أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - عبد الحسين شعبان - حقيقة العنف ولا عنف الحقيقة














المزيد.....

حقيقة العنف ولا عنف الحقيقة


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 5881 - 2018 / 5 / 23 - 18:48
المحور: حقوق الانسان
    



يدرك الروائي الفرنسي ألبير كامو المولود في الجزائر أن المنافسة «السياسية» أحياناً تضطّر صاحبها إلى «المكر والعنف والتضحية بالإنسان»، وقد لا تنطبق هذه «الوسائل» مع الغايات التي تدعو لها، بل تتعاكس معها أحياناً، إذْ إن اللجوء إلى العنف لا يفسد الغايات فحسب، بل يمحو أثرها حتى وإن كان نبيلاً، وكم من غاية نبيلة التبست عند أول اختبار باستخدامها وسائل بالضد منها.
هكذا يصير العنف «آلة عمياء للدمار والهدم والاكتساح والموت» حتى عندما يُراد منه تبرير هدف نبيل أو غاية شريفة. ولعلّ ذلك ما دفع أديباً مرهفاً ومتمرّداً مثل ألبير كامو إلى القول ب «عدم جواز تبرير استخدام كل شيء في سبيل تحقيق سعادة البشر»: فتلك السعادة تقتضي دائماً: خدمة الإنسان وكرامته بوسائل كريمة، والإنسان هو الذي يختار الوسائل ويقرّر تطبيقها، ولهذا فعليه ألّا يدع الوسيلة تفلت منه وتنفصل عن الغاية، لأن أي افتراق بينهما لن يكون لصالح الغايات النبيلة.
وإذا كان نيكولو ميكافيلي في كتابه «الأمير» الذي احتفلت إيطاليا في العام 2013 بمرور 500 عام على صدوره، قد افترض ما يعتمده الحكام بشكل خاص من أن «الغاية تبرّر الوسيلة» فمن يا تُرى يبرّر الغاية؟ أليست الوسيلة ؟ وإذا كان ثمة شك في ذلك فمن سيكون غيرها إذاً؟
لا يكفي القول: أن تكون الغاية عادلة لكي تكون الوسيلة عادلة هي الأخرى، بل لا بدّ من تدقيق ذلك وإلّا ستفسد الوسيلة والغاية معاً. وإذا ما كانت الوسائل غير عادلة، فذلك يجعل حتى الغاية غير عادلة، وتلك معادلة طردية، وهكذا ينبغي أن تتوافق الوسائل وتنسجم مع الغايات. وإذا كانت قيم معينة تحكم أي عمل، فالقيمة الحقيقية «للقيمة» تكمن في استخدام الوسيلة السليمة، خصوصاً حين تتوخّى الوصول إلى الحقيقة، لأن الدفاع عن هذه الحقيقة لا يتم بالعنف والإرهاب والقتل، فمثل هذه الوسائل التي تقوم على التعصّب والتطرّف والغلو ستنفي الغاية العادلة ذاتها. وكان المهاتما غاندي قد دعا إلى المقاومة المدنية لنيل استقلال الهند في إطار فلسفته اللّاعنفية مستفيداً من مراسلاته مع الأديب الروسي الشهير تولستوي واضع اللبنات الأولى لنظرية المقاومة السلمية والكفاح اللّاعنفي، من خلال بلورته لأساليب جديدة في مناهضة القوانين غير العادلة، مؤكداً على الضمير قبل القانون، باعتباره قوة ضبط داخلية وهو المعوّل عليه لأنه هو المنوط به ما يفعله الإنسان.
اللّاعنف هو وسيلة نضالية وهو وسيلة كريمة بمقدورها تحقيق النصر حسب فيلسوف اللّاعنف المعاصر جان ماري مولر. وأستحضر هنا ما قاله في محاضرة له في أربيل ضمن وفد من جامعة اللّاعنف لتدريب كوادر حقوقية، حين أعاد تأكيد دعوة ألبير كامو للتمرّد ضد العنف: أن أتمرّد فأنا موجود، لأن التمرّد يتغلّب على كل ضغينة وحقد، كما أنه لا يريد ولا يتمنّى أن يشقى أي إنسان من الشرّ الذي يتكبّده. والتمرّد برفضه للشرّ لا يستهدف جلبه لغيره.
لقد ابتلي القرن العشرون بالإيديولوجيات التوليتارية مثلما ابتلي القرن الذي سبقه بالصراعات القومية، واليوم فإن العالم مُبتلى بالعولمة واقتصاداتها المتوحشة تلك التي تبرّر مثلما في السابق أيضاً، محق الإنسان، بأشكال مختلفة من العنف والتي تحاول أن تبرئ نفسها من آثامه، بإضفاء الشرعية على استخدامه، ولذلك فإن الدعوة لرفض العنف والتمرّد عليه تعني أنها موجهة ضد المنهج أساساً وضد مبرّراته، لأنه عنف يستهدف امتهان كرامة الإنسان بغضّ النظر عن مبرراته ومزاعمه.
وحتى لو كان استخدام العنف في لحظة ما ضرورياً مثلما هو للدفاع عن النفس ضد محتل أو غاز أو معتدٍ، فالضرورة لا تساوي الشرعية دائماً. الضرورة فعلٌ يستخدم بشكل مؤقت وليس فعلاً دائماً، وهي لحظة مفصلية تمثّل الاستثناء، والعبرة دائماً بالقاعدة، ولذلك فإن ضرورة استخدام العنف لا تعطيه الشرعية الدائمة والمستمرة، مثلما لا تلغي فريضة اللّاعنف التي يفترض أن تكون القاعدة.
ولكن ماذا لو لم نستطع أن نحقّق الأهداف النبيلة بوسائل اللّاعنف، فماذا نفعل؟ هل نضحّي بوسيلة اللّاعنف؟ هناك من يريد الوصول إلى نتائج سريعة واختصار الطريق والوقت، لكن ذلك قد يؤدي إلى التضحية بالحقيقة ذاتها، ولذلك يذهب دعاة اللّاعنف إلى الدعوة في استمرار المقاومة السلمية حتى تنضج الظروف الذاتية والموضوعية، لأن اختيار الوسيلة هو جزء من الغاية، وحسب غاندي هما مثل علاقة الشجرة بالبذرة لا يمكنهما أن ينفصلا، وسيكون ثمن اختيار العنف باهظاً على المستوى الإنساني، ناهيك عن أن العنف سيولّد العنف.
إذاً لا ينبغي الجزع أو قلّة الصبر بسبب عدم استكمال ظروف التغيير، فذلك أشرف ألف مرّة من العنف والقتل، الذي ستتزعزع به الحقيقة.



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لغز البغدادي
- عن ترامب ومبدأ -فن الصفقة-
- «الهولوكوست» وما يخفيه النفاق
- حين تفعل الثقافة فعلها
- حين يختل العمل السياسي
- سكريبال والحرب الدبلوماسية
- «ثقافة السلام» و«سلام الثقافة»
- خريطة الانتخابات العراقية : تضاريس وعرة ومنعرجات ضيقة!
- القدس ومعركة القانون والدبلوماسية
- تيلرسون و«سحر» الدبلوماسية
- حصان طروادة الجديد في الانتخابات العراقية!
- حوار عربي- كردي...
- المسيحيّون في المشرق العربي - نحو دولة المواطنة
- نقض «الرواية الإسرائيلية»
- التسلّح ونزع السلاح
- الصين.. من «الثورة الثقافية» إلى «الثقة الثقافية»
- في مئويته الثانية : ماركس المفترى عليه
- إعادة إعمار العراق :دبلوماسية ما بعد داعش
- «الإسلامفوبيا» و«الويستفوبيا»
- حوار الثقافات وأسئلة الهوية


المزيد.....




- كيف تستعد إسرائيل لاحتمال إصدار مذكرة اعتقال دولية لنتنياهو؟ ...
- منظمة التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بش ...
- الأمم المتحدة: الطريق البري لإيصال المساعدات لغزة ضرورة
- الداخلية التركية تعلن اعتقال 23 مشتبها بانتمائهم لـ-داعش- بع ...
- تقرير كولونا... هل تستعيد الأونروا ثقة الجهات المانحة؟
- قطر تؤكد اهتمامها بمبادرة استخدام حق الفيتو لأهميتها في تجسي ...
- الكويت ترحب بنتائج تقرير أداء الأونروا في دعم جهود الإغاثة ل ...
- كيان الاحتلال يستعد لسيناريو صدور مذكرات اعتقال بحق قادته
- سويسرا تؤجّل اتّخاذ قرار حول تمويل الأونروا
- السودان: خلاف ضريبي يُبقي مواد إغاثة أممية ضرورية عالقة في م ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - عبد الحسين شعبان - حقيقة العنف ولا عنف الحقيقة