أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منير ابراهيم تايه - الترجمة نقل حرفي أم فعل إبداعي؟















المزيد.....

الترجمة نقل حرفي أم فعل إبداعي؟


منير ابراهيم تايه

الحوار المتمدن-العدد: 5794 - 2018 / 2 / 21 - 17:35
المحور: الادب والفن
    


منذ ان نشأت اللغات وترسخت نشأت الترجمة، وعبر التاريخ لعبت دورا بالغ الأهمية في نقل المعارف والثقافات بين الشعوب. فاليونان يرسلون الطلاب والدارسين إلى مصر القديمة للتعلم ونقل معارفها إلى الإغريقية، ثم يأتي الرومان فينقلون عن الإغريقية آدابها وفلسفتها، ويأتي العرب فينقلون عن اللاتينية والإغريقية، ويأتي العصر الوسيط فيدفع بالأمم الأوربية الغارقة في عصر الظلمة إلى نقل المعارف عن العرب. وهكذا تترجم كتب ابن سينا وابن رشد وابن الهيثم والكندي والرازي وغيرهم من علماء النبات والفلك والجغرافيا والتاريخ.. ويظل كتاب القانون يدّرس حتى القرن السادس عشر في بعض الجامعات الأوربية، إذ تبقى الترجمة اللحمة التي تربط الخيوط في نسيج الحضارة البشرية يجعل منها فعلا انسانيا بالدرجة الاولى. والقارئ العربي يدين بالفضل في دخوله إلى عوالم الأدب المكتوب بلغات أخرى إلى المترجم العربي الذي اجتهد في نقله إلى تلك التضاريس والمناخات..
حين قرأت رواية "المتشائل" لإميل حبيبي، بهرتني بأسلوبها ولغتها، وكان في حاشية تلك الرواية بعض الاقتباسات من رواية "كنديد" أو "التفاؤل" لفولتير، فقرأت الأخيرة، بترجمة الاستاذ الراحل عادل زعيتر، ولفتني ذلك التشابه بينها وبين المتشائل والذي وصل حد التطابق، وليس معرِض حديثي أي من تلك الروايتين، بقدر ما هو البحث عن قوة الترجمة التي جعلتني استمتع بكل كلمة وحرف من كنديد، فالاستاذ عادل زعيتر كان مذهلا، فقد نجح في نقل مشاعر المؤلف دون إيذاء النص، ان الترجمة كنوع من انواع الفنون تحتاج ذوق وعلم وفن ومهارة وتفاعل حيث تعاد صياغة النص الأصلي، بأعلى مستوى من المهارة اللغوية والفكرية، فهي ابداع نص من نص، والمترجم فنان بكل ما تحمله الكلمة من معنى لأنه حينما ينتهي من ترجمة رواية او كتاب أو مقالة يكون قد سكب فيها عصارَة جهده، ينسقها ويصقلها كما يصقل الصائغ جوهرة ثمينة أو كما يدقق الموسيقي نوتته الموسيقية، ويمعن فيها النظر كما لو كانت لوحة رسمها بريشته فنان، ولا يتركها من يده حتى يرتاح لجمالها وأصالتها، وما دام المترجم فنانا فلا بدّ إذا أن تكون لديه موهبة مغروسة في أعماقه حيث لا يمكنه بدون هذه الموهبة أن يبدأ مسيرته الفنية.
والسؤال الذي يتعين طرحه: هل الترجمة هي مجرد نقل لنصوص الآخرين؟ وهل هي مطابقة بين النص المترجم والنص المترجم عنه؟ أم أنها إعادة للتعبير عن المعنى بصياغة ورؤية أخرى؟
الترجمة هي ان نقول الشيء نفسه بلغة اخرى بمعنى انها تأليف غير مباشر وإعادة صياغة وربما نقل للفكر من حضارة إلى حضارة، هي شكل جديد لمضمون العمل الأصلي بأكبر قدر من الصفاء والدقة والشفافية بحيث يتمكن القارئ من التقاطها مثلما تصورها المؤلف اذ يتوجب على المترجم أن يبحث في لغته عن طريقة للتعبير عن المضامين الانفعالية والفنية للأصل بأقصى ما يمكن من الوضوح والدقة والشفافية.
يقول الإيطاليون "إن تكون مترجما فأنت خائن"، ويقصدون هنا "الخيانة الجمالية" للنص الأصلي عندما ينقل إلى لغة أخرى تتطلب تدخل المترجم لإضفاء صفات جمالية ودلالية على النص الجديد، حتى لو أدى ذلك إلى بعض التنازلات المقبولة عن خصاص النص الأصلي، وبما لا يخل بجوهر المحتوى الدلالي للنص في لغته الأصلية، انها قدر وليست اختيار، إذ إنّ الترجمة تحتاج إلى تلقي النصّ أولا قبل الشروع بترجمته، وعملية التلقي تختلف من شخص لآخر وبحسب ثقافة المترجِم، ما يجعل الترجمة في النهاية تبدو وكأنها خيار شخصي يختلف من مترجم لآخر بحسب ثقافته ووعيه للنص الأصلي، المترجم الاستاذ صالح علماني امتنع عن ترجمة مائة عام من العزلة التي ترجمها انعام الجندي على الرغم من انها ترجمت عن الانكليزية وليس لغتها الام الاسبانية ، وعندما سئل علماني عن سبب عدم ترجمته قال انه وجد انها ترجمت ترجمة جميل، فالترجمة المثالية هي حلم، كما يصف بول ريكور، الذي يقترح أن نتخلى عنه بسبب وجود الاختلاف الذي لا يمكن تجاوزه بين اللغة الأصل واللغة الاخرى، بينما الترجمة الابداعية لا تتخلى كليا عن النص الاصلي بل تمر بجانبه وتلامسه بخفة كبيرة من دون ان تكون مطابقة له، فهي شكل جديد لمضمون العمل الأصلي في لغته الجديدة، ولابد لهذا الشكل الجديد أن يحافظ على المضمون ويتطابق مع الأصل، وحتى تلك الترجمة الحرفية الجامدة "الخشبية" التي لم تقدم النص الاصلي لا بحرفيته ولا برؤيته الجديدة فهي وان لم تكن امينة في النقل فهي على الاقل تجعلك تعود الى النص الاصلي لتقرأه.
يقول الشاعر الامريكي روبرت فروست ان الأدب الحقيقي هو ما يضيع بعد الترجمة، فهل من حق المترجم ان يمارس وصائية على القارئ بالحذف والتعديل والتحوير،ام ان على المترجم الوقوف على أرض الحياد بين النص الأصلي "القادم من تضاريس مغايرة" وقارئه العربي المنتمي إلى جغرافيا اجتماعية محفوفة بالمحاذير التي لا يكترث لها كاتب النص، إذا سلمنا بأن اطلاع القارئ على الأدب المترجم هو فعل "اختيار" ام أنّ الترجمة "بتصرف" هي خيانة ثقافية؟ بدوره يقودنا هذا التساؤل الى سؤال جوهري: الى اي حد تكون الترجمة وفية وامينة للنص الاصلي؟
لقد طرحت مسألة الأمانة للنص في الترجمة على مر العصور، و بقي مفهوم الأمانة ضبابيا ، فهناك من يقول بالنقل الأمين في مواجهة الترجمة المتحررة المتصرفة، وآخر يعول على أسلوب في التحرير يرمي إلى إيجاد معادل شكلي ، إلى فريق آخر يدعي أصحابه سيادة المتن ويطالبون بضرورة مراعاة مواصفات النص الأصلي في أدق دقائقه.
فمهما حاول المترجم الحرص على نقل النص بكل أمانة ومهنية، فإنه لن يستطيع، لأنه وبمجرد نقل النص من نظام لغوي لآخر ومن بيئة لأخرى، فإن العديد من معاني هذا النص ودلالته المعرفية واللغوية سوف تضيع، ذلك أن الترجمة ليست مجرد نقل ميكانيكي من لغة لأخرى، بل هي عملية تأويل وتصرف، انها تنقل النص من بيئة إلى اخرى، ومن خلال عملية تواصل المترجم مع النص يستشعر صعوبات لا متناهية، وعندما يتبينها يجزم بأن كل ترجمة خيانة.
وبذلك فإن الترجمة ليست نقلا بسيطا للنص أو مرآة عاكسة له، أو استنساخا محضا لمضمونه، انها إعادة إنتاج للنص وتجديده وتأويله بحسب قدرات المترجم، لأنها ترتبط بمدى فهم المترجم للنص وتأويله وتطويعه للغة المتلقية لاستيعاب مفاهيم النص ودلالاته، ويبقى من الصعب الحديث عن ترجمة جيدة وغير خائنة للنص الأصلي، ما دامت مهمة الترجمة هذه تبقى مهمة عسيرة وتتسم بالخيانة، خيانة الأمانة وخسران الكثير من معالم النص الأصلي.
وهنا يطرح سؤال مهم وجوهري وهو عن أية أمانة نتحدث؟ وما نوع الأمانة التي تقوم الترجمة بخيانتها؟
المقصود من الترجمة هو تمرير المعنى مع انتاج نفس الأثر عند المتلقي، وانطلاقا من هذه القاعدة يمكن الحديث عن أمانة للمعنى.
وبما أن الترجمة كعملية إبداعية بين لغتين، تستلزم إعطاء الأولوية، بشكل أو بآخر إما للغة المصدر "المنقول منها"، أو للغة الهدف "المنقول إليها"، فإنه ليس من الحكمة أن تكون الأمانة لعنصر واحد دون العناصر الأخرى، إذن تحديد مفهوم الأمانة يعود إلى تحديد نوعية العلاقة المناسبة التي لا تخون النص المصدر لا بانطباعها ولا بحريتها المفرطة، والتي تمكن الترجمة من لعب دور فعل التواصل.
إن هذا الاختلاف الذي تعرفه الترجمة وهذه الخيانة التي تعرفها على مر العصور يخدم الترجمة بشكل كبير ويكسبها أهميتها التاريخية، ذلك أن هناك ترجمات تكتسب أهميتها التاريخية من خيانتها للنص الأصلي، وبذلك فإن اللغة المترجٍمة "بكسر الجيم" لا تخون اللغة المترجمة "بفتح الجيم" فحسب، وإنما تخون ذاتها أيضا ولولا هذه الخيانة المزدوجة لما كانت هناك ترجمة، بل لما كانت هناك كتابة...
واذا كانت الكتابة هي رغبة محببة وحاجة داخلية عند المبدعين والكتاب فان الترجمة ايضا ترويض لتلك الرغبة بلغة اخرى واحساس جديد، لذلك يعتقد الكثيرون ان الترجمة كتابة ثانية وعملية اعادة تأليف او كتابة عن مخطوط موجود تراوغ الكتابة الاصلية وتقترب منها لتأخذ منها ثم تبتعد.
إن الترجمة علم وفن وذوق، لها عالمها الخاص ومجالها الواسع، وهي حقل من اهم حقول المعرفة التي لها جذورها الضاربة في التاريخ، كما أن لها اختصاصاتها وتشعباتها، أما المترجم فهو يجلس في كل لحظة أمام اختبار دقيق، وهذا الأختبار لايدركه الا من كان له باع طويل في هذا المجال حيث يدرك مع مرور الزمن ان الترجمة ليست نقل معنى من لغة الى اخرى بمقدار ماهي فن وذوق وجمال؟



#منير_ابراهيم_تايه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صراع السلطة والمثقف.. -ابن المقفع نموذجا-
- قصص قصيرة/ الاعمى
- البعد الثقافي للمشروع الصهيوني؟
- ثورات وليست ربيعا
- بديع الزمان الهمذاني مبدع المقامات وساحر الالفاظ والكلمات
- -زرايب العبيد-.. الظلم حين يصبح قدرا
- -الاشياء تتداعى-.. وآلام لا تموت
- القهوة.. مشروب له تاريخ؟!!!
- مفهوم العنف في الفكر الاجتماعي
- بين الادب والتاريخ... محاولة لفك الاشتباك؟
- زوابع يوسف زيدان...؟؟!!
- الكتابة على حافة الهاوية
- صناعة الوهم؟!!
- العبودية التلقائية
- صناعة الوعي
- موسم الهجرة الى الشمال... والتخلي عن الذات
- في مديح الموت وذم انقطاعاته
- اللغة العربية الضائعة في جاهلية اهلها
- صناعة العزلة؟
- الهوية الحائرة... تغريبة -الحسن الوزان- او -ليون الافريقي-


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منير ابراهيم تايه - الترجمة نقل حرفي أم فعل إبداعي؟