أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - زهير إسماعيل عبدالواحد - قراءة..في رواية [ العمى ]














المزيد.....

قراءة..في رواية [ العمى ]


زهير إسماعيل عبدالواحد

الحوار المتمدن-العدد: 5804 - 2018 / 3 / 3 - 01:10
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


قراءة في رواية { العمى }

عن الرواية:

في صباح أحد الأيام, وبدون أي مقدمات, وعند إحدى الإشارات المرورية, يستشري العمى مثل طاعون مجنون في أحد المدن ..

ومن ثم تنطلق الرواية.

في أول صفحة, وعلى أول سطر, ومن أول كلمة, تنفجر الأحداث في وجه القارئ؛ لأن في مثل هذه الأعمال العظيمة لا يوجد أي متسع للثرثرة.

في رواية العمى استخدم ساراماغو كل الوسائل الأدبية الممكنة ليجعلك تعيش تجربة العمى المفاجئ, وأنا هنا لا أقصد فقط تقمصك لشخوص القصة, بل أعني أن رواية العمى تنقلك تماما لعالم الرواية الخاص, لكنها تنقلك إلى هناك أعمى؛ الرواية توجد عالمها الخاص وتمنعك من رؤيته, وهنا فقط يداهمك شعور العمى, وهنا – وفقط هنا – تعرف لماذا حازت هذه الرواية جائزة نوبل عام 1998.

ما يستحق التنبيه هو أن بعض الأساليب المستخدمة لتحقيق غاية الرواية ( نقلك أعمى لعالم الرواية ) قد تبدو مربكة في البداية, لكن هي كأي شيء أخر, تحتاج بعض الوقت والممارسة لتصبح مألوفة ومستطعمه, سوف استعرض في السطور القادمة بعض هذه الأساليب, وقد بدا لي أنها سوف تجعلك مستعد أكثر للرواية, وتجعل قراءتك لها أسهل, ولن تحرق عليك شيء.

في البداية هذه الرواية تجمع بين متناقضين: العقدة الاستثنائية العجيبة الشبه فنتازيه للرواية والأسلوب الواقعي الكلاسيكي في سردها؛ عقدة الرواية خيالية لكنها تٌحشر في عالم مطابق للعالم الحقيقي وتحكى بطريقة واقعية, وهذا بالضبط ما جعل هذه الرواية مقنعة, وتناقض السرد والعقدة هو مكمن الإثارة.

أسلوب ساراماغو في هذه الرواية, يعتمد على الجمل والفقرات الطويلة, بعض الفقرات وصل طولها لصفحتين, لذا يكون المشهد الواحد طويلاً وفي نفس الوقت ذو إيقاع سريع, وهذا هو ما سوف يحبس أنفاسك.

يستخدم ساراماغو في هذه الرواية أسلوب في الحوار اسمه (back-and-forth dialogue) أو ( الحوار ذهاباً وإياباً ) وهذا الأسلوب يعتمد على كتابة الحوار دون علامات اقتباس, ومن دون ذكر قائل الجملة, أو كيف قالها. هذا الأسلوب عادة يرافقه استخدام فواصل ونقط فقط, بمعنى أنك لن تجد في الرواية كلها علامة استفهام أو علامة تعجب أو فواصل منقوطة, ويكون هذا الأسلوب كالتالي:

( متى سوف تقلع طائرتك. بعد ساعة. لا أحب الطائرات. من طلب منك أن تفعل ذلك )

هذا الأسلوب قد يكون مزعجاً لك في البداية, لكنك سوف تعتاده بعد تجاوزك لأوائل الصفحات.

أسلوبا الحوار والسرد دمجها ساراماغو مع أربع أفكار هي كالتالي:

الفكرة الأولى: التقتير في الوصف البصري. الأماكن والأشخاص والأحداث توصف بأقل قدر ممكن من الأوصاف البصرية, بل إنها توصف بالحد الأدنى منه, وهذا هو بالضبط سبب استخدم أسلوب الحوار ذهاباً وإياباً, فهذا الأسلوب يضمن أقل وصف بصري لحالة الشخصية عندما تتكلم.

الفكرة الثانية: البذخ في وصف المدركات غير البصرية. الروائح, نبرات الأصوات, توصف باستفاضة, وهذه الفكرة أيضا سبب آخر لاستخدام أسلوب الحوار ذهابا وإيابا, لأن هذا الأسلوب يسمح بحوارات طويلة ( مدركات صوتية كثيرة ) دون وصف بصري.

الفكرة الثالثة: التسميه الوصفيه. لا يوجد أسماء أبدا في هذه الرواية, الشخصيات لم تسمى, المدينة لم تسمى, الدولة لم تسمى, بل لا يوجد أي اسم لأي علامة تجارية أو شخص أو حدث تاريخي, لا يوجد أي اسم على الإطلاق, واعتمد المؤلف في الإشارة لشخصيات الرواية بالوصف ( الطبيب, الفتاة ذات النظارة السوداء, الطفل الأحول), وهذا النوع من الإشارة للشخصيات لن تجده مملاً؛ لأن الرواية تعتمد على البطولة الجماعية للشخصيات. في الحقيقة اسم الرواية أيضاً وصفي, فاسم العمى هو اقرب لوصف للرواية منه لعنوان لها, في الحقيقة التسمية الوصفيه لها تأثير هائل في إيجاد وهم العمى للقارئ؛ لأن الأسماء تعطي انطباعات بصرية, وحتى هذا الحق البسيط سلبه ساراماغو من قراءه.

الفكرة الرابعة: إبهام الزمن. حاول المؤلف قدر استطاعته أن يخفي زمن الرواية, ولولا بعض الاختراعات البسيطة الواردة في الرواية لضاع إدراك الزمن تماماً بالنسبة للقارئ. وباستخدام هذه الفكرة مع الفكرة الثالثة يسلبنا المؤلف القدرة على التصور والتخيل المبنية على الزمان والمكان, فالمكان والزمان يعطيان قدرة على تخيل شكل الأحداث؛ فحادث سيارة في مدينة الرياض نتخيله بشكل مختلف عن حادث آخر في القاهرة, وتقاتل رجلين في العصر الإغريقي يختلف عن تقاتلهما في العصر العباسي.

هذه الأفكار الأربعة بالإضافة لطريقة السرد وطريقة الحوار كانت طرائق رائعة لنقل تجربة العمى المفاجئ للقارئ, طبعا قبل كل شيء هو سحر كتابة ساراماغو الذي فعل ذلك لكن هذه كانت وسائله.

جدير بالانتباه أنه وبرغم أننا نستطيع أن نرى وجوه عديدة للرعب في هذه الرواية إلا أن أسلوب كتابة الرواية كان ساخراً للغاية, وهذا تناقض رائع أخر.

حقيقة إن الأسلوب السردي لساراماغو مذهل جدا, إن أقل وصف يمكن أن أصف به هذا السرد هو أنه ( جليل ), الحكمة تجري بين سطوره, وبدون أي افتعال أو قسر, دائما يملك هذا الرجل تعميماً رائعا ينتقل به للحدث التالي. يحب ساراماغو أن يذكر الأمثال والحكم في سرده, لكن بشيء من التدقيق يتضح لنا أن معظم ما كتبه من جمل بليغة ليس كلاماً مشهورا متداولا بقدر ما هو في الحقيقة وليد سطره.

كيف استطاع أن يكتب رواية عظيمة ساحره أبدية كهذه بكل التكبيلات التي فرضتها عليه فكرة الرواية؟ .. كيف استطاع أن يجمع كل هذه المتناقضات المذهلة في سرده؟ .. كيف يستطيع أن يكتب بعفويه سطور تخالها حكم سرمديه؟ .. كيف استطاع أن يدير بطولة النص الجماعية بهذه الدقة اللا متناهية؟ ..

جواب هذه الأسئلة جميعاً هو: لهذا نال جائزة نوبل في الأدب بسبب هذه الرواية.

■ زهير إسماعيل عبدالواحد



#زهير_إسماعيل_عبدالواحد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة...في رواية [ بيت السودان ]
- قراءة...في كتاب[الجهل المقدس ]
- قراءة....في كتاب (( أنماط الرواية العربية الجديدة ))
- قراءة.....في كتاب[الدين والظمأ الأنطولوجي]
- قراءة.....في كتاب ((فن الحرب ))
- قراءة....في كتاب وليد الكعبة
- قراءة.....في رواية استخدام الحياة
- قراءة....في كتاب[العرب والبراكين التراثبة ]
- قراءة...في كتاب اجتماعية التدين الشبعي
- قراءة...في كتاب (إغلاق عقل المسلم )
- قراءة...في كتاب التيه الفقهي


المزيد.....




- أطلقوا 41 رصاصة.. كاميرا ترصد سيدة تنجو من الموت في غرفتها أ ...
- إسرائيل.. اعتراض -هدف مشبوه- أطلق من جنوب لبنان (صور + فيدي ...
- ستوكهولم تعترف بتجنيد سفارة كييف المرتزقة في السويد
- إسرائيل -تتخذ خطوات فعلية- لشن عملية عسكرية برية في رفح رغم ...
- الثقب الأسود الهائل في درب التبانة مزنّر بمجالات مغناطيسية ق ...
- فرنسا ـ تبني قرار يندد بـ -القمع الدامي والقاتل- لجزائريين ب ...
- الجمعية الوطنية الفرنسية تتبنى قرارا يندد بـ -القمع الدامي و ...
- -نيويورك تايمز-: واشنطن أخفت عن روسيا معلومات عن هجوم -كروكو ...
- الجيش الإسرائيلي: القضاء على 200 مسلح في منطقة مستشفى الشفاء ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 680 عسكريا أوكرانيا وإسقاط 11 ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - زهير إسماعيل عبدالواحد - قراءة..في رواية [ العمى ]