أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فاطمة الزهراء الطالبي - نقد المواقف التحريفية للنهج الديموقراطي















المزيد.....



نقد المواقف التحريفية للنهج الديموقراطي


فاطمة الزهراء الطالبي

الحوار المتمدن-العدد: 5765 - 2018 / 1 / 22 - 07:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أطلعت يوم الجمعة 19 يناير 2018، على مقالين وردا بالحوار المتمدن، الأول للكاتب الوطني السابق للنهج الديموقراطي السيد عبد الله الحريف وعضو مكتبه السياسي حاليا تحت عنوان: "لماذا نعتبر استقلال المغرب ناقصا وشكليا؟" والثاني لعضو المكتب السياسي للنهج الديموقراطي السيد جمال براجع تحت عنوان "جدلية التحرر الوطني والبناء الديمقراطي"، وقد وجدت هذين المقالين مكملان لبعضهما البعض ويؤكدان بالملموس الخط التحريفي القائد لحزب النهج الديموقراطي، كما يدخلان معا في سياق ما أسميته في مقال سابق بالسياق التبريري للمواقف التحريفية الجديدة المنبثقة عن المراجعة الفكرية والسياسية، التي أشرف عليها تيارا تحريفيا داخل السجن، للخط الثوري لمنظمة الى الأمام منذ سنة 1979. وستحاول هذه الورقة نقد التيار التحريفي القائد للحزب انطلاقا من هذين المقالين.

وتستند مشروعية هذا النقد على أساس أن حزب النهج الديموقراطي ما ينفك يدعي أنه يشكل استمرارية بشكل من الأشكال للحركة الماركسية اللينينية المغربية وخاصة منظمة الى الأمام، وحيث يجتهد أطر الحزب لانتقاء المصطلحات الماركسية وتبني عددا من التحليلات والجمل الثورية قصد تغليط مناضليه والجماهير البروليتارية كأداة للاستقطاب داخل الحزب وخارجه. وسأحاول فيما يلي فضح حقيقة هذا الحزب (اللاماركسي واللالينيني) والذي يقود سياسة برجوازية صغرى يحاول من خلالها مساومة النظام للحصول على مكتسبات سياسية خلال ما يسميه ب"الاستحقاقات الانتخابية" المقبلة.

نقد ورقة عبد الله الحريف تحت عنوان «لماذا نعتبر استقلال المغرب ناقصا وشكليا؟" الوارد في الرابط التالي:

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=586414


يفتتح السيد عبد الله الحريف مقالته بتقريره التالي: "نعتبر استقلال المغرب ناقصا وشكليا لأنه كرس ورسخ التبعية للإمبريالية، وخاصة الفرنسية والأمريكية، على كافة المستويات العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية واللغوية".

يعلم السيد الحريف ان النظام المغربي ممثلا بالسلطان هو من طلب الحماية الفرنسية عندما تفاقمت التناقضات بين النظام والجماهير الشعبية وأصبح السلطان معزولا ونظامه على وشك السقوط أواخر القرن التاسع عشر، وخلال 44 سنة من الحماية عرض الاستعمار الفرنسي المغاربة لشتى أنواع الاستغلال والاضطهاد، وقد تم التحضير لإنهاء عهد الحماية سنة 1956 من خلال مؤامرات أعيان الاقطاع والبرجوازية الكومبرادورية الملتفة حول القصر لاسترجاع مفاتيح البلاد للنظام الملكي بمقتضى معاهدة إيكس ليبان التي تضمنت علاقات التبعية نحو فرنسا بعد تقوية النظام الملكي بمؤسسات دولة حديثة يستحوذ فيها الملك على كافة السلط ويجعل المغرب حلقة من حلقات البنية الامبريالية الطبقية العالمية.

فالإشكالية السياسية اليوم تكمن في طبيعة النظام السياسي البرجوازي القائم والذي توجد في قلبه الملكية المطلقة. أما الامبرياليتين الفرنسية والأمريكية فيشكلان ركيزتان اساسيتان لضمان استمرار النظام القائم في انتاج فاض قيمة يستفيد منه باستمرار التكتل الطبقي الحاكم والشركات متعددة الاستيطان المتحكمة في عصب الاقتصاد المغربي. فهل نحن اليوم في حاجة الى تحرر وطني لإقامة "دولة وطنية طبقية ديموقراطية برجوازية ذات الأفق الاشتراكي" بالمفهوم الذي يقترحه النهج الديموقراطي كما جاء في ورقة السيد جمال بالراجع أم نحن في حاجة إلى حركة ثورية لإسقاط النظام الرأسمالي القائم سياسيا واقتصاديا واجتماعيا تحت قيادة البروليتارية؟

لجأ السيد الحريف الى توصيف ركائز ترسيخ ما يسميه بالاستعمار الجديد في المغرب عبر تعداد مكونات القاعدة الطبقية لهذا النظام، والتي حددها في ثلاث مكونات هي البورجوازية التجارية الكبرى أو الكومبرادورية والتي يقول عنها الحريف أن الاستعمار همشها مما جعلها تلتحق بما يسمى بالحركة الوطنية. لكن هذه المعلومة غير مضبوطة وينقصها الكثير من الدقة خاصة وأن العديد من مكونات هذه البرجوازية كانت لها علاقات راسخة مع البلدان الأوروبية حتى قبل دخول مرحلة الحماية وظلت طيلة هذه الفترة شريكا للمعمرين الأوروبيين وتشرف من موقعها ذلك على قطاعات واسعة في مجال التصدير والاستيراد وهناك فصائل من بين مكوناتها ناضلت من أجل أن تستمر فترة الحماية.

تم يشير الحريف ثانية الى ما يسميه بالملاكين شبه الإقطاعيين والذين يقول عنهم أنهم كانوا يملكون أراضي فلاحية كبيرة ويستغلون جيشا من الفلاحين المعدمين بطرق تقليدية، بينما لم يشر الحريف للملاكين العقاريين الكبار الجدد الذين استحوذوا على أراضي المعمرين طيلة الستينات والسبعينات من القرن العشرين وكذلك الذين استولوا على أراضي خصبة جديدة في مناطق عدة كأراضي أولاد خليفة وأراضي أمازيغية في مواقع متعددة تحولت بسرعة الى ضيعات رأسمالية تدر على أصحابها الملايير وتستفيد من اعانات الدولة ومن الاعفاء الضريبي.
كما يضيف الحريف الى هذين المكونين الاجتماعيين المؤسسة الملكية التي يقول عنها أنها انحازت الى المكونين السابقين ليجعل منهما قاعدتها الاجتماعية لبناء نظام رأسمالي والاستناد عليهما أيضا من أجل تصفية المعارضة التقدمية واضعاف الأحزاب والنقابات وتقوية علاقات التبعية نحو الامبريالية خاصة الفرنسية.

لكن ما هو غير مفهوم هو لجوء الحريف الى إضافة مفهوم المخزن كما لو أنه يشكل مكونا رابعا للقاعدة الاجتماعية للاستعمار الجديد والذي جعل دوره يقوم على ضبط ومراقبة الشعب ونهب خيراته إضافة الى تكريس التخلف والتبعية للإمبريالية. فصورة المخزن هنا كما لو كان كيانا خارجيا فضائيا ونلاحظ أن كافة الأحزاب اليسارية تتفنن في توصيف هذا الكيان وتتداول عدة مصطلحات بشأنه فتارة يتم استعمال عبارة "النظام المخزني" وهناك أيضا "الدولة المخزنية" بينما تقوم الأطروحة السياسية للنهج بكاملها على العمل على "تفكيك المافيا المخزنية" لكن الواقع يؤكد على وهمية هذا الجهاز وأن المقصود به ربما هي الملكية وسلطاتها الواسعة والتي يمارسها مسؤولون غير منتخبون ويتبعون للملك مباشرة. وهنا نكتشف نفاق اليسار المغربي وجبنه، حيث أنه بدلا من توجيه نيرانه مباشرة للملكية من أجل اسقاطها أو تقييدها يوجه نيرانه الى كيان وهمي غير موجود يعمل من خلاله على تشويه الفكر الطبقي البروليتاري ويوهم الكادحين على انه بمجرد تفكيك المافيا المخزنية ستتحقق "الدولة الوطنية الديموقراطية البرجوازية ذات الأفق الاشتراكي". علما أن النهج الديموقراطي ينظر الى الدولة نظرة غير ماركسية، حيث يرى أنها ستحقق العدالة الاجتماعية وحقوق الانسان مما يوفق بين الطبقات حتى مع بقاء نمط الإنتاج السائد. فالنهج الديموقراطي تعبير أصبح يشكل تعبيرا طبقيا عن طموحات البرجوازية الصغرى المتمركسة، لفضا، ويعتنق الرأسمالية فعلا. ويكفي الرجوع الى تدقيق الموقع الطبقي لأعضاء الحزب في مسلسل الإنتاج، للوقوف على طبيعته البرجوازية الصغرى. والنهج الديموقراطي بهذه الطبيعة يشكل أداة للثورة المضادة أكثر منه أداة ثورية.

نقد ورقة جمال بالراجع تحت عنوان "جدلية التحرر الوطني والبناء الديمقراطي" الوارد في الرابط التالي:

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=586425

يفتتح السيد جمال براجع مقالته بعبارة طويلة مكونة من سطرين يعتقد أنها من القوة بمكان بحيث تحدث مفعولها في رؤوس قراء الحوار المتمدن لتأخذ خطابه على محمل الجد، حيث يقول " تربط القوى الماركسية بشكل جدلي بين انجاز مهام التحرر الوطني ومهام البناء الديمقراطي ذي الافق الاشتراكي بحكم انه لا يمكن تحقيق الديمقراطية في ظل هيمنة الامبريالية وسيادة الرأسمالية المتوحشة التي اصبحت تتحكم في مصائر الدول والشعوب".

ويحاول السيد بالراجع بعبارته هذه أن يعرف القراء على الإشكالية التي يود مناقشتها في مقالته. ويصدق على مدخله الجميل هذا الوصف المغربي الشهير أنه دخل "دخلة العرائش". فالسيد جمال يربط هنا، بشكل مثالي ميكانيكي، بين مسلمات منتقاة عشوائيا من القاموس الماركسي اللينيني، دون أن يتحمل عناء التدقيق في طبيعة وحمولة كل مسلمة على حدة ومدى اتساقها مع باقي المسلمات وطبيعة العلاقة التي قد تربط أو لا تربط فيما بينها. ويكفينا هنا طرح التساؤلات التالية التي سنحاول الإجابة عنها في معرض هذا النقد:

- من هي القوى الماركسية التي يتحدث عنها السيد بالراجع؟ وهل تتمثل في حزب النهج الديموقراطي والحزب الاشتراكي الموحد وحزب الطليعة الديموقراطي الاشتراكي وحزب التقدم والاشتراكية والاتحاد الاشتراكي والأحزاب المشابهة في باقي البلدان المغاربية والعربية وبلدان العالم الثالث ... والتي اختارت أن تتضمن تسمياتها كلمة "اشتراكي" أو شيوعي أو ما شابه ذلك؟ وهل يكفي الادعاء بالماركسية حتى يمكن اعتبار هذه الكيانات كقوى ماركسية حتى دون أن تتوفر فيها الشروط النابعة من الفكر الماركسي والتي نجد في البيان الشيوعي لسنة 1848 أهم خصائص هذه الشروط؟ ألا تعتبر هذه القوى الماركسية المشار اليها مجرد قوى طبقية برجوازية صغرى تجتهد للحديث باسم الطبقة العاملة وتستهدف قيادتها لتحقيق مآربها السياسية الى جانب التكتل الطبقي الحاكم؟ ألم تدعي البرجوازية الصغرى التي سمت نفسها منذ الأربعينات من القرن العشرين بالحركة الوطنية نفس ادعاءات ما يسمى الآن بالقوى الماركسية من أجل قيادة الجماهير الشعبية نحو التحرر الوطني والبناء الديموقراطي؟ ليرجع السيد جمال براجع الى الخطاب المستهلك لما يسمى بالحركة الوطنية فسيجد أنها كانت تستعمل نفس المصطلحات التي يستعملها السيد جمال اليوم في القرن الواحد والعشرين حول التحرر الوطني والبناء الديموقراطي وأنه قد سبق ان استعملتها البرجوازية الصغرى آنذاك مثل علال الفاسي والمهدي بنبركة ومحمد الخامس ... الخ.


- ثم هل من بين أهداف ما يسمى ب "القوى الماركسية" مهام تحقيق التحرر الوطني والبناء الديموقراطي ذي الأفق الاشتراكي؟ ألا يجب أن تقوم هدف الثورة البروليتارية على البرجوازية المهيمنة لانتزاع السلطة وفرض نظام ديكتاتورية البروليتارية الى غاية القضاء على النظام الطبقي القائم وفرض نظام اشتراكي بدلا من النظام الرأسمالي؟ أليس ذلك هو ما سطره البيان الشيوعي لسنة 1848 لكافة الشيوعيين في العالم، وهو ما دأبت عليه القوى الماركسية الحقيقية؟ تجاهل هذه الأشياء أو التغاضي عنها عنوة خوفا أو محاباة للنظام القائم لا يجعل من حزب النهج الديموقراطي تنظيما ماركسيا. قد يردد السيد بالراجع وسط زملائه في الحزب بأنه يمارس السياسة لذلك لن يفصح عن حقيقته الماركسية، وأن السياسة تبقى هي فن إدارة الممكن، لكن ألا يعتبر هذا المفهوم بحد ذاته نفاقا وتحويرا وتلاعبا بالفكر الماركسي؟ لقد جاء في البيان الشيوعي المشار اليه أعلاه ما يلي: "آن الأوان لكي يوضح الشيوعيون بمرأى ومسمع من العالم كله تصوراتهم، وأهدافهم واتجاهاتهم وأن يواجهوا أسطورة الشبح الشيوعي ببيان الحزب الشيوعي نفسه. وتحقيقا لهذا الهدف اجتمع بلندن شيوعيون من مختلف القوميات ووضعوا هذا البيان الذي ينشر بالإنجليزية، والفرنسية، والألمانية، والإيطالية، والفلامندية، والدانماركية". الماركسية إذن هي الشيوعية فهل حزب النهج الديموقراطي ذو نزعة شيوعية؟ ألا يقلد النهج الديموقراطي زميله وحليفه في تونس حزب العمل التونسي الذي نزع كلمة شيوعي من تسميته سنة 2012 بدعوى أن كلمة شيوعي لا تتماشى مع واقع الجماهير التونسية المسلمة؟ الا يكشف حزب النهج الديموقراطي الذي ينتقد بكل شراسة النزعة الامازيغية عند بعض الأحزاب ويتحالف في نفس الوقت مع حزب ظلامي هو العدل والإحسان، عن نزعته العروبية الشوفينية والظلامية المتفاحشة وسط خطه التحريفي؟ فأي بعد هذا وسط النهج الديموقراطي عن الماركسية؟ ألم يسبق للسيد عبد الله الحريف سنة 2003 وهو كاتب وطني آنذاك لحزب النهج الديموقراطي أن أعلن اعتناق الحزب لجوهر الماركسية فقط وحيث يمكن تأويل هذا الاعتناق في جميع الاتجاهات والتي تجرد حزب النهج الديموقراطي عن كل انتماء للماركسية؟.

- يتحدث السيد جمال براجع عن "الربط الجدلي" للقوى الماركسية بين مهام التحرر الوطني والبناء الديموقراطي ذي الأفق الاشتراكي. فبالإضافة الى الاستعمال المجاني هنا لكلمة الجدل والتي لا أعتقد أن السيد براجع يفقه كنهها والا لما استعملها للربط بين هدفين برجوازيين: التحرر الوطني الذي يعني النضال من أجل بناء دولة طبقية برجوازية ذات نظام سياسي ديموقراطي برجوازي، بينما الأفق الاشتراكي يبقى مؤجلا الى مرحلة أخرى لاحقة ربما في "العالم الآخر" بمعنى أن البروليتاريا يجب أن تنصاع لحزب النهج الديموقراطي لكي يقودها من أجل التحرر وبناء الدولة الوطنية القائمة على الديموقراطية البرجوازية في انتظار أن تتوفر شروط الاشتراكية التي قد لا تتحقق ابدا في النظام الطبقي الوطني المزمع بناءه. أليست هذه الأطروحة المشروخة هي ما دأبت عليه ما سمي "بالبرجوازيات الوطنية" منذ مرحلة الاستقلالات الشكلية خلال عقود الأربعينات والخمسينات والستينات من القرن العشرين والتي أفرخت لنا أنظمة برجوازية استبدادية لا زالت تعاني منها الشعوب المغاربية والعربية الى يومنا هذا؟ إن التركيز على عبارة "ذي الأفق الاشتراكي" يحيل الى الخطاب الديني الذي يخدر الكادحين المضطهدين بأن يصبروا على الاستغلال الواقع عليهم لأن عالما جميلا آخر في انتظارهم بعد الموت، أي الجنة. فأي ربط جدلي هذا الذي يعلن عنه السيد جمال براجع؟ فتحقق هذا الربط الهجين الفاقد للبوصلة الثورية الاشتراكية لا يتحقق على أساس جدلي ولا علاقة للجدل هنا بهذا الربط، بل حسب منطق النهج الديموقراطي يتحقق عن طريق خداع الجماهير الشعبية لحملها على بناء دولة وطنية ديموقراطية برجوازية تتسلمها "قوى متمركسة" تفرض سيطرتها في انتظار انبثاق "الأفق" اشتراكي من العدم كأنه السراب قد لا يتحقق أبدا مثله مثل فكرة "الجنة" التي يعد بها الظلاميون الكادحون المغرر بهم لاستغلالهم وممارسة حكمهم الفاشستي عليهم كما حدث مع حكومة العدالة والتنمية منذ سنة 2011 والى الأن. فمآل أطروحة النهج الديموقراطي هو استغلال البرجوازية الصغرى "الماركسية" للجماهير الشعبية والطبقة العاملة كأداة، هدفها الركوب عليها لتمكينها من الوصول الى السلطة لبناء دولة وطنية برجوازية بنفس المضمون الرأسمالي السائد في ظل عالم تهيمن عليه الإمبرياليات. فإذن مآل الأطروحة هو رسم إيديولوجي ذهني مثالي مجرد من أجل لي دراع الواقع عبر الخداع وقمع الدولة الوطنية البرجوازية المنشودة للوصول الى نفس علاقات التبعية السائدة حاليا، أما "الاشتراكية" فستبقى مجرد "وهم" لانعدام شروطها في ظل هذه الدولة الوطنية المتخيلة للنهج الديموقراطي.

- إن الحديث عن "الربط الجدلي" يحيلنا على المادية الجدلية التي تقوم عليها الفلسفة الماركسية اللينينية، وهي فلسفة مستخلصة من حركة وواقع مادي موجود بالفعل في الطبيعة والمجتمع، ولا فرق هنا بين المادة والجدل فإذا كانت المادة هي المضمون ومنهج حركتها هي الجدل، فيستحيل التفرقة بين المضمون والمنهج، لأن الجدل هو شكل حركة المادة. وبالعودة الى عبارة "الربط الجدلي" عند السيد جمال براجع الذي يتحقق في ذهنه فقط بين ثلاث أطراف هي: النهج الديموقراطي والتحرر الوطني والبناء الديموقراطي مضاف اليها استعمال جماهير الكادحين كأداة لتحقق المشروع السياسي الكامن في أطروحة النهج. فهذا الربط يعتبر ربطا برجوازيا قسريا وليس جدليا ماديا، ومن شأنه إعادة بناء الدولة الطبقية الوطنية الديموقراطية البرجوازية بنفس مضامينها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية القائمة حاليا. إذن فمآل الجهد النظري المثالي للسيد جمال بالراجع من زاوية التحليل الماركسي هو مآل صفري بالنسبة للطبقة العاملة ولا يحقق سوى إعادة انتاج نفس المنظومة الرأسمالية الطبقية التي ستتناغم بالضرورة مع النظام الامبريالي العالمي بكل ما يعني ذلك من استغلال واضطهاد وعلاقات التبعية.

في معرض حديث السيد جمال براجع عن مفهوم التحرر الوطني نجده يكرس أطروحة بناء "الدولة الطبقية الوطنية الديموقراطية البرجوازية"، فمفهوم التحرر الوطني ليس هو الحركة الثورية الاشتراكية بل يشكل مفهوم بعيد كل البعد عن الحركة الثورية الاشتراكية ومناقضا لها تناقضا تاما. فهي إشكالية نظرية وسياسية وستظل مطروحة على الممارسة الثورية. فهل صحيح أن حركة التحرر الوطني ليست حركة ثورية؟ وهل صحيح أن الحركة الثورية لا علاقة لها البتة بحركة التحرر الوطني؟

إن الخلط والوهم الذي ساد التيارات شبه الشيوعية المغربية أو بعض فصائلها منذ الاستقلال الشكلي وإلى الآن، حول طبيعة التحرر الوطني والحركة الثورية، يفضح الطابع الطبقي لهذه التيارات منذ ذلك التاريخ، والذي لا يزال مستمرا. لذلك وجب تعرية هذا الوهم ومواجهته بواسطة النقد حتى يكف عن الاستمرار في تشويه الفكر البروليتاري. وتعميق اغتراب واضطهاد الكادحين. فمن موقع الضرورة التاريخية أن يكون للحركة الوطنية التحررية قيادة ثورية هي قيادة البروليتاريا ونهج ثوري هو النهج البروليتاري وليس النهج الديموقراطي كأداة مضادة للثورة. فهل نهج الطبقة العاملة بالمغرب هو هذا النهج؟ وهل قيادة الحركة الوطنية هي هذه القيادة؟

رغم بعض المصطلحات العامة المستقاة من قاموس شبه ماركسي مثل "الاستناد على سلطة الشعب من أجل فرض استقلال القرار الوطني" و"إعطاء التحرر الوطني مضمونا طبقيا بروليتاريا منفتحا على الأفق الاشتراكي" وقيام "الحزب بفرض قياداته من طرف الطبقة العاملة"، فإن تغييب الطبقة العاملة كطبقة ثورية قائدة للثورة الاشتراكية والاستعاضة عن ذلك بكلمات فضفاضة كعبارة "سلطة الشعب" التي سبق أن استعملها خروتشوف ليستبدل بها عبارة ديكتاتورية البروليتاريا بعد تسميم الرفيق ستالين وتصفية الماركسيين اللينينيين من قيادة الحزب البولشفي سنة 1956 خلال المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي. وحيث يكرس السيد جمال بالراجع "سيادة الحزب" حتى وإن وصفه ب"الحزب البروليتاري"، لكنه لا يقول لنا كيف سيحقق تحرير الأرض وتحقيق الاستقلال الوطني الحقيقي لبناء الدولة الوطنية المستقبلية، فهناك نفحة قوية من الخطاب المتعجرف للبرجوازية الصغرى الفارغ من أي مضمون بروليتاري حقيقي. ولا يختلف هنا النهج الديموقراطي عن أي حزب بورجوازي صغير آخر يبحث عن كيفية بناء فضائه السياسي عن طريق اقتباس مصطلحات لا يدرك كنهها وعن طريق نشر الضبابية والوهم وسط الطبقة العاملة لاستغلالها لمآرب خطه التحريفي التسلقي.

ونظرا لهذا الخط التحريفي الذي يطبع الممارسة السياسية لحزب النهج الديموقراطي فإن النقد موجه لهذه الممارسة السياسية البعيدة كل البعد عن أي ممارسة ثورية فبالأحرى مقارنة فكرة التحرر الوطني عند جمال براجع مع التجارب الثورية التي عاشتها الفيتنام والصين، بمعنى مقارنة فكرة وهمية بتجربة ثورية حية، كما يحاول براجع الإيحاء بذلك. فمن المعروف في الأدبيات الماركسية أن لا ممارسة ثورية بدون نظرية ثورية والتي تفرضها الطبيعة التاريخية للمعرفة العلمية. لذا كانت الثورة دوما مخاطرة. لكن لهذه المخاطرة قوانين بإمكان الممارسة النظرية أن تنتج معرفة تاريخية بها، إذ تمفصلت، باستمرار، مع الممارسة السياسية، في ممارسة حزبية هي من الناحية المبدئية، ممارسة تحويل ثوري للعالم.

إن السيد جمال بالراجع لا يعدم الخطاب السريالي في مقالته حينما يصف لنا ما شهدته البلدان التبعية من فقدانها ل"قرارها الوطني المستقل" وخضوعها للتحكم والاستغلال المكثف لمقدراتها من طرف الامبريالية ومؤسساتها، فكما لو كان السيد بالراجع يصف لنا المآل الختامي لأطروحة النهج الديموقراطي السياسية، فبناء "الدولة الوطنية الطبقية البرجوازية المستقلة" مآله كل ما تفضل السيد بالراجع بشرحه، كما لو كان عبارة عن انتحار سياسي مسبق للمشروع الاشتراكي على مذبح الدولة الوطنية الطبقية البرجوازية التي ينشدها النهج الديموقراطي.

يلتقي السيد جمال بالراجع مع السيد عبد الله الحريف في توصيفهما للكتلة الطبقية السائدة والتي يضعان معا في مركزها ما يسميانه بالمافيا المخزنية وحيث يقعان معا في نفس الأخطاء المنهجية التي يجمعها فيها تناقضات متنافرة لا يقوى على جمعها سوى عقل مثالي مجرد تماما عن الواقع المعاش. فالسيدان معا مدعيا الماركسية أو الجوهر الحي للماركسية يتحدثان في نفس الوقت عن "النظام المخزني" والدولة المخزنية وأيضا عن "المافيا المخزنية"، في الوقت الذي يطالبان فيه بإقامة "دولة وطنية ديموقراطية". فمن جهة أولى فإن طبيعة النظام بغض النظر عن وصفه بالمخزني أو الديموقراطي يكون شاملا للدولة (الدولة المخزنية) ويتحكم في مؤسساتها وتجهيزاتها الإدارية والعسكرية والبوليسية وآلياتها الأيديولوجية، ويتحكم في الأحزاب السياسية والمركزيات النقابية، ويستطيع من خلال تحكمه هذا املاء سياساته كيفما شاء انطلاقا من الهيمنة الشمولية التي يمارسها. ثم هناك من جهة أخرى، ما يسميه النهج الديموقراطي بالمافيات المخزنية المفهوم المناقض لمفهوم النظام (والدولة المخزنية) المشار اليه أعلاه، لأن ما يوحي به هذا المفهوم هو أنه يحدث داخل دولة من المفروض ان تكون "وطنية ديموقراطية" بحسب النهج دائما، الا أنها بسبب تسلط عدد من المسؤولين الكبار المتحكمين في أجهزة الدولة وتحولهم الى عصابات، يعملون على توظيف هذه الأجهزة لخدمة مصالحهم الخاصة. لذلك فإن هذا الخلط الذي يقع فيه النهج الديموقراطي ومن ورائه كافة من يسمون أنفسهم باليسار المغربي، يفضح قصورهم المعرفي والايديولوجي العميق. وعدم قدرتهم على تمييز التناقض القائم بين الدولة والعصابة أو المافيا. لكن مرة أخرى باعتماد ما يسمى باليسار المغربي على مصطلحات المخزن والدولة المخزنية والنظام المخزني والمافيا المخزنية، وادخالها في القاموس السياسي المغربي لا يشكل سوى أداة ناجعة لتغليط الجماهير الكادحة وايهامها أنه بمجرد "تفكيك المافيات المخزنية" حسب تعبير النهج الديموقراطي سنحصل على الدولة الوطنية الديموقراطية، دون تمحيص حتى في طبيعة الدولة لوطنية الديموقراطية نفسها.

وتعتبر الدولة في المنظور الماركسي أنها نتاج ومظهر من مظاهر استعصاء التناقضات الطبقية، وأن الدولة تنشأ حيث ومتى وبقدر ما لا يمكن، موضوعيا، التوفيق بين التناقضات الطبقية. وبالعكس يبرهن وجود الدولة أن التناقضات الطبقية لا يمكن التوفيق بينها. لذلك فإن إيمان النهج الديموقراطي بالدولة الوطنية الديموقراطية هو إيمان بالدولة الطبقية اعتقادا منهم بالرأي التحريفي الخاطئ الذي انتقده كارل ماركس وهو أنه يمكن للدولة أن تشكل أداة للتوفيق بين الطبقات، وحيث اعتبر ماركس أنه في حالة توفر إمكانية التوفيق بين الطبقات فإن ذلك سينهي وجود الدولة نفسه. لذلك فإن الدولة تفرض دائما بالقوة من طرف طبقة معينة تهيمن على الحكم ولا يمكن اسقاط هذه الدولة الطبقية الا عن طريق العنف الثوري الثورة البروليتارية المظفرة وبالتالي فرض ديكتاتورية البروليتارية لانهاء النظام الطبقي. وغير ذلك مجرد أوهام وكلام فارغ.

إن التمعن في المصطلحات المستعملة في أطروحة النهج الديموقراطي كما جاءت على لسان عضو مكتبه السياسي السيد جمال براجع تؤكد ما يريد أن ينفيه هذا الأخير، فمهمة "انهاء سيادة نظام الرأسمالية التبعية" تعني في المقابل "سيادة نظام رأسمالية غير تبعية" ثم أنه بدلا من ثورة ديموقراطية شعبية اشتراكية تقتصر أطروحة النهج الديموقراطي على مهمة: القضاء على الهيمنة الامبريالية وسيادة النظام المخزني الاستبدادي، علما أن الدولة الوطنية الديموقراطية القائم على أساس نظام رأسمالي غير تبعي لن يحقق ثورة اشتراكية وديموقراطية لسبب بسيط هو عدم تدمير البنيات الاقتصادية الرأسمالية والتي نعلم في عالم اليوم أنها سرعان ما تندمج في الاقتصاد العالمي الخاضع لسيطرة الامبريالية وسرعان ما تتحول هذه الدولة الوطنية التي ينشدها النهج الديموقراطي الى دولة تابعة للنظام الامبريالي العالمي. أما مختلف الأهداف السياسية التي يسطرها السيد جمال بالراجع فمجرد شعارات انشائية لن تتحقق في ظل الدولة الوطنية الطبقية الديموقراطية البرجوازية التي يسعى اليها النهج الديموقراطي.



#فاطمة_الزهراء_الطالبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نقد أطروحة النهج الديموقراطي حول مسألة الجبهات تابع
- نقد أطروحة النهج الديموقراطي حول مسألة الجبهات


المزيد.....




- بسبب متلازمة -نادرة-.. تبرئة رجل من تهمة -القيادة تحت تأثير ...
- تعويض لاعبات جمباز أمريكيات ضحايا اعتداء جنسي بقيمة 139 مليو ...
- 11 مرة خلال سنة واحدة.. فرنسا تعتذر عن كثرة استخدامها لـ-الف ...
- لازاريني يتوجه إلى روسيا للاجتماع مع ممثلي مجموعة -بريكس-
- -كجنون البقر-.. مخاوف من انتشار -زومبي الغزلان- إلى البشر
- هل تسبب اللقاحات أمراض المناعة الذاتية؟
- عقار رخيص وشائع الاستخدام قد يحمل سر مكافحة الشيخوخة
- أردوغان: نتنياهو هو هتلر العصر الحديث
- أنطونوف: واشنطن لم تعد تخفي هدفها الحقيقي من وراء فرض القيود ...
- عبد اللهيان: العقوبات ضدنا خطوة متسرعة


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فاطمة الزهراء الطالبي - نقد المواقف التحريفية للنهج الديموقراطي