أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - مظهر محمد صالح - ميشيل فوكو.. حوارٌ لاينقطع !














المزيد.....

ميشيل فوكو.. حوارٌ لاينقطع !


مظهر محمد صالح

الحوار المتمدن-العدد: 5860 - 2018 / 4 / 30 - 04:02
المحور: حقوق الانسان
    


ميشيل فوكو.. حوارٌ لاينقطع!

الكاتب:د. مظهر محمد صالح

27/8/2014 12:00 صباحا

عُد التعذيب في السجون الايديولوجية من أكثر وسائل المواجهة عنفاً وبدائيةً، إذ يتهاوى المناخ الإنساني وتغُيّب روابط المواطنة وتتقطع العلاقات بين البشر. فالمعتقلون في نظر جلاديهم خونة سياسيون او كفرة لا بد من استئصالهم أو تعذيبهم أو ترويعهم ليتاح إذابة ثوريتهم أو إصلاح رجعيتهم! وهو النمط الأول الذي أطلق عليه فيلسوف النصف الأخير من القرن العشرين (ميشيل فوكو) كتابه الشهير (المراقبة والعقاب) الصادر في باريس العام 1975والذي سماه (بالنمط الملوكي) في استعمال تكنولوجيا العقاب. وينظر الى النمط الأول بكونه الأشد قمعا والأكثر وحشيةً والذي جرى من خلاله تشخيص تاريخ الإجرام والعقوبات والممارسات الاجتماعية في السجون.
وعلى الرغم من أن التعذيب لدى علماء النفس، هو نوع من أنواع السادية التي تعظم الرغبة في إيذاء الآخرين لتحقيق النشوة، لكن (فوكو) قد صور جسد المعذب في كتابه (المراقبة والعقاب) ليمثل محور الخطاب ومفهومه في تشكيل فلسفته التي قدمت فحصاً متكاملاً للآليات الاجتماعية والنظريات التي كانت وراء الاختلاف الهائل بين نظم العقاب في العصر الحديث. فالتعذيب عند(فوكو) مراسم وطقوس وعملية تدوين لجسد المعذب، بغية الحصول على الاعتراف بالجريمة. لذا فإن الاعتراف هو القطعة الأساسية من عملية التعذيب ومن أجلها يمارس التنكيل والتعذيب بمختلف أشكاله، ولكونه يُؤمن اقتران البرهان المكتوب بالبرهان الشفوي في شكل اعتراف. فمسألة اعتقال الآخرين كخيار لدى القائمين على إجراءات العقاب ضمن إطار حركة واسعة ترمي الى مناوءة عالم السجن والاعتقال ولكن بدرجات متفاوتة تتراوح ما بين انتقاد شروط السجن وانتهاءً بمواقف راديكالية تنتقد مبدأ السجن نفسه وتطالب بإغلاق السجون حسب ما يعتقدة (ميشيل فوكو)!. بيد ان وقائع التعذيب تنطوي على اشكالية وحضور ملتبس: إذ كثير ما ينقلب مسرح التعذيب كما يقول (فوكو) من العبرة الى العاطفة ومن الانتقام الى التسامح مع السجين وخاصة عندما يعلم الرأي العام أن العقوبة جائرة وأن الأحكام ظالمة.
ولا شك ان فوكو هو اول الفلاسفة الذين ناقشوا ظاهرة السجن ذاتها وقام بتحليلها في سياق تاريخها، انطلاقاً من ولادتها وحتى مفاهيمها الحديثة وولوجها ساحة النقاش الفكري الفلسفي ولاسيما عند التطرق الى مؤسسات الطب النفسي ومؤسسات العقاب بالسجن. فالسؤال الذي اجاب عليه (فوكو) والذي خص جانب علم النفس والقائل: انه كلما تعاظم الاحتكاك بين الجلاد والمعتقلين، تراجعت قدرته النفسية على إلحاق الأذى والإهانة.
وعلى الرغم من ذلك، لم تتح لي فرصة التحدث والحوار المباشر مع (فوكو) كي يفسر لي ظاهرة مختلفة حدثت بين الضحية والجلاد في سجون القصر الملكي المرعب والمسمى (بقصر النهاية) ببغداد في العام 1971. فمساء كل يوم يتبادل الجلاد (فرحان) التحية الباهتة قبل الغروب مع معتقليه، ذلك عندما يقوم بفتح زنزاناتنا الواحدة بعد الأخرى بنفسه، ثم يأخذ بين يديه طبلة خشبية صغيرة ضمت قطعا من الحلوى وسجائر وغيرها من السلع الاستهلاكية الساذجة. هنا يمارس فرحان دور بائع المفرد ويتقن فن التسويق على المسجونين والتربح من كل درهم أو دينار ما زال في جيوبهم الخاوية. ويختلف المسرح التجاري وزبائنه داخل الزنزانات عند الجلاد (فرحان) في السلوك والعاطفة عن مسرح التعذيب وزبائنه الذين هم أنفسهم. فالعاطفة والود والتسامح التجاري ينقلب في ليلتها حالاً الى سادية متوحشة وقدرة على التعذيب وازدواجية في التصرف وعلى نحو لا تجد له تفسيرا في أي فصل من فصول كتاب (فوكو) - المراقبة والعقاب. فالقطيعة الإنسانية أمست حاصلة لا محالة، والتبضع التجاري لا يولد عاطفة كافية تسد ذريعة الجلاد (فرحان) بالامتناع عن ساديته تجاه استباحة أجساد زبائنه. فحالما تنتهي فصول المسرحية التسويقية في البيع والشراء والتعاطي التجاري مع المسجونين وتوقف دورة المراوغة السعرية غير المتكافئة، يدخل السجناء من فورهم، وقبل ابتلاعهم قطعة الشكولاته، الى دوامة مسرح التعذيب الذي يمارسه بائع المفرد (فرحان) نفسه مستبيحاً أجساد زبائنه!.
إنها المفارقة في ازدواجية السلوك التي يعيشها شخوص النمط الملوكي في ممارسة تكنولوجيا التعذيب وهو النمط الأول الذي نوه اليه (فوكو) دون أن يدري ما يحصل من ازدواجية خالية العاطفة في أحد سجون شرق المتوسط – وأقصد هنا قصر النهاية المرعب. فقد كان الجلاد (فرحان) إنسانا منفصم الشخصية، فهو وحش في السجن وإنسان عادي في ممارسة التسويق التجاري على السجناء، كما أن انفصام شخصيته بدأ يوم كان حارساً في السجن ثم مشاهداً لحفلات التعذيب وانتهى مشاركا محترفا في فصول التعذيب من النمط الأول قبل أن يصبح بائع مفرد داخل محاجر السجن الرهيب.
رحَل ميشيل فوكو في العام 1984 بعد أن حول فكرة السجن الى رهان فلسفي من أجل فرض العقاب. كما أن تطور نُظم العقاب عند فوكو ولدَت في العصر الحديث ما يسمى بالرؤية أو النمط الثاني للعقاب وهو النمط التأديبي القائم على مبدأ ممارسة مفهوم: سلطة-معرفة.. ذلك ابتداءً من السجن وانتهاءً بالمنزل المحمي اليوم بالكاميرات الالكترونية أو حتى دور الشرطي أو المعلم أو المؤسسات التي تمارس جميعها دور الانضباط وفرض العقاب التأديبي على خروقات النظام العام وفي حوار لم ينقطع.!!



#مظهر_محمد_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جيفارا والعراق
- موعد مع الإمبريالية
- مأدبة الغداء العاري..!
- مختبر الحرية
- عمار الشابندر ... رجل السلام


المزيد.....




- منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية تؤكد مسئولية المجتمع ال ...
- ارتفاع حصيلة عدد المعتقلين الفلسطينيين في الضفة الغربية منذ ...
- العفو الدولية: المقابر الجماعية بغزة تستدعي ضمان الحفاظ على ...
- إسرائيل تشن حربا على وكالة الأونروا
- العفو الدولية: الكشف عن مقابر جماعية في غزة يؤكد الحاجة لمحق ...
- -سين وجيم الجنسانية-.. كتاب يثير ضجة في تونس بسبب أسئلة عن ا ...
- المقررة الأممية لحقوق الإنسان تدعو إلى فرض عقوبات على إسرائي ...
- العفو الدولية: استمرار العنصرية الممنهجة والتمييز الديني بفر ...
- عائلات الأسرى المحتجزين لدى حماس تحتشد أمام مقر القيادة العس ...
- استئجار طائرات وتدريب مرافقين.. بريطانيا تستعد لطرد المهاجري ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - مظهر محمد صالح - ميشيل فوكو.. حوارٌ لاينقطع !