أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حنان قصبي - مَاركس كما يَتَخيلُه فوكو حول السلطة والمجتمع - مارتن كيكوريز ترجمة حنان قصبي















المزيد.....



مَاركس كما يَتَخيلُه فوكو حول السلطة والمجتمع - مارتن كيكوريز ترجمة حنان قصبي


حنان قصبي

الحوار المتمدن-العدد: 5764 - 2018 / 1 / 21 - 01:48
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    




مرت ثلاثون سنة على إعلان فوكو أننا نخضع لـ"إبستيمي"(أ) في طريقه للزوال، والذي ستؤدي نهايته إلى نهاية الإنسان ذاته، كشخصية مركزية للمعرفة الحديثة، ومنذ ذلك الحين لم نسمع أصداء لذلك السجال.
استحوذت نهاية الذات، التي تم الإعلان عنها في "الكلمات والأشياء"، على الاهتمام النظري-الثقافي في الحقبة التي صدر فيها ذلك الكتاب. وستُسرّعُ الزوبعة التي تسببَ فيها كتاب "الكلمات والأشياء" (والذي يحمل عنوانا فرعيا هو: أركيولوجيا العلوم الإنسانية) في القيام بمراجعة أعمال فوكو في فرنسا، في الوقت الذي لم يتم فيه الانتباه إليها قبل ذلك الحين. وفي سنة 1967، خَصّصتْ "حلقة الدراسات والأبحاث حول القرن 18" (بجامعة مونبوليي) جزءا هاما من دورتها تلك لكتاب فوكو "الكلمات والأشياء". وفي سنة 1968، نظم "الاتحاد العقلاني"(ب) أياما دراسية حول موضوع "البنيات والإنسان" تم فيها تحليل "أركيولوجيا فوكو".
شارك مثقفون ماركسيون -كانوا يَنْظرون إلى فوكو على أنه يهدد، بكيفية ما، المَتن النظري لماركس وإنجلز- في النقاشات لتي كانت تزداد حيوية شيئا فشيئا. وأعطت مداخلة جون بول سارتر، التي ألهبت المشاعر، دفعة قوية لتلك النقاشات. قال سارتر عن فوكو: "لقد جاء فوكو للناس بما كانوا في حاجة إليه (...) أي بناء إيديولوجية جديدة، هي آخر حاجز يمكن أن تحتمي به البرجوازية ضد ماركس"(1). وضم ماركسيون آخرون أصواتهم النقدية من منظورات متنوعة، مثل: فرانسوا وول François Wahl، ودومينيك لوكور Dominique Lecourt (القريبان من الماركسية الألتوسيرية)، وروجي غارودي Roger Garaudy (الأكثر قربا من ماركسية سارتر الوجودية).
وفي سنة 1975، قدم فوكو في كتابه "المراقبة والعقاب" عملا تركيبيا لتجاربه العملية والنظرية الناتجة عن اهتماماته بمنظومة السجون. وفيما بعد، قدم عملا تركيبيا آخر لمجموع الإجراءات الخاصة بالجنسانية في كتابه "إرادة المعرفة". ولقد سمح ذلك بتحقيق تقارب فاتر بينه وبين بعض المنظرين الماركسيين. ويعكس كل ما كتبه نيكوس بولانتزاس Nicos Polantzas، وإتيان باليبار Etienne Balibar، وغوران تيربورن Goran Therborn، وداريو ميلوسي Dario Melossi، وماسيمو بافاريني Massimo Pavarini، ومارك بوستر Mark Poster... إلخ، الذين حاولوا فهمه وإدماجه، أو ما كتبه نقاد مثل خ.غ. ميركيور J.G. Merquior، وبيري أندرسون Perry Anderson، الطريق الملتوي الذي اتّبعتهُ الماركسية بعد الستينيات. وتعتبر هذه المرحلة اللحظة التي تسببت فيها الستالينية والأخطاء التي ارتكبتها الأحزاب الشيوعية على الصعيد العالمي في جعل مراجعة النظرية الماركسية ضرورة لا مناص منها.
ليس الهدف هو تقييم فوكو على ضوء الماركسية، ولكن الهدف هو إضاءة نوع الإشكالية الناتجة عن الإحالة إلى ماركس من طرف فوكو. وإذا كان صحيحا أننا سنحاول الارتباط بماركس نفسه، فسنعرج أحيانا على مقارنات ما بين فوكو ومعاصره لويس ألتوسير، لأن أحدهما يعكس الآخر في أكثر من مسألة. يتعلق الأمر هنا بالبحث عن المكانة التي يحتلها ماركس في النسيج النظري لفوكو.

مواقف

إذا اعتمدنا على التحقيب المعتاد لأعمال فوكو في مجال الأركيولوجيا والجينيالوجيا والإيتيقا – بالرغم من أنه لا يحظى بالإجماع في أغلب الأحيان- سنجد أن أغلب الإحالات إلى ماركس تمت في المرحلتين الأولى والثانية. أول عمل عالج هذا المشكل، داخل البعد الأركيولوجي، هو العرض المقدم في ندوة "رويومون" Royaumont حول نيتشه (1964) تحت عنوان "نيتشه، ماركس، فرويد" (Marx, Nietzsche, Freud). فلقد اعتبر فوكو هؤلاء الثلاثة روادا في تقنيات التأويل الجديدة التي مكنت من حدوث "بزوغ هيرمينوطيقي" في القرن العشرين. حاول فوكو جعل القطيعة التي أحدثها هؤلاء المنظرون قابلة للفهم وذلك بمواجهتها بالتقنيات التي ميزت "إبستيمي" القرن السادس عشر. وكان أحد التغيرات التي صاحبتْ الطفرة الإبستيمولوجية هو اكتشاف معنى عمق الدلالات. لم يعد الأمر يتعلق بالسطح المستوي والمنسجم، ولا بالمظهر العام لعصر النهضة، ولكنه صار يتعلق بالانفتاح على عمق لا يوجد داخل الذات، وإنما يوجد خارجها.
يرى فوكو أن ماركس يكشف في "الرأسمال" عن إدراكِ البرجوازية المبتذل للنقود والقيمة...إلخ، فبما أنه تم إبقاء هذين المفهومين في المستوى السطحي، فقد تسببا في نسيان البنيات التي تنظم الذات من خارجها (علاقات الإنتاج في حالته، ولكن أيضا العلاقات اللسانية واللاوعي). وبالإضافة إلى ذلك، يوجد عند ماركس نفيٌ للبداية (نفيُ لـ"الروبِنْسوناد"(ت)، نفيٌ للفرد وللحدث الطبيعي) يحوّلُ التأويل إلى مهمة بدون نهاية. ويصبح كل شيء تعليقا: "نرى ذلك عند ماركس الذي لا يؤول تاريخ علاقات الإنتاج ، ولكنه يؤول علاقة تقدمُ نفسها سلفا كتأويل، بما أنها تقدم نفسها كطبيعة"(2). إنه يعيد النظر في البراءة الطبيعية التي تُدافعُ عبرها تأويلاتُ الاقتصاد السياسي عن نفسها. لم يعد التأويل مجرد توضيح، ولكنه صار صراعا يتعرض فيه المعنى السابق للإكراه والتّعنيف. ينحتُ ماركس "النيتشوي" حقيقته الخاصة به عن طريق ضربات المطرقة.
يخلص فوكو إلى أن هذه الهيرمينوطيقا تقود إلى موقفين متعارضين هما: العدمية والدوغمائية. فمن جهة، هناك العدمية التي تحيل إلى تبادل التأويلات بعيدا عن أية فعالية كما يحدث في اللعب، تبادلُها في المنطقة التي تُعيّنُ حدود اللغة والحمق. وهي منطقة ترتبط بنيتشه ويتعرفُ فيها فوكو نفسُه على ذاتِه. وهناك، من جهة أخرى، المؤوِلُ الذي يختار –وقد تعب من الانتقال من قناع لقناع آخر- أحدَ القناعين ويحولُه إلى واقع وإلى حقيقة: وتفسح هذه اللحظة الطريق أمام الدوغمائية. وستتبنّى الماركسية السابقة هذا الموقف. ولما انتهى العرض الذي قدمه فوكو، وفُتُح باب النقاش، استفسر الفيلسوف جياني فاتيمو Gianni Vattimo –الذي كان غير معروف آنذاك- فوكو عن النزعة الغائية عند ماركس. فأجاب الأركيولوجي أن ماركس -على الأقل في كتابه "18 برومير لويس بونابرت"- لا يقدم تأويله باعتباره التأويل الوحيد، والتأويل "الأصيل". لقد اختار ماركس –الذي يتبناه فوكو- الأقنعة، اختار نِسبيّة عدمية سوف تُحرّفُها القراءات الماركسية اللاحقة.
يلخص هذا العمل الخصائص الأساسية المتبناة من طرف فوكو. إنه يماثل ماركس، قبل كل شيء، بالقطيعة الإبستيمولوجية في القرن 19. إنه يهجر هيجل وهوسرل الذين يقربانه من التقليد البنيوي، وذلك بُغية استعمال أعمال ماركس ونيتشه وفرويد الذين سيفسحون المجال لعدم تمركز الذات. وفي المقام الثاني، يرتكز على الأعمال السياسية لماركس وإنجلز، وهي المرجعية التي ستظل ثابتة في تعارض مع الكتابات الفلسفية (النزعة الإنسانية) والكتابات الاقتصادية (النزعة الوطنية البنيوية).
كانت ندوة "رويومون" عبارة عن نظرة موجزة عن مشروع كبير جدا ومعقد سيترجمه في "الكلمات والأشياء". نجد في هذا المؤَلَّف تعديلات جوهرية فيما يخص الاعتبارات التي حدّدها في الندوة حول نيتشه. يحاول المشروع الطموح الذي شرع في إنجازه الاهتمام بالاعتبارات الإبستيمية التي تعمل كشروط لإمكانية الفكر الغربي منذ عصر النهضة إلى اليوم. يتعلق الأمر بتاريخ "الهُوَ هُوَ"، وبما نستطيع التفكير فيه داخل إبستيمي معين فقط، ويشكل المكانُ الذي يوجد فيه ويحدث فيه تاريخُ الآخر الخارجَ. ولا يتوقف هذا الأخير عن تهديد ذلك التاريخ. بالنسبة لفوكو، يُثير "الانتباذ الفضائي"(ث) (الهيتروتوبيا) المفاجأة في مواجهة الاختلاف ويسمح في نفس الوقت بالتعرف على شروط طريقة تفكيرنا الحالية في لعبة هذا الخارج الذي قد يكون هو الشرق أو الماضي...إلخ.
سيعيد فوكو، اعتمادا على هذه المقدمات، بناء إبستيمي عصر النهضة، وإبستيمي العصر الكلاسيكي وإبستيمي العصر الحديث انطلاقا من إشكالية الحياة واللغة والعمل في الممارسات الخطابية. يعتبر فوكو، في إطار دراسته للانتقال من الاقتصاد الكلاسيكي (آدم سميث) إلى الاقتصاد الحديث (ريكاردو)، ماركس المتابِع والمُتمم لريكاردو. تسمح مقولة "العمل" لدى ريكاردو لفوكو بإقامة جسر تواصل يربط ما بين ريكاردو وماركس، الذي ينعكس هو نفسه بشكل مقلوب في نفس هذه الإشكالية. لم يكن فوكو في حاجة لمعالجة هذه المسألة في أي فصل أو أية فقرة مهداة لماركس، إنه يطرح هذا المشكل مباشرة في الاستطراد حول ريكاردو.
تسمح أهمية ريكاردو برؤية الانتقال من تحليل الثروات كتداول(ج) (السطح) داخل إبستيمي العصر الكلاسيكي إلى تحليل الإنتاج (العمق) في إبستيمي العصر الحديث. إنه يؤسس مقولة العمل كحجر أساس للاقتصاد في إبستيمي العصر الحديث، حيث يسبق الإنتاجُ التداولَ. ومن المهم التأكيد على نتيجتين يستخلصهما فوكو مما سبق: الأولى تتعلق بالخاصية التاريخية، أي تحديد القيمة عبر كمية العمل وإحالة هذا الأخير إلى صيغ الإنتاج، وهو ما يسمح بإدخال مفهوم الإنتاج "كسلسلة خطية كبيرة ومنسجمة"(3). وهكذا يخترق التاريخ، لأول مرة، الاقتصادَ. يسمح إدخال الزمن كقيمة متغيرة للإنتاجية بتسلسل سببي ينتهي بالتراكم، لأن كلّ عمل يسبقُ عملا آخر، وسيشكل الانتشار الدائم للإنتاج دعامة لتاريخ اقتصادي ميزتُه الاستمرارية. والثانية هي أن النقص بنيوي في نظر ريكاردو. يعاني الإنسان في ذاته من النقص. وهذه الحالة الدائمة هي التي يرتكز عليها الاقتصاد. يصاحب النقصُ تزايد السكان المستمر –يقترب ريكاردو هنا من مالتوس(ح) Malthus- وليس العمل إلا مهمة الإنسان المُتعبة التي تحاول وضع حد للموت مؤقتا. يشير الاقتصاد إلى جانب من جوانب التناهي كمحرك داخلي. يدور إبستيمي العصر الحديث كله حول أنثروبولوجيا "تحيل إلى خطاب حول تناهي الإنسان"(4).
يعتبر العملُ والنقص مفهومين من مفاهيم التاريخ والأنثروبولوجيا (وهما مفهومان متضامنان فيما بينهما). وسيقومان بتنظيم الأفق الإبستيمي الذي استعمله ماركس لصالحه. إن ريكاردو هو الذي رسم معالم الصراع لما عرّف العلاقة مابين العمل والنقص كلعِب يتم فيه وسمُ الإنسان بالتناهي باعتباره حدّاً أنثروبولوجيا. لن يتمكن التاريخ (العمل، الإنتاج، التراكم) وهو يتجاوز هذا الحدّ، إلا بنشر استحالته الخاصة فقط، بما أن كل تطور اقتصادي يسرّع عملية التفتيت، وبما أن النقص يؤدي أيضا إلى فشل الإنتاج (لنذكر أن الأرض بالنسبة لريكاردو ليست مصدرا خالدا للخيرات المادية -كما كان يعتقد ذلك الفيزيزقراطيون(خ)- وأنها تتجه بكيفية ما نحو النفاد). وهكذا يصل التاريخ إلى نهايته في حدود كونه يظل سجين الدائرة المتكررة: نمو-ركود، مبرهنا بهذه الكيفية على الجانب النهائي للإنسانية.
يقوم التاريخ، بالنسبة لماركس على العكس من ذلك، بدور سلبي. فهو لم يعد المُحفز الإيجابي الذي يرى الناسُ عبرَه تحررهم المؤقت، بل أصبح شرطَ قمعهم. فالبعض، في هذه العملية، يحقق التراكم، والبعض الآخر لا يحقق أي تراكم: وستتمكن البروليتاريا –لأهمية مكانتها في الإنتاج- من فهم أن هذا النظام هو نتيجة مستقبل تاريخي. إن البروليتاريين هم الذين سيتمكنون، باعتبارهم وعيا كونيا، من تأسيس حقيقة الإنسان. ويتعلق الأمر بنهاية التاريخ عن طريق القلب والإلغاء.
إذا كان التاريخ يتجه، عند ريكاردو، نحو تجاوز التناهي الأنثروبولوجي حتى بلوغ نقطة توازن نهائية، هي فشله الخاص، فإن الحرمان –الاستلاب الذي ينتجه- يكشف بالنسبة لماركس عن التناهي، ويرسم اتجاه الطريق الثوري. يحاول كل واحد بطريقته الخاصة فهم العلاقة الإشكالية الموجودة ما بين الأنثروبولوجيا والتاريخ. يتعلق الأمر، كنتيجة لذلك، بتنسيق سيميولوجي بعيد كل البعد عن أن يكون طفرة إبستيمية.(5)
ويخلص فوكو في الأخير إلى أن "الماركسية لم تُدخِل أية قطيعة فعلية على المستوى العميق للمعرفة الغربية (...) تشبه الماركسية في فكر القرن التاسع عشر سمكة في الماء، أي أنها ستتوقف عن التنفس في أي مكان آخر خارج المعرفة الغربية"(6). وما يدعو للغرابة هو عدم وجود أية إحالة مباشر لفائض القيمة(7).
سيَحدثُ أول انحراف، وسيتسببُ في عدة مشاكل، خاصة لدى الماركسيين الذين تبنوا فكر ألتوسير. إنها مفاجأة مزدوجة، وخاصة إذا تذكرنا أن لويس ألتوسير كتب في تلك المرحلة المقالات التي ستنشر في كتابه "قراءة رأس المال". أعاد البنيوي الماركسي التأكيد، في تلك المقالات، على ما يُعتبر مفتاح قراءته، أي القطيعة النظرية التي قام بها ماركس في القرن التاسع عشر. إنها قطيعة تمت على مستويين: يتطابق المستوى الأول مع بزوغ قارة معرفية جديدة هي التاريخ، والمستوى الثاني هو نتيجة لحدوث تنسيقٍ في تاريخ العلوم. لكننا نجد أن القطيعتين، في التأويل الذي قدمه ألتوسير، هما نتيجة الهوة التي حدثت مع الاقتصاد الكلاسيكي. ومن الصعب فهم أسباب صمت ألتوسير الطويل عن مواقف فوكو.
نجد في "الكلمات والأشياء" الإشكالية التي كانت متضمنة بشكل غامض في نص مداخلته "نيتشه، فرويد، ماركس". ولقد لاحظ فوكو، بتركيز تحليله على اللغة، التغيرات التي حدثت انطلاقا من القطيعة ما بين الفكر واللغة، وذلك نتيجة انهيار التمثل الكلاسيكي. إن الجانب الأساسي في هذه الطفرة هو تبدد اللغة. فهذه الأخيرة تنطوي على ذاتها وتتحول إلى موضوع يجب السيطرة عليه لأنه لم يعد يترجم الفكر. وتصبح كثرته مقلقة إلى حد ما. ومكّن تكثيف اللغة من تجديد تقنيات التفسير، وظهور تيارات تمارس التَّقعيد الاستنباطي، كما فتح منفذا ستبزغ عبره اللغة القادرة على الإحالة على ذاتها وعلى الأدب. وفي هذا المجال الجديد "يعتبر الكتاب الأول من رأس المال تفسيرا للـقيمة، ويعتبر نيتشه كله تفسيرا لبعض الكلمات اليونانية، ويعتبر فرويد تفسيرا لكل الكلمات الخرساء التي تدعم وتنقب، في نفس الوقت، في خطابتنا الظاهرة"(8) ولكن فوكو يطرح هنا السؤال التالي: إلى أين تقود كل هذه المحاولات الهادفة للسيطرة على اللغة أو تحريرها؟ وذلك "لأنه انطلاقا من كوننا نريد إعادة تكوين الوحدة المفقودة للغة، هل نستطيع الذهاب إلى أقصى فكر القرن التاسع عشر أم سنتوجه إلى صيغ اتضحت عدم ملاءمتها له؟"(9) هل يتعلق الأمر بالدوغمائية أم بالعدمية؟
إذا قارنا هذا العرض الموجز بـ"الكلمات والأشياء" سنلاحظ تغير محور التمفصل. تدور الإبستيميات وطفراتها، في "الكلمات والأشياء"، حول مسألة نهاية الإنسان، نهاية النزعة الإنسانية الحديثة. وتقوم هذه الإشكالية بتنظيم معالجة المشكل كما لو أنه وَجَد ما بين نيتشه وفرويد وماركس و"الكلمات والأشياء" معنى لأوصافه المفصلة. لم يعد ماركس ينتمي لبراديغم(د) القطيعة: "... سيقال أن هولدرلين Holderlin، وهيجل Hegel، وفيورباخ Feuerbach وماركس كانوا جميعا يملكون سلفا ذلك اليقين بأن فكرا بداخلهم، وربما ثقافة أيضا بلغا نهايتهما، وأنه من عمق مسافة لم تكن ربما منيعةً، كانت ثقافة أخرى قادمة (...) وما أضافه هذا الإعلان للفكر هو توفير مقام قار للإنسان على هذه الأرض التي تُركت لمصيرها (...) ما هو مؤكد في أيامنا هذه هو نهاية الإنسان (...)(10). يبدو ماركس هنا حداثيا قبل اختراع مفهوم الحداثة، أما الجهد الألتوسيري الهادف إلى إعادة خلق ماركس الذي كان سيدشنُ –بعد قطعه الصلة بالاقتصاد السياسي- المُعاصرةَ، فسيتبدد أدراج الرياح بجرة قلم.

ما يقولون أنني قلته

قادت السجالات، التي اندلعت بقوة على إثر نشر كتاب "الكلمات والأشياء"، فوكو إلى القيام بسلسلة من التعديلات وإلى تدقيق موقفه من ماركس.
وفي استجواب مع رايمون بيللور Raymond Bellour عدّل وجهة نظره بنفي القطيعة الإبستيمولوجية بين ريكاردو وماركس. لكنه أضاف بالرغم من ذلك قائلا: "وبالمقابل، يمكن أن نفترض أن ماركس أدخل إلى وعي الناس التاريخي والسياسي قطيعة راديكالية، وأن النظرية الماركسية حول المجتمع دشنت فعلا حقلا إبستيملوجيا جديدا كل الجدة. يحمل كتابي عنوانا فرعيا هو "أركيولوجيا العلوم الإنسانية"، ويفترض هذا الأمر ذاته إبستيملوجيا أخرى، والتي ستكون بالتحديد هي تحليل المعرفة والوعي التاريخي في الغرب منذ القرن السادس عشر. وحتى قبل التقدم كثيرا في هذا العمل، يبدو لي أن القطيعة الكبرى يجب أن تتموقع في فكر ماركس"(11). كان يجب موقعة القطيعة الإبستيمولوجية، في نظرية التاريخ والسياسية، في القرن 19. وذلك لأنها حدثت في بدايات هذا القرن في مجالات علوم اللغة والحياة والاقتصاد. وهكذا يتضح أن ماركس هو الذي دشن تفكيك مفهوميْ الاستمرارية-الذات، وهو الذي أدخل ممارسة اللاستمرارية في مجال التاريخ في نفس الوقت. وبالرغم من أن عملية التحرير لم تبلغ نهايتها، فإن فوكو يدين الميل إلى إضفاء الطابع الأنثروبولوجي على ماركس في الأقوال المشبعة بالنزعة الإنسانية التي تعتقد بكل سذاجة القدرة على أن تسترجع من الذات كل ما يتجاوزها.
سيكثف فوكو، في كتابه "أركيولوجيا المعرفة"، محاربته لنوع التاريخ الذي يشجع النزعة الإنسانية، لكنه يحارب أيضا، وبشكل أقل وضوحا، الأفق البنيوي، وهو ما يخفي، بالنسبة للبعض، بداية ما بعد البنيوية. في هذه المسألة سيقول أن معارضة "اللاتمركز الذي أنجزه ماركس –من خلال التحليل التاريخي لعلاقات الإنتاج والمحددات الاقتصادية وصراع الطبقات- أدت، حوالي نهاية القرن 19، إلى البحث عن تاريخ عام يمكن فيه إرجاع اختلافات المجتمع إلى صيغة وحيدة، وإلى تنظيم تصور واحد للعالم، وإلى إقامة نظامِ قيم، وإلى نوع منسجم من الحضارة"(12). ولكن اللاتمركز الذي تسبب فيه ماركس تم تمديده بمحاولة مَرْكَزَة جديدة، ليس فقط من خلال الطريق الأنثروبولوجي، ولكن أيضا عبر الاختزال البنيوي. تعيد "إعادة الأقلمة" في مركز جديد، والبنية، إدخال فلسفة التعالي والمفارقة، والتي تميزت منذئذ بالمبالغة في الموضوعية – أي البنية الاقتصادية انطلاقا من تطور آلي لأنماط الإنتاج أو اختزال اللاوعي من خلال بنية أوديبية- الموقفان معا يخضعان لـ (العامل)"الواحد" لتفسير الواقع. يتعلق الأمر بأن يمتلك المرء رؤية تعددية، وبرفض أي نوع من التاريخ الكُلِّياني، أو بتعبير فوكو، أي نوع من التاريخ الشمولي، الذي يستهدف توحيد الكثرة. هذا التاريخ الذي يحيل دوما إلى نواة وحيدة تختزل الحياة في ما هو عام (...) يطال هذا النقد مفهوم الإبستيمي الذي لن يبدو أبدا أكثر هشاشة كعامل مُوحِد، انسجاما مع حدوث طفرة دفعة واحدة، ولكنه سيبدو "كمجال للتبدد، كحقل مفتوح وقابل بدون شك لوصف علاقاته بلا نهاية"(13). لا يتعلق الأمر باللاستمرارية ولكن بتكاثر لانهائي. وبهذه الكيفية، لا يجد ماركس مكانه في العتبة التي يشكلها الاقتصاد السياسي كما هي حالة ريكاردو، ولكن في إعادة صياغة هذا الأخير انطلاقا من ممارسة خطابية تؤسس تنظيما جديدا للتحليل السياسي والتاريخي الذي يملك، فضلا عن ذلك، وظيفة الكشف عن مرجعه الخطابي.
بعد توضيح هذه الإشكالية، تظل هناك حاجة لمعرفة أي نوع من البزوغ ذلك الذي أثاره الخطاب الذي زرعه ماركس داخل المجال الأركيولوجي وفي انسجام مع مِحور الممارسة الخطابية والمعرفة والعلم. يميز جواب فوكو ما بين نوعين من المواقف داخل سطح الخطاب: المؤسسات العلمية والمواقف الخطابية. ينسحب ماركس مجددا من المِحور الذي يوضع فيه عادة. إنه ليس مؤسس الاشتراكية العلمية، مقابل الاشتراكية الطوباوية، وليس أيضا ماركس الذي نجده في الصيغة الألتوسيرية، أي مؤسس علم جديد هو المادية التاريخية ومبدع قطيعة إبستيمولوجية لم نستوعبها بعد، لأن الفلسفة، حسب ألتوسير، تسير دوما وراء العلم. يتموقع ماركس الألتوسيري في صرح المعرفة العلمية هذا مثل طاليس (قارة الرياضيات) وغاليلي (قارة الفيزياء). إن تأسيس ماركس لقارة التاريخ سيسمح ببزوغ المادية الجدلية التي هي علم العلوم، وهو المشروع الذي وعد ألتوسير بإتمامه.
يتميز ماركس الذي نقرأه في وصف فوكو بكونه "مؤسس الممارسة الخطابية البرهانية" والذي تترك هذه الإشكالية علاقته مع العلم معلقة. لقد اهتم فوكو بموقف "ما بعد- الممارسة الخطابية البرهانية"، الذي ينتظم بداخله مجال مرجعي منسجم إلى هذا الحد أو ذاك، ويسمح أيضا بتكاثر غير محدد للخطابات والاختلافات، بالرغم من أن هذه الأخيرة رهينة بالخطاب نفسه. يظل الأساس العلمي، باعتباره محدودا وضيقا ومنسجما في علاقته بالتحولات المتفرعة عنه، حاضرا فيما يخص هذه الأخيرة. يتعلق الأمر في حالة التأسيس الخطابي البرهاني بترك الملفوظات تنساب، وفتح حقل اكتشاف يخلق في نفس الوقت مسافة أو ابتعادا عن ذلك الاكتشاف. يدفع هذا الفصل ما بين التأسيس الخطابي البرهاني وتحولاته اللاحقة إلى العودة إليه باستمرار. إن عودة نسيان أساسي إلى المصدر، حسب فوكو، يُخفي أيضا ما يُعبرُ عنه. ولكن هذه العودة لا تعني الكشف النهائي عن حقيقة كانت ستظل نائمة، ما عدا إذا تتعلق الأمر بلعبة تحيل على هذه الاختلالات "التي تجنبها النسيان أو أخفاها، وقنّعها بامتلاء مزيف أو رديء، ويجب على العودة أن تكتشف من جديد هذه الثغرة وهذا النقص..."(14). إن الأمر يتعلق بغياب أبدي في آخر المطاف.
وهكذا تنتج تغيرات في الماركسية عن قراءة جديدة لماركس أو عن اكتشاف لبعض النصوص، وليس الهدف هو بلوغ الدرجة الصفر حيث سيتوقف التأويل في مواجهة ماركس الأساسي، ولكن الهدف هو إطلاق رهان جديد قد يصنع فجواته الخاصة ونسيانه الخاص. هذا ما حدث مع مخطوطات 1844 التي أثرت على اليسار الماركسي المتطرف، وعلى تأملات الاشتراكيين الديمقراطيين، والوجوديين والتوماويين الجدد(ذ). وسوف يتم التفكير من جديد في صفوف الماركسية حوالي نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات في صيغة النزعة الإنسانية-الماركسية التي مثلها غارودي Garaudy وفروم Fromm وماركوز Marcuse، تلك النزعة التي أكدت أن جميع المقولات الأساسية لماركس تفرعت عن المخطوطات. وبعد تبجيل الستالينية والنظرية المُجدّدة معا للعامل الاقتصادي، سيجرب ألتوسير حظه من جديد بنقد النزعة الإنسانية-الذاتية الماركسية.

ورشة المثقف

إذا كان فوكو قد اهتم بماركس الذي أحدث بالفعل "أثرا مُضاعِفا"(ر) في الخطاب، فليس الهدف من ذلك هو الرغبة في تبرير كل شيء، ولكن ذلك الاهتمام كان بالأحرى نتيجة طريقته الخاصة في تصور نظريته. فانتسابه أو عدم انتسابه للماركسية أمر بعيد عن انشغالاته، وهو موضوع تركه لـ"عِلم الشيوعية" الذي ينظم ويتحكم في قواعد استعمال ماركس انطلاقا من سلطة الحزب. فهو يستعمل الماركسية بقدر ما يتحرر منها لعدم وجود أية إمكانية للتوحيد الثقافي إبان الإبداع. كل تداعي ثقافي ضد السلطة سيكون فعلا غريبا سيلجأ بالضرورة لاستراتيجيات من أجل ترك المعارف تضمحل من الذين لا صوت لهم، تلك المعارف التي تركتها إجراءات إقصاء الخطاب في الظل، وليس من أجل الإرشاد إلى الطريق أو إضاءته، ولا من أجل البحث عن انتمائه، وليس من أجل التناول الشمولي للخلاف في خطاب ما. وعوض الاهتمام بدعم المتن التاريخي لماركس، يجب التحرر من استعماله الرسمي للتمكن من استعماله كأداة إضافية من أجل بناء نظري يواكب العمل السياسي.
ونتيجة لما سبق، فإن استكشاف أصداء فكر ماركس سيذهب إلى أبعدِ مِن استشهادٍ يُصبح سلطة: "أستشهدُ بماركس دون قراءته، دون وضع أقواله بين مزدوجتين، وبما أنهم عاجزون عن التعرف على نصوص ماركس، فإنني أصيرُ في نظرهم ذلك الذي لا يستشهد بماركس"(15). إضافة إلى ذلك، "فأية أهمية لمن يتكلم" إبان الفعل؟

اختراع السلطة وسلطة الاختراع

نظرا لكون فوكو قد وجد نفسه، في "أركيولوجيا المعرفة"، حبيس إشكالية المعرفة، فإن نقد مفهوم الاستمرارية كان يجب أن يُمهد المجال للدخول المفاجئ للخطاب باعتباره نتيجة، داخل حقل تشتتات. هذا الاهتمام الذي يُفضلُ الحدث الخطابي تَركَ العلاقةَ ما بين الخطاب والأحداث مُعلقة.
إن الانتقال إلى إشكالية السلطة يتمحور حول نقد التاريخ التقليدي، في تعارض مع التاريخ الفعلي الذي رسمتْ بعضُ أعمالِ نيتشه معالمَه الأولى. ويجب أن تتصف المهمة بالدقة لإضاءة "حقائق صغرى" مَكنونة في الأصنام الحديثة مثل: الذات والعقل والتقدم. قدم فوكو، في مقال تحت عنوان "نيتشه، الجينيالوجيا والتاريخ"، تأملا حول البحث عن الأصل ونتائجه على العمل التاريخي التقليدي. تسمح المفاضلة بين التاريخين لفوكو باستخراج بعض التقديرات المنهجية التي تعتبر حيوية بالنسبة للبحث الذي تواصله أعماله. ينطلق المقال – الذي تعتبر مميزاته فيلولوجية تقريبا- من استعمالات مختلفة لمفهوم الأصل عند نيتشه. إن جينيالوجيا التاريخ تنزع القداسة عن الأرض التي وُعِد بها المؤرخ.
يُنقب فوكو -وهو يقتفي أثر نيتشه في جينيالوجيا الأخلاق- ويكتشف جحر التاريخ. لقد تم التعبير عن قصده سلفا، في المقام الأول، من طرف المؤرخ الذي يحاول إيجاد هوية قد تظل غريبة وسليمة على مر الزمان – متجنبا بذلك الانقياد للمفاجأة والفراغ- بينما يرى الجينيالوجي عدم وجود أي شيء وراء الأشياء. وفي حالة وجود شيء ما وراءها، فإن ذلك ليس سوى اختراعا محضا أو فعلا مصطنعا. وسيتحدد الاستكشاف مسبقا، في المقام الثاني، بخاصيةِ ما يتمُ البحثُ عنه، يوجد في البداية ما هو خالص، أي الطاهر الذي يحكي دوما مآسي البراءة. وبالمقابل، فإن البداية، بالنسبة للجينيالوجي، وَضِيعة، لا طائلة من ورائها، تخترقُها الصدفة والعنف. ويلاحظ المؤرخ، أخيرا، حقيقة مفقودة في هذا الأصل، لكن إذا استعملنا إدراكَنا الحسي بكثافة فلن نجد في عمق الكلمات والأشياء إلا الأخطاء المكذّسة.
يقلب الجينيالوجي صفحات الزمن ليجد الجانب البخس في البداية. إذا كان نظام الخطاب يهتم بظهور الحدث، فإن نظام الممارسات غير الخطابية سيتحدث عن "الظهور المفاجئ" للواقعة في تنافرها وتباينها. وللقيام بهذه المهمة بنجاح، يستعمل فوكو مصطلحين استعملهما أحيانا عوض مصطلح الأصل وهما: المصدر والانبثاق. يحيل المصدر للجسد الذي يتخذ فيه تسجيل الوقائع وجودا ماديا. ارتسم عمق الوعي على جلد الجسد. يُثبّتُ العرَض والحقيقة والخطأ والانتصارات والهزائم مقاومتها العابرة في الجسد. ولكن المصدر يدعو أيضا للإنصات للأصوات الصادرة عنه.
ومن جهة أخرى، لا يجب إدراج الواقعة في السلسلة المستمرة التي تحيل على مبدأ وحيد لا يتبدل، بل يجب إدراجها في حالةِ غُلوِها وتعسفِها البدائية. وللنجاح في ذلك، يجب بلوغ انبثاقها. نسقط في الغالب في وظيفية نفعية مبتذلة – وهل توجد غير هذه؟- إذا اعتبرنا نقطة وصول حدث ما، في استمرارية معينة، قانونا لظهوره. تحاول الجينيالوجيا استعادة علاقات القوة التي تسببت في وقوع الواقعة ، الصرح الصامت الذي يقتضي إعادة بناء القوى المشكلة له من أجله (القوى الفاعلة والقوى التي تمارس رد الفعل حسب نيتشه، القوى الطيبة والشريرة حسب سبينوزا). إن الحدث هو السطح (بالمعنى الهندسي) المجعّد الذي نشر فيه الأعداءُ قواهم وبيّنوا المسافة التي تحدّها. العنف هو السّمة التي توحدها لِمدة وجيزة. ويملك الحدث هو أيضا قِناعَه الذي هو القانون. ونعود هنا مرة أخرى لإشكاليتنا، التي بدتْ منسية، لأن التأويل والحدث –كما هو الشأن في نص مداخلة فوكو "نيتشه، فرويد، ماركس"- هم نتيجتان للعنف. سيقول فوكو فيما يعد: "إذا كان التأويل هو الاحتماء –بسبب العنف أو التدليس- من منظومة قواعد لا تملك في ذاتها دلالة أساسية، وإجبارها على إتباع اتجاه معين، وإرغامها على الخضوع لإرادة جديدة، وإدخالها في لعبة أخرى، وإخضاعها لقواعد ثانوية، فإن الإنسانية هي سلسلة من التأويلات"(16). ستصف جينيالوجيا ماركس أشكال العنف والطيّات التي تفرضها على الاقتصاد السياسي والتاريخ والسياسة بغية منحها توجها آخر لن يكون –حسب فوكو- اتجاه الإنسانية الأخير أو النهائي، ولكنه سيكون مجرد جولة إضافية في تاريخ إرادة المعرفة.

الجسد السجين

يوحي انبثاق الواقعة بإمكانية تعددية التواريخ التي قد تستطيع تصور موضوعات متناغمة مع هذه المواد الدنيا والمبعثرة والبئيسة. يمكن للجسد أن ينفتح هو أيضا على التاريخ، تاريخ الكيفية التي تتكون عبرها الذاتية. إنه تاريخ سجنه.
ليست الذاتية، بالنسبة لفوكو، شيئا جاهزا، إنها اختراع (أي erfindung بلغة نيتشه)، وتوجد الحيل والخدع دوما في منتهى هذه البنايات التي تتطلب منا إعادة بناء الإستراتيجية. كان هذا الأمر واضحا من قبل في "الكلمات والأشياء". ويوضح أيضا كيف أن كل اختراع يمكن أن يكون أيضا أداة للسلطة أكثر مما يكون أداة للتحرير، كما يدرس ذلك في تكنولوجيات الذات. لا توجد بالنسبة لفوكو ذاتُ معرفةٍ جاهزة، بما أنها أثر لبعض علاقات السلطة. كانت الروح –هذا الكنزُ الخَصِبُ بمزايا إنسانية كونية- أثرا وأداة للسلطة. إن تاريخ الجسد هو تاريخ طيّ قِواه، تاريخ استعماره البطيء، الذي بدأ خصوصا بخلق الذاكرة. لا يتعلق الأمر بمسار طائش، لأنه يستكشف بكيفية غير منتظمة المعرفة الموروثة في نفس الوقت الذي يدعي فيه العمل كـ"ذاكرة مضادة"، "بتذكيرنا" أن الكلمات لا تنجو هي أيضا من هذه المعارك. يأتي هذا "التاريخ المضاد" ليُربك "الذاكرة" وتمجيدها الدائم للمسيطِر وليحذّرنا من الأصول الغريبة لكل تراتبية.
عالج فوكو التحكم في قوى الجسد في كتابه "المراقبة والعقاب". وتطرق فيه لمجموع الإجراءات باعتبارها شبكة يتم إنشاؤها ما بين ممارسات خطابية وممارسات غير خطابية، ويتضمن هذا الكتاب تحليله لعلاقاتها المتبادلة. وتتكون تلك الإجراءات من خطابات ومؤسسات ومنشآت معمارية وتدابير إدارية وقوانين...إلخ، كما تملك موقعا استراتيجيا مسيطرا لأنها تستجيب لإلْحاحِية سياسية.
يلاحظ فوكو تغيرا في ممارسة السلطة إبان الانتقال إلى النظام الحديث، فالانتقال من العقاب عن طريق التنكيل إلى العقاب عن طريق التطويع والإخضاع يتطلب حدوث ثورة في تقنيات السلطة. إنه تغيير في وظائف السلطة التي صارت منذئذ عبارة عن وظائف تقوم بمراقبة الأجساد والانتباه إليها واستفزازها. تُنتِجُ السلطة قوى وتنظمها وتُنميها. ثم تنقل اهتمامها نحو إدارة الحياة انطلاقا من مجموع الإجراءات الخاصة بالجنسانية. ولا يقتضي هذا الأمر اختفاء الحروب والمذابح والحروب الدينية التي تتسبب فيها الدولة. لكن الحروب والمذابح والحروب الدينية تحدث الآن باسم "حياة الأجساد والعرق وبقاءهما على قيد الحياة"(17). إن السلطة الحيوية(ز) (البيو-سلطة) باعتبارها غزوا للجسد تتم عبر مرحلتين: في البداية هناك التشريح السياسي للجسم البشري، الذي ينتظم حول "الدراسات المتخصصة" في القرن 17 و18، والذي يجد نقطة ارتكازه في الجسم كآلة. تغزو التقنيات –اليقظة، الانتباه، الفحص...إلخ- المؤسسات التي هي مجال يقاوم الغزو إلى هذا الحد أو ذاك: الجيش، المدرسة، المستشفى...إلخ.
وبعد ذلك يتم تأسيس سياسة حيوية(س) (بيو سياسة) للسكان منذ القرن 18 عبر سلسلة من التدخلات والمراقبات المنظِمة للحياة: الولادات، طول العمر، الوفيات...إلخ، والتي موضوعها هو: الجسد-النوع. وسيكون الجنس هو طريق الولوج من الجسد إلى النوع. وستنظم "دراسات متخصصة" مثل الديموغرافيا والطب النفسي والإحصاء عملية الاستيلاء في مجال منفتح.
إن المشكل الذي ينبغي حله في عملية التشريح السياسي هو التبدد والكثرة. والسؤال الذي يطرح هو: كيف الوصول للعبودية الإرادية في مجتمعات تَعْمُر بالسكان ببطء؟ ما العمل لكي تصبح هذه الأجساد متحكّما فيها وفعالة وتتشكل، إضافة إلى ذلك، لتكون هدفا سهلا للمعرفة؟ إن ما تُبجّله الطوباوية الجديدة هو الأمر التالي: جسد قابل للتحليل وجسد قابل للاستعمال = جسم منتج.
نتج التوفيق ما بين تراكم الأجساد وتراكم رأس المال –وهو الأمر الذي سمح بوجود الرأسمالية- عن هذه المهمة التأديبية الانضباطية. تشابكت علاقات السلطة بعلاقات الإنتاج. يعيد فوكو بهذا التحليل تأسيس المجال الموجود ما بين التراكم الأصلي وتراكم رأس المال. وهو الموضع الذي ظل فارغا في كتاب "الرأسمال". تتولد العملية التي يتم من خلالها تجريد أفراد من أراضيهم وتحولُهم إلى أيدي عاملة من توسيع الإنتاج إلى أقصى حد، ومن الاختزال السياسي لهذه الأجساد التي لازالت موسومة بوتائر العمل والراحة والحفلات في البوادي. يستشهدُ فوكو في مقاطع من كتابه "المراقبة والعقاب" بـ"الكتاب الأول من رأس المال" لإقامة علاقة ما بين التقنيات التأديبية الانضباطية وإمكانيات مراقبة الطبقات الشعبية في عملية الإنتاج. ولكن بطء دمج وقبول النظام الاقتصادي الجديد –وهو الأمر الذي لم يخل من صراعات- من طرف فلاحين سُلبت منهم أراضيهم ومتشردين وعاطلين عن العمل (...) ليس نتيجة لخديعةٍ إيديولوجية، بل ربما هو نتيجة لتقنيات السلطة. ويُفسّرُ ذلك بأنه "لكي يوجد فائض الربح يجب أن توجد سلطة فرعية. ويجب إقامة نسيج سلطة سياسية ميكروسكوبية دقيقة على مستوى الإنسان ذاته، تُثبّتُ الناس في جهاز الإنتاج بتحويلهم إلى مجرد فاعلين في مجال الإنتاج، أي تحويلهم إلى عمال"(18). إن الفيزياء الميكروسكوبية هي جينيالوجيا هذه التقنيات التي تم تجميعها في غناها المتواضع، لأنها تُستخدم كنقطة اتصال ما بين المؤسسات وجهاز الدولة من جهة، وما بين الأجساد وقواها من جهة أخرى. وبهذا الشكل لا تمر مسألة السلطة عبر الملكية ولكن عبر ممارستها، كما أن آثارها هي دوما نتيجة غير قارة وغير متكافئة مع ترتيب القوى ونسيج العلاقات. تكمن أصالة فوكو في رصده للتقنيات التأديبية الانضباطية انطلاقا من أصلها الهجين (الذي هو "الإقامة العسكرية المؤقتة") داخل المناهج البيداغوجية...إلخ، أي في ترتيبها الإستراتيجي المحلي. وهكذا يستدعي فوكو مرة أخرى ماركس لإقامة علاقة ما بين تقسيم العمل والتكتيك العسكري.
وفي الختام، لا وجود لتحول إيديولوجي في عملية الانتقال ولكنه يوجد في التكتيك. ولقد سبق لماركس أن أشار إلى ذلك، فاصل الرأسمالية ليس ثمرة لعملية تحرير ولكنه ثمرة للدفاع عن السوط. لا وجود لتملك الذوات لوعي تدريجي.
يجب ربط ظهور فكر مختلف، (-ثوري- يهتمُ بالحاضر) بالضرورة الإستراتيجية لتشكل أجساد جديدة. ويجب أن تتواجد هذه الأجساد خارج النماذج المحددة من طرف القيم السائدة. لا يتعلق الأمر فقط بمسالة الوعي كما تود ماركسية معينة أن نفهم ذلك، ولكن الأمر يتعلق أيضا بالانفتاح على إمكانيات جديدة للحياة. وبهذه الكيفية يعيد فوكو التأكيد على ماديته.

مارتن كيكوريز Martin Cuccorese
ترجمة: حنان قصبي
المرجع: مجلة Actuel Marx ، العدد 6، سنة 2001.




هوامش:

ملاحظة: الهوامش المشار إليها بالأبجدية العربية من وضع المترجمة.
*) مارتن كيكوريز Martin Cuccorese ، جامعة بيونيس آيريس، الأرجنتين، ترجم كتاب الفيلسوف الفرنسي جون بودريار Jean Baudrillard (1929-2007) "De la séduction" إلى الإسبانية سنة 2007.
أ) إبستيمي: المعنى اليوناني القديم للكلمة هو العلم. ومعنى الإبستيمي في الفلسفة هو مجموع المعارف العلمية في عصر معين ومجموع افتراضاتها.
ب) الاتحاد العقلاني: جمعية فرنسية تأسست سنة 1930، ويعود الفضل في تأسيسها للعالم الفيزيائي "بول لانجوفان" Paul Langevin. وحددت مهمتها الأساسية في النهوض بالعقل ومحاربة كل أشكال الدوغمائية.

1) Jean-Paul Sartre, L Arc, N° 30, 1966.
ت) الروبنسوناد: استُمد الاسم من رواية للكتاب "دانييل ديفوي" Daniel Defoe تحت عنوان "روبنسون كروزوي" Robinson Crusoé، المنشورة سنة 1719. والمقصود هنا هو وجود شخص منعزلا عن حضارته الأصلية، وما يجب عليه فعله للبقاء على قيد الحياة.
2) Michel Foucault, "Nietzsche, Freud, Marx" Dits et Ecrits (1954-1988), tome I, NRF Gallimard, Paris, 1994.
ث) الانتباذ الفضائي (الهيتروتوبيا): مفهوم وضعه ميشيل فوكو لوصف ما يسميه بالأماكن الأخرى مثل الملاجئ والمستشفيات والسجون ودور الرعاية والمكتبات وبيوت الدعارة. ولد استعار فوكو مصطلح الهيتروتوبيا من الطب كنقيض لمصطلح اليوتوبيا. أنظر(ي):
Michel Foucault, Dits et écrits 1984 , Des espaces autres (conférence au Cercle d études architecturales, 14 mars 1967), in Architecture, Mouvement, Continuité, n°5, octobre 1984, pp. 46-49

ج) التداول مفهوم اقتصادي يتم عبر عدة صيغ، على سبيل المثال التداول من خلال: سلعة/نقود/سلعة الذي يقود إلى تبادل منتوج مقابل منتوج آخر باستعمال وسيط هو النقود (والهدف هو الاستهلاك)، والتداول من خلال: نقود/سلعة/نقود والذي يتم عبر شراء سلع لبيعها بسعر أعلى (والهدف هو الاغتناء).

3) Michel Foucault, Les mots et les choses, Gallimard, Paris, 1966.
ح) توماس مالتوس: (1766-1834)، اقتصادي بريطاني ينتمي للمدرسة الكلاسيكية، ورجل دين أيضا. اشتهر بموقفه المحافظ المعارض للاستثمار والخوف من الندرة الاقتصادية. طالب بمراقبة فعالة للولادات للتحكم في نمو السكان. وتوقع رياضيا أنه بدون التحكم في الولادات فإن السكان سيزداد عددهم بطريقة هندسية (1، 2، 4، 8، 16...) بينما لا تنمو الموارد إلا بطريقة حسابية (1، 2، 3، 4، 5...). وقدم حلولا منها: الحد من نمو السكان، التقنين الإرادي للولادات، تأخير سن الزواج، عدم مساعدة الدولة للمحتاجين...

4) ibidem.
خ) الفيزيوقراطيون: physiocrates،(الفيزيوقراطية هي المذهب الطبيعي) اقتصاديون ينتمون للمدرسة الفيزيوقراطية التي نشأت في فرنسا حوالي 1730. وتعني الكلمة في الأصل "الحكم عبر الطبيعة". من مبادئ هذه المدرسة: الملاكون العقاريون هم الذين يسيرون الدولة، لا يجب تقنين الاقتصاد، النظام الملائم هو الملكية المطلقة، وشعارهم هو "دعه يمر دعه يعمل".

5) يقترح لويس ألتوسير لما يحيل إلى علاقة هيجل بماركس شيئا مشابها. فحين يرى أن ماركس قلب الجدل الهيجلي ليقف على رجليه، أوضح بدقة أن القلب لا يؤدي إلى تغيير المعنى. فإذا قلبنا هيجل سنجد برودون Proudhon. أنظر:
Louis Althusser, La révolution théorique de Marx.
6) ibidem.
7) يشير ببساطة إلى أن العمال "ينتجون أكثر بكثير من هذا الجزء من القيمة الذي يحصلون عليه على شكل أجر ويقدمون بذلك للرأسمال إمكان شراء العمل من جديد".
8) ibidem.
9) ibidem.
د) براديغم: المعنى اليوناني القديم للكلمة هو النموذج أو المثال (ونجد الكلمة اليونانية مستعملة في محاورة أفلاطون طيماوس Timé). ويمكن تعريفه كالتالي: هو مجموع المعتقدات والاتفاقات المشتركة بين العلماء أو الفلاسفة والتي توجه الأبحاث وتعرف المشاكل وتشير إلى النتائج المقبولة.

10) ibidem.
11) Raymond Bellour, Le livre des autres, Edition de l Herne, p.192.
تظهر نفس الملاحظة فيا بعد في حوار آخر: "من المستحيل كتابة التاريخ حاليا دون استعمال مجموعة مفاهيم مرتبطة مباشرة بفكر ماركس ودون التموقع في أفق تم وصفه وتعريفه من طرف ماركس. وقد نستطيع بكيفية ما التساؤل عن الاختلاف الذي يمكن أن يوجد بين أن يكون المرء مؤرخا وأن يكون ماركسيا".
(Michel Foucault, "Entretien sur la prison : Le livre et sa méthode", in Magazine Littéraire, N° 101, Juin 1975).
12) Michel Foucault, L archéologie du savoir, Gallimard, Paris, 1969.
13) Michel Foucault, Surveiller et punir, Gallimard, Paris, 1975.
14) Michel Foucault, "Qu est-ce qu un auteur?", Bulletin de la Société française de philosophie, 1969. Ou Dits et Ecrits, tome I, op. cit.

ذ) التوماوية الجديدة: نسبة للتوماوية التي هي فلسفة منفتحة على لاهوت القديس توما الإكويني. وهي أساسا فلسفة واقعية ميتافيزيقية. ومعظم فلاسفة العصر الحديث مثل ديكارت ولوك وليبنز (وكانط بعدهم) حاوروا بشكل مباشر أو غير مباشر توماوية زمانهم. والتوماوية الجديدة هي تجديد للتوماوية تم في نهاية القرن 19 وإبان القرن 20. وتتكون من تيار محافظ (يرفض الحداثة) وتيار تقدمي يقبل ما يراه صالحا في الحداثة.

ر) الأثر المضاعف: هو العملية الناتجة عن زيادة أولية في أحد المتغيرات الاقتصادية الموجودة في المدخلات التي تقود في نهاية مدة معينة إلى زيادة أكبر في عنصر أو عدة عناصر في المخرجات.

15) Michel Foucault, "Entretien sur la prison : Le livre et sa methode", in Magazine Littéraire, N° 101, Juin 1975.
16) Michel Foucault, "Nietzsche, la Généalogie, l Histoire", in Hommage à Jean Hyppolite, P.U.F., 1971. Ou Dits et Ecrits, tome II, Gallimard, Paris, 1994.
17) Michel Foucault, Histoire de la sexualité 1, La volonté de savoir, Gallimard, Paris, 1976.

ز) السلطة الحيوية (البيو سلطة) Biopouvoir هي نوع من السلطة تمارس على الحياة: حياة الأجساد وحياة السكان. فالسلطة الحيوية لا تهتم بالأرواح، ولكنها تهتم فقط بحياة البشر: تهتم بالجسد من أجل إخضاعه للنظام وتأديبه، وتهتم بالسكان من أجل مراقبتهم. والعنصر المشترك بين الجسد والسكان هو المعيار الإحصائي الذي يسمح للسلطة الحيوية بأن تمارس بطريق عقلانية على مجموعة إحصائية (جماعة بشرية) وعلى الفرد.

س) السياسة الحيوية (البيو سياسة) Biopolitique: مفهوم استحدثه فوكو للتعرف للدلالة على شكل من ممارسة السلطة لا يهتم بالمجالات الترابية ولكنه يهتم بحياة الناس، حياة السكان. ولقد ولد هذا المفهوم علانية في درس من دروس فوكو بـ"ريو دي جانيرو" سنة 1974 حول "الطب الاجتماعي. ولقد تم تطوير هذا المفهوم بعد ذلك من طرف: جيورجيو أغامبين Giorgio Agamben وأنطونيو نيغري Antonio Negri وروبيرتو إسبوزيتو Roberto Esposito.

18) Michel Foucault, "La vérité et les formes juridiques", Dits et Ecrits, tome II, op. cit.



#حنان_قصبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- علاقة منهج الغزالي بمنهج ديكارت هل هي علاقة توافق أم علاقة س ...
- الإسلام والعلمانية - بْرِسِيللا فورنييه ترجمة حنان قصبي
- كارل بوبر ومعايير العلمية - جوينيي باتريك ترجمة حنان قصبي


المزيد.....




- طريق الشعب.. الفلاح العراقي وعيده الاغر
- تراجع 2000 جنيه.. سعر الارز اليوم الثلاثاء 16 أبريل 2024 في ...
- عيدنا بانتصار المقاومة.. ومازال الحراك الشعبي الأردني مستمرً ...
- قول في الثقافة والمثقف
- النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 550
- بيان اللجنة المركزية لحزب النهج الديمقراطي العمالي
- نظرة مختلفة للشيوعية: حديث مع الخبير الاقتصادي الياباني سايت ...
- هكذا علقت الفصائل الفلسطينية في لبنان على مهاجمة إيران إسرائ ...
- طريق الشعب.. تحديات جمة.. والحل بالتخلي عن المحاصصة
- عز الدين أباسيدي// معركة الفلاحين -منطقة صفرو-الواثة: انقلاب ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حنان قصبي - مَاركس كما يَتَخيلُه فوكو حول السلطة والمجتمع - مارتن كيكوريز ترجمة حنان قصبي