أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - حسين علوان حسين - تداعيات في وقت الفراغ















المزيد.....

تداعيات في وقت الفراغ


حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي

(Hussain Alwan Hussain)


الحوار المتمدن-العدد: 5809 - 2018 / 3 / 8 - 17:29
المحور: كتابات ساخرة
    


مِنَ الناسِ من يذهب إلى القول بأنه ما من أديب كبير يستطيع الزعم بتوفر وقت الفراغ الكافي لديه لصياغة كل ما يود التعبير عنه ؛ و لو تهيأ مثل هذا الوقت لكل صاحب يراعٍ مكينٍ طوال التاريخ لفاز البشر اليوم بكنوز جديدة تتكفل بمزيد الإثراء للعقل و الوجدان بأعمال ألف من طراز كاتب قصيدة "الثور المسمًّن العظيم " (1) و ملحمة گلگامش و روائع هوميروس و إمرئ القيس و المعري و دانتي و تولستويٍ و نيرودا و ماركيز و الجواهريٍ . فكم من أبناء عبقر خنقت صوته لُجج الحياة حالاً على حال ، فتوسَّد قبرَه قبل أن يَسمع جِرْسَ كلماته سميع . و لسوء الحظ - أو ، ربما ، لسعده - فإن عمر الإنسان قصير : مجرد طرفة عينٍ تمرُّ لحظة متساميةً عبر وقت "فراغ" الأزل الطويل ؛ في حين أن مشاغل الحياة كثيرة و معقدة عند البشر ، أقلها كيفية تزجية وقت الفراغ .
و من الناس من يذهب إلى عكس هذا ، فيقول : " لو أن كبار الكتاب قد كرّسوا نصف الأوقات التي بددوها في مساجلة نقادهم و زوجاتهم ، لتركوا لنا ضعف أعمالهم العظيمة الآن" . آخرون يقولون : "وقت الفراغ طويل ، و هو كالسيف البتّار : إن لم تقطعه ، قطعك . و المرؤ لا يصبح عظيماً بالاستناد إلى ما سيفعله في "وقت فراغه" بالمستقبل الذي قد لا يحل أبداً ، و من يمتلك الموهبة و الدربة لا يعدم اقتناص الوقت المطلوب "لبلورة" اللحظات الفنية للحياة الغنية القاسية في درر سنية بهية . وحده العاجز هو من يعد بالجزيل ، و لا ينجز سوى القليل ، متعللاً بعدم وجود "وقت الفراغ" لديه و هو يرتشف متلذذاً أكواب الشاي في المقهى تلو المقهى . مثل أولئك معتلون بوجود فراغ ذهني ، و ليس عدم وجود وقت للفراغ ."
أما بعض الفلاسفة "المتفرغين" فيقول : "إن الخواء فرع للفراغ ، فليس كل ما هو فارغٌ خاوٍ ، في حين أن كل خاوٍ فارغ ، و العمل هو آفة الخواء ، و هو زاد الحياة و ملحها . وقت الفراغ يبدده العمل النافع ؛ أما فراغ العقل فتبدده تجاريب الحياة . و إذا كان فراغ المعدة يبدده الطعام ، فشتان بين الكافيار بالبراندي و الخبز بالماء . و فراغ الجيوب يسده الدينار ، و إن كانت أغلب الجيوب تحلق طرباُ بأقل الفلاسين ، و جيوب القلة القليلة من الآخرين تتدافع داخل محشرها صناديق الدولارات الحرام التي ما يفتأ متغنِّموها عن التباكي طالبين هبر المزيد لكيلا "يديحون" مع الدائحين المساكين الأشراف ؛ و ما يسلبه البرابير اليوم ، يبدده الطراطير بكرة . أما القلوب الحرة ، فتملأها الدماء الحارة الدافقة بالحب و الإيمان ؛ و لكن يبقى خواء الروح هو أرعب داء ."
فلاسفةُ آخرون يؤكدون اختلاف الناس في تزجية أوقات فراغهم . صحيح أن بعض أطبائنا يمضون أوقات دوامهم و فراغهم بالتحرش بالصغيرات يميناً و شمالاً ، و بلعب القمار و "بالكبسلة" و هم يتندرون على زملائهم الأجدر من نفس الاختصاص – على قاعدة أن المتسول لا يحب غيره من المتسولين الأشطر في نفس الشارع – إلا أن الصحيح أيضاً هو أن كل زعماء الأحزاب الدينچية و القومچية الحاكمة ممن جلبهم المحتل الأمريكي ، سيدهم الأكبر ، من مزابل التاريخ الأغبر إلى عرش العراق يحرِّمون على أنفسهم بكل تقوى صميمية أي وقت للفراغ لكيلا تفوت على أحدهم فرصة سانحة جديدة لسرقة أموال الأحياء و الأموات من أبناء الشعب العراقي المدجن بالطائفية و بالعنصرية ، فيغتنمها غيره قبله ، فيسبق السيف العذل ، و لات ساعة مندم ؛ خصوصاً و أن الدواجن العراقية ما فتأت منذ سبعة آلاف عام تبيض ذهباً لأوليائها ، لكي يسمحوا لها بالاكتفاء بلَقْطِ جيف مزابلهم في النهار و السكوت عن سرقة ذهبهن في الليل . و في الليل الذي يتغنى به مغنّونا – الإناث منهن أطرب من الرجال - يمضي صيارفة القطاع الخاص العراقي أوقات فراغهم في عدِّ تلال رزم النقود للمال الحرام المبيض بكل شرعية قانونية من دولارات الشعب العراقي المهربة للخليج و عَمّان و القاهرة و لندن و نيويورك . أما القضاة و المحامون ، فيمضون وقت فراغهم في الحكم و الطعن و الترافع عن جرائم سريالية وهمية ، مبارزين طواحين الهواء ، و راقصين على الحبال وهم يتفرجون على المجرمين الحقيقيين الطلقاء بين ظهرانيهم ممن يتفاخرون بأفعالهم و يفرِّخون في كل مجال . و على العكس من كل هؤلاء و أولئك ، فإن النباتات لا يتسنى لها التمتع بأي وقت للفراغ لانشغالها بتجهيز الانسان و الحيوان بالأوكسجين و الطعام بالمجان بنكران ذات نبيل و بعدالة و رزانة ملائكية تحسدها عليه ربات الحجال .
و قد يزعم بعض الحكماء أن الفراغ فراغان : فراغُ في المكان ، و آخر في الزمان الذي تتكشف شمس تاريخه على كشف الطالح و الصالح في كل مكان . و يجادلهم آخرون بمقولة نسبيّة الفراغ ، و رحم الله "تورشيللي" و "فراغه المطلق" على هذا و ذاك . و لكن أغلبهم متفقون بأن زمر النحل و النمل تمضي كل أوقات فراغها بالتشييد و التزوّد من زاد الله بعرق الجبين رغم الداء و الأعداء من ملوثي البيئة و العقول في كل مكان . أما "القليل" من النقّاد في شرقنا الحزين الحافل بالمهرجين ، فيتهمهم البعض بتزجية وقت فراغهم في تسميم اللباب السائغ الذي "ركّبته" عقول فذة ، محولين إياه إلى زقّوم ؛ و هذا ما يفسر تواتر إصابتهم هم و الطبّالين لهم بقرح المعدة و الأمعاء ، و صرفهم جل "مكافآتهم" في دكاكين الصيادلة من مروجي الأدوية منتهية الصلاحية التي لا تُنتج إلا للمغفلين و التائهين بلا ولاة غيورين على مصالح شعوبهم . مصائب قوم عند قوم فوائد ، و الكل دائر في دوامة حلقة قذرة "مفرغة" .
و أخيراً ، و ليس آخراً ، فإن إدارة الرئيس الأمريكي الفاسق الفاسد ترَمْب – لم يجد دهاقنة السياسة لامبريالية النار الأمريكية وغداً أسوأ منه يسلمونه دفة الدفاع عن مصالحهم العدوانية – "متفرغة" الآن لملء "الفراغ" الذي تركه انهيار الاتحاد السوفيتي بالتبشير بدين شعبوي قديم-جديد يقوم على شعار "أمريكا فوق الجميع" ، مع وجوب "تفرغ كل شعوب العالم لعبادة الدولار" ، و ما شاكل ذلك من "اللغو الفارغ" . و هي تنادي بنظام عالمي جديد – لا يؤازره إلا صغار خدمه من حكام الخليج و الكيان الصهيوني و حلفائهم في مصر و السودان ووو – قائم على تشريع سياسة شن الحروب و التلويح بها في كل مكان ، أو القبول بالانبطاح للنهب الامبريالي الأمريكي لكل شيء . ترَمْب يَهبُر و لا يُهبَر ، هازئاً بثوار العالم الأحرار الثابتين على مقولة "لا" ضد الظلم بشكل أشكاله . و قد يفوتك من الدعاية الفجة لإمبريالية النار الأمريكية "تفريغ" كثير .

(1)
شاعر عراقي سومري مجهول الاسم هو المؤلف – قبل 4000 سنة - لأول قصيدة نقد سياسي مبطن في التاريخ عنوانها " الثور المُسمَّن العظيم" ، ستكون هي موضوعي الآتي .



#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)       Hussain_Alwan_Hussain#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأرنب و السلحفاة
- الجيف بروائحها ، لا بألوانها
- انحناءة إجلال للبلاشفة في مئوية ثورة اكتوبر / 5-5
- انحناءة إجلال للبلاشفة في مئوية ثورة اكتوبر / 4-5
- انحناءة إجلال للبلاشفة في مئوية ثورة اكتوبر / 3-5
- المنهج البنيوي في العلوم الاجتماعية (5-5)
- المنهج البنيوي في العلوم الاجتماعية (4-5)
- المنهج البنيوي في العلوم الاجتماعية (3-5)
- المنهج البنيوي في العلوم الاجتماعية (2-5)
- المنهج البنيوي في العلوم الاجتماعية (1- 2)
- قصيدة من دفتر قديم للشاعر : عمار حسين علوان (عمار العراقي) ع ...
- جرائم آل سعود تخجل منها النازية
- انحناءة إجلال للبلاشفة في مئوية ثورة اكتوبر / 2-5
- أرزاق الله
- ماركس : تدوير رأس المال و الخدمات (5-5)
- ماركس : تدوير رأس المال و الخدمات (4-5)
- ماركس : تدوير رأس المال و الخدمات (3-5)
- ماركس : تدوير رأس المال و الخدمات (2-5)
- ماركس : تدوير رأس المال و الخدمات (1-5)
- هل سيشعل ترَمْب حرباً نووية ؟ 3-3


المزيد.....




- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - حسين علوان حسين - تداعيات في وقت الفراغ