أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الله حبه - مأساة -المحاصصة- في داغستان















المزيد.....

مأساة -المحاصصة- في داغستان


عبد الله حبه

الحوار المتمدن-العدد: 5796 - 2018 / 2 / 23 - 14:26
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مأساة "المحاصصة" في داغستان
موسكو – عبدالله حبه
لا توجد مشكلة مستعصية على الحل أمام السلطات الروسية، منذ أيام القياصرة والسوفيتات وحتى في أيام السلطة الروسية الحالية، مثل مشكلة توزيع الكوادر الإدارية في جمهوريات شمال القوقاز الروسية . وجمهورية داغستان حيث يعيش أبناء 40 قومية، وأكثرها باق حتى الآن بلا لغة مكتوبة، تشغل موقعا متميزا بين هذه الجمهوريات لكونها متعددة القوميات. فجمهورية الشيشان مثلا ذات قومية واحدة وجميع أهلها من الشيشان،وكذلك الحال في جمهورية الانجوش وجمهوريات القوقاز الأخرى . طبعا ما زالت باقية هناك رواسب الأنظمة العشائرية التقليدية فيها. وكانت داغستان خلال عدة قرون مسرح نزاعات مستمرة بين أبناء مختلف القوميات بهدف السيطرة على مصادر المياه والمراعي . وكانت "الغزوات " بينها مستمرة بلا توقف وتراق فيها الدماء ويمارس النهب والسلب. وعندما أحتلت روسيا مناطق شمال القوقاز في اواخر القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر قامت بدور الوسيط في حل النزاعات بين هذه القوميات على أساس الوفاق والمصالحة. بينما حاول الإمام شامل (1797-1871) إقامة دولة موحدة في شمال القوقاز على أساس الشريعة الإسلامية بهدف تأسيس دولة ذات سلطة مركزية ، لكنه هزم وأستسلم الى القوات الروسية حيث كان مصيره النفي الى وسط روسيا ، ثم السماح له لأداء فريضة الحج حيث توفي في المدينة المنورة ودفن في مقبرة جنة البقيع الى جانب الصحابة وزوجات الرسول (ص).ويشير المؤرخون الى أن أحد أسباب هزيمة الإمام شامل كان ليس ملاحقة القوات الروسية له فقط، بل خيانة الأمراء من الآفار والداغرين الذين خشوا ان يحتكر السلطة لوحده.
لقد وجدت السلطة السوفيتية منذ عام 1921 ان الأفضل من اجل إستتباب الإستقرار في داغستأن أن تواصل سياسة روسيا القيصرية في عدم التعرض الى التقاليد المحلية، ولاسيما الدينية، وعدم التعامل معها كما في بقية مناطق الإتحاد السوفيتي. ولو أن سياسة الإلحاد كانت تطبق شكليا على نطاق الدولة كلها. وأخضعت قيادة موسكو موضوع التعيينات في المناصب الإدارية الى مبدأ " المحاصصة" وعلى أساس الوفاق. وكان منصب رئيس الجمهورية في داغستان يشغله بصورة دورية احد ابناء الآفار أو الدارغين وهلمجرا. ولكن السلطة السوفيتية فرضت رقابة صارمة على توزيع المناصب وفرضت أن يكون نائب كل رئيس جمهورية وكل مدير ادارة في داغستان من ابناء روسيا او اوكرانيا او بيلوروسيا وغيرها للحؤول دون حدوث تناقضات ونزاعات داخلية. ولكن بعد سقوط الاتحاد السوفيتي انشغل الكرملين في الصراعات الداخلية وفي الحرب الشيشانية ولم يبد أي إهتمام بما يحدث في داغستان .وظهرت الحاجة الى دعم الداغستانيين لدى قيام الشيشان بقيادة خطاب وباسايف بالهجوم على داغستان في عام 1999 ، وسلمت موسكو السلاح الى الداغستانيين لمساعدة الجيش الروسي في التصدي الى الزحف الشيشاني . ومارس الداغستانيون ولا سيما الآفار والدارغين دورا ملحوظا في هذه الحرب. ولكن بعد إنتهاء الحرب الشيشانية تركت السلطة المركزية في موسكو الوضع في جمهورية داغستان على حاله وبلا رقابة مما فتح الأبواب أمام نشاط العناصر الإجرامية وقوى الفساد التي تسللت الى كافة مؤسسات الجمهورية من دوائر الحكومة الى الجامعات والمعاهد ودوائر الجمارك والضرائب والصحة وغيرها. وصارت المناصب تباع بملايين الدولارات ، فمثلا ان منصب وزير الثقافة يباع ب5 ملايين دولار ومنصب عمدة محج قلعة ب15 مليون دولار. كما لا يمكن عمل أي شئ بلا رشوة. وازدادت البطالة في اوساط الشباب الذين وضع بعضهم تحت تأثير المنظمات المتطرفة ومنها داعش. وأراد الكرملين إصلاح الوضع جزئيا بعد تنامي سخط الأهالي من تفشي الفساد فعمد الى تعيين الأكاديمي الداغستاني رمضان عبد اللطيفوف المعروف بنزاهته والذي كان يقطن بموسكو في منصب رئيس الجمهورية. لكن عبد اللطيفوف وقف عاجزا عن مواجهة نظام الوفاق على أساس " المحاصصة" الموروث منذ عشرات السنين. فإستمر الوضع كحاله سابقا.
واليوم لدى إقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في روسيا قررت السلطات شن حملة واسعة النطاق ضد الفساد في كافة أنحاء روسيا الإتحادية وطالت مسؤولين كبارا في الاقاليم وحتى وزير التنمية الاقتصادية وبعض نواب الوزراء. وكان لا بد أن تطال هذه الحملة جمهورية داغستان - بؤرة الفساد. فصدر مرسوم رئاسي بإقصاء عبد اللطيفوف من منصب رئيس الجمهورية وتعيين الروسي فلاديمير فاسيلييف بدلا منه . كما تم إستدعاء ارتيوم زدنوف المسلم من جمهورية تتارستان لشغل منصب رئيس الوزراء، وهذه سابقة خطيرة بالنسبة الى داغستان . ويبدو أن الكرملين قرر إقصاء جميع الداغستانيين من المناصب العليا حتى تختتم عملية التطهير التي شملت إعتقال رئيس الوزراء عبدالصمد حميدوف ونائبه شامل ايسايف وأمين العاصمة محج قلعة وكبير المهندسين المعماريين في المدينة ومدير هيئة الضرائب ومدير الميناء وعددا كبيرا من كبار المسؤولين. وقامت أجهزة الأمن القادمة من موسكو بحملة تحريات واسعة النظاق ومصادرة الوثائق في وزارة المالية ووزارة التعليم ودوائر الصحة في العاصمة والأقاليم لمعرفة مصير الأموال التي تقدمها موسكو سنويا لدعم الجمهورية والتي لا يعرف أحد مصيرها . علما إن الجمهورية تعاني مع بعض الاقاليم الروسية الأخرى من العجز المالي الدائم وتعتمد كليا على دعم الميزانية الإتحادية لها، لأنها لا تنتج شيئا في الواقع . كما منع كبار الموظفين الداغستانيين من مغادرة روسيا .
ويعتقد المراقبون أن حركة الكرملين في داغستان خطوة تكتيكية قوية من جانب الكرملين، لكن لا تعرف حصيلتها الإستراتيجية . فإن المجتمع الداغستاني ما زال تحت وطأة التقاليد، ولا يتقبل التغييرات التي يجريها الكرملين إلا على مضض. فهناك الطالب يحتاج حين يدخل الى الجامعة الى دعم أحد الأقارب ولدى التخرج منها يحتاج الى الدعم لشغل وظيفة ما. وهنا تعمل منظومة المحسوبية بكل قوتها. إذا فالمصالح الفئوية لهذه القومية أو تلك يمكن أن تواصل فرض قوانينهنا على نظام مؤسسات الدولة حتى بعد تغير النخبة الحاكمة في الجمهورية . إن المصالح الفئوية باقية وستجدا لها شكلا آخر لفرض نفوذها.لاسيما إن نواب المسؤولين القادمين من موسكو لابد أن يكونوا من الأهالي المحليين أي من الآفار والدارغين واللزجين الذي سيواصلون "خفية" سياسة المحسوبية والفئوية ولكن على نطاق آقل.
إن عدد سكان جمهورية داغستان ليس كبيرا وحسب الأحصائيات، فإنه يربو على ثلاثة ملايين نسمة. ويشكل الآفار الاكثرية ( 9000 نسمة ) والدارغين (600 ألف نسمة ) والقوميق (500 ألف نسمة )واللزجين ( 500 ألف نسمة ).
إن النظام الذي فرضه البلاشفة في عام 1921 حول تسليم دوائر السلطة الى العناصر القومية المحلية قد طبق بنجاح تحت الرقابة الصارمة للمركز. فقد كان الكرملين يراقب جميع تحركات المسؤولين المحليين ويجري التغييرات اللازمة عند الضرورة . لكن الوضع قد تغير في روسيا " الديمقراطية " الأكثر ليبرالية.
ولا ريب في إن التغييرات الجذرية في دوائر السلطة في داغستان تمثل تحذيرا الى النخب الحاكمة في الجمهوريات والأقاليم الروسية القومية الأخرى بأنها يجب ألا تنسى وجود الكرملين الذي لا يرغب سوى بإستقرار الوضع وعدم حدوث إضطرابات جماهيرية، في الوقت الذي يشن فيه الغرب حملة لفرض الحصار على روسيا وتهميش دورها الى الصعيد الدولي، وجعلها مثل القلعة المحاصرة التي يوجد فيها دائما الطابور الخامس الذي يمكن أن يفتح ابوابها أمام العدو في اية لحظة لدى حدوث قلاقل ما في داخلها.
ويعتقد بعض المراقبين أن داغستان بحاجة ليس الى مكافحة الفساد فقط ، بل الى إستئصال شأفة العقلية التقليدية في الخضوع الى مصلحة عشيرة أو فئة ما وليس الى الوطن كله. لقد حاربت السلطات الفساد في داغسان سابقا مرارا . ففي عام 2013 زجت في السجن سعيد اميروف عمدة محج قلعة الأسبق ، ومن ثم اعتقلت موسى موسايف الذي حل محله بتهمة الفساد أيضا. وبرأيهم إنه يجب أن يكون هدف إحلال العدالة الاجتماعية القاعدة التي يرتكز عليها أي تغيير في نظام السلطة .أن الداغستانيين يتوقون الى التغيير ولكن لا يعرف مدى إستعدادهم للتخلي عن تقاليد الإنتماء القومي والفئوي. فالقوانين لا تطبق في الجمهورية بل تمارس تأثيرها أية مكالمة هاتفية من أحد ما الى المسؤول لكي يتخذ القرار المطلوب. إن مآساة داغستان تكمن في صعوبة إجراء اصلاحات جذرية فيها من دون المساس بمصالح حوالي 40 قومية لكل واحدة منها خصوصياتها وتقاليدها. ويجب البدء من التربية في المدارس والجامعات ووسائل الإعلام وتوفير فرص العمل ببناء مشاريع اقتصادية ذات مردود لكي تتخلص الجمهورية من دعم المركز وتسلط اصحاب العقارات ومهربي الكافيار الأسود وغيرهم من العناصر الطفيلية، وخلق أجيال جديدة ذات نظرة أوسع وتفكير أعمق حول شكل العلاقات بين القوميات في دولة مترامية الأطراف مثل روسيا الاتحادية.



#عبد_الله_حبه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- موسكو وواشنطن...ارهاصات الحرب الباردة الجديدة
- في يومتسلل-شبح الشيوعية- الى بتروغراد
- عن الشاعر الكبير ماياكوفسكي
- جيان و -دلمون- ...والعودة للأسطورة
- يمناسبة الذكرى المئوية لرحيل ليف تولستوي
- روناك شوقي واشكالية المسرح المهاجر


المزيد.....




- فيديو لرجل محاصر داخل سيارة مشتعلة.. شاهد كيف أنقذته قطعة صغ ...
- تصريحات بايدن المثيرة للجدل حول -أكلة لحوم البشر- تواجه انتق ...
- السعودية.. مقطع فيديو لشخص -يسيء للذات الإلهية- يثير غضبا وا ...
- الصين تحث الولايات المتحدة على وقف -التواطؤ العسكري- مع تايو ...
- بارجة حربية تابعة للتحالف الأمريكي تسقط صاروخا أطلقه الحوثيو ...
- شاهد.. طلاب جامعة كولومبيا يستقبلون رئيس مجلس النواب الأمريك ...
- دونيتسك.. فريق RT يرافق مروحيات قتالية
- مواجهات بين قوات التحالف الأميركي والحوثيين في البحر الأحمر ...
- قصف جوي استهدف شاحنة للمحروقات قرب بعلبك في شرق لبنان
- مسؤول بارز في -حماس-: مستعدون لإلقاء السلاح بحال إنشاء دولة ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الله حبه - مأساة -المحاصصة- في داغستان