أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - عمرو إمام عمر - أزمة اليسار المصرى و البحث عن إستراتيجية















المزيد.....



أزمة اليسار المصرى و البحث عن إستراتيجية


عمرو إمام عمر

الحوار المتمدن-العدد: 5909 - 2018 / 6 / 20 - 14:04
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


رؤية لثورة هُزمت من داخلها


«إن شعار” الجمهورية الاجتماعية“ ، الذى هللت له بروليتاريا باريس لثورة فبراير ، لم يكن إلا تعبيراً عن طموح غامض إلى جمهورية ينبغى لها أن تزيل لا الشكل الملكى للحكم الطبقى فحسب بل الحكم الطبقى ذاته ، و جاءت الكومونة لتشكل المعنى الحقيقى لتلك الجمهورية»
كارل ماركس

الأوضاع المرتبكة الحالية سياسياً و أقتصادياً تفرض على اليسار تحديات تتجاوز كل ما سبق على مدار تاريخه ، فالمتابع للأحداث يرى إن منظومة الرأسمالية المصرية الداعمة لحكم ”السيسى“ باتت شبه معزولة رغم الآلة الإعلامية الضخمة التى تمتلكها ، فتعالى الانتقادات على مستوى رجل الشارع العادى الرافضة للتوجهات الاقتصادية للحكومة التى عظمت الضغوط على الأسرة المصرية البسيطة ، حتى الطبقة الوسطى التى ساندت هذا النظام فى صراعه مع تنظيم ”الأخوان المسلمين“ ازدادت معاناتها بشدة جراء تلك السياسات التى تسببت فى أرتفاع أسعار السلع الأساسية و الخدمات إلى مستوى غير مسبوق ، و مع تعاظم الضغوط الاقتصادية و ضعف المنظومة السياسية و عدم وجود حلول لدى الأليجاركية العسكرية / البرجوازية الحاكمة جعلها أكثر شراسة فى الدفاع عن مصالحها فدأبت على الملاحقة الأمنية للحركات السياسية و الأحزاب و النقابات المهنية و العمالية المستقلة فى تضاد مع المبادئ الدستورية التى كفلت حرية تشكيل النقابات و حرية الاجتماعات السياسية بدعوى محاربة الإرهاب ، فلم يكتفى ”رئيس الجمهورية“ بإصدار قوانين أقل ما توصف بأنها مقننة للفساد بل ذهب إلى أكثر من ذلك حيث بدأ حملة لتدمير كل مكتسبات الشعب المصرى التى جاءت من خلال التجربة المصرية فى الخمسينات و الستينات من تعليم مجانى و تأمينات أجتماعية و صحية …

اليسار خلافات ... و أضطراب فى الرؤى

الخلافات داخل التيارات اليسارية تاريخياً فى أغلبها تكتيكية و تنظيمية ، و للأسف توارثتها الأجيال اللاحقة و ذادت مع غياب الرؤى الاستراتيجية مما عمق المشكلة ، كذلك موقفها من مرحلة ”التحرر الوطنى“ فى الستينات حيث دأبت على مهاجمتها و نقدها نقدا شديداً فاق نقدها لما فعله ”السادات“ فى المقابل ، لتجد نفسها بدون أن تشعر تقف فى نفس الخندق مع الرجعية الدينية و البرجوازية العميلة ، اللذين استفادوا من هذا الخطأ الإستراتيجى الذى وقعت فيه الحركة اليسارية ، فالرجعية الدينية لم تكن تملك أى رؤى سياسية / أجتماعية / أقتصادية بديلة لذا أرتكز خطابها على الجانب الدينى العاطفى و بناء جذور طائفية فى المجتمع المصرى بدأ من فترة السبعينات ، لذا وجد ”السادات“ ضالته فيهم فهو بعد أنتصاره على خصومه فى النظام بعد عملية انقلاب صامت أطلق عليه ”ثورة التصحيح“ أظهرت رغبته فى التخلص من كل ما تم إنجازه ، فتحالف مع تنظيم الأخوان الذى كان يعيش تقريبا فى عزلة تامة و عمل على إعادته للحياة ، ليحملوا معاً معاول الهـدم لكل ما تم بنائه و فى النـهاية جاء أغتياله على أيديهم ، على إثر هذا التغيير فى التوجه السياسى بدأت الدولة المصرية بالدخول فى مرحلة اضطراب سياسى و اقتصادى و اجتماعى لتفقـد الكثير من وضعها الأقليمى و القارى فى مقابل صعود دول أخرى استفادت من فساد و عمالة و ضعف الأنظمة الحاكمة التى لم تعمل إلا لمصالحها الطبقية فقط و رأت أن وجود تلك التيارات الدينية ستكون بمثابة الحامى لها فلم تعمل على استأصلها خاصة بعد أغتيالها للسادات بل عملت فقط على تحجيم وجودها و السيطرة عليها ، فهى تعلم مقدما أنها لا تملك لا الفكر و لا القدرات لقيادة الدولة ، فضلا عن رؤيتها المتعارضة مع كل ما وصلت إليه الإنسانية من تقدم حضارى و اجتـماعى بالإضـافة إلى نزعتهم الطائفية العنصرية و هـذا ما لمسه الشـارع المصرى عنـدما استطاعوا فى سقطة تاريخية أن يصلوا لكرسى الحكم فى 2012 ، و لم ينجحوا فى أستثمار تلك الفرصة لبلورة وجودهم السياسى ...

استطاعت تلك التيارات الدينية فى ظل حالة التخبط التى عانى منها اليسار أن تجد لها مجالا داخل الحراك الجماهيرى و أن تحتل أماكن تاريخية كانت محجـوزة مسبقاً لليسار خاصة النقـابات العمـالية التى باتت اليوم عبارة عن خليط غريب التكوين ما بين عملاء للنظام الحاكم و كوادر ولائها لجماعات دينية متطرفة لا تعرف معنى الوطن ، و يبقى بعـض الأفراد يحملون أفكار يسارية لكنهم غير منظمين مشتتين ما بين صراعهم مع عملاء المنظومة الحاكمة و بين عناصر التيارات الدينية التى ساهمت بشكل كبير فى تفتيت القاعدة العمالية على مدار سنوات طويلة ساعدهم على ذلك حالة التيه التى تعانى منها الحركة اليسارية بشكل عام و عـدم قدرتها على المواجهة خاصة بعد أنهيار ” الاتحاد السوفيتى“ فى أوئل تسعينات القرن الماضى الذى ساهم بشكل كبير فى تقلص شعبية الفكر اليسارى و شهدت التيارات و الأحزاب اليسارية فى تلك الفترة حالة تفكك لا مثيل لها و ابتعد عدد ليس بالقليل من الفاعلين فى الحركة اليسارية عن العمل السياسى حيث أكتفى بعضهم بلعب دور حقوقى و أنزوى عدد آخر غير مصدق لما حدث ، و جانب آخر أنقلب على كل ميراثه اليسارى و بات ليبرالياً حتى أواخر التسعينات لتبدأ مرحلة جديدة ...

خلال تلك الفترة دأب النظـام الحـاكم على تعميق الأزمـة حيث عمـل على تفتيت البيئة الحاضنة لليـسار المتمثلة فى الحركات الشبابية بالجـامعات و الحـركة العمـالية النقابية بالخصوص من خـلال منظـومة الخصخصة و القضاء عـلى التجمعات العمالية الكبيرة خصوصا فى المشروعات القومية الكبيرة مثل مصانع الحديد و الصلب و غزل المحلة و شبرا الخيمة و غيرها ، لينقل الثقل العـمالى إلى خارج العاصمة فى المدن الجديدة ، فاستراتيجية تخطيط المدن التى أتبعتها الحكومة المصرية فى الستينات تأثرت بشكل كبير بالفكر الاشتراكى ، فكانت التجمعات العمالية يتم إنشائها على مداخل المدن الكبيرة لتكون بمثابة الحامى و الحاضن لها ، مثال على ذلك أختيار منطقتى شبرا و حلوان كمناطق صناعية فى المداخل الشمالية و الجنوبية للقاهرة على التوالى ، هذا لم يأتى عشوائيا و لم يكن لأسباب اقتصادية فقط و لكن تطبيق للفكر الاستراتيجى الاشتراكى فالعمال هم خط الدفاع الأخير ، كما عملت الدولة على بناء مجمعات سكنية كبيرة متجاورة للعمال تعطى لهم الفرصة للتواصل الإجتماعى و السياسى ليكونوا مركز ثقل مؤثر سياسياً ، لذا كانت أولى الخطوات التى بدأ خطواتها ”السادات“ خاصة بعد أحداث يناير 1977 ، و استكملها سلفه ”مبارك“ هى تفتيته لتلك القاعدة بادعاء تخفيض القوى العاملة بدعوى وجود عمالة زائدة من خلال منظومة ”المعاش المبكر“ ، لكن هذا الإجراء كان له غرض أكبر هو تفتيت القوى العمالية و التخلص من الأجيال القديمة التى لا زالت تحمل بعض جذور مرحلة ”التحرر الوطنى“ فى الستينات فضلاً عن تسهيل العمل على بيع تلك المصانع و تفكيكها لصالح مشروعات رأسمالية يتم إنشائها فى المناطق الجديدة لينتقل الثقل العمالى خارج العاصمة و المدن الصناعية العمالية ذات التاريخ النضالى مثال على ذلك مصانع النصر للأجهزة الأليكترونية أو مصانع النسيج و البلاستيك فى شبرا الخيمة ، أو حتى فى المدن الكبيرة بالمحافظات مثل شركة المراجل البخارية و أوعية الضغط بمحافظة الجيزة و غيرهم من المشروعات الكبيرة التى أنشأت فى الستينات ، لتحل محلها مشروعات المناطق الصناعية الجديدة خارج العاصمة – العاشر من رمضان و السادس من أكتوبر كمثال التى كانت فى الغالب الأعم صناعـات تحويلية تخـدم الطبقة البرجوازية الكومبرادورية الجديدة التى تكونت فى سبعينات و ثمانينات القرن الماضى ، كما حرص النظام على أن لا يكون هناك مجمعات صناعية كبيرة تحتوى عشرات الآلاف من العمال حتى يسهل السيطرة عليهم و لا يمثلوا ثقل سياسى جماهيرى ليخسر اليسار رافد أساسى قوى بالإضافة إلى أضعافه للنقابات العامة و الفرعية من خلال أساليب متعددة مثل إبعاد القيادات العمالية و نقلهم إدارياً أو ملاحقتها أمنياً ، كما عمل على دعم التيارات الدينية لاختراق تلك النقابات و أدخالها كـ ”طرف ثالث“ يلعب دور المعارض المعوق فى الصراع مما ساهم فى تفتيت الجهود و أضاعف النقابات بشكل كبير ...

عقد الغضب1 و إعادة البناء

فى أواخر تسعينات القرن الماضى وسط حالة التيه التى وصلت إليه الحركة اليسارية فى مصر إثر تفكك ”الاتحاد السوفيتى“ ، أحس عدد من ناشطى الحركة اليسارية بضرورة إعادة البناء بشكل جديد فالتحديات التى فرضها التوجه الاقتصادى و الإجتماعى للنظام ساهمت فى أعادة الحياة مرة أخرى للفكر اليسارى ، خاصة بين أبناء الطبقة الوسطى التى شعرت أن وجودها الأجتماعى و الأقتصادى أصبح على المحك خاصة مع أنكفاء الأليجاركية الحاكمة أمام مطالب صندوق النقد و البنك الدولى و عمليات الخصخصة التى بدأ إيقاعها فى التزايد بشكل كبير الذى كان له تأثير واضح على الخريطة الاجتماعية المصرية ...

فى النصف الثانى من التسعينات بدأت تتشكل تنظيمات اعتمدت على جيل جديد من اليساريين الشباب يقودهم عدد من الشخصيات الفاعلة بالحركة اليسارية التى لها تاريخ معروف خاصة فى السبعينات أهمهم تنظيم ”الاشتراكيين الثوريين“ ، استطاع هذا التنظيم أن يضم كوادر شبابية جديدة للحركة اليسارية و أن ينطلق أعتمادا على الحركة الطلابية فى الجامعات ، و بالفعل أستطاع أن يحقق تواجد مؤثر فى الشارع السياسى ، و على العكس من أغلب التنظيمات اليسارية فى الستينات فقد تشكل البناء التنظيمى له بشكل لا مركزى تقريباً بإعطاء الكوادر القاعدية الشبابية بالخصوص قدر كبير من الحرية فى العمل الميدانى ، و القيام بمبادرات أجتماعية تتيح لهم التواصل الجماهيرى لتجذير الصراع ليس فقط على المستوى السياسى ، و لكن بالتركيز أيضا على الجانب الأجتماعى و الثقافى و الأقتصادى …

فى نفس الوقت على أثر زيادة الضغوط الاقتصادية و محاولة النظام الحاكم تفكيك القطاعات الصناعية التى ترى فى تجمعاتها العمالية خطر عليها بدأ حراك متصاعد ملحوظ داخل الحركة العمالية ظهر فى أعتصامات و أضرابات متتالية توجت بأحداث ”المحلة الكبرى“ أبريل 2008 ، ساهم فى ذلك التأثير الواضح للأزمة الاقتصادية العالمية على الاقتصاد المحلى ، فى خضم تلك الأحداث ظهر تنظيم شبابى ثورى جديد هى ”حركة 6 أبريل“ التى تكونت خلال تلك الأحداث من مجموعات شبابية انضموا للحراك العمالى فى المحلة يحملون أفكاراً يسارية لكنها حركة فضفاضة تفتقد الأيديولوجية الواضحة على العكـس من ”الاشتراكيين الثوريين“ اللذين تبنوا بشكل أساسى أفكار ”ليون تروتسكى“ أحد قادة الثورة البلشفية الذى أختلف مع قياداتها و أتخذ موقف معارض للدولة السوفيتية بعد وفاة الزعيم ”فلاديمير لينين“ …

أهتمت حركة ”الاشتراكيين الثوريين“ بعملية التثقيف السياسى بتأسيسها لـ ”مركز الدراسات الاشتراكية“ ، الذى شهد نشاطاً ملحوظ خاصة فى الفترة ما بين 1999 حتى 2011 أصدر خلالها عدد من المطبوعات أهمها ”أوراق أشتراكية“، ”الاشتراكى“ ، و مجلة ”الطريق الاشتراكى“ ، بالإضافة إلى موقع اليكترونى غنى بالدراسات و المقالات كان لها أثر كبير فى تلك السنوات بتثقيف الكوادر اليسارية الشبابية الجديدة اللذين شكلوا النواة الأساسية لأحداث يناير 2011 ، كذلك كانت الندوات التى نظمها ”مركز الدراسات الاشتراكية“ و لم تقتصر فقط على القاهرة ، لكن انطلقت أيضاً إلى المحافظات المختلفة لتحرك المياه الراكدة و ترسم صورة ساطعة لعودة اليسار مؤثرا فى الشارع السياسى المصرى بشكل ملحوظ ، كما استطاعت الحركة التواصل مع عدد من التيارات الشبيهة فكريا معها - ذات التوجه ”التروتسكى“ بالخصوص - فى عدد من الدول العربية مثل تونس ، المغرب ، لبنان و سوريا ، كذلك نشأت علاقة قوية بينها و بين بعض الأحزاب اليسارية الأوروبية أهمها كانت مع ”حزب العمال الإشتراكى البريطانى“ …

كما أحتوى التنظيم على عناصر غير قليلة ظهر تأثيرها واضحا كانت توجهاتها تميل نحو ”الأناركية“ ، و قد برز هذا التيار بشكل واضح خاصة فى السنوات الأخيرة قبل أنطلاق أحداث 2011 و بعدها ، و الذين اشتبكوا مع التيارات اليسارية الأخرى خاصة ذات التوجه ”الماركسى اللينينى“ فى جدال فكرى طويل و عنيف لا يزال مستمر ، كما كان لهم دور ملحوظ برعونتهم فى تشتيت الحراك الجماهيرى فى مواقف كثيرة ...

نلاحظ إن الحاضنة الرئيسية سواء لتنظيم ”الاشتراكيين الثوريين“ أو ”حركة 6 أبريل“ هى ”الطبقة الوسطى“ ، لذا كانت غالبية الانتماءات لتلك الحركات دافعهم الأول هو محاولة الهروب من حالة الضياع و البحث عن مخرج لأوضاعهم التى باتت فى مهب الريح وضعتهم فيها تحولات اقتصادية تبنتها الدولة بداية من مرحلة الانفتاح الأقتصادى ، نهاية بعمليات الخصخصة و سيطرة البرجوازية الجديدة على النظام السياسى الحاكم فى تسعينات و أوئل القرن الجارى ، كما أنضم لها عدداً من أبناء الشريحة العليا للطبقة الوسطى الجديدة التى تكونت من منتصف السبعينات نتيجة عمل آباء هؤلاء الشباب فى دول الخليج أو أرتباطهم بالشركات الأجنبية التى أصبح لها تواجد ملحوظ فى بيئة العمل المصرية ، و رغم أن هؤلاء كانوا تقريبا فى مأمن من التقلبات الاقتصادية إلا أن شريحة من شباب تلك الطبقة أرادت أن يكون لها تواجد بشكل أو بآخر طمعاً فى مكانة أجتماعية بممارستهم العمل السياسى و كان هؤلاء من أكبر العوامل السلبية فى التشكيل الجديد للحركات اليسارية بالتحديد …

أجيال متصارعة ، حراك تنظيمى ، أحزاب كارتونية

شهد الحراك اليسارى خاصة فى بدايات فترة ”عقد الغضب“ الكثير من التجاذبات الفكرية خاصة على مستوى التنظيم الحركى ، كذلك رفض شرائح ليست بالقليلة من الشباب للتنظيمات الحزبية الموجودة على الساحة السياسية كـ”حزب التجمع“ كمثال ، فالأجيال الجديدة من شباب اليسار كان يرى ضرورة الخروج من دائرة التنظيم الحزبى الذى يتسم بالبيروقراطية و التسلط المركزى فى القيادة الحزبية ، الذى كان له تأثير كبير فى أنحسار الحركة الجماهيرية لليسار و معوق لحركة هؤلاء الشباب الذين أرادوا أن يعيدوا جريان المياه الراكدة لفترة طويلة ، كذلك المواقف السياسية لقيادات تلك الأحزاب ، حتى الأحزاب القومية التى تحسب على الحركة اليسارية قد وصلت إلى مرحلة الشيخوخة السياسية ، و بعض قيادات تلك الأحزاب بات لهم مصالح مباشرة مع النظام القائم فأصبحوا جزءا منه فعملوا على عرقلة الحراك الشبابى الجديد ، و كان هذا واضحا فى الفترة ما بين 2000 و 2003 عندما وصلت الأزمة العراقية إلى ذروتها ، وصل الأمر عند بعض القيادات الحزبية عرقلة و منع المبادرات التى حاول عدد من الشباب القيام بها لمناصرة الشعب العراقى فى مقاومته للغزو الأمريكى ، هذا جذر يقين لديهم أن تلك التنظيمات و القيادات المسيطرة عليها لن تفعل شيئا بل هى جزء من نظام فاسد ، فشهدت تلك الفترة نقاشات و مشاحنات عنيفة بين الشباب من ناحية و القيادات التنظيمية لتلك الأحزاب خاصة ”حزب التجمع“ الذى كان يمثل الحزب الشرعى لليسار ليشهد الحزب موجة استقالات و أبتعاد عدد من الكوادر خاصة الشبابية منها التى وجدت فى تنظيمات أخرى مثل ”الاشتراكيين الثوريين“ مرونة أكثر فى العمل التنظيمى و أكثر إيجابية خاصة فى العمل الجماهيرى ...

بدأ من 2004 الطوفان تتصاعد أمواجه ، الوقفات الاحتجاجية التى شهدتها سلالم نقابات الصحفيين و المحاميين باتت شبه روتين أسبوعى تقريبا ، ظهر فى تلك الفترة موجة جديدة تمثلت فى عدد من المدونين اللذين استغلوا الحرية النسبية التى تتيحها لهم شبكة الأنترنيت فى نشر أفكارهم و التى تحمل فى غالبيتها بعض سمات الفكر اليسارى ، شكل هؤلاء المدونين موجة أخرى جديدة أخذت فى الصعود حتى أنها فرضت نفسها على وسائل الإعلام المختلفة فكانت مدوناتهم التى تنوعت بين سياسية و أدبية و أجتماعية محط أنظار العديد من مستخدمى شبكة الأنترنيت و بعض تلك المدونات استطاعت أن تحقق معدل زيارات يقدر بالآلاف يوميا ، و بالرغم أن تلك المدونات لم تبلور فكر سياسى واضح لكنها كانت رافد مهم يلقى بأمواجه ضمن طوفان الغضب …

فى 2010 كان أول تحرك جامع للتيارات اليسارية المصرية ، فالنخبة اليسارية الماركسية التى عاشت سنوات طويلة تجتر من تاريخها السابق فى الستينات و السبعينات أرادت أن يكـون لها مكان فى الحـراك الجديد ، كذلك ليـكون فى مقابل ”الحركة المـصرية للتغـيير“ (كفاية) التى سيطر عليها الليبراليين بشكل كبير، فنُظم مؤتمر اليسار المصرى الأول و كانت مبادرة اعتقد أنها تقريبا فريدة من نوعها منذ بداية الحركة اليسارية فى مصر ، ليتم الإعلان فى نهاية المؤتمر عن تأسيس ”الحركة الشعبية الديمقراطية للتغيير“ (حشد) ، لكن البيان الصادر فى ختام المؤتمر لم يطرح أى رؤى بديلة … !!

تحالفات ... أنشقاقات ، و أنحسار ... !

برغم بروز دور ”الاشتراكيين الثوريين“ بشكل كبير خلال فترة ”عقد الغضب“ ، إلا أنها لم تسلم من الانشقاقات التى بدأت تظهر على السطح حثيثا فى 2005 عندما بدأ تحالف بين الحركة و ”جماعة الأخوان المسلمون“ ، دافع قيادات الحركة عن هذا التحالف بأنه تكتيكى ، لكن الخلاف اتسعت شقوقه بداية من 2007 لينفصل عن الحركة عناصر هامة كانت تعتبر من مؤسسيها ليكونوا ما عرف حينها بأسم ”التجديد الإشتراكى“ التى رفضت سياسة التحالفات خاصة مع جماعة رجعية مثل الأخوان و اعتبرتها سقطة كبيرة لن تستفيد منها الحركة اليسارية بالخصوص و الحركة الوطنية عامة بل ستكون معوقاً و غير ذات نفع ، كما أنتقد أيضاً هذا التحالف العديد من اليساريين اللذين لم ينخرطوا بشكل تنظيمى ضمن الحركة ، و لكنهم كانوا مؤيدين لها فى مواقف كثيرة بل و داعمين بشكل مؤثر ، و بدأت الأصوات تتعالى بخطأ هذا التحالف ...

شرحت حركة ”الاشتراكيون الثوريون“ موقفها من التحالف مع الجماعة فى منشور على موقعهم الأليكترونى كان بعنوان ”الأخوان المسلمون ... رؤية اشتراكية“ ، وصف المنشور تنظيم الأخوان كحركة تعتمد فى عمودها الفقرى التنظيمى على الطبقة الوسطى المتعلمة تحمل بعض سمات الحركات الإصلاحية الأوروبية ، استطاعت من خلال العمل الخيرى أن تجذر وجودها بين شرائح كبيرة من الطبقات العاملة و المهمشة ، ليستكمل المنشور وصفه للجماعة بأنها ”عابرة للطبقات“ … !

لم يعى قادة الحركة اللذين قادوا التحالف طبيعة هذا التنظيم من أعلاه ، فربما يضم فى قواعده شريحة كبيرة من الطبقة الوسطى المتعلمة بالإضافة إلى شرائح من البرجوازية الصغيرة ، لكن قيادات هذا التنظيم جميعهم رجال أعمال تربطهم علاقات قوية بكيانات رأسمالية غربية و خليجية ، حتى مشروعاتهم لم تكن ذات طبيعة إنتاجية على الإطلاق و جاءت فى غالبها مشروعات تجارية عبارة عن توكيلات أو إتجار فى العملة ، و بعض شركات المقاولات التى تركز عملها فى بيع و تقسيم الأراضـى و القليل النذر منها تعمل فى صناعات تحويلية كومبرادورية ليست صناعات أصيلة تقوم على إثراء المجتمع بقيمة إنتاجية و تنموية مضافة ، لذا نجدهم منذ السبعينات أيدوا ”السادات“ فى سياسة ”الانفتاح الأقتصادى“ ، و حرية السوق و تدمير القطاع العام و الخصخصة ، و كانوا ضد مجانية التعليم ، التأمين الصحى ، و التوزيع العادل للثروة من خلال عمليات التأميم ، حتى الإصلاح الزراعى1 وقفوا فى البرلمان مؤيدين لقانون يقتص الاراضى التى تم توزيعها على صغار الفلاحـين ، و ايدوا سياسات صندوق النقد ، و رفض الحد الأدنى فى الأجور ، إلغاء القوى العاملة ، و يتضح أكثر فى موقفهم من أنتفاضـة الشعب المصرى فى يناير 1977 عندما كتب ”عمر التلمسانى“ فى مجلـة الدعـوة و كانت فى تلك الفترة تعتبر الواجهة الإعلامية لهم ”مطالبا تطبيق حد الحرابة“ على المشاركين فيها ، كذلك مواقف لشخصيات أخرى مثل محمد عبد القدوس و عبد المنعم أبو الفتوح و غيرهم كان أنعكاس لموقف الجماعة ، لذا يمكن أن نقول أنها الوجه الرجعى الدينى لليبرالية الاقتصادية ، لذا كان صراعهم مع مبارك لم يكن سياسياً فهم لم يختلفوا معه فى التوجه الاقتصادى أو الاجتماعى ، و لكن كـان الصراع فى حقيقته بين ”رجال أعمال مبارك“ ضد ”رجال أعمال الجماعة“ ، و يتأكد ذلك بعد أسقاط مبارك بأسابيع قليلة ظهر أحد قادة الجماعة الذين كانوا قد خرجوا حديثا من السجون و هو رجل الأعمال ”خيرت الشاطر“ فى حديث تلفزيونى ببرنامج بعنوان”صباح دريم“ عندما سألته المذيعة عن برنامج الجماعة فى التنمية الصناعية ، أعترض هذا الشاطر على تعبير ”التنمية الصناعية“ مستنكرا و مذكراً مذيعة البرنامج و المشاهدين بحديث الرسول ”إن تسعة أعشار الرزق فى التجارة“ ، فلا حاجة لنا بالصناعة ، بهذا جاء رده معبرا و بشكل واضح أن تلك الجماعة لا تملك أية رؤى سياسية أو أجتماعية حقيقية ، بل هى فقط تعبر عن مصالح رجال أعمال يعملون كوكلاء تجاريين ، كذلك حواره مع جريدةFinancial Times حيث أعلن إن ”الإسلام يدعـم اقتصاد السوق الحر“ ، فى تجاهل تام لهتاف الحناجر فى كل ميادين مصر بطلب ”العدالة الاجتماعية“ و التى لا يمكن بأى حال من الأحوال أن تتم من خلال منظومة ”السوق الحر“ ، و كان من الواضح تعمده عدم الحديث عن إعادة تفعيل دور القطاع العام فى الاقتصاد القومى على الأقل لعمل أتزان بين نهم القطاع الخاص للربح المضاعف و بين توفير السلع و الخدمات للمواطن بسعر معقول ، كما أستطرد الشاطر فى حديثه قائلاً ”إننا الإخوان المسلمين جزء من النظام العالمى ، بكل قواعده و قوانينه“ سقطة أخرى فأزمة العدالة الاجتماعية أحد أسبابها الرئيسية هى منظومة العولمة التى أعلن شاطرهم أن جماعته جزء منها بكل قوانينها و قواعدها التى تسببت فى أفقار الشعوب ، لم يمر على هذا الحديث سوى أيام قليلة حتى خرج علينا قطب مالى آخر تابع للأخوان و هو رجل الأعمال و عضو مكتب الإرشاد ”حسن مالك“ فى تصريح أدلى به لوكالة Routers قائلاً ” إن السياسات الاقتصادية المتبعة فى عهد الرئيس المخلوع حسنى مبارك كانت تسير فى الطريق الصحيح ، لكن شابها تفشِّى الفساد و المحسوبية“ ، و استطرد بقوله ”إن رشيد - وزير التجارة و الصناعة المتهم فى العديد من قضايا الفساد و التربح - عرف كيف يجتذب الاستثمارات الأجنبية جيداً“ …

تلك التصريحات تتفق بشكل واضح مع برنامج حزب الحرية و العدالة (الجناح السياسى للجماعة) ، فنجد مثلاً فى رؤيته لمشكلة البطالة أن الحل فى تسويق العمالة المصرية للدول العربية مع إعادة النظر فى أوضاعها من خلال الاتفاقيات الثنائية ، تأكيد آخر على عدم وجود رؤية لكيفية الاستفادة من الثروة البشرية على العكس من فترة الستينات كمثال التى تميزت فى تلك النقطة و استطاعت أن توظفها فى خدمة الاقتصاد القومى ، كذلك يتفقون مع كل من صندوق النقد و البنك الدولى فى طرحه لتمويل المشروعات المتوسطة و الصغيرة من خلال تسهيلات أئتمانية على أساس أنها توفر فرص عمل و تقلل من حدة الفقر ، لكن فى المقابل غاب بشكل تام أى إشارة لدور الدولة الأقتصادى و الإجتماعى أو ما هى استراتيجية تطوير المنظومة الصناعية و إعادة هيكلتها بشكل تتناسب مع الطفرة التكنولوجية التى يعيشها العالم و لتأسيس قاعدة أنتاجية تتيح للدولة السيطرة على المنظومة الاقتصادية لصالح المواطن …

من الواضح أن برنامج الحزب لم يتعلم من التاريخ و كيف ساهم النظام الرأسمالى فى إفقار شعوب دول العالم الثالث باستغلال مواردها و تفتيت أى بنية صناعية تحاول تأسيسها ، فالرأسمالية تريد دائما مواد أولية رخيصة لتعيد تصديرها بأسعار عالية بعد إعادة تصنيعها إلى الدول الفقيرة لتزداد فقرا و تخلفا و أعتمادا على الدول الغنية لتبقى تابعة لها سياسيا ، إذاً سياسة الاعتماد على الاستثمارات الخارجية لن تثنى أو تثمن من جوع ، و لن تحقق أى تقدم بل ستكون دائما تحت رحمة تلك الدول المستثمرة طالما أنك لم تؤسس قاعدة صناعية قوية تواجه بها الهيمنة الرأسمالية ...

”العدالة الاجتماعية“ ... الأخوان مثل كل التيارات الإسلامية الأخرى يرفضون مبدأ التوزيع العادل للثروة ، فبرنامجهم يتصدى لتلك المشكلة بأسلوب بعيد تماما عن الفكر العلمى ، بل هو عبارة عن تلاعب عاطفى حتى يحظوا بتعاطف العامة باستخدام الدين كعادتهم من خلال طرح تعديل لقانون الوقف بدعوى تشجيع الأثرياء على إنشاء أوقاف جديدة تقوم على تمويل البرامج الصحية و التعليمية ، ذلك الطرح فى أساسه ليس أكثر من تجذير العنصرية الطبقية بين الشعب ، فالفكرة تقوم أن تبقى تلك الجماهير تحت رحمة هؤلاء الأثرياء بمنظومة نستطيع أن نطلق عليها أنها عملية تقنين دينى ”للتسول الجماعى“ من قبل الشعب لهؤلاء الأثرياء الذين كونوا ثرواتهم من خلال سياسات الإفقار التى دأبت الحكومات على تبنيها منذ السبعينات ، كذلك يقترح برنامج الحزب تخصيص 20% من العائدات البترولية تحت ما يسمى ”زكاة الركاز“ للعمل على تحسين الظروف المعيشية … ليُطرح هنا تساؤل هل إيرادات البترول فى مصر تكفى فى ظل الاتفاقات و العقود البترولية المجحفة التى لم تتطرق لها الجماعة بأى شكل كان ، و هل حجم الإنتاج من البترول و الغاز يكفى و يفيض مع حجم الكثافة السكانية و الرغبة فى التنمية ؟ ! ، كما نرى هناك أتفاق بين برنامج الجماعة مع الحزب الوطنى المنحل فى الغاء الدعم العينى للسلع الاستهلاكية و إبداله بالدعم النقدى المباشر مكررا نفس الحجة الواهية التى سقط فيها الكثيرين أن الدعم لا يصل إلى مستحقيه متناسيين بديهية اقتصادية أن زيادة نسبة النقود فى مقابل الإنتاج فى الأسواق سيزيد من معدلات التضخم و هذا ما عانينا منه خلال سبعينات القرن الماضى التى وصل فيها معدلات التضخم إلى مستويات خيالية بسبب طبع كميات كبيرة من البنكنوت و ضخها فى الأسواق بدون غطاء إنتاجى بعد أن وافقنا على التخلى عن سياسة الغطاء الذهبى للنقـد ...

لن استرسل أكثر فى عرض و أنتقاد برنامج حزب الحرية و العدالة أو جماعة الإخوان فليس هذا الموضوع الأساسى لتلك السطور ، و لكن يتضح تماما و من خلاله تبنيهم التام لليبرالية الرأسمالية حيث ذكر فيه حرفيا « أن الحرية الاقتصادية هى الضامن للإبداع و التطوير و التنمية الاقتصادية مع قيام الدولة بدورها الرقابى القوى فى حماية المنافسة و منع الاحتكار فى السوق » … !
حتى موقفهم من القانون المعيب الذى سمى بـ ”قانون منع الاحتكار“ الذى تقدم به الحزب الوطنى ليتيح للشركات أن تتفق ضد المواطن بمنعها من تخفيض أسعارها ، وافق عليه نواب الأخوان فى البرلمان بالرغم من معارضات الكثير من قوى المعارضة الأخرى التى حاولت إيقافه أو تعديله على الأقل ...

من هنا نجد مواقفهم من بداية أحداث يناير 2011 هى أنعكاس لطبيعة الصراع بينهم و بين السلطة الحاكمة و ليس تعبيراً عن الجماهير المحتشدة ، فهم لا يملكون إجابات على الأسئلة التى طرحتها الميادين كالعدالة الاجتماعية ، الحرية ، التنمية ، فجاء خطابهم خلال أول عملية أنتخابية بعد تنحية مبارك هو عبارة عن ”أستقطاب دينى“ الذى كان عملية هروب ناجحة من الإجابة على تلك التساؤلات ، انجذب لهذا الخطاب شرائح كبيرة من العامة بدعوى الحفاظ على المكون الدينى أمام العلمانية القادمة التى ستطيح به ، لتسيطر الجماعة على أول برلمان يأتى بعد أهتزاز السلطة الحاكمة و ليس أسقاطها مما جعلها توافق على عملية أنتخابية فى مجملها تعتبر أفضل بكثير مما كان يحدث من قبل ، و إن كان شابها عديد من الشبهات خاصة بالمناطق الريفية فى الصعيد …

من هنا نرى إن تحالف الحركة مع الجماعة يصب فى النهاية ضدها و أنعكس هذا فى مواقف كثيرة و جاءت ردود أفعالهم مرتبكة فى مواقف أخرى تسببت فى خسارتهم لشعبيتهم التى كانت فى تصاعد على المستوى الشعبى منذ عام 2008 حتى جاء عام 2012 و ما بعده بأحداثه لتدفع الحركة الثمن غاليا فنشاطها و شعبيتها أخذ فى التضاؤل حتى أصبح تقريبا غير ملموس ، بالتالى تقلص ثقلهم السياسى …

راهنت الحركة فى هذا التحالف على شباب الجماعة ، لكنهم فى المقابل تناسوا أن الغالبية العظمى من هؤلاء الشباب أرتبط اقتصاديا بمشروعاتها و رجال أعمالها ، بالإضافة إلى طبيعة التربية السياسية الفاشية التى يحرص عليها التنظيم لقواعده ، فالسمع و الطاعة أمر نافذ ، فالمرشد و مكتب الإرشاد لا نقاش لأوامرهم ، لذا كان من الصعب الرهان عليهم ، إلا فى أطراف شباب التنظيم اللذين كانوا يتمتعون باستقلالية اقتصادية فأغلبهم من عائلات تنتمى لطبقة البرجوازية الصغيرة أو الشريحة العليا من الطبقة الوسطى و هؤلاء استطاع ”عبد المنعم أبو الفتوح“ استقطابهم بعد خلافه مع مكتب الإرشاد ، و آخرين كونوا بما عرف بأسم ”ائتلاف شباب الثورة“ الذى كان خليط غريب التكوين إسلامى / يسارى / ليبرالى / قومى و أن كان هيكله الرئيسى مكون من شباب الأخوان ”المستقل أقتصادياً“ خرج جزئياً عن طاعة المرشد و مكتب الإرشاد ، بالإضافة إلى عدد من اليساريين و الليبراليين و القوميين المنتمين أيضاً للشريحة العليا للطبقة الوسطى ...

لم تختلف الحركة كثيرا عن الجماعة فى عدم أمتلاكها برنامج سياسى / اجتماعى يعبر عن الشعارات التى رفعت فى الميادين ، فوقفت عاجزة تقريباً و أخذ خطابها السياسى ينحصر شيئا ... فشيئا ، و بسبب غياب المشروع الذى كان سيساعدهم على قيادة الجماهير إلى حالة أكثر ثورية و راديكالية لتنفيذ مطالبهم ، أخذ ينحرف إلى مطالب أصلاحية مثل الحد الأدنى للأجور ، الضريبة التصاعدية ، أو تحصيل ضرائب على الأرباح بالبورصة ، حتى بات فى النهاية أقرب إلى أحزاب يسار الوسط أو التنظيمات الحقوقية ، فنجدهم تارة يتحدثون عن ديمقراطية تمثيلية حتى تشعر بأنهم ليبراليون ، و فجأة تجدهم يتحدثون عن ديمقراطية شعبية ، لكن بدون تحديد ماهية تلك الديمقراطية ، ارتباك فى الرؤى أدى إلى أرباك رجل الشارع العادى من مواقفهم ، كذلك الحركة اليسارية فى عمومها تأثرت من هذا الإرباك أكثر مما هى كانت عليه فى مواقف متعددة !

كما أشرت من قبل لطبيعة تشكيل حركة ”الاشتراكيون الثوريون“ ، أن الكتلة الرئيسية لها من ”الطبقة الوسطى“ و عناصر من ”البرجوازية الصغيرة“ ، تحمل كافة سماتها فهى طبقة ضد التسييس ، تريد فقط الحفاظ على نمط حياتها التى ترى فيه تمايز عن الطبقات الأخرى الأدنى منها ، و برغم من خطابهم ”الثورى التقدمى“ إلا أننا نرى فى العلاقات الداخلية بين أعضاء الحركة أنفسهم عبارة عن تكتلات لها سماتها الطبقية المتحيزة و بالرغم من محاولاتهم إنكار ذلك ببعض الممارسات الهامشية ، لكن الحقيقة الكامنة أن أعضاء الحركة لم يستطيعوا التحرر من عباءتهم الطبقية بل بقيت مسيطرة و مشكلة لخريطة العلاقات بين أعضاء الحركة داخليا ، مما أدى إلى مردود سلبى كامن أثر على تماسكها العضوى ، كما نجد أن تكتيكاتها هى انعكاس لطبيعة التركيبة الطبقية المشكلة للحركة ، فرؤيتهم للثورة متأرجحة بين الحلول الإصلاحية و بين الجماهير التى كانت متعطشة لرؤية راديكالية ثورية تطيح بالبرجوازية المسيطرة على الحكم نحو ديمقراطية شعبية حقيقية و خطط تنموية قائمة على العدالة الاجتماعية ...

كما برز فجأة خلال ثورة الجماهير فى الميادين تيار آخر و هم ”الاشتراكيون الديمقراطيون“ ، و هؤلاء استطاعوا النفاذ إلى وسائل الإعلام و أيدوا المضى سريعاً نحو العملية الانتخابية بدلا من استكمال طريق الثورة إلى منتهاة ، و بدأ واضحا أن هذا التيار برغم قلة عددهم نسبيا و عدم وجود تنظيم حركى موحد يجمعهم ، إلا أنهم استطاعوا أن يشكلوا عنصر مؤثر فى الأحداث بشكل واضح ، خاصة و أن واحد من الأخطاء الكبيرة التى وقع فيها سواء ”الاشتراكيون الثوريون“ أو ”حركة 6 أبريل“ هى عدم قدرتهم على قراءة نبض الشارع ، فالجماهير التى وقفت طوال 28 يوما فى الميادين مدافعة عن ثورتها ، شعرت بالإرهاق و حالة من التيه خاصة و أن التنظيمات التى من المفترض أنها قادتهم فى الشوارع و الميادين أتضح أنها لم تكن تملك مشروع واضح المعالم يعبر عن مطالبهم ليكون العامل المؤثر فى دفع تلك الجماهير للمضى قدما للأمام للدفاع عنه ، كذلك انخراطهم فى مواجهات فرعية – أحداث محمد محمود كمثال - فى وقت كان مسرح الأحداث إيقاعاته بدأت تأخذ شكلاً مغايراً ، و رد الفعل الجماهيرى لتلك المواجهات الفرعية بدأ يرسم مظهراً سلبياً فى غير صالح الثورة و الثوار ، و عمليات الاستقطاب السياسى و الدينى وصلت إلى أقصى مداها على مستوى الشارع أو فى أجهزة الإعلام فى وقت غاب فيه المشروع البديل عن كل التيارات السياسية و الدينية المتصارعة ، ليتمحور الحديث حول لفظ ”الديمقراطية“ و التى تم أختزالها فقط فى ”صندوق الانتخابات“ ، حتى الحديث عن تطبيق ”العدالة الاجتماعية“ و ”التنمية“ أنحصر أيضا فى إجراءات إصلاحية بدون الخوض فى حلول ثورية تعكس مطالب تلك الجماهير الثائرة و الحائرة فى نفس الوقت حتى تستطيع أن تندفع لمسار أكثر تناحراً مع البرجوازية الحاكمة و فى نفس الوقت كانت ستكشف زيف التيارات الدينية الرجعية ، و ستضعها فى مواجهة مع المطالب الثورية …
على جانب آخر أنفجر طوفان من الحركات و التنظيمات الثورية تتكون من أفراد و مجموعات ظهروا على سطح الأحداث بأسماء و أشكال متعددة و أطروحات كلها أيضاً تتمحور حول فكرة واحدة ”الانتخابات“ ، كان جانب غير قليل منهم إما شخصيات و مجموعات مدفوعة من قبل ”الأليجاركية العسكرية الحاكمة“ و البرجوازية المتحالفة معها و آخرين كانوا تابعين لتنظيم ”الأخوان المسلمون“ ، و أصبح هؤلاء فجأة ضيوف دائمين على شاشات التلفزيون و أجهزة الإعلام المختلفة يتم تقديمهم على أنهم ثوار ، إلا أنهم فى الحقيقة لعبوا دورا واحدا هو إنهاء الحالة الثورية أو على الأقل تشتيتها و نجحوا فى ذلك ، و كما ظهروا فجأة على سطح الأحداث اختفوا أيضا بشكل مفاجئ بعد أن أدوا دورهم المرسوم ...

ما حدث من أخطاء هو تراكم للخطأ الأساسى الذى استمر على مدار سنوات من قبل 2011 ، هو عدم أمتلاك مشروع سياسى ثورى بديل متكامل أجتماعيا و اقتصاديا ، لذا غرقت الحركة فى مبادرات ذات طبيعة إصلاحية ، لم تحاول الاشتباك بشكل واضح مع مطالب الميادين التى لو وجدت قيادة ثورية تمتلك الوعى الكافى و المشروع البديل المعبر عن تطلعات الجماهير لاستطاعت أن تحدد طريقها أكثر لتنفيذ مطالبها ، فالحركة وقفت على يمينها تتحدث عن التغيير و تخشاه ، لذا جاء تحالفهم مع تنظيم مثل ”الأخوان المسلمون“ طبيعيا ، فالقاعدة الطبقية تقريبا متشابهة إلى حد كبير ، حتى إننا وجدنا شخصية محسوبة على التنظيم – تنتمى للشريحة العليا من الطبقة الوسطى - تتولى مسئولية المستشار السياسى لحملة القيادى الأخوانى ”عبد المنعم أبو الفتوح“ فى الانتخابات الرئيسية ...

كان السقوط الأكبر الذى فرضه الحليف ليس فقط على ”الاشتراكيون الثوريون“ و لكن على كافة التيارات السياسية هى عملية الاستقطاب العلمانى / الدينى ، التى حولت بوصلة الجماهير بعيدا عن المطالب التى رفعوها بالميادين ، مما أعطى الفرصة للنظام الحاكم الذى لم يسقط فى الحقيقة بل قام بعملية تجميلية بسيطة بتغيير بسيط فى الوجوه أن يعيد تنظيم صفوفه مرة أخرى و أن يشق الكتلة الثورية بمساعدة ساذجة من ”الأخوان المسلمون“ اللذين اندفعوا فى محاولة للسيطرة على الحكم فيما عرف حينها بـ ”عملية التمكين“ و دخلوا فى صراعات مع كافة التيارات السياسية الأخرى المقابلة لها سواء كانت يمينية أو يسارية ، و فى المقابل كان النظام استعاد الكثير من أنفاسه المتقطعة ليقف على الأرض مرة أخرى بعد أن اهتزت تحت أقدامه بالتلاعب إعلامياً بشعارات وطنية مذكرا الجماهير التى أحست أنها فى مهب الريح تخوض فى مستنقع من الصراع العبثى بفترة الصعود الناصرية ليتم استخدامها بشكل إعلامى مركز ، شارك – بقصد أو بدون قصد - فيها عدد من القيادات المحسوبة على التيار الناصرى و القومى اللذين ساهموا فى تكملة رسم هذا المشهد كأننا نعيش داخل إحدى مسرحيات يوجين يونسكو … !

تبعثرت الأوراق لينفض المشهد و تخلى الميادين

لم يكن الخيار سهلاً أمام الحركات و التنظيمات اليسارية ، فالأخوان ظهر جليا أنهم باتوا جزء من ”الثورة المضادة“ ، و النظام الحاكم أصبح يقود المعركة ضد الأخوان متخذ شعار الحفاظ على وحدة الدولة و مدنيتها و الاستقرار أساس لمعركته ، الأوراق كلها متشابكة و متقاطعة ، لا حدود مرسومة للمواقف ، تتحرك من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ما كان صحيحا فى تلك اللحظة الآنية ، ينقلب عكسياً فى اللحظات التالية ، الموقف فى غاية الارتباك … ثورة أم لا ثورة ، الاستقرار أم الميدان ، شبح الحرب الأهلية و المصير الليبى و السورى يسيطر على المشهد ، لم يكن أمام رجل الشارع العادى إلا أن يختار الطريق الأكثر ضمانا و هو ”الاستقرار“ ، و لم يجد أمامه سوى ”المؤسسة العسكرية“ التى مثلت له الدولة الحاضنة ، فهى الوحيدة الباقية التى تمتلك القوة الكافية لمواجهة صخب خطاب الكراهية و الدم الذى كانت تصدح به جنبات ”ميدان رابعة“ مهدداً للجميع ، ساهم هذا الخطاب و رعونتهم و قلة حيلتهم السياسة فى إسقاط آخر أوراق اللعبة تباعاً من أيدى الجماعة ، و على الجانب الآخر كان اليسار تائها يحاول أستعادة و لو جزء من أوراق اللعبة فى يده ، لكن حالة التشرذم و الخلافات و غياب الرؤى السياسية المعبرة عن طبيعة الصراع المتصاعد و بالتالى أدى إلى عدم قدرتهم على قراءة الأحداث و مجاراة تسارعها ...

تتوالى الأحداث بعد تصفية أعتصام الأخوان فى ”ميدان رابعة“ و الذى شهد كما كان متوقعا مئات الضحايا ، نظرا للكثافة البشرية و الخطاب التحريضى المتصاعد الذى أنتهجه قادة الجماعة بدون أن يدركوا عواقب ذلك على تنظيمهم و قواعده ، كذلك تأثيره سياسيا و أجتماعيا على المستوى العام ، ليتصاعد الموقف ضدهم إلى حالة رفض كامل من غالبية الشعب المصرى كذلك من قبل كافة التيارات السياسية ، فعمليات التفجير و الاغتيالات التى شهدتها الشوارع المصرية خاصة فى الشهور الأولى بعد فض الاعتصام ، و خطاب التهديد و الوعيد الذى ملاء جنبات شبكات التواصل الإجتماعى على الأنترنيت ، و حالة الإنكار الشديد التى تعيشها قواعد هذا التنظيم و قادته بأن الشعب بات يرفضهم نتيجة للأخطاء التى اقترفوها جذر حالة الرفض التى أصبح من الصعوبة بما كان أن تعود الأوضاع كما كانت قبل 2011 ...

حتى حلفائهم من ”الاشتراكيون الثوريون“ بالخصوص ، و كذلك ”حركة 6 أبريل“ دفعوا ثمن هذا التحالف الخاطئ غاليا حيث أُضٌعف موقفهم ليس فقط على مستوى رجل الشارع العادى بل أنعكس ذلك على التنظيم من داخله حيث أنشق مرة أخرى عدد من كوادره و قواعده لينضموا إلى أحزاب مثل ”التحالف الشعبى الاشتراكى“ و بعضهم لـ ”حزب العيش و الحرية“ و آخرين انضموا لحركات يسارية أخرى غير حزبية ، كذلك تقلصت شعبيته بين شباب الجامعات فلم تعد الحركة لها الثقل الكبير الذى كانت تتمتع به من قبل داخل أروقة الجامعات ، كذلك التيارات السياسية الأخرى - اليسارية منها بالخصوص - باتوا ينظرون لهم نظرة بها الكثير من الريبة خاصة و أن هناك عدد من كوادره لا زالت على تواصل و تعاون ببعض التيارات المحسوبة على الأخوان مثل ”حزب مصر القوية“ الذى يقوده أحد قادته السابقين ”عبد المنعم أبو الفتوح“ ، فأصبح التنظيم يعيش تقريباً فى حالة شبه عزلة سياسية …

وضح من المراحل الأولى من ثورة الجماهير فى 25 يناير 2011 خاصة بعد أهتزاز النظام أن هناك تحالف تكتيكى تم الاتفاق عليه بين ”الأليجاركية العسكرية“ و تنظيم ”الأخوان المسلمون“ على أقتسام السلطة بشكل ما ، و كان جلياً بدايةً من لجنة تعديل الدستور التى شكلها المجلس العسكرى برئاسة ”طارق البشرى“ لتضم عناصر أخوانية و يمينية محافظة ، و استبعدت أى تيارات سياسية أخرى خاصة اليسارية من المشاركة فى اللجنة ، كما عمل المجلس العسكرى بالتعاون مع تنظيم الأخوان على الإسراع بالدخول فى العملية الانتخابية لاختيار برلمان الغرض منها إيقاف المد الثورى و استغلال حالة الارتباك التى كانت عليه التنظيمات السياسية المختلفة فتوالى الأحداث و تضاربها أثبت عدم قدرتها على التعامل معها بشكل صحيح لتدخل الجماهير فى عمليات استقطاب علمانى / دينى شكلت عامل مؤثر فى تفتيت وحدتها التى كانت السمة المميزة لها فى الميادين قبلها بشهور قليلة ، كما شاهدنا كم من الممارسات المتدنية سياسيا و أخلاقيا فى فترة الانتخابات من جانب التيارات الإسلامية مثل الدعوى لطرد المخالفين لهم من البلاد ، و محاولات حصار بعض المناطق التى بها كتل تصويتية قبطية كبيرة لمنعهم من الأدلاء بأصواتهم خاصة بالصعيد ، على الجانب المقابل بدأت ”الأليجاركية البرجوازية“ المصرية أستعادة أنفاسها مرة ثانية ، و فى مشهد اقرب إلى الكوميديا السوداء بدأ يظهر على السطح رأسماليين كبار هم جزء أصيل من منظومة الفساد لبسوا عباءة الثورة أمثال ”نجيب ساويرس“ ليكونوا عامل مؤثر فى الأحداث ، و الأكثر سخرية هو بعض العناصر اليسارية المعروفة تعاونت معه بدعوى أنه يمثل ”الرأسمالية الوطنية“... !

كان أيضا من العوامل التى ساهمت فى جعل دفة الأحداث تتأرجح تائهة بعض تنظيمات المجتمع المدنى التى لعبت دور سلبى بدون أن تشعر ، فشاهدنا دعوات غريبة لم يكن هذا الوقت الصحيح لطرحها تظهر على السطح مثل حقوق المثليين و الحرية الجنسية و غيرها من الدعوات التى كان لها تأثير سلبى كبير على رجل الشارع العادى الذى لم يكن مؤهل لكل تلك الدعوات خاصة بعد خمسة و أربعين عاما من التجهيل الثقافى و السياسى و المجتمعى فاستخدمتها التيارات الدينية فى تقليب العامة ضد كل التيارات المخالفة لهم ...

دعوة جديدة لحلف يسارى

خلال السنوات الأخيرة ظهرت محاولات لبعض اليساريين للملمة أطراف الثوب المتهالك بعد ثورة مهزومة فكان من الطبيعى أن تواجه بالفشل ، فالحالة الثورية الجماهيرية تأثرت كثيرا بالأحداث التى تلت الثورة بدأ من الصراع مع المنظومة الحاكمة مرورا بالتيارات الدينية وضعت تلك الأحداث الشارع المصرى الذى كان يضع آمالا كبيرة على الثورة فى حالة عدم ثقة ، فالأوضاع الاقتصادية تفاقمت عما كانت قبل الثورة ، لكن فى نفس الوقت تحت هذا الرماد الخامد لا زالت نيران مشتعلة تنتظر أنطلاقة شرارة الانفجار ...

الظروف التى تكونت نتيجة تلك الأحداث تطلبت العمل بشكل سريع و مختلف لتأتى تجربة ”يسار موحد“ لترسم بعض خطوط الأمل و لكن من الواضح أنها عانت الكثير من العقبات حتى تجمدت خطواتها مؤقتا ، و لكن لا يزال هناك آمال فى أستعادتها لعافيتها مرة أخرى ، فهى حملت على أكتافها تثقيف الكوادر الشبابية من مختلف قوى اليسار و كان من المفترض أن تتطور الحركة لبناء كيان تنظيمى جامع يوحد التيارات اليسارية المختلفة اعتمادا على الخبرات السابقة التى اكتسبتها خلال السنوات التى سبقت أحداث يناير 2011 و ما بعدها إلا أن الحلم لم يكتمل و تعرضت الحركة لإجهاضات و محاصرات سواء من جهات يسارية حزبية تقليدية رأت فى تنامى مثل هذا التنظيم تهديد لوجودها فى الشارع السياسى أو من الملاحقات أمنية …

كما جرت محاولة تحت عنوان ”البديل الثورى“ التى تشكلت من عدد من الفاعلين سياسياً بعضهم ينتمى لليسار الغير منتمى لأحزاب ، كان من الواضح محاولتها تجنب أخطاء 25 يناير و ما بعدها ، هذا فضلا عن تقديمها رؤية مبدئية لبعض المشكلات التى تواجه المجتمع و الدولة المصرية و فى بيان لها اعترفت الحركة بشكل واضح أن غياب ”المشروع البديل“ كان الجانب السلبى الأساسى الذى أدى إلى فشل الثورة ، و طالبت كل القوى الثورية بالمشاركة فى بناء مشروع بديل دون التقيد ”بأيديولوجية محددة“ ... ! ؟

كما فرضت حالة التوتر التى تعيشها المنطقة اليوم سيطرتها على الأحداث الداخلية ، و التداعى الذى حدث للوضع السياسى للدولة المصرية الذى اكتسبته خلال مواقفها التاريخية إقليمياً و قارياً بسبب حالة عدم الاستقرار و الارتباك إثر الحراك الجماهيرى فى 2011 فرضت على الكثيرين التوقف قبل التورط فى أى محاولة لعمل قد يطيح بالمنظومة الهشة الحاكمة و خوفاً من أن تدخل الدولة المصرية فى مزيد من الاضطراب فيزداد التداعى ففضل هؤلاء التروى و الانتظار قبل الشروع فى أى عمل معارض قد يؤدى إلى مصير مجهول …
إن إعادة تشكيل القوى اليسارية و توحيدها فى الوقت الحالى بات أمر ملح مع عدم إغفال التجارب التى مرت بها خاصة خلال الفترة ما بين 2013/2003 حيث من المفترض أنها شكلت خبرات عملية لكثير من القيادات و القواعد خاصة الشابة منها و أظهرت نقاط الضعف و القوة التى يجب التركيز عليها و معالجتها ، فالمتابع للحركات اليسارية التى تشكلت أثناء ”عقد الغضب“ افتقدها للرؤية الأيديولوجية الراديكالية بسبب طبيعة تكوين معظمها الذى جاء فضفاضاً اجتمعت فيه عناصر و شرائح لهم رؤى مختلفة تنطلق من أقصى اليسار الماركسى نهاية بيسار الوسط السياسى ، مما جعلها مرتبكة ليتحين الفرصة تنظيم ”الأخوان المسلمين“ أن يخترق بعضها و عملوا على أبعادها عن مسارها الصحيح و أربك وضع الحركة اليسارية فى أوقات كثيرة ، كذلك حالة الاستقطاب العلمانى / الدينى الذى فجرته التيارات الدينية فرضت فى أحيان كثيرة أن تقبل بعض الحركات و الأحزاب اليسارية بالتحالف أو بالعمل تكتيكياً مع أحزاب ذات توجه يمينى لمواجهة عمليات الاستقطاب ، و ظهر ذلك بوضوح خلال أحداث 2013 ، أثرت كل تلك الأحداث المتعاقبة على وضع اليسار خاصة من داخله ، فبدأت الارتباكات و الانشقاقات تحدث فشاهدنا كمثال خلافات و أنشقاقات داخل عدة أحزاب يسارية وصلت إلى حد استقالة بعض الكوادر القيادية و عدد من قواعدها ، كذلك فى حركة مثل ”الاشتراكيين الثوريين“كما شرحت من قبل حتى تجمد نشاطها تقريبا ولم يعد ظاهرا إلا كبيانات و صفحات على شبكات التواصل الأجتماعى ، كما تشكلت حركات أخرى جديدة لكنها لم تستطع أن تبلور بعد وجودها فى الشارع السياسى إما بسبب بنيتها التنظيمية الضعيفة نسبيا أو من الملاحقات الأمنية كما إن أغلبها لم يحمل أيديولوجية واضحة فهى أيضا خليط غير متجانس مما يسهل تفككها أو تجمد نشاطها ، فى المقابل لن نستطيع أن نغفل دور تنظيم الأخوان و الحركات الإسلامية المتحالفة معه التى تسببت فى وضع الحراك السياسى بأكمله فى حالة حرجة فهم من البداية لم يكونوا أمناء فى التعامل مع التيارات السياسية الأخرى و شاهدنا كيف نقضوا الاتفاق الذى تم بينهم و بين قيادات الأحزاب السياسية فى فندق فيرمونت التى وصفها العديد منم المراقبين السياسيين أنها ”صفقة مع الشيطان“ ، أعلن الأستاذ حمدى قنيدل عن تفاصيلها فى بيان ذكر فيها بالوعود الى قطعها تنظيم الأخوان على مثل إعادة تشكيل اللجنة التأسيسية بالتشاور مع كل القوى الوطنية لأحداث توازن بها ، تشكيل حكومة إئتلافية متوازنة مع كافة القوى الوطنية ، و بالرغم من التحذيرات التى أطلقها العديد من الشخصيات السياسية بعد تسرب خبر الاجتماع قبل أصدار البيان إلا أنهم اصروا على المضى فى الطريق المجهول ...

كذلك شاهد الشارع المصرى موقف الأخوان من مجموعة الأحداث الطائفية التى وقفوا موقف أقرب إلى التأييد لها كان له رد فعل عنيف على المواطن العادى ، فالمجتمع المصرى خاصة الطبقة الوسطى المتعلمة شعرت بحالة من الخوف مع تصـاعد حوادث العنصرية الدينية التى تخطت كافة الخطوط الحمراء مثال على ذلك أحداث الجيزة و قنا و المنيا و أسيوط التى وصلت إلى حد القتل و التمثيل بالجثث مثل ما حدث لتجمع لبعض الشيعة فى محافظة الجيزة ، هذا أعطى صورة واضحة سواء للقوى السياسية أو حتى رجل الشارع العادى أنهم ليسوا رجال دولة أو حتى ساسة ، لذا فالقوى السياسية بات مواقفها واضح فما سمى من قبل بالقوى الإسلامية أنكشف الغطاء الذى كانت تختفى ورائه بدأ من خيانتها للثورة و الثوار ، و مرورا بدعوتها لتأجيج الفتنة الطائفية و أخيراً موقفها من الأحداث المتشابكة و المرتبكة فى المنطقة العربية يؤكد أنها لم تكن سوى أحد اذرع الإمبريالية الاستعمارية و أصبح التحالف معها كما حدث من قبل كيانات يسارية بات ليس فقط خطوة خاطئة بل تضع المتحالف فى خانة الخائن و العميل للوطن ككل ، فهى لم تبرهن منذ غزو العراق مروراً بما سمى بالربيع العربى ، و أخيراً و ليس آخراً الغزو الاستعمارى لسوريا الذى رسم صورة واضحة لمشهد المؤامرة ، فالرأسمالية الأمبريالية بالاشتراك مع الرجعية العربية أرادت إنهاء كل التراث الوطنى التقدمى الذى حملته حركات التحرر الوطنى فى الخمسينات و الستينات ، و بدأت الحقيقة تظهر للكثير من العامة حتى الغير مشتغلين بالعمل السياسى أن ظهور تلك التيارات الدينية منذ سبعينات القرن الماضى بالتحديد لم يكن سوى جزء من المؤامرة الاستعمارية و أنهم ليسوا سوى ”طابور خامس“ أُنشئ لتفتيت الدول و المجتمعات على أسس طائفية و عرقية ، و تغييب عقولها و تجهيلها ، و القضاء على أى تحرك ثورى تقدمى قد يعيد الأوضاع مرة أخرى على تضاد مع الرأسمالية الأمبريالية و عملائها فى المنطقة مما يضعنا فى موقف غاية الدقة ، فلا أعتقد أن هناك من يريد العودة لعمليات الاستقطاب العلمانى / الدينى مرة أخرى ، لكن لن يحدث ذلك إلا بالعمل على بناء تنظيم ثورى يمتلك استراتيجية واضحة للتحديات التى سيواجهها داخليا و خارجيا.

الموقف على المستوى السياسى أصبح يزداد تعقيداً ، فكلما مر الوقت مع نظام ضعيف متردد يتعامل مع الأحداث المتشابكة داخليا و خارجيا بشكل مخزى دفعه ضعفه هذا ليتنازل عن حقوق تاريخية أصيلة منها على سبيل المثال قضية جزيرتى ”تيران و صنافير“ ، فضلاً عن حقوق الشعب المصرى التى تم أهدارها فى غاز البحر المتوسط ، بالإضافة إلى مياه نهر النيل الذى تعامل مع تلك القضية برعونة شديدة مما جعله يسقط فى مجموعة من التنازلات تضعه فى دائرة الخيانة ، كذلك تخليه عن كثير من أوراق اللعبة السياسية إقليميا و قاريا فى مواقف كثيرة كانت من الممكن أن تؤثر بشكل كبير على الأوضاع المرتبكة التى تعيشها المنطقة ، ليصبح الموقف السياسى للدولة المصرية أكثر صعوبة عما كان من قبل و ستكون التحديات فى حالة إسقاط النظام عظيمة و ستدخلنا فى مواجهات خارجية و داخلية ليست بالسهلة ، فحالة الخوف التى انتابت شرائح ليست بالقليلة من الشعب المصرى بعد تجربة ثورة مرتبكة انتهت بهزيمتها و وصول تيار للحكم لم يكن يمتلك فهم لطبيعة المجتمع المصرى بكافة مكوناته الاجتماعية و السياسية ، قد تضعه ضمن أطار ”الثورة المضادة“ ليس حباً فى النظام القائم و لكن خوف من القادم المجهول و شبح الحرب الأهلية الذى شعر فى أوقات كثيرة أنه بات يرفرف فوق الرؤوس كل هذا تسبب فيه عدم أمتلاك التيارات الثورية - اليسارية منها بالخصوص - الرؤية السياسية الشاملة داخليا و خارجيا ، لذا يجب دراسة تلك الحالة بشكل متأنى لمواجهتها …

أخيراً … الثورة الناجحة ليست فقط فى قدرتها على أسقاط نظام ما و لكن فى قدرتها أولا على حماية نفسها من كل المؤامرات التى ستواجهها ، كذلك أمتلاكها لمشروع مناقض يعمل على بناء نظام جديد يحقق أهداف تلك الثورة ، و هذا لن يحدث إلا بوجود رؤية دقيقة شاملة لكافة الجوانب السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية ليس فقط على مستوى الداخل و لكن على المستوى الأقليمى و القارى و العالمى ، كذلك قدرتها على مواجهة كافة الأضاد داخلياً أو على الأقل أضعاف و تحجيم التيارات التى قد تنشأ فى مواجهتها نظرا للصراع السياسى / الطبقى الذى ستتصاعد إيقاعاته بعنف حتى تستطيع المضى قدما فى طريق الحلول الثورية إلى أقصاها ...

فى النهاية لم أجد افضل من كلمات الرفيق ”فلاديمير لينين“ لأختتم بها تلك السطور «إن الديموقراطيين صغار البورجوازيين أدعياء الاشتراكية هؤلاء الذين استعاضوا عن النضال الطبقى بأحلام عن التوفيق بين الطبقات ، تصوروا كذلك التحول الاشتراكى بصورة خيالية ، لا بصورة إسقاط سيادة الطبقة المستغلة ، بل تصوروا خضوع الأقلية بشكل سلمى للأكثرية المدركة لواجباتها ؛ هذه الطوباوية البرجوازية الصغيرة المرتبطة ارتباطا لا تنفك عن الاعتراف بوجوب دولة قائمة تعلوا فوق الطبقات ، لتنتهى عمليا إلى خيانة مصالح الطبقات الكادحة ، كما ظهر ذلك مثلا فى تاريخ الثورات البرجوازية فى إنجلترا و ألمانيا و إيطاليا و ثورتى 1848 و 1871 الفرنسيتين ، و هذا ما أوضحته خبرة المحاولات الثورية فى غيرها من البلدان»1



_______________________________
1) تعبير أطلق على الفترة ما بين أعوام 1999 إلى 2010 نظرا لكثافة الحراك الجماهيرى الغاضبة من توجهات النظام الحاكم سياسيا و أجتماعيا

2) رفض الأخوان قانون الإصلاح الزراعى من بداية طرحه مع ثورة يوليو 1952 ، و هو ما برره الشيخ محمود عبد الحليم مؤرخ الجماعة فى كتابه «الإخوان المسلمون ... أحداث غيَّرت التاريخ» بأن الإخوان يريدون توزيع الأراضى المصادَرة على الفلاحين الأثرياء لا الفقراء ، كون الفريق الأول يستطيع العناية بالأرض و الإنفاق ، بينما الآخرون سيهملونها مما سيؤدى إلى تدهور الزراعة...!! ، و فى عام 1992 فى عهد مبارك أيد الإخوان قانون الإيجارات الزراعية الجديد الذى أدى إلى قفزة ضخمة فى الإيجارات التى يدفعها الفلاح المعدم ، و الذى أدى حين بدأ تطبيقه بعدها بخمس سنوات انتفاضة فلاحية ضخمة شهدت العديد من الضحايا ...

3) من كتاب الدولة و الثورة (تعاليم الماركسية حول الدولة و مهمات البروليتاريا فى الثورة) فلاديمير لينين



#عمرو_إمام_عمر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثورة تكنولوجية تؤسس عالم -ما بعد الرأسمالية-
- الماركسية هل مازالت تصلح ؟ ( 2 )
- الماركسية هل مازالت تصلح ؟ ( 1 )
- الماركسية هل مازالت تصلح ؟
- الرأسمالية و دقات نهاية الساعة
- الصراع في مصر هل هو طبقي أم صراع على الهوية ( 2 )
- الصراع في مصر هل هو طبقي أم صراع على الهوية ( 1 )


المزيد.....




- الهجمة الإسرائيلية المؤجلة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...
- أصولها عربية.. من هي رئيسة جامعة كولومبيا بنيويورك التي وشت ...
- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- الشرطة الفرنسية تستدعي نائبة يسارية على خلفية تحقيق بشأن -تم ...
- السيناتور ساندرز يحاول حجب مليارات عن إسرائيل بعد لقائه بايد ...
- إعادة افتتاح متحف كانط في الذكرى الـ300 لميلاد الفيلسوف في ك ...
- محكمة بجاية (الجزائر): النيابة العامة تطالب بخمسة عشر شهرا ح ...
- تركيا تعلن تحييد 19 عنصرا من حزب العمال الكردستاني ووحدات حم ...
- طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز ...


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - عمرو إمام عمر - أزمة اليسار المصرى و البحث عن إستراتيجية