أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حسيب شحادة - الحاجّ الذي لا يشرب الخمر















المزيد.....

الحاجّ الذي لا يشرب الخمر


حسيب شحادة

الحوار المتمدن-العدد: 5914 - 2018 / 6 / 25 - 19:52
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


الحاجّ الذي لا يشرب الخمر
ترجمة
ب. حسيب شحادة
جامعة هلسنكي


في ما يلي ترجمة عربية لهذه القصّة بالعبرية، رواها راضي بن الأمين بن صالح صدقة الصباحي (رتسون بن بنيميم بن شلح صدقة الصفري، ١٩٢٢١٩٩٠) على ابنه الأمين الذي نقّحها، أعدّها ونشرها في الدورية السامرية أ. ب. - أخبار السامرة، العددين ١٢٣٠١٢٣١، ١٥ شباط ٢٠١٧، ص. ٧١٧٣.

هذه الدورية التي تصدر مرّتين شهريًا في مدينة حولون جنوبي تل أبيب، فريدة من نوعها: إنّها تستعمل أربع لغات بأربعة خطوط أو أربع أبجديات: العبرية أو الآرامية السامرية بالخطّ العبري القديم، المعروف اليوم بالحروف السامرية؛ العبرية الحديثة بالخطّ المربّع/الأشوري، أي الخطّ العبري الحالي؛ العربية بالرسم العربي؛ الإنجليزية (أحيانًا لغات أخرى كالفرنسية والألمانية والإسبانية) بالخطّ اللاتيني.

بدأت هذه الدورية السامرية في الصدور منذ أواخر العام ١٩٦٩، وما زالت تصدر بانتظام، تُوزَّع مجّانًا على كلّ بيت سامري في نابلس وحولون، قرابة الثمانمائة سامري، وهنالك مشتركون فيها من الباحثين والمهتمّين بالدراسات السامرية، في شتّى بلدان العالم. هذه الدورية، ما زالت حيّة تُرزق، لا بل وتتطوّر بفضل إخلاص ومثابرة المحرّريْن الشقيقين، بنياميم (الأمين) ويفت (حُسني)، نجْلي المرحوم راضي صدقة الصباحي (رتسون صدقة الصفري، ٢٢ شباط ١٩٢٢ــ٢٠ كانون الثاني ١٩٩٠).

”أصل تحريم الخمر على المسلمين

قلائل هم الذين يعرفون سبب تحريم شرب المشروبات الروحية على المسلمين. إنّي أَقُصّ عليكم. بداية هذا الأمر كانت مع نبيّهم محمّد، مؤسّس الديانة الإسلامية. هو الذي أمر مؤمنيه بعدم شرب الخمر أو المُسْكر، هذا محرَّم تحريمًا تامّا. أصل ذلك يعود لحادث حصل لمحمّد نفسه، عندما كان في مكّة، المدينة المقدّسة لدى المسلمين في العربية السعودية.

تقع مكّة، كما تعلمون، في منطقة حارّة جدّا طَوال السنة. في شبابه نوى محمد شُرب المسكر، شرب حتّى سكِر فشعر بسوء. الحرارة الشديدة والخمر سبّبا له صُداعًا حادًّا والتهبت أمعاؤه. حين أحسّ مدى صعوبة تأثير المسكر في الجوّ الحارّ الفظيع في مكّة، أمر في الحال تحريمه على كل مناصريه، ومنذ ذلك الوقت رسخ هذا كتحريم جليّ يشمل كلّ مسلم. يجب التنويه إلى أنّه حتّى اليوم، كلّ من يُضبط في منطقة مكّة وهو يشرب الخمر يلقى عقابًا جسديًّا شديدًا جدًا، قد يصل في بعض الأحيان إلى الموت. هذا التحريم في الإسلام يوازي تحريم مزاولة القِمار وتحريم الزنا. كلّ من يخرُِق هذه التحريماتِ الثلاثةَ، حكمُه أن يكون منبوذًا من الإسلام.

هذا الموضوع يقودني إلى أيّام شبابي. كان لوالدي الأمين (بنياميم) معارف كُثر من مسلمي نابلس ومن خارجها. حِذقه الممتاز في التجارة قرّب إليه الكثيرين من الناس. كان يزاول تجارة الأقمشة، وفي شبابه كان يجول بصُحبة أبيه صالح (شلح) في القرى لبيع بضاعته. بمرور الوقت، ابتاع دكّانًا في السوق في نابلس، حيث يعمل ثمّة شقيقي سميح (سلوح) إلى اليوم، في نفس التجارة.

ساعدتُ أنا أيضًا والدي الأمين في بيع الأقمشة، وكنت أسافر من مدينة إلى أخرى، من بلدة لبلدة، من قرية لأختها، لإيصال طلبات القماش. هكذا عرفتني الناس ابنًا للتاجر ذي الصيت الحسن، الأمين السامري. كنت قد ذكرت لكم في مناسبة أخرى، بأنّ كلّ ما يمُتّ إلى احتساء الخمر أو العرق بصلة، فهذا ليس حقًّا لدى السامريين، بل واجبًا أيضًا، خاصًة في الأفراح والأعياد. اعتدنا على تحضير العرق والخمر لعيدي الفسح والمظال. في الأيّام السابقة لعيد المظالّ بشكل خاصّ، كان من الصعب المرور في الحيّ السامري، بدون الشعور بالدُّوار من أبخرة المسكر المتصاعدة من البيوت. لم يوبّخنا جيراننا المسلمون، لأنّ قسمًا منهم تمتّع سرًّا بالمشروب المُسْكر.

الحاجّ فتح الله سليم

في أحد أيّام الصيف، نفد الخمر من بيتنا. أمرني أبي بالسفر إلى منزل عمّي حسني (يفت) بن إبراهيم صدقة لجلب إنائي زجاج ضخمين مملوئين بالخمرة الجيّدة من صُنع عمّي حسني. لم أحتج لتكرار طلب أبي. فرحت في كلّ مناسبة سفر إلى يافا، إذ أنّ ابنة حسني كانت الفتاة التي انتقاها قلبي وأحبّتها نفسي. لم أفّوت أيّة فرصة لرؤيتها، حتى لو دُفعت لي أيّة ثروة في العالم. ”خُذ إنائي الزجاج من بيت ابن عمّي زكي (زكاي) صدقة في طولكرم“، قال لي أبي. خوفًا من أن يغيّر أبي رأيه ويُلغي الرحلة، أسرعت ودسست القليل من النقود في جيبي، وهرعت إلى محطّة سيّارات الأجرة في مركز نابلس.

اتّفق أنّ سيّارة أحد أصدقاء أبي المقرّبين، الحاجّ فتح الله سليم، كانت في أوّل الدور. سائق جيّد وقديم، يحترمه الجميع منذ أنّ ذهب لمكّة للحجّ وحظي باللقب الحاج، وعمل سائق سيّارة أجرة على خطّ نابلس يافا، لإعالة عائلته. سُررت بذلك، الحاجّ فتح الله كان مسلمًا مؤمنًا بكل ما في اللفظة من معنى. حرص على كلّ فرائض دينه. حين رآني، هشّ لي ودعاني للانضمام إلى سيّارته، أخبرته بأنّي متوجّه إلى تل أبيب، ولكن عليّ أوّلًا السفر إلى طولكرم، لآخذ شيئًا ما، ولم أُفصح عن ذلك سهوًا، والحاجّ فتح الله سليم لم يسأل. ”تعالَ لآخذك معي، إنّي مسافر في نفس الطريق“، قال الحاجّ سليم. نزلت في طولكرم عند بيت عمّي زكي صدقة، حملت إنائين ضخمين من الزجاج الأخضر، كلّ منهما موضوع في قرطلّة مناسبة، وكان من الواضح أنّهما وعاءا خمر. حمّلت القرطلّتين وما فيهما على ظهر السيّارة، ولسبب ما، لم يخرجِ السائق الحاجّ سليم لمساعدتي في ذلك. أحكمت ربطهما وعدت لآخذ مقعدي في السيّارة. بدا واضحًا أنّ مِزاج السائق قد انقلب فبدلًا من الوجه السمح، أخذ يتمتم بغضب بينه وبين نفسه ”لا حول ولا قوّة إلا بالله“، عبارة إسلامية وهي نسخة طِبْق الأصل تقريبًا للقول عندنا في الآرامية ”לית חיל דיקום אלא חילה“ أي ”لا قوّة قائمة إلّا قوّته“، هكذا كان يعود ويكرّر بامتعاض بينه وبين نفسه، طَوال الطريق من طولكرم إلى يافا. لم أجرؤ لأسأله عن معنى تصرّفه هذا.

عند وصولنا ليافا نزل الركّاب من السيّارة، وعندها سألته عن سبب غضبه وحنقه. قال لي: ”يا بنيّ، قل لي ماذا حمّلت على ظهر السيّارة، أليست آنية الخمر؟“، نعم صحيح، أجبت. ”إنّي أكنّ احترامًا كبيرًا لأبيك، عند رجوعك إلى نابلس تشاور معه وهو سيحكي لك كلّ ما تودّ سماعه“، قال لي الحاجّ سليم مجيبًا، وسار في طريقه إلى محطّة السيّارات العائدة إلى نابلس. قمت بما وصاني أبي، ملأت آنيتي الزجاج بخمر سرداب عمّي حسني. باتيه ابنته، بادلتني بعض النظرات المختلسة، بينما كان والدها يملأ الوعائين دون أن يلحظ ذلك (يشتلق). حملتهما بيديّ إلى محطّة السيارات، أدخلتهما إلى صندوق السيّارة/الباچاج الواقفة في رأس الدور.

الحاجّ الذي يُطبّق تحريم شرب الخمر

سُررت بأنّها كانت سيّارة الحاج فتح الله سليم من جديد. راقبني عند دخولي السيارة، قام فورًا من مقعده، وبوجه ينضح حزنًا اعتذر لأنّه لا يستطيع أن يأخذني، لأنه تذكّر بأنّ عليه القيام بأمر ما في المدينة، وعليه فهو غير مسافر إلى نابلس الآن بل لاحقًا. أخرجت الآنيتين من الصندوق ووضعتهما في صندوق السيارة الثانية في الدور. الحاجّ خرج بسيارته من رأس الدور، وغادر المكان. استغرب جدا باقي ركّاب السيارة أيضًا من تصرّفه، وانتقلوا معي إلى السيارة الأخرى. راكب ذكي خمّن أنّني بلحمي وعظمي السبب، وشرع يحقّق معي عمّا في الوعائين. تملّصت في البداية قائلًا بأنّهما مملوءان بزيت الزيتون من يافا. استغرب الركّاب جدًّا من ذلك، كيف أستورد زيت الزيتون من يافا ونابلس مدينة الزيت؟ لم”يحلّوا“ عنّي حتّى نطقتُ بالحقيقة، الوعاءان مملوءان خمرا. خشيت من أن يغضبوا منّي كما الحاجّ سليم، ولكن بدل ذلك انفجروا بقهقهة، وبين غرغرة وتجشؤ، شرحوا لي أنّهم لا يستغربون خروج الحاجّ سليم من السيّارة عند دخولي السيارة، إذ أنّه مسلم ورع، ولا يريد نقل شيء يتعارض مع دينه. ”إنّك محظوظ جدّا، لولا أنّ الحاج سليم احترم أباك الأمين لرفض أن يأخذك في طولكرم“ قالوا لي.

الحقيقة أنّني لم أعرف حتّى ذلك الحادث أنّ هذا الأمر يتعارض وروح القرآن. عندما وصلت نابلس، أتيت إلى أبي وأخبرته بما فعل الحاجّ سليم. في البداية ابتسم أبي، ثم أخبرني برصانة عن تحريم شُرب الخمر على المسلمين. ”حسنًا صنع الحاجّ سليم، لأنّه لم ينو مسّ شرفي ولذلك لم يُنزلك من سيّارته“، قال لي أبي وأضاف ”ثمة حُجّاج لا يشربون الخمرة أيضا“.



#حسيب_شحادة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حٍكم، أقوال وأمثال في كلّ مجال
- أللا أحاد في ذُرية النبي محمد
- لمحة عن لغة اللادينو
- الكوسا التي ليست فيموسمها
- لمحة عن ديوان النكية والمسيرة وديوان آخر
- -العربية:قواعد وتمارين- بقلم فاروق أبي شقرا
- حِكم، أقوال وأمثال في كل مجال (ع)
- راحة الملك عبد الله
- حول الفيلسوف المبشّر، رامون لول والعربية
- مصيبة الأبناء وفرح أبناء الأحفاد
- رسالة يعقوب هرون الكاهن الأوّل لبارتون
- كُن ثابتًا إلى أن تُحقّق الهدف، قصّة ملهمة
- خالق كلّ مخلوقاته
- بعد تسع سنوات
- كل شيء مسألة شرف
- كتابان لفتحي فوراني جديران بالقراءة
- حِكم، أقوال وأمثال في كل مجال (ظ)
- الاكتشاف الرهيب لإرث الأب
- مراسم الزواج اليهودي
- شيما وليس يهوه وإخوته في الأدب السامري العربي


المزيد.....




- نقار خشب يقرع جرس منزل أحد الأشخاص بسرعة ودون توقف.. شاهد ال ...
- طلبت الشرطة إيقاف التصوير.. شاهد ما حدث لفيل ضلّ طريقه خلال ...
- اجتياج مرتقب لرفح.. أكسيوس تكشف عن لقاء في القاهرة مع رئيس أ ...
- مسؤول: الجيش الإسرائيلي ينتظر الضوء الأخضر لاجتياح رفح
- -سي إن إن- تكشف تفاصيل مكالمة الـ5 دقائق بين ترامب وبن سلمان ...
- بعد تعاونها مع كلينتون.. ملالا يوسف زاي تؤكد دعمها لفلسطين
- السيسي يوجه رسالة للمصريين حول سيناء وتحركات إسرائيل
- مستشار سابق في -الناتو-: زيلينسكي يدفع أوكرانيا نحو -الدمار ...
- محامو الكونغو لشركة -آبل-: منتجاتكم ملوثة بدماء الشعب الكونغ ...
- -إيكونوميست-: المساعدات الأمريكية الجديدة لن تساعد أوكرانيا ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حسيب شحادة - الحاجّ الذي لا يشرب الخمر