أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد عليان - كلام في -الحقيقة-















المزيد.....

كلام في -الحقيقة-


أحمد عليان

الحوار المتمدن-العدد: 5791 - 2018 / 2 / 18 - 01:34
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    




من أشهر تعاريف الانسان أنه حيوان ناطق (عاقل) . فطبيعة الانسان كامنة في تجليات نشاط العقل و تجليات العقل تتجسد في اللغة التي تشكل أداة التواصل و تبادل الأفكار بين متكلم و سامع أو بين كاتب و قارئ . و معلوم أن السامع أو القارئ لا يقبلان كل ما يقال أو يكتب الا اذا توفرت في المسموع أو المقروء مواصفات الصدق التي تحملهما على القبول بحيث لو سألناهما عما ألزمهما بالقبول لقالا : انها " الحقيقة" التي لا يمكن انكارها .
و الشائع أن مفهوم " الحقيقة " مطلب عقلي يستهدفه الناس بنشاط معرفي يتميزون به عن سائر المخلوقات تميزا نوعيا ،و به يتميز بعضهم عن بعض تميزا كميا و كيفيا حسب تفاوت حظوظهم من امتلاك جملة مؤهلات و قدرات في امتلاك المعارف.
و تكون الحقيقة بتصور ما مطلبا مغريا من أجل بلوغ كفاية من المعارف المتعلقة بموضوع ما باعتبارها أجوبة مقنعة عن تساؤلات و انشغالات بما يهم الانسان . و ما أكثر ما يهم الانسان من حقائق متصلة بحاجاته المادية و المعنوية .
و تصور الحقيقة لا ينحصر في المجال المعرفي اذ يمكن أن يشمل كل مجالات بواعث الفكر و السلوك المتولدة من المواجهة القائمة بين الانسان و ما يعترض سبيله في مسار التكيف الدائم التنويع و التجديد ..فالحقيقة عبارة عن تصديق لمختلف الصور المطابقة للوجود كما هو جار في صيرورة الوقائع والظواهر التي تتداخل أسباب و مبررات وجودها تداخلا يتجاوز باستمرار حدود التصورات و المعارف التي وقع الاقتناع بصدقها ، الأمر الذي يجعلنا أمام حقائق متشعبة متداخلة متغيرة متفاوتة الوضوح هنا أو هناك بهذا المقياس أو ذاك .
فينتج على العموم جملة تصورات لمفهوم الحقيقة المنشودة ؛ نذكر منها ما يلي...؛
أولا ؛ حقيقة "ما هوية" ، تتعلق بتعريف الأشياء و المعاني المشكلة للأحكام و المعارف المتبادلة بين الناس . و للحقيقة الماهوية معنيان : - ا- ماهية وجود ؛ كأن نقول: "حقيقة المربع " هي كونه مضلعا رباعيا أضلاعه متساوية ، و زواياه قائمة ، و" حقيقة البيت " هي ؛ مقر سكن على مساحة محددة بجدران وسقف ، و مرافق، الخ . - ب- ماهية قيمة كأن نقول : عسل حقيقي أي غير مغشوش، و نقول: " ورقة نقد حقيقية أي غير مزورة ".
و طبعا يحصل التفاهم بين الناس بقدر التزامهم بالتعبير عن حقائق الأشياء و المعاني المتفق على خصائص مكوناتها الجوهرية الثابتة عند استعمالهم للألفاظ و المصطلحات الدالة عنها .
ثانيا ؛ حقيقة تصديقية و تتمثل في أحكام الصدق على ما يتبادله الناس من معارف وقيم . و يمكن تصنيف هذه الحقيقة كالتالي :
-أ- حقيقة منطقية صورية تتقبلها جميع العقول بمجرد الاتفاق على مدلولات ألفاظها الدالة عنها و ترتيب علاقاتها في سياق تفرضه مبادئ العقل . انها عبارة عن تطابق الفكر مع ذاته ، كما هو شأن الترابط المنطقي في اللغة و الرياضيات حيث يقع الاحتكام الى العقل المحض عند حصول أدنى درجة من الاختلاف بين الناس . لأن معيار الصدق واحد في التمييز بين الصواب والخطأ .
-ب- حقيقة موضوعية تتضمن تعبيرا عن تشخيص مواصفات ظاهرة من ظواهر الوجود الطبيعي و كيفية حدوثها في شتى الأحوال الواقعة خارج ارادة الانسان ، كما هو شأن العلوم التجريبية . فالحقيقة هنا عبارة عن تطابق الفكر مع الواقع الموجود خارج ذوات العارفين ، و بالتالي يكون الاحتكام الى الوقائع عند حصول الاختلاف بينهم .
-ج- حقيقة ذاتية تشكل قناعة شخصية لأفراد أو جماعات تبدو لهم أصوب من غيرها في تفسير التوجهات و القيم المهيمنة على أساليب التعبير و السلوك في مجتمع ما . وهذه حقيقة من حيث قناعة صاحبها فردا أو جماعة . والتمسك بها حق مشروع أخلاقيا انسانيا ، أما الاحتكام فيها عند حصول خلاف فيعود الى معايير أخرى (غير معايير المنطق أو العلوم التجريبية ) كالأعراف و التقاليد و الأذواق ..
-د- حقيقة ايمانية كامنة وراء التعبير عما هو متعال عن الوجود الواقعي المحصور في الزمان و المكان ..هي حقيقة متعالية يسلم مجتمع ما بوجودها بصورة من الصور خارج مواصفات الادراك المشترك بين كل الناس . و هي غالبا ما تتبلور في مختلف العقائد و الأديان ، و تؤول في نهاية المطاف الى صورة من صور الحقيقة الذاتية النابعة من مشاعر الايمان .
و على سبيل التوضيح المبسط للتمييز بين الحقيقة الموضوعية و الحقيقة الذاتية نضرب المثل التالي ؛ اذا اجتمع مسلم و مسيحي و يهودي مثلا لتلقي درسا في الرياضيات ، أو لمتابعة تجربة مخبرية فان الحقيقة المتوخاة حقيقة عقلية تجريبية موضوعية ، و كذلك لو التقوا في محل تجاري واحد فان ملتقاهم يمثل حقيقة موضوعية لتماثل الحاجات التي من أجلها قصدوا المحل . لكن التقاءهم في محل عبادة أمر مستبعد ، لأن حاجاتهم الروحية لا تتوفر في نفس المحل . كما أن اختلافهم فيما لا يمكن الاحتكام فيه الى العقل أو التجريب يبقى ضمن التصورات و الأحكام المعبرة عن "الحقيقة بمعناها الذاتي" . و من نافلة القول ؛ أن الحقيقة الموضوعية جامعة و الحقيقة الذاتية مفرقة بين البشر.
و لا شك أن الامعان في تقصي مواصفات المعرفة المثلى يصطدم بصعوبة ضبط مفهوم "الحقيقة" . لكن ضرورة التواصل و التفاهم بين الناس تقتضي تقبل ما سبق ذكره من معاني ملازمة لتصور معنى "الحقيقة" من حيث هي ادراك ، أو صياغة صورة من صور الوجود المادي و غير المادي .
و الحقيقة من حيث هي ادراك أوسع بكثير من الحقيقة من حيث هي صياغة .. فالحقيقة كادراك تندرج في سلوك كل انسان ( باعتباره فردا وعضوا في جماعة ) يتصرف وفق أحكام صريحة أو ضمنية عند اختيار أو تقييم فعل أو قول باعتباره أصح أو أصوب ، أو أفيد أو أحسن..الخ
أما " الحقيقة من حيث هي صياغة فتتمثل فيما قدمه و يقدمه المنشغلون بالشأن المعرفي في مختلف القضايا التي تتطلب اجتهادا في الضبط و التدقيق الذي يستهدف صياغة تصورات لحقائق كانت ناقصة أو مجهولة ..
و مواصفات الحقيقة بهذا المعنى تكمن في مدى سعة و فاعلية الاطلاع على ما وقع ضبطه و تمت صياغته من منتوج معرفي في سياق التطور الذي يفرض المزيد من التدقيق و التعمق و الشمول .. انها "حقيقة " يتقبلها كل عاقل .
أما مواصفات الحقيقة من حيث هي ادراك فهي غير ملزمة عقلا لكل الناس لأن ادراك صورها غير ملزمة للعقل بل هي قناعة مستمدة من فاعليات أخرى أوسع من المبادئ المشتركة بين كل العقول ، مثلما يقع على مستوى الحدس أو التخيل ، و مختلف الانطباعات الشخصية ، و منظومات القيم الاجتماعية .
و هكذا يبدو أن " الحقيقة " مفهوم ملازم لمفهوم الوجود سواء من حيث هي مطلب معرفي ضروري أو من حيث هي واقع عملي يشكل موضوعا للمعرفة ..فعندما يقول أحدنا ؛" أعرف أن الأرض كروية الشكل " مثلا فهو يشخص صياغة حقيقة وقع ادراكها وصياغتها بشكل ما نسميه "معرفة" لكن هذه المعرفة لا توصف ب"الحقيقة" الا من حيث هي مطابقة لواقع قابل للادراك كموضوع خارج ذات الشخص المدرك العارف ..
ان لفظ "حقيقة " مثير لكثير من المسائل أهمها :
1 _- لفظ "حقيقة" يستلزم صياغة فكرة تندرج ضمن مكسب معرفي؛ سواء كانت المعرفة موضوعية أم ذاتية .
2_- التعبير عن "حقيقة" يستلزم موضوعا قابلا للادراك بالمعنى الموضوعي أو الذاتي بصورة من صور الادراك الحسي أو غير الحسي المنطبع في سلوك ما فطلب الأكل مثلا تعبير عن حقيقة بيولوجية ، هي ازالة الجوع .
3_- لا وجود لتصور حقيقة من الحقائق الا من خلال أشخاص يعبرون عنها بصياغتها لغويا أو سلوكيا لتبادلها أو نشرها ..
ان مفهوم "حقيقة" عبارة عن منتوج ترتب عن تقابل و تفاعل طرفين أساسيين ؛ موضوع معرفة قابل للادراك الحسي و غير الحسي ، و ذات عارفة تقرر وجود معرفة صادقة أو مقنعة أو محتملة. فالصورة الرائجة و المبسطة عن مفهوم الحقيقة تخفي الكثير من الاشكاليات التي تناولتها المباحث الابستمولوجية و الفلسفية ، و مازالت محل ضبط و استقصاء ، لأن لفظ "حقيقة" يوحي بتطابق صياغة المعرفة مع موضوع المعرفة فيما يتداوله الناس ، بينما الأمر على غير هذه البساطة اذ من الصعب ضمان تجرد الذات العارفة ( أثناء صياغتها للمعرفة ) من العوامل الذاتية التي يتعذر التخلص منها خصوصا اذا كان موضوع المعرفة خارج الضبط التجريبي ، و القياس الكمي .
و مع ذلك فان انتشار الوعي المعرفي في ثقافة الشعوب المتقدمة أدى الى الالتزام بمناهج و ضوابط كانت روافد لروح الابداع و الانضباط في تتبع الحقائق بالتجرد من نوازع و رغبات النفس الفردية و الجماعية . حيث انبعثت حيوية الثقافة و روح الابداع و حب الاطلاع ، و الحث على النظام و الانضباط ، و غيرها من أسس الازدهار الحضاري لدى المتقدمين الذين استفادوا مما وقع ضبطه في مسألة "الحقيقة " فصار جزءا من البناء الفكري في المخيال الاجتماعي . بينما بقيت الشعوب المتخلفة تعاني من اختلال النظر و عشوائية التعامل مع مفهوم " الحقيقة" ، لاسيما ما تعلق بالعلوم ، و مناهج الانتفاع بنتائجها بفعل الخلط بين الذاتي و الموضوعي في التعاطي مع الوجود الطبيعي و الانساني



#أحمد_عليان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خطرالتدين المصلحي
- توظيف الدين و التدين
- ذكريات من عمق البداوة في التعليم .
- أفكار في أسباب التخوف من العلمانية.
- الثقافة و الخطاب الديني
- ثقافة الخطف.
- التخلف و الثقافة النرجسية.
- -إضاءات حول رواية جنة الجحيم -
- رحلة لم تنته بعد
- وأخيرا وجدت ضالتي
- وأخيرا وجدت ما يستحق القراءة
- سلمان ناطور وأدب الذاكرة الفلسطينية
- شباب غزة حاجة للترفيه والترويح النفسي أكثر من أطفال الإمارات
- دور الاحزاب في تفكيك الترابط الاجتماعي


المزيد.....




- نتنياهو لعائلات رهائن: وحده الضغط العسكري سيُعيدهم.. وسندخل ...
- مصر.. الحكومة تعتمد أضخم مشروع موازنة للسنة المالية المقبلة. ...
- تأكيد جزائري.. قرار مجلس الأمن بوقف إسرائيل للنار بغزة ملزم ...
- شاهد: ميقاتي يخلط بين نظيرته الإيطالية ومساعدة لها.. نزلت من ...
- روسيا تعثر على أدلة تورّط -قوميين أوكرانيين- في هجوم موسكو و ...
- روسيا: منفذو هجوم موسكو كانت لهم -صلات مع القوميين الأوكراني ...
- ترحيب روسي بعرض مستشار ألمانيا الأسبق لحل تفاوضي في أوكرانيا ...
- نيبينزيا ينتقد عسكرة شبه الجزيرة الكورية بمشاركة مباشرة من و ...
- لليوم السادس .. الناس يتوافدون إلى كروكوس للصلاة على أرواح ض ...
- الجيش الاسرائيلي يتخذ من شابين فلسطينيين -دروعا بشرية- قرب إ ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد عليان - كلام في -الحقيقة-