أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بشاراه أحمد - تفنيد آفة الوثنية ووهم التنوير في الفكر الإلحادي (C):















المزيد.....



تفنيد آفة الوثنية ووهم التنوير في الفكر الإلحادي (C):


بشاراه أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 5789 - 2018 / 2 / 16 - 11:24
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


وعدنا القراء الكرام - في موضوعنا السابق - بأننا سنعود إلى صاحب المقال الأصلي الذي نشره بعنوان ("نحو فهم الإنسان والحياة والوجود 78", أو” مئتان حجة تفند وجود إله – حجة 163 – نقد فكرة الإله المصمم). لنواصل تفنيد وتحليل ومناقشة ما بقي فيه من فقرات بعد أن عرضنا على القراء الكرام أقوال العلماء ومفاهيمهم وقارناها بالحقائق والمعطيات على الأرض فاتضح سوء فهم هؤلاء الغافلين للنظام الذي صنف لديهم "بالعشوائية" وتبين حقيقةً بُعْدَ واقعِهِ عن هذا المفهوم المجحف خاصة إذا نسبناه إلى النظام الكوني الدقيق المعجز كنظام واحد موحد لمبدع متفرد,, وهذا ما إعترف به كل هؤلاء التنويريين الذين يغالبون الحقيقة بالوهم, ويظنون أنهم قادرون على خداع الناس كما خدعوا أنفسهم, فلم يجدوا بداً من أن ينسبوا هذا الواقع المعجز إلى أحد أوثانهم "الطبيعة" مرةً و "العقل البشري" مرة أخرى أو إلى أحد آلهتهم الإفك من "الفلاسفة" مرات أخرى,, لذا سنخوض في عمق الأعماق لنري المُضلَّلين الحقيقة ظاهرة وأن كل الغوغائية لا تزيد عن زوبعة في فنجان.

يقول الكاتب في هذه الفقرة: "الافتراض القائل بأن العالم الخارجي يتصف بِسمات تنظيم, يمكن للبحث العقلي أن يكتشف خطأها وعدم إطلاقها, فمبعث هذه الرؤية أنها ذات أصل وجذر لاهوتى أكثر منه إلى العلم".

نقول له نحن الآن مرجعيتنا معاً هي "العلم", فلا تنتقل منه إلى أبعاد أخرى ولتعلم أننا أصدقاء للعلم البحثي والتجريبي السليمين المؤكدين, فليكن هذا منهجنا معاً, فما دام أننا قد بلغنا بُعد البحث العقلي فلا مناص من الغوص فيه, فمَنْ عجز عن ذلك منا إبتلعته أمواج ودوامات وأعاصير الحقيقة الحقة, خاصة وأننا سنناقش كل كبيرة وصغيرة بيننا في قمتها إذ أننا نناقش " أقوال وأبحاث ومفاهيم العلماء " الذين قد نتفق أو نختلف معهم في بعض التفاصيل حيناً وفي جوهر الأمور والمفاهيم أحياناً أخرى ولكننا لن نستطيع أن نتجاوزهم بأي حال. فإنكار الكاتب لسمات تنظيم العالم الخارجي "كما سماه" انما هو إنكار غير مبرر إن كان يتحدث عن النظام الكوني ككل من خلال المنظور العلمي البحت,, وقد أثبتنا ذلك عبر تحليلنا لأقوالهم وأبحاثهم عن العشوائية المدعاة, فهوى بذلك وثن من أوثانهم.

فنسبة الحقائق العلمية والتحليل المنطقي والموضوعي لا علاقة له بتراث ولا لاهوت يهودي ومسيحي ولا مجوسية أو شركية,,, والمرجع الإسلامي ليس لاهوتاً لأنه متصالح تماماً مع النظام الكوني الذي بدوره متصالح مع الحقائق العلمية المثبتة, بل ويطلبها حثيثاً لأنها توفر البرهان الذي لن نقبل بغيره.. لسبب بسيط هو أن المسلم لا يفرق بين قرآن يُتلى "نصوصاً" وقرآن يشاهد ويحس كيانات ومعالم وأجرام,,,, وهو يرى أن الكون كله ظاهره وخفيه هو القرآن نفسه لأن القرآن المتلوا انما هو إشارات من الله بقوله عن آياته التي خلقها وأبدعها, فلا تقلق, نحن مع العلم وطُلَّابه بلا أدنى شك.

فحديث العلماء عن الشمس إنما هم في الواقع يثبتون حقيقةً كل كلمة وردت في القرآن الكريم عن هذا الخلق البديع والجرم السماوي الرائع, وعندما يتحدثون عن الكون وأبعاد الأجرام السماوية, ويكتبون مثلاً عن آخر إكتشافهم لذلك ألنجم الذي قدروا بعده عن الأرض بحوالي 500 مليون سنة ضوئية انما هم في الواقع يصدقون قول الله في القرآن (والسماء بنيناها بأيدٍ وإنا لموسعون), وعندما يبحث العلماء في غرائب ومآثر ومميزات الإبل عن غيرها من الحيوانات يصدقون بأبحاثهم وملاحظاتهم برهاناً لقول الله عنها (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت؟),,, وهكذا.

أما القول بأن الإسلام يقترح إلهاً خالقاً لهذا الكون, نقول لك لا تغير طبائع الأشياء ولا مسمياتها ومعانيها,, فهذا يقدح بعمق وتوغل في سمة المصداقية التي هي من أخص خصائص العلم الصادق والنقد البناء النزيه. ألا ترى أنه ليس لديك أي نص يدعم قولك بأن الإسلام يقترح إلهاً, فهذا تزوير بقصد تشويه المعاني والقيم, وهذا من أوثق وأبين مخازي العجز والإنهزامية المرة. ليس هذا الذي يعتقده المؤمنون إقتراحاً وإنما هو عقيدة راسخة وإيمان صادق حق غير مبني على مجرد التبعية كما تعتقد وتروج, وانما له رصيد سخي من اليقين البالغ والمؤكد المدعوم بكل الحقائق العلمية والمعرفية التي كلما دقت وسمت كلما إقتربت من الحقيقة الكاملة المعجزة التي هي صميم إيمان المؤمن, فالتلاعب بالألفاظ والمناورة بالتعمية لن يفيد أو ينقض من هذه العقيدة بل يدعمها ويقويها ويقوي عنصر التحدي للمغالاة والمناورة والتمحك.

فإذا كان الكاتب يرى الكون المادي فقط فإن العلم والإيمان معاً يريان كمال النظام ودقة الصنع وحكمة الصانع وسلطانه, فإذا وقف العلم عند مشارف المكتشف والمتصور والمتوقع إكتشافه في المستقبل القريب والبعيد,, فإن المؤمن عبر إيمانه الراسخ يعلم يقيناً أن ما بلغه الإنسان من علوم ومعارف هو في واقعه نقطة من بحر لجّي, فلم يقل بأن الكون به فوضى كما يظن الكاتب ولكنه لم يجد بداً من أن يصنف ما عجز عن إيجاد قاعدة وقانون له أن يميزه بأنه عشوائي لإعتماده على البعد المعرفي فقط وتعطيله للبعد الإيماني.
فالعلم يشهد بالنظام المعجز لهذا الكون ولا ينكره بل يعترف به ويسعى حثيثاً بأبحاثه في الإستزادة من عجائبه وغرائبه عبر الأبحاث والتجارب, فإن لم يكن ذلك كذلك فما جدوى السعي الحثيث وراء الإكتشافات والأبحاث ليل نهار وعلى مدار الثانية؟؟؟.

لا أدري ما مبعث قول الكاتب عن الكون: (... فهذا الكون يتسم بسمةَ تخطيط عقلي في تفصيلات عمله كما يزعمون ...), خاصة وأنه لم يقل لنا من هو صاحب أو مصدر هذا الزعم المفبرك,, فالذي يزعم مثل هذه الأقوال والأفكار لا علاقة له بسمة الإيمان الحقيقي, فإن كان الكاتب قد سمع هذا الإفك من أحد العامة أو المتنطعين فإن هذا لا علاقة له بالحقيقة إبتداءاً.

لذا فقوله إن " هذا الاعتقاد كان ضمنياً حتى أعمال إسحق نيوتن ومعاصريه " سواءاً أكان ذلك " إبان نهضة العلم الحديث في القرن السابع عشر " كما يقول, أو كان قبل بداية خلق الكون فهذا الزعم إفتراء محض, والقائل به جاهل أفاك أثيم, وذلك لأسباب منطقية وموضوعية عدة أهمها:

1. إن الكون كلياً أو جزئياً ليس تخطيطاً عقلياً في إجماله ولا في دقائق تفصيلات عمله وخفايا أسراره,, لأن المؤمن يعلم يقيناً أن الكون جملةً وتفصيلاً - ما عُلم لنا وما خفي عنا منه - هو وحدة خلق واحدة متحدة لخالق, وإبداع معجز بديع لمبدع مُريد,, لا يخلق ويبدع بتفكير وتخطيط وتجارب وأبحاث,,, الخ ولكنه يعمل بقضاءٍ وقدرٍ وإرادة وعلم وسلطان وإحاطة وغاية وأجل ... فيستحيل في حق المؤمن أن يشبِّه عمل الخالق بأعمال المخلوق ولا مقابلة ذاته بذواتهم, هذا أمر محسوم لا مجال فيه للجاجة ولا للمماحكة فإن رأيت أحداً أو جماعةً أو طائفة تفعل ذلك فإعلم أن "القرآن" يقول عنها إنها غير مؤمنة.

2. مشكلة الكاتب أن لديه فكرة خاطئة مسيطرة عليه, ورغم أنه يرى بعدها عن حقيقة وواقع المؤمن, نحس ذلك جلياً من بين سطور وفقرات مواضيعه,, ولكنه يصر على الإبقاء على ظنه أن المؤمن تقليدي, تابع لمعتقدات آبائه وأسلافه, وهو يؤمن بلا تفكير وتدبر,,,, على الرغم من مواجهة محاوريه منهم - على مدار الساعة والدقيقة والثانية – وهم يحاجونه بالأدلة والبراهين والمرجعيات الموثقة الواثقة بكامل وأوثق ثبات وثقة وعلم,,, وكيف أن لهم الصدارة في الحوار ولا يتحدثون بدون أدلة وبراهين وإقامة حجج وتفنيد وتفسير ومحاورة حتى العلماء في أدق ما بلغه علمهم, لذا نجده يصر على جعل هذه الغشاوة المفتعلة في ناظره لذا تنتهي حصيلته من الحوار إلى ما يريده هو وليس بما يحقق الحق المبين.

فالملاحظ هنا أن الكاتب للأسف قد خلط الأوراق, إذ أننا لا ندري ماذا يقصد من عبارته التي قال فيها: (... على الرغم أن البُعد الديني قد ذوى منذ أمد بعيد فإن نتائجه المترتبة على النظام الطبيعي للعالم المادي لم تتبدل للأسف إلا قليلاً ...).
ما هو هذا البعد الديني الذي يقصده,, أهو "المعاملة" أم هو "العقيدة" أم هو "الإيمان"؟؟؟ ..... حسناً إذاً فلنر ما يعنيه من تفصيلنا لكل هذه القيم والمسارات!
1. فإن كان يقصد المعنى الحقيقي الذي يعتبر "الدين هو المعاملة", فإن الإنسانية كلها قد إنزوت قيمها المعنوية والأخلاقية والبشرية بقدر كبير, وحيث أن المعاملة لا تكون بكمالها وجمالها في بيئة عجفاء ومجتمعات مريضة سمتها الغباء وقلوب غلفاء, فلا شك في أن المعاملة بصفة عامة قد تدنَّت كثيراً ولكنها بصفة خاصة بقيت وضَّاءة ناصعة بين المؤمنين "حقاً" وليست "إدعاءاً",, لا تشوبها شائبة.

فإذا رأيت أي ضعف وإنزواء هذا البعد لدى المدعين الإيمان, فلا غرابة في ذلك, ولكنك لن تحتار طويلاً إذا إستفتيت مصادر الإسلام في الكتاب والسنة, فسرعان ما ستجده قد وصفهم بأنهم "منافقين", وقد وصفهم توصيفاً دقيقة في أول سورة البقرة "ومن الناس ...", وفي عدد من آيات سورة "براءاة" حيث صنفهم فيها إلى شرائح نفاق تبدأ من الآية رقم "36", ويكفي أن قال لهم في إحداها "لا تعتذروا اليوم قد كفرتم بعد إيمانكم".

2. وإن كان يقصد به "العقيدة" فإنها لا تقاس بالمجموعات ولكنها تقاس بالأفراد, فهي قيم وجدانية داخلية لن يستطيع أحد أن يحكم عليها في غيره, وصعب عليه أن يجزم بها في نفسه - رغم أنه قد يحسها, لذا تجده دائم الخشية عليها - ما لم يعلم قدرها وعمقها وصدقها, وحيث أنها غيب فهي عصيَّة على الكل, لا يعلمها إلَّا المعتقد فيه بها.

3. وأما إن كان الكاتب يقصد بها "الإيمان" فهو نتيجة حتمية لتفعيل العقيدة في الوجدان, كما أن العقيدة هي سبب ومسبب للإيمان ويتقاسمان الغيب الذي لا يستطيع مخلوق إدراكه أو تقييمه حتى إن بدت معالمه ومؤشراته أو خفيت.

فقوله: (... على الرغم أن البُعد الديني قد ذوى منذ أمد بعيد ...), هذا إدعاء مرفوض ما لم يتقدم الكاتب بالبينة والبرهان على هذا القول, الذي يستحيل على أحد إدراكه, وإن أدرك, فلن يوجد له مبرر بسحبه على جمهور الإسلام وزمرة المؤمنين. ومن ثم,, فإن قوله: (... فإن نتائجه المترتبة على النظام الطبيعي للعالم المادي لم تتبدل للأسف إلا قليلاً ...), هذا القول لا وجود له لعدم إمكانية تحقيق القول السابق له كما بينا ذلك.

ثم يقول الكاتب في هذه الفقرة: (... يعتبر دليل التصميم والنظام من أقوى الأدلة لدي المؤمنين للبرهنة على وجود إله من خلال فهم يرى الكون والحياة تحتاج لمصمم شخصانى قام بتصميمها عن إرادة وغاية ...).
هذا القول من الكاتب بالطبع ليس صحيحاً جملة وتفصيلاً ومفاهيماً,, إذ كيف يتسنى لمؤمن حقاً أن يصف الخالق بصفات مخلوقاته؟؟؟,
الذي يقول بذلك الإفك ليس له حظ من إيمان بل هو جاهل إن كان قاصداً ما يقول به كان زنديقاً خالصاً, وذلك لأسباب كثيرة, أهمها:
أولاً: التصميم designing أو "التخليق":
1. هو عمل أو تشكيل أو تخليق شئ ما أو أشياء من أشياء أخرى موجودة في الأساس بكامل خواصها ومواصفاتها ونظام ذراتها وجزيئاتها،،, وفق تصور معين سواءاً أكان إعتباطاً أو بخطة مسبقة نتائجها تتأرجح بين الفشل والنجاح النسبي, ومن ثم, لا يوجد مصمم من الخلق قد صمم ذرة واحدة من العدم, أو صمم شيئاً بذاته دون أن يستعين ويستخدم أفكاراً وأعمالاً وسوابق من الأولين الذين سبقوه.

ولكن الله تعالى هو الذي أوجد الأشياء والأسباب والخواص التي تحكم تفاعلها مع غيرها بقوانين غاية في الدقة يشهد عليها العلماء عبر القرون والآماد الذين بحثوا في هذه المكونات وأجروا تجارب كثيرة خلصوا بعدها إلى وضع قائمة أطلقوا عليها (الجدول الدوري), حيث قسموها (أفقياً) إلى "فلزات" و "لا فلزات" عبر ثمانية عشر مجموعة و (رأسياً) إلى سبعة دورات. فإتضح لهم بما لا يدع مجالاً للشك أو المماحكة أن هذا الجدول يشهد بالدقة المعجزة التي عليها هذه العناصر الطبيعية التي تفحصها العلماء ووضعوا عنها حقائقها شامخة تسكت اللجاجات إلى أبد الآبدين إلَّا من أبَىْ وإرتضى لنفسه السفه.

فجدوا أن هذه العناصر "بطبيعتها" التي طبعها عليها موجدها أن لكل منها سماته المميزة له وخواصه الكيميائية والفيزيائية,,, الخ, التي لا يستطيع كائن أن يغيرها بإضافة أو حذف أو تبديل,, لذا وضعوا لكل عنصر منها "عدداً ذرياً" بدءاً بالبروتيوم 1H أو بالهايدروجين H الذي رقم عدده الذري 1, وإنتهاءاً بعنصر الأوغانسيوم Og الذي عدده الذري 118.
هذا بالإضافة إلى اللانثينيدات التي أعدادها الذرية (من 57 إلى 71), والإكتينيدات التي أعدادها الذرية (من 89 إلى 103).

2. ووجدوا أن هذه العناصر – في ظروف الضغط والحرارة القياسية – تكون صلبة, سائلة, أو غازات. وحتى العناصر المصنعة مثل التكنيثيوم Tc و الكوبرنيثيوم Cn والأمريثيوم Am,, وغيرها, لم تصنَّع أو تُخلَّق من عدم وعليه فإن الجدول الدوري هذا بكل محتوياته – ما أكتشف منها وما هو متوقع إكتشافه وما لم يكتشف يشهد بدقة نظام الكون, ولم ينسب أحد من العلماء وجود أي عنصر لنفسه أو لغيره, ولم يدعي خلقه من عدم,,,

إذاً لا بد للعاقل أن يشهد بما شهد به العلماء والباحثين ليس إعتباطاً ولكن لوجود الدليل والبرهان الذي لم يشكك أحد من الناس في دقة وروعة ما وثقه العلم عبر هذا الجدول الدوري,, وهذا يعتبر حلقة صغيرة في سلسلة حلقات للنظام الكوني البديع الذي أثبت العلم أن الكثير الكثير منه خارج نطاق علم الإنسان لوجود أسباب منطقية وموضوعية متعلقة بالقدرة البشرية المحدودة للغاية.

ثانياً: تأكيداً لما فندناه وفصلناه "عبر العلم" لوهم "العشوائية" وتبين أنه لا يوجد دليل عليها من العلماء سوى أنهم لم يجدوا لها تفسيراً يمكنهم من وضع قانون أو قاعدة لها بعد, لذا ميزوها بالعشوائية تصنيفاً إضطرارياً لقلة العلم والمعرفة لديهم حيالها, والآن مناقشتنا لبعض خواص عناصر الجدول الدوري قد قفل باب إدعاء الفوضى واللجاجة والأخطاء.

فالذي ينكر العلم "تزويراً ومماحكة" كما تنكَّر للعليم الحكيم لمجرد هوىً في نفسه, وأجندة خاصة فقد حكم على نفسه بالشذوذ المعرفي وغياب الحيادية والموضوعية في وجدانه, وبالتالي سيكون مخالفاً محارباً للعلم والعلماء على حد سواء. وإلَّا فسيجد نفسه مرغماً على الإعتراف بالخالق المبدع لهذا النظام الإبداعي المعجز,, ولن يجد أمامه سوى نسبته إما لصاحبه الذي عرَّف عن نفسه "بتحدٍ" ولم يحاججه أحد في ذلك أو ينازعه فيه,, أو أن ينسبه "بهتاناً" إلى وثن من أوثانه "كالطبيعة" مثلاً, أو "العقل البشري" أو إلى طواغيته "كداون" وغيره, ولكن ستكون هذه النسبة وهماً ومغالاة إن لم يستطع أن يبرهن صدقه فيها أو أن ينطق أحد أوثانه أو طواغيته بأنه هو صاحب هذا الإبداع.

والآن فلنناقش ونفند عبارة الكاتب التي قال فيها: (... لتقول هذه الرؤية إذا رأيت بيت فهناك من صممه ليبدو هكذا, فهو لم يوجد بدون تصميم وغاية, لذا فالكون المنظم هناك من أوجده ولم يأتي صدفة , لذا سنتناول هذا الموضوع فى عدة أجزاء نبدأ بهذا الجزء الذى يعتنى بتفنيد فكرة المصمم العاقل منطقياً وعقلياً , ثم نتناول ماهية الوجود والنظام والعشوائية, وكيف أن الوجود عشوائى بلا نظام أو تخطيط أو غاية ليأتى من أحشاءه نظام ...),

أولاً: الرؤية التي مفادها ان: "البيت يدل على أن هناك مصمم له غاية", ليس المقصود بها انها وحدها برهان على وجود مصمم ذي غاية,, وانما هي تسلسل منطقي للحوار الذي يبدأ من مثل هذه البديهيات والمسلمات التي لا يوجد فيها خلاف بين العقلاء إبتداءاً فهي بداية وليست غاية, مثلها في ذلك القول بأن "الأثر يدل على المسير" و "البعرة تدل على البعير", وغيرها, هذا هو المنطق, فالحمقى هم الذين يتركون الفيل ويطعنون في ظله ليقتلوه.

وقد برهنا من قبل أن الله تعالى ليس مصمماً وانما هو "خالق" وشتان ما بين التصميم والخلق,, وهو "خلَّاق عليم", فشتان شتان بين "العليم" لأن علمه ذاتي غير محدود ولا منقوص,, وبين "العالم" لأن علمه مكتسب من غيره وليس أصيلاً فيه, وهو نسبي مهما بلغت وإرتفعت درجته قدراً وعمق. فالبيت كيان مصنع, مجرد وجوده يعتبر مؤشر على أن هناك من أوجده, وكذلك "الأثر" يعتبر دليل مادي وموضوعي أن هناك سائر قد خلف وراءه هذا الأثر, والبعرة دليل مادي material evidence لا يختلف حولها إثنان في أن هناك حيوان قد "أبعرها".

هذا هو المنطق, ولكن كل هذه وتلك لا تخرج من دائرة السبب والمسبب والناتج, فهي آثار لأحداث وقعت في الماضي لم يُرَ محدثها ولكن معروف أننا عدما نرى الأهرامات نعرف أنها صممت في الماضي ولها غاية لدى مصممها فننسبها إلى مصممها فنقول "وفرعون ذي الأوتاد" وهذا التصميم لا ينسب إلى الطبيعة. ولكننا عندما نرى الجبال نعلم انها " خلق " لخالق عليم ذو غاية وإرادة وقدرة وسلطان,,, فننسبها إلى خالقها الذي إدعاها لنفسه بلا منازع, في ظل تحدٍ مفتوح, فنقول "والجبال أوتاداً". فالخالق يكون صانعاً وليس مصمماً لأنه يصنع من خلقه وقد خلق التراب ثم خلق منه آدم, وصنع من آدم موسى عليه السلام لقوله له "واصطنعتك لنفسي", أما المصمم فهو يصمم من خلق غيره فشتان ما بين الخالق الصانع الموجد من عدم وبين الصانع المصمم الذي يصمم من موجودات أوجدها غيره.

ثانياً: القول بأن الكون المنظم يدل على أن هناك من أوجده, هذه حقيقة علمية بحتة لم يختلف فيها العلماء, فلم نر أحداً إدعى صناعته لعنصر من عناصر الجدول الدوري أو جرم من أجرام الأرض أو السماء, أو إدعي بأنه هو الذي يُبخر (يصعد) الماء ثم يكثِّفه ثم يجعله ركاماً وبرداً ثم يلقحه بالرياح ثم ينزله مطراً بقدر معلوم, فالجواب على السؤال "من صانعه وموجده؟" لا بد أن يكون موضوعياً, وهذا يعني عدم إمكانية نفي الصانع لوجود صنعة ماثلة أمامنا ومعجزة, ولم يدعيها أحد لنفسه من إنس ولا جن أو لغيره منهم, ولكن هناك من نسبها لنفسه وأقام الأدلة والبراهين على صدق نسبتها إليه, وهناك من إفتراها لوثنه أو طاغوته,,, فالفيصل إذاً انما هو البرهان بالحقائق العلمية البحتة, فهل صاحب الوثن يملك هذا البرهان؟؟؟ ..... فإن لم يستطع لذلك سبيلاً تبقى الحقيقة الصارخة بأن هذا "الكون المنظم" هناك من أوجده ولم يأتِ صدفةً" وهذا هو المنطق عينه.

ثالثاً: بعد أن فندنا عبارة الكاتب وصححنا مفهوم المصمم من المخلوقات من ناحية, والصانع الذي هو خالق المخلوقات من ناحية ثانية, بقي لدينا أن نفند ما بناه الكاتب على ذلك المفهوم الخاطئ وذلك من خلال تتبع وتحليل قوله: " لذا سنتناول هذا الموضوع فى عدة أجزاء ",, ورأيناه قد حصرها في الأجزاء التالية بقوله:
1. نبدأ بهذا الجزء الذى يعتنى بتفنيد فكرة المصمم العاقل منطقياً وعقلياً.

2. وقوله: ثم نتناول ماهية الوجود والنظام والعشوائية, وكيف أن الوجود عشوائى بلا نظام أو تخطيط أو غاية ليأتى من أحشاءه نظام,

3. فقوله: وللدقة الوجود بلاغائية ليكون النظام والغاية بحث إنسانى لإيجاد توافق مع بعض مشاهد الوجود من خلال صيغ إبتدعها الإنسان من مراقباته ليصيغها فى علاقات سببية, فلا يكون النظام شئ خارج عن الوعى والصياغة الإنسانية,

4. ثم قوله: كما أن الطبيعة ذات أداء مادى فى كينونتها لا تحتاج لفاعل خارجى ليعطيها صيغة تصميمية نظامية كالأرض التى تدور حول نفسها فلا يوجد من يدفعها لتلف وتدور,

5. كذلك قال: كما سنعتنى فى النهاية بإيجاد وعى للصور التى نراها منظمة وكيف أنها أداء مادى فى كينونتها لا تحتاج لفاعل خارجى لتعطيها صيغة تصميمية نظامية لنعضد هذا البحث بعدد من المقالات العلمية التى تفسر الحياة والطبيعة لنبدد وهم وجود كيان عاقل يقوم بالتصميم والنظام,

6. ثم قوله أخيرا: فالحقيقة تكمن فى مادية الوجود الذى يُنتج مشاهده بدون إكتراث, أى أن التصميم والمصمم فاعل طبيعى وليس نتاج فاعل عاقل.

إذاً هذه النقاط مجتمعةً - بالنسبة لنا - تمثل النقطة الفارقة التي نحن في إنتظارها لتفنيدها "بالعلم" والمنطق,, وقد سبقناها – في منهجيتنا النقدية التحليلية – بمناقشة العلم والعلماء في مفاهيمهم عن "النظام" المعترف به من قبلهم من جهة, و "النظام" الذي صنفوه "بالعشوائية" إضطراراً لقلة المعرفة والعلم عنه حتى الآن من جهة ثانية. فلنتابع مع الكاتب ما لديه من مفاهيم في هذا الإطار الذي حدده بنفسه فيما يلي:

أولاً – عن قوله: " نبدأ بهذا الجزء الذى يعتنى بتفنيد فكرة المصمم العاقل منطقياً وعقلياً ",, نقول له إن هذه المقولة غير واردة إبتداءاً, وقد أكدنا – مراراً وتكراراً – بقولنا القطعي إن صفات المخلوقات لا يمكن أن يوصف بها الخالق مطلقاً, فالتصميم ليس صفة من صفاة الله ولا من أسمائه, وقد فصلنا ذلك في ما سبق, كما أن صفة العقل لا يمكن أيضاً أن يوصف بها الله, لأن العقل ليس من صفة كمال له, لأنه عبارة عن جهاز محدود القدرات وضيق المدى ومؤقت الأمد, الغاية منه إدراك المدركات بوسائل المعرفة والإدراك, عبر تفعيل علم وملكة البيان, ونتاجه - في الغالب الأعم - عُرضةٌ للخطأ والصواب والتوهم والتدبر ويرتقي بصاحبه إلى قمة اليقين وقد يهوي به إلى مجاهل الوهم,,,

فالله تعالى صفاته ذاتية كاملة بتمام الكمال المطلق, فهو يعلم, ولكن علمه أزلي ذاتي غير محدود, لأن علمه يسبق الوجود والإيجاد وبالتالي كان إسمه في ذلك هو "العليم", لأنه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور, ويعلم السر وما هو أخفى من السر نفسه,, وفي البصر هو "البصير", وفي الغنى فهو "الغني المغني", وفي الخلق فهو الذي "يخلق خلقه" من العدم, ولكن غيره "يُخَلِّقُ تخليقاً", من مخلوقات أوجدت سلفاً,, لذلك فهو "الخلَّاق العليم", ولا يستقيم عقلاً أن يوصف بالتفكير, لأن التفكير لدى غيره يعتبر أداة للتفضيل والتدقيق والتمحيص قبل ألإختيار,,, الخ, ولكن بالنسبة لله فهذه المحدودية لا يوصف بها لأنها حينئذ ستكون صفة نقص في حقه (سبحانه), لأنه هو "المدبر" و "المقدم, المؤخر". فما دام ذلك كذلك فلن تجد مبرراً لتفنيد هذا الأمر الذي تحدثت عنه لأنه في الحقيقة والواقع هو مفنده إبتداءاً.

ثانياً – عن قول الكاتب: " ثم نتناول ماهية الوجود والنظام والعشوائية, وكيف أن الوجود عشوائى بلا نظام أو تخطيط أو غاية ليأتى من أحشاءه نظام ",,
هذا القول غير صحيح, وقد ناقشناه في مواضيعنا السابقة, وأثبتنا ضعفه وعدم موضوعيته إذ أن كل العلماء والباحثين والمفكرين لم يقدم أي منهم برهاناً على هذه الظاهرة التي نعتوها بالعشوائية تصنيفاً, كما أننا لم نتلق أي إعتراض على ما ذهبنا إليه من تحليل وتفنيد,, ولا أظن أن هناك من يملك برهاناً على إدعائه, فإن وجد حقاً فلا مبرر لكتمان ما عنده للنقاش والتقييم إثراءاً للمنفعة العامة وإقتراباً من الغاية المنشودة.

ثالثاً – وقال: " وللدقة الوجود بلاغائية ليكون النظام والغاية بحث إنسانى لإيجاد توافق مع بعض مشاهد الوجود من خلال صيغ إبتدعها الإنسان من مراقباته ليصيغها فى علاقات سببية, فلا يكون النظام شئ خارج عن الوعى والصياغة الإنسانية ".
نقول له في هذا:
1. إن الحديث عن "الوجود بلا غاية" ووصفه بالدقة, هذا قول عام, معلول لأنه غير مشفوع بدليل ولا منطق, ومن ثم فالإدعاء بأن هذه المقولة "للدقة", والتعليل غير المبرر بأن ذلك " ليكون النظام والغاية بحث إنساني لإيجاد توافق أياً كان نوعه ",, فهذا كله مجرد تفكير بصوت مسموع أو عصف ذهني brain-storming ولكنه بعيد عن دائرة المنطق والمعقولية, فالنظام – ليكون نظاماً حقيقياً – لا يُشترط فيه أن يكون واقعاً تحت مدى مدارك الإنسان, وإلَّا لكان الكون المدرك ناقص وغير صالح للحياة ولا للوجود لأن المدرك منه هو حلقة في فلاة أو إبرة في كومة قش عملاقة.

فلو أخذنا – على سبيل المثال - مدارك السمع لدى الإنسان, نجده محدوداً للغاية, إذ أن الموجات الصوتية المسموعة تتوسط كل من الموجات العالية " فوق السمعية ultrasound" والأخرى المنخفضة التي هي "دون السمعية", فنجد أن الإنسان يستطيع سماع الأصوات التي ذبذبتها تقع ما بين 20 هيرتز إلى 20,000 هيرتز, فما زاد عن ذلك إرتفاعاً يعتبر موجات فوق صوتية وقد بلغت حتى الآن إلى 1,000,000 هيرتز. أما الموجات الصوتية تحت السمعية infrasound فهي التي يكون ترددها أقل من 20 هيرتز. فهل يعقل أن نقول عن الموجات التي فوق سمعية والأخرى التي هي تحت سمعية بأنها وجود بلا غاية لأنها خارج مدى سمعنا وقدرات أجهزتنا ومراصدنا؟

2. وهل يعقل القول بأنها - لتكون دقيقة - لا بد أن تكون بحث إنساني بحيث أنها إن لم تكن كذلك تفقد خاصية "التنظيم" و "الدقة" وتوصف بالعشوائية حتى بعد أن تأكد لنا – بما لا يدع مجال للشك والتمحك – بأنها غاية في الدقة والتنظيم؟
طبعاً وبغض النظر عن كونها "لإيجاد توافق" أو عدم توافق مع بعض أو كل مشاهد الوجود – كما يقول الكاتب -, سواءاً أكانت من خلال أو بدون تلك الصيغ التي قال عنها إنها من إبتداع الإنسان, حتى إن علم بأن هذا الإبتداع في الأساس لا يقطع بصحته ولا يجمع عليها؟

3. وهل وجود أو عدم وجود ذلك البحث الإنساني الذي تقول عنه يعتبر شرط وجوب أو شرط صحة لوجود الغاية؟ ..... بغض النظر عن كونها تحت رقابة أو عدم رقابة هذا الإنسان,, سواءاً أكان قد وضعها في علاقة سببية أو غير ذلك,,, فالإنسان موصوم بعلة "عدم الإحاطة بأسرار الكون".
إذاً والحال كذلك – كما رأينا في الموجات الصوتية بمستوياتها الثلاثة عدم صحة نفي الكاتب لأن يكون شئ خارج عن الوعي والصياغة الإنسانية,, فالواقع العلمي يقول بعكس ما يقوله تماماً,,, هكذا يقول العلم.

رابعاً – ثم قال: " كما أن الطبيعة ذات أداء مادى فى كينونتها لا تحتاج لفاعل خارجى ليعطيها صيغة تصميمية نظامية كالأرض التى تدور حول نفسها فلا يوجد من يدفعها لتلف وتدور .
يلاحظ أن الكاتب قد أسقط عناصر أو مراحل أساسية في منظومة الأداء والكينونة, بمعنى أننا نراه ينظر إلى مرحلة متأخرة ويهمل ما قبلها من مراحل, لذا يأتي بالمفهوم مغلوطاً,, وهذه نتيجة متوقعة, فعلى سبيل المثال لا الحصر:

1. نراه قد ذكر "الطبيعة" دون أن يوصِّفها ويبين للقارئ مفهومه عنها, أهي كيان مادي جامد, أم هي مجموعة كيانات مادية متفاعلة,,, أهي ضمن منظومة النظام الكوني أم هي لديه بمثابة وثن مبدع خلَّاق منسوب إليه كل نظام وإبداع وغرائب وعجائب منظومة هذا الكون الفسيح؟ .....
فالذي ينظر إليها من خلال عبارته هذه, يدرك أنه يتحدث عن كيان مادي في أدائه, وأنه مستقل في تفاعله لدرجة أنه لا يحتاج لفاعل خارجي ليعطيه صيغة تصميمية نظامية.

فمعنى هذا انه يعتبرها كياناً كاملاً مكتملاً في كينونتها وتفاعلها, تؤثر في غيرها ولا تتأثر به, وهذا يعني أنه يعتبرها إلهاً إفكاً وثناً حتى إن لم يصرح بذلك, إذ الوصف هذا لا يمكن أن ينسحب على ناقص يحتاج لغيره ليعطيه صيغة تصميمية نظامية فيه.

2. أما قوله: " كالأرض التى تدور حول نفسها فلا يوجد من يدفعها لتلف وتدور ", هذا قول تدحضه أساسيات العلم وبديهيات المعرفة, إذ القول بأن الأرض تدور حول نفسها دوراناً ذاتياً لا تتأثر بغيرها ولا تؤثر فيه, نكون في حالة متأخرة من الجهل بحقائق الأمور, بل وننسف العلم ونقتلعه من جذوره. فبنظرة عابرة على هذه الأرض, من حيث دورانها حول نفسها ودورانها مع مجموعتها الكوكبية حول الشمس كل في فلك يسبحون, ونظرنا إلى أقمارها, ثم دوران الشمس في فلكها حول نفسها ودورانها في مجرتها بنجومها, والتي تعتبر أصغر وأقرب مجرة من ملايين المجرات, وقلنا إنه لا يوجد من يدفعها لتلف وتدور,, فهذه هي السذاجة نفسها.

السؤال البديهي الذي يتفاداه الكثير من الناس الذين نظن أن الكاتب نفسه من بينهم, بدون مبرر أو منطق وراء هذا الإنكار,, الأرض مثلاً قبل أن تدور حول نفسها بهذه الدقة المعجزة من الذي صنعها أولاً, وكيف قدر دورانها ومن الذي جعل لها مداراً خاصاً بها, ومن الذي ضبط عطاءها وضبط دورانها شهوراً معدودة, وأيام محدودة ووقت مضبوط جعل الشاهد عليه القمر أياماً, وكان ليله لا يسبق نهاره,,, ؟؟؟

ثم من الذي ضبط دورانه وضبط دوران غيره من الكواكب بأقمارها وسط غبار كوني وهي تدور في وجود شمس حارقة ملتهبة متفجرة, وبيئة شرسة حارقة مكونة من مليارات النجوم العملاقة الجبارة في فضاء سحيق لم يستطع العقل البشري إستيعابه أو الإقتراب منه, فلم يجد بداً من أن يميزه بمعيار خرافي لا يقبله العقل السليم إلَّا في إطار محاولة لوصف الظاهرة لا أكثر,, فإبتكر السنة الضوئية وهو بعد خيالي خارج نطاق مدارك الإنسان, فقدر بهذا المعيار ما إستطاع أن يتعقبه بأجهزة خرافية ومسبارات, فأدرك أن هناك نجوماً قد إنفجرك قبل ملايين السنين والذي يظهر منها أمامهم هو فقط ضوء إنفطارها في ذلك البعد الزمني السحيق, كما أن هناك نجوم أخرى ولدت قبل ملايين السنين ولم يظهر ضوءها حتى الآن,,, أيعقل أن يوصل عقل الإنسان صاحبه إلى هاوية السفه والخطرفة بأن يدعي بعدم وجود صانع ورا كل هذه الصنعة المترابطة المتكاملة الهادفة التي لا نعرف منها - وليس مطلوباً منا أن نعرف أكثر مما يبلغنا منها حتى نؤدي دورنا الذي رسمه هذا الصانع القاهر- فيدعي أنه لا توجد غاية من كل هذا النظام المتين؟؟؟.

فلنأخذ الشمس مثلاً, بإعتبارها جرم أو كرة مشتعلة منذ أن خلق الله الخلق وإلى الآن وغدٍ .... الأسئلة البديه تقول:
­ من الذي أشعلها وضمن بقاءها مشتعلة إلى أجلها الذي اجله لها, وضَمِنَ إستمرارية عطاءها الذي مُلِّكْنَا المؤشر الذي نتابع به هذا الإستمرار ودقته عبر الزمن؟

­ الإشتعال لا يكون ولا يستمر بدون "طاقة" أو وقود ما يكفي لإنتاج هذا المقدار الهائل من الحرارة والدفء وغيره من الفوائد والمضار,,, فما هو نوع الوقود الذي خصصه مشعلها لتؤدي مهمتها "المضبوطة للغاية" عبر ملايين السنين؟؟

­ يقول العلماء إنها بمثابة مفاعل نووي كبير ينتج هذه الطاقة الجبارة,,, حسناً دعونا نقبل هذا القول وعليه نقول للعقلاء: كل مخرجات لا بد لها من مدخلات إنتاج وبدونها لا يكون,,, فبالنسبة للشمس نجد أن مخرجاتها لا تغيب عن الأعمى والبصير والحي والجماد,,, إذاً ما نوع هذه المدخلات, وما مقدارها, ومن الذي يوفرها ويقوم بتصريفها حسب الحاجة على مدار الثانية فما دونها, وأين توجد مستودعاتها,, هل هي في وسط جحيم هذه الكرة الملتهبة أم هناك ممول خارج منها يقوم بهذه المهمة؟؟؟

­ يقول البعض إن إشتعالها ووقودها ذاتي من داخلها,,, إذاً فليقل لنا كيف يستطيع بهذا المفهوم أن يقنع أحداً بهذا السخف, فإن كان ذلك كما يقولون, فمعنى هذا أنها تأكل نفسها بنفسها, والنتيجة البدهية أن يقل حجمها ويتناقص وزنها, وهذا يعني إختلال جوهري في حركتها ودورانها في فلكها, وبذلك يختل الزمن بصورة مستمرة, كما أن إنتاجها للطاقة سيقل تدريجياً بتناسب طردي مع الحجم المتغير فتختل درجة الحرارة بتناقصها تدريجياً مع تناقص حجمها.

ولكن لا هذا ولا ذاك قد حدث, إذ الزمن مضبوط والحرارة مضبوطة وعطاء الشمس مضبوط,, فما دام ذلك كذلك, فإن للشمس غاية وضع لها صانعها كل ما يحقق هذه الغاية إلى ملايين السنين, وإلى حيث أراد, فمن ذلك الصانع المبدع القدير؟؟؟

­ هناك كثير من الوثنيين ينسبون هذه الصنعة والإبداع المعجز "للطبيعة", ليتفادوا نسبتها لصاحبنها حتى يتحرروا من المسئوليات التي ألزمهم بها, وذلك إبقاءاً على فوضى شهواتهم وملذاتهم ومظالمهم وتخرصاتهم وإفكهم وشطحاتهم,,, التي حرمها الصانع عليهم,, فلم يستطيعوا أن ينكروا هذا الإبداع لأنهم لم يجدوا لذلك سبيلاً فكان الأقرب إليهم نسبتها إلى وثن لا يطالبهم بالإستقامة والعدل والعفاف والصدق والأمانة, والتقوى ..... الخ, فحسبوا أن ذلك تحجيماً لحرياتهم.

ولكن هل الطبيعة التي يتحدثون عنها هي: "خالق مبدع" أم هي "مخلوق"؟؟؟ فإن قالوا هي "خالق" لهذا الكون وما فيه نقول لهم: هل قالت تلك الطبيعة لكم ذلك فبلغكم صدقها فصدقتموها, أم ثبت لكم ذلك كحقيقة علمية صريحة؟؟ "قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين", أما إن قالوا إنها مخلوق نقول لهم إذاً "من الذي خلقها؟" فالعاقل منهم سيفكر في الأمر ويقول إن الذي خلقها هو الذي خلق الكون وخلق مكوناته وقدر أقواته,, فهل يوجد من قال بذلك وأنه هو "خالق كل شئ" وأقام الدليل على ذلك,, بل وتحدى الإنس والجن فخنسوا وإنزووا وتولوا؟

لا يزال للموضوع بقية,

تحية طيبة للطيبين,

بشاراه أحمد عرمان



#بشاراه_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تفنيد آفة الوثنية ووهم التنوير في الفكر الإلحادي (B):
- تفنيد آفة الوثنية ووهم التنوير في الفكر الإلحادي (A):
- التّحَدِّيْ!! بِمَحْقِ وسَحْقِ مائَةِ فِرْيَةٍ مُفْلِسَةٍ (a ...
- التّحَدِّيْ!! بِمَحْقِ وسَحْقِ مائَةِ فِرْيَةٍ مُفْلِسَةٍ (a ...
- التّحَدِّيْ!! بِمَحْقِ وسَحْقِ مائَةِ فِرْيَةٍ مُفْلِسَةٍ (a ...
- التّحَدِّيْ!! وقفة تأمل إضطرارية لازمة لمناقشة حالة:
- التّحَدِّيْ!! بِمَحْقِ وسَحْقِ مائَةِ فِرْيَةٍ مُفْلِسَةٍ (a ...
- التّحَدِّيْ!! بِمَحْقِ وسَحْقِ مائَةِ فِرْيَةٍ مُفْلِسَةٍ (a ...
- التّحَدِّيْ!! بِمَحْقِ وسَحْقِ مائَةِ فِرْيَةٍ مُفْلِسَةٍ (a ...
- التّحَدِّيْ!! بِمَحْقِ وسَحْقِ مائَةِ فِرْيَةٍ مُفْلِسَةٍ (a ...
- التّحَدِّيْ!! بِمَحْقِ وسَحْقِ مائَةِ فِرْيَةٍ مُفْلِسَةٍ (a ...
- التّحَدِّيْ!! بِمَحْقِ وسَحْقِ مائَةِ فِرْيَةٍ مُفْلِسَةٍ (a ...
- التّحَدِّيْ!! بِمَحْقِ وسَحْقِ مائَةِ فِرْيَةٍ مُفْلِسَةٍ (a ...
- التّحَدِّيْ!! بِمَحْقِ وسَحْقِ مائَةِ فِرْيَةٍ مُفْلِسَةٍ (a ...
- التّحَدِّيْ!! بِمَحْقِ وسَحْقِ مائَةِ فِرْيَةٍ مُفْلِسَةٍ (a ...
- التّحَدِّيْ!! بِمَحْقِ وسَحْقِ مائَةِ فِرْيَةٍ مُفْلِسَةٍ (a ...
- المُنَاظَرَةُ - الَّتِيْ قَصَمَتْ ظَهْرَ البَعِيْر (D):
- المُنَاظَرَةُ - الَّتِيْ قَصَمَتْ ظَهْرَ البَعِيْر (C):
- المُنَاظَرَةُ - الَّتِيْ قَصَمَتْ ظَهْرَ البَعِيْر (B):
- المُنَاظَرَةُ - الَّتِيْ قَصَمَتْ ظَهْرَ البَعِيْر (A-1):


المزيد.....




- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...
- الأوقاف الإسلامية في فلسطين: 219 مستوطنا اقتحموا المسجد الأق ...
- أول أيام -الفصح اليهودي-.. القدس ثكنة عسكرية ومستوطنون يقتحم ...
- رغم تملقها اللوبي اليهودي.. رئيسة جامعة كولومبيا مطالبة بالا ...
- مستوطنون يقتحمون باحات الأقصى بأول أيام عيد الفصح اليهودي
- مصادر فلسطينية: مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى في أول أيام ع ...
- ماذا نعرف عن كتيبة نيتسح يهودا العسكرية الإسرائيلية المُهددة ...
- تهريب بالأكياس.. محاولات محمومة لذبح -قربان الفصح- اليهودي ب ...
- ماما جابت بيبي أجمل أغاني قناة طيور الجنة اضبطها الآن على تر ...
- اسلامي: المراكز النووية في البلاد محصنة امنيا مائة بالمائة


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بشاراه أحمد - تفنيد آفة الوثنية ووهم التنوير في الفكر الإلحادي (C):