية ومسلمات علم السياسة، فجهاز الدولة في حقيقته أصبح أداة سيطرة أيديولوجية للقوى الطائفية المتصارعة وأي توافق يحكى عنه ليس إلا تحريف لحقيقة الصراع الكامن والمشتعل دوماً في الذهنية الطائفية، وما تحتاجه الحرب الأهلية الطائفية ليس أكثر من سبب للتحول فعلاً الى ممارسة الصراع وليس الى سبب لاختلال التوافق الموهوم كما يتوهم الأغلبية.
إن وظيفة الدولة هي تأمين ديمومة الحركة في إعادة انتاج الطوائف كيانات سياسية، تكون بالدولة وحدها كمؤسسات، وليس العكس كما يقدمه الفكر الطائفي، فالدولة لا يجب أن تكون طائفية، بل دولة راعية للطوائف المتعددة، التي من شأنها أن تقدم نفسها كمؤسسات وكيانات سياسية في إطار الدولة وبالدولة وحدها، ومن ثم فإن تغيير الدولة التي تكون بها الطوائف طوائف، بإمكانه – في شروط تاريخية محددة هي التي فيها تقوم الدولة بتعطيل إعادة انتاج الطوائف ككيانات سياسية، هو التغيير الذي من شأنه أن يجعل من المجتمع اللبناني مجتمعاً متجانساً، حتى في تعدد طوائفه. فليس تعدد الطوائف بالمعنى الديني للكلمة هو الذي يحول دون توحيد المجتمع وتجانسه، وبدون توحيد الدولة وتجانسها – كدولة مركزية واحدة، لا يمكن توحيد المجتمع وتحقيق تجانسه، وهذا بالضبط ما يحتاجه المجتمع اللبناني: دولة مركزية واحدة قادرة على ادارة التغيير من التعدد الطائفي الى المجتمع المتجانس والمتعدد سياسياً، وبالطبع فإن الدولة الطائفية ليست دولة مركزية ولا يمكن أن تكون كذلك، كما أن التوفيق بين وجود الطوائف المؤسسي ووجود الدولة المركزية يكاد يكون مستحيلاً[5].
ومن ثم، فإن العلاقات الاجتماعية في بنية الدولة المركزية التي ينشدها عامل، لابد أن تكون في كل الأحوال "علاقات سياسية" خاضعة لكل الاعتبارات التاريخية والطبقية، وتتجه صوب الشمولية للتعامل بمعيار واحد تحدده وظيفة الدولة في تعاملها مع الجميع، ولا لحل للخروج من فخ الدولة الطائفية وأزماتها الدائمة والمتفجرة، إلا بالديمقراطية، فالانتقال والتغيير الديمقراطي يفترض التحول من النموذج الطائفي للدولة الى النموذج الديمقراطي لدولة واحدة مركزية، يتساوى أمامها الفرد في منظومة الفعل المجتمعي سياسي كان هذا الفعل أو اقتصادي.
**
هوامش:
[1]. مهدي عامل: في الدولة الطائفية، الطبعة الثالثة، دار الفارابي- شركة المطبوعات اللبنانية، بيروت- لبنان، 2003. ص 53.
[2]. مهدي عامل: في الدولة الطائفية، مرجع سابق، ص 13- 14.
[3]. المرجع السابق، ص 14.
[4]. المرجع السابق، ص 212- 213.
[5]. المرجع السابق. ص 29- 31.



#فكري_آل_هير (هاشتاغ)       Fekri_Al_Heer#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جغرافية التوراة وحاخاماتها العرب (2 – 4) - أقواس الربيعي الف ...
- جغرافية التوراة وحاخاماتها العرب (2 - 3) - هورشلم حوتس لآرتس ...
- جغرافية التوراة وحاخاماتها العرب (2 - 3) - هورشلم حوتس لآرتس
- جغرافية التوراة وحاخاماتها العرب (2 - 2)- بين شهادة الهمداني ...
- جغرافية التوراة وحاخاماتها العرب (2- 1)- فاضل الربيعي بين ال ...
- آرشلولخ هرشلوم.. آكَّا يءمل الزجزاج
- بلاد العرب وبلاد اليهود بين التوراة والنقوش الأثرية
- الحقيقة والتلفيق بين فاضل الربيعي والحسن الهمداني
- العقيدة الرسمية ومأساة الوجه الآخر لتاريخ الحقيقة
- جغرافية التوراة وحاخاماتها العرب- القسم الأول مكتملاً
- جغرافية التوراة وحاخاماتها العرب (4)- نهاية لعبة الأسماء وال ...
- جغرافية التوراة وحاخاماتها العرب (3)- المنهج الجهنمي وحقيقة ...
- جغرافية التوراة وحاخاماتها العرب (2)- من نقد التوراة الى إنق ...
- جغرافية التوراة وحاخاماتها العرب: الجذور الاستشراقية - اليهو ...
- نقوش الحقيقة السبئية: جغرافية التوراة ليست في اليمن (2)
- نقش الحقيقة السبئية: جغرافية التوراة ليست في اليمن
- عزف على وتر آخر غير فضيلة الغرب..!!
- معركة العقل ضد الكهنوت: الخاتمية والمهدوية في الإسلام نموذجا ...
- الدلالة والقصدية في ضوء النظرية التداولية- -زلاَّت اللسان مث ...
- في ضوء علم نحو النص: المعنى بين التشكيل والتَشكُّل


المزيد.....




- ما هو مصير حماس في الأردن؟
- الناطق باسم اليونيفيل: القوة الأممية المؤقتة في لبنان محايدة ...
- ما هو تلقيح السحب وهل تسبب في فيضانات دبي؟
- وزير الخارجية الجزائري: ما تعيشه القضية الفلسطينية يدفعنا لل ...
- السفارة الروسية لدى برلين: الهوس بتوجيه تهم التجسس متفش في أ ...
- نائب ستولتنبرغ: لا جدوى من دعوة أوكرانيا للانضمام إلى -النا ...
- توقيف مواطن بولندي يتهم بمساعدة الاستخبارات الروسية في التخط ...
- تونس.. القبض على إرهابي مصنف بأنه -خطير جدا-
- اتفاق سوري عراقي إيراني لتعزيز التعاون في مجال مكافحة الإرها ...
- نيبينزيا: كل فيتو أمريكي ضد وقف إطلاق النار في غزة يتسبب بمق ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - فكري آل هير - الدولة والدولة الطائفية في فكر عامل