أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - مقدمة الطبعة الأسبانية لكتاب -الثورة المستحيلة-














المزيد.....

مقدمة الطبعة الأسبانية لكتاب -الثورة المستحيلة-


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 5842 - 2018 / 4 / 11 - 01:03
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


يتجنب هذا الكتاب بقدر كبير التحليلات الجيوسياسية، الرائجة في مقاربة بلدان "الشرق الأوسط" في الأوساط الغربية، الحكومات واليمين القومي واليسار الأنتي امبريالي. هذا لأنه يغيب عن بلداننا، وسورية بخاصة، تناول شؤونها من داخل ومن تحت، والنظر إليها كمجتمعات مركبة حية، كنساء ورجال، كمدن وبلدات وأرياف، كبرجوازية مركزية ذات نفاذ امتيازي إلى الموارد الوطنية، وكمراتب واسعة من جمهور مستباح سياسياً ومفتقر مادياً ومزدرى ثقافياً، كشباب بلا مستقبل يحلم بالهجرة، كنشطاء سياسيين يناضلون في شروط شاقة من أجل حياة سياسية في البلد، كأفقار سياسي عام دفع قطاعات واسعة من السكان إلى التماس السياسة في الدين، كحكم سلالي أبدي مفروض بالعنف ومحارب بنشاط للتغيير والمستقبل، لا يترك للسوريين غير الماضي يقيمون فيه، كنساء محتقرات يغتصبن في المقرات الأمنية وينبذن اجتماعياً وعائلياً، كإغلاق اللداخل الوطني وجعل البلد سجناً كبيراً تديره نخبة مافيوية بالغة الثراء وكلية الحصانة، تعيش مثلما يعيش المليارديرات في الغرب.
وفق التحليلات الرائجة في الغرب ولدى قوى الأمر الواقع لدينا، تبدو مجتمعاتنا، بالأحرى، صناديق مغلقة، وهناك شخص اسمه (فيما يخص سورية) بشار الأسد يمسك بمفتاح صندوقه الخاص، "سورية الأسد"، الذي تقيمه فيه كائنات متماثلة، لا عيون لها ولا وجوه ولا أسماء، يطعمها بشار ويرعاها ويحميها، وهي من جانبها تحب أن يدوم هذا الوضع "إلى الأبد".
يريد الكتاب القول إن في سورية مجتمعاً، إن البلد ليس صندوقاً لا بنية داخلية له، إن للسوريين وجوه وعيون وملامح وأسماء وسير وتورايخ، إن هناك سكان وفقر ومطالبات سياسية، إن لنا تاريخاً في النضال من أجل امتلاك السياسة في بلدنا، وامتلاك بلدنا ذاته. التفكير الجيوسياسي الذي يتكلم على عواصم ورؤساء ومواقع جغرافيا وحروب ودول سيدة... لا يقول أشياء مهمة عن حياتنا وعن حريتنا، لكنه بالفعل يقول أشياء مهمة عن سحقنا وإذلالنا. ليس الجيوسياسي ما يفسر واقع سورية، بالعكس إن بنية سورية، دولة ومجتمعاً، وفي إطار تاريخي يمتد نصف قرن من حكم الأسرة الأسدية، هو ما يسهم في إضاءة وقائع المجال الشرق أوسطي، القائم على تجريد الدول المحلية للسكان من السياسة وتقرير مصيرهم، وعلى تجريد الدول ذاتها من السيادة في المجال الدولي (تعرض وجها سيادياً في الداخل، وجه الاستثناء الأبدي، المميت، ووجها سياسياً حيال الخارج القوي فقط). إغلاق الملعب الداخلي في سورية، ومعاملة السوريين بنهج الحملات التأديبية الاستعمارية، هو من بين أشياء أخرى جعلت بلدان الشرق الأوسط محرومة من دواخل اجتماعية وسياسية حية، ومستعصية تالياً على الديمقراطية.
ليس مرد ذلك هو الدين والثقافة، كما يقول الخطاب الذي يتقاسم مع الخطاب الجيوسياسي شرح المنطقة، أعني الخطاب الثقافوي الذي لا يكف عن الكلام عن إسلام وأصولية وطوائف وشيعة وسنة و"عقلية عربية" و"حضارة إسلامية"، وبقية النفايات الجوهرانية والعنصرية. ليست هويتنا الثقافية المفترضة هي ما تحدد واقعنا التاريخي، إن هذا الواقع هو ما يحدد الهوية الثقافية، هذا كي نتكلم بلغة ماركسية، مشدودة النظر إلى التحت الاجتماعي والاقتصادي للسكان، وليس إلى فوق أثيري كأننا بالونات منفوخة بالهواء. وليس لأننا مسلمون، بلداننا استثناء من الديمقراطية، بل لأن الشرط الاستعماري، المضاد جوهرياً للديمقراطية بطبيعة الحال، مستمر هنا: بفضل الدعم الغربي الأعمى لدولة استعمارية عنصرية مثل إسرائيل، تعامل المنطقة حولها كحقل صيد مباح، ولا تكف عن إبادة الفلسطينيين سياسياً، ثم بفضل وقوع حوض النفط العالمي في دول عائلية قليلة السكان، أدرجت في نظام الأمن القومي الأميركي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى وقت قريب. الاستثناء من الديمقراطية هو ما جعل بلداننا إسلامية، وليس العكس، أعني هو ما جعل من الإسلام إيديولوجية سياسية وحداً للفقر السياسي. دولة الأسديين التي تقوم جوهرياً على فلسطنة السوريين هي استمرار بنيوي لإسرائيل في الشرق الأوسط، وليس عدواً لها إلا من باب بلاغة إيديولوجية بلا رصيد واقعي.
هذا الكتاب الذي كتب نصفه في سورية قبل خروجي منها في خريف 2013 هو وثيقة نضالية، كاتبه منخرط في الصراع ومنحاز جداً، وإن أكن حاولت بقدر المستطاع أن أوفر معطيات وتحليلات تخاطب قارئاً حسن النية ومنفتح الذهن، يريد أن يعرف. لا أطلب من قارئ الأسبانية ولا أتوقع منه أن يسلّم بما أقول، أرجو فقط أن يجد في هذا الكتاب ما يحفز إلى معرفة المزيد عن سورية والسوريين، عن تاريخنا المعاصر وعن صراعنا المخذول من أجل التحرر. لا نختلف في شيء أساسي عن غيرنا. لدينا مشكلات كثيرة، كان يمكن ألا يكون النظام الأسدي أسوأها لولا أنه، طوال جيلين من تاريخه (أطول من حكم فرانكو بأكثر من عشر سنوات سلفاً)، حال بيننا وبين معالجة مشكلاتنا الأخرى، الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والحقوقية. لا نستطيع المبادرة إلى تكنيس شارع أو تنظيف نهر ملوث، أو الاجتماع في بيت خاص للنقاش في شؤون عامة، أو تشكيل جمعية لقراءة الكتب، أو جمعية أخرى لمحاربة الطائفية. وبطبيعة الحال لا نستطيع تشكيل حزب سياسي أو نقابة عاملين في حقل ما أو منظمة حقوقية. لقد كنا عبيداً سياسياً. "سورية الأسد" والنظام الشرق أوسطي، والشرق الأوسط نظام دولي فرعي وليس مجرد إقليم جغرافي، يقومان على العبودية السياسية. وأول التحرر من الاستعمار والنضال ضد الامبريالية هو كسر قيود هذه العبودية. كانت الثورة السورية ثورة عبيد من أجل الحرية وتقرير المصير. وقد حطمت على يد النظام المحلي والنظام الشرق أوسطي، وبمشاركة القوى القائدة في النظام الدولي. التحرر السوري لذلك قضية دولية، وقضية المستقبل.
البداهة تقضي بأن لا حلول محلية لمشكلات عالمية، ولا حلول في الماضي لمشكلات المستقبل. العالم والمستقبل، أو العالم- المستقبل هو المشروع الذي يُقرِبنا من بعض، يوحدنا. سورية المتحررة هناك، في هذا المشروع.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسائل إلى سميرة (9)
- العيش في المؤقت
- استخدام الإنكار وسوء استخدامه في تناول الجينوسايد
- سجناء مُطلقون، وسجانهم النسبي، تحت القصف
- مقالات إلى سميرة (4) المظلومية، الظالمية، الظلامية: ظهور طائ ...
- ثلاثة أبعاد لقضية اللاجئين
- مقالات إلى سميرة (3): شبكة الغياب
- ضد العملية التركية في عفرين
- مقالات إلى سميرة (2): عن الصداقة والعداوة
- إلى سميرة: أربع سنوات وأربع كلمات
- مقالات إلى سميرة (1) عن الحب والكره
- قضية سميرة ورزان ووائل وناظم، والإسلاميون
- التغيبب القسري: منظور شخصي
- الدين والتجربة الشخصية: شهادة
- من المظلومية إلى الحرب الأهلية: جيش الإسلام ونظام الحزب الوا ...
- رسائل إلى سميرة 7
- إعادة بث السحر في العالم
- رسائل إلى سميرة 6
- الثورات العربية، الإسلاميون، الطائفية، اليسار والعالم/ حوار
- رسائل إلى سميرة 5


المزيد.....




- نتنياهو يأذن لمديري الموساد والشاباك بالعودة إلى مفاوضات الد ...
- رئيس وزراء بولندا يكشف عن -جدال مثير- أشعله نظيره الإسباني ف ...
- دراسة رسمية تكشف أهم المجالات التي ينتشر فيها الفساد بالمغرب ...
- تشابي ألونسو يستعد لإعلان قرار حاسم بشأن مستقبله مع نادي ليف ...
- الجيش الروسي يكشف تفاصيل دقيقة عن ضربات قوية وجهها للقوات ال ...
- مصر.. إعادة افتتاح أشهر وأقدم مساجد البلاد بعد شهرين من إغلا ...
- قائد القوات الأوكرانية: تحولنا إلى وضع الدفاع وهدفنا وقف خسا ...
- مقتل شخص وإصابة اثنين إثر سقوط مسيّرة أوكرانية على مبنى سكني ...
- استطلاع يظهر تحولا ملحوظا في الرأي العام الأمريكي بحرب غزة
- معتمر -عملاق- في الحرم المكي يثير تفاعلا كبيرا على السوشيال ...


المزيد.....

- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد
- تشظي الهوية السورية بين ثالوث الاستبداد والفساد والعنف الهمج ... / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - مقدمة الطبعة الأسبانية لكتاب -الثورة المستحيلة-