أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - ماجد الشمري - رسالة لينين الى المؤتمر/ اضواء على الوقائع التاريخية الكاملة(1-2)















المزيد.....


رسالة لينين الى المؤتمر/ اضواء على الوقائع التاريخية الكاملة(1-2)


ماجد الشمري

الحوار المتمدن-العدد: 5759 - 2018 / 1 / 16 - 14:04
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


في وجه الاخطاء نغلق الباب
والحقيقة في حيرة من نفسها:
كيف ادخل انا الان؟
-طاغور-

رأى لينين شعلة حياته وهي تكاد تنطفى،والتي بذلها دون مقابل من اجل مستقبل اسعد واجمل لجموع البروليتاريا الروسية والعالمية،كان يشعر بالخطر المحدق والذي انبثق من البلشفية.فالثورة اخذت في"التحجر"تحت ثقل البيروقراطية المستفحل.وقد تنبأفي رسالته هذه بأمور تحققت،وقد صدق في تحذيره.فذاك الذي وضع نفسه في مركز الكون-كوبا- يوشك ان يجهض الثورة،ويقتل القضية الاكثر نبلا وانسانية،والتي كرس لها لينين كل حياته.لينين الذي كان يقف على الخط الفاصل بين الحياة والموت،وفي اي لحظة يتخطاه الى اللاعودة.كان عليه ان يتكلم،ويجب ان يقول كلماته الاخيرة قبل فوات الاوان،والتي لم يأخذ الحزب بها وتلك الكارثة الكبرى مع الاسف.لينين كان واثقا بأنه على وشك الموت،تأمل حياته ونضاله العنيد الباسل،واستعرض نجاحاته واخفاقاته،والاخطاء التي انساق اليها مرغما،ومخدوعا من البعض من رفاقه.فقبل شهور كان قد قال في المؤتمر الحادي عشر للحزب،وكان الاخير الذي حضره،قال بنبرة من اليأس والاحباط،بأنه:"كالساثق الذي يلاحظ بأن العربه تسير بأتجاه مغاير لما يريدها،وكانت هناك قوى تجر الدولة السوفييتية خارج سكتها،فردية الفلاح الروسي نصف البدائي،ضغط المحيط الرأسمالي،وقبل كل شيء التراث الطويل للاستبدادية الحكومية الهمجية".بعد كل نوبة في مرضه كان لينين يسترجع بنظره الى حركة آلة الدوله،وكان قلقه يزداد،فلم يعد يستطيع الامساك بمقود الدفة بيديه المشلولتين،وهو يرى حلمه يتداعى،وعربه الثورة،تنغرز في وحل الشوفينية الروسية الكبرى،والصعود المتنامي للبيروقراطية في جهاز الحزب،ومؤسسات الدولة...
في تشرين الثاني1922 كانت صحة لينين تتدهور،وقد طلب من اطباءه ان يسمحوا له ب(خمسة دقائق فقط)ليملي بعض السطور،فقد كان موضوع كتابة رسالة الى المؤتمر حيويا وملحا،وبالغ الضرورة للينين وهو يقترب من الموت.كان مصرا على ان يترك نصا يلهم ويوجه المؤتمر القادم لرسم معالم واشارات هادية،وارشادات تقوم الحزب وتضعه على السكة الصحيحة،بأتجاه التغيير في بنية الحزب وعلاقته بالجماهير،بعد رحيله.فالوضع السياسي داخل الحزب كان يبعث على القلق،ويحتاج فيه لاحداث تغييرات جذرية في المكتب السياسي واللجنة المركزية.فالوحدة مهمة وحيوية ومصيرية لاستقرار الحزب.فأولا:يجب العمل على ترسيخ الديمقراطية والتداول في كل مفاصله.ولكن الذي يبعث على الاسف،ان مصير اخر اعمال لينين-كتاباته-كان الاهمال والحجب والاخفاء!فقد دثرت نصوصه الاهم بغطاء من السرية الستالينية في قبو المحفوظات المحرمة!!
فأكثر اعماله المهمة:"اسناد المهام التشريعية للجنة الدولة للتخطيط"و"حول مسألة القوميات او الحكم الذاتي"و"رسالة الى المؤتمر"وغيرها لم تر النور وتنشر الا بعد عام1956والمؤتمر العشرين للحزب!اي:بعد عقود من كتابتها!.اما مقاله:"كيف نغير نظام اللجنة العمالية الفلاحية للتفتيش(الرابكرين)واقتراحات للمؤتمر الثاني عشر للحزب".فقد اراد الرفاق-الامناء على تراث لينين!!-ان يطبعوا نسخة واحدة فقط لعرضها على لينين،والتظاهر بانها نشرت في صحافة الحزب!!-فياله من خداع حقير واستهتار وتلاعب بزعيم الحزب!!-وبعد طباعتها-وهو الاسوء-لم يكتفوا بتقطيعها فقط،بل بعث المكتب السياسي برسالة خاصة الى لجان المناطق،ليعلموهم بأ ن هذا المقال:هو مجرد صفحات من يوميات كتبها لينين المريض!.والذي سمح له بالكتابة لانه لايحتمل البقاء دون ان يكتب شيئا!.-هل ارادوا ان يقولوا ان ماكتبه لينين هو مجرد هجر هذياني لايعول عليه،ونافل؟؟!!-.انها محاولة بالغة الخسة للتقليل من قيمة المقال،وعدم اخذه بالجدية اللازمة التي يستحقها ومهما كان فحواه،ومن وقع على هذه "السخافة"؟!.انهم ستالين ومولوتوف وغيرهم في27/1/1923.
لم يدرك لاستالين ولاغيره محاولة لينين لتحذير الحزب من المخاطر القاتلة ل"التسلط"و"انعدام الديمقراطية"لينين وحده كان الاكثر وعيا واستشرافا للمقبل القادم القاتم،والمتنبيء الوحيد بالغيوم الرمادية التي تنذر بالعاصفة،وكانت هواجسه واقعية وثاقبة في صوابها وراهنيتها.
فالقراءة العميقة لأخر رسائله وملاحظاته ومقالاته،كانت دليلا يثبت ادراكه جيدا للمخاطر واهوال الهيمنة والتسلط البيروقراطي..
في بحث لغرامشي عن جذور القيصرية الرومانية،عبر غرامشي عن فكرة صائبة وملموسة،وهي:"عندما تنهك قوتان متصارعتان بعضهما،تتدخل قوة ثالثة فتخضعهما لها".وهذا ما انتهى اليه الحزب البلشفي!.
في23/12/1922ناقش ستالين وبخارين وكامينيف وضع لينين الصحي،ففرضوا عليه عزلة-اشبه باعتقال!-فالزيارات ممنوعة!،وابلاغ لينين اي خبر او معلومة ممنوع!،والاملاء غير مسموح به سوى لمدة خمس دقائق!،فقد كانت الى جانبه سكرتاريا من المناوبين في البقاء بقربه.ومن الذين لازموه:ناديجدا اليلوييفا(زوجة ستالين)وفولوديتشيفا،وفوتييفا،وغيرهن.في23/12/1922عندما بدألينين لاول مرة بأملاء "الرسالة الى المؤتمر"كانت مناوبة فولوديتشيفا،وقد دونت ملاحظة في يومياتها،قالت فيها:"املى علي لاربع دقائق،وصحته متدهورة،حضر الاطباء قبل الاملاء،قال اريد املاء رسالة الى المؤتمر،اكتبي بسرعة،لكن المه كان واضحا".فكم كانت تلك الرسالة مصيرية وحاسمة للحزب في اعتقاد لينين،وقد تجاهل الرفاق الذين ادعوا باللينينية الرسالة وطمروها،بأستثناء تروتسكي الذي استخدمها فيما بعد في صراعه السياسي مع ستالين؟!.
يبدألينين رسالته قائلا:"رسالة الى المؤتمر..في نيسان من العام القادم عام1923 يجب ان يعقد المؤتمر الدوري الثاني عشر للحزب.ان لم تتحسن صحته،فلتقرأ رسالته على المندوبين-هل قرأت الرسالة على المندوبين؟!-يقول لينين انصحكم بأن تتخذوا من هذا المؤتمر عددا من التغييرات في نظامنا السياسي-هل جرت تغييرات في النظام السياسي؟!-يتابع لينين قائلا:"اريدكم ان تشاركوني في الافكار التي اعتبرها الاكثر اهمية،انني اعتبر ان الامر الرئيسي هو زيادة اعضاء اللجنة المركزية لبضعة عشرات او حتى مئة،واعتقد انه بدون ذلك يوجد خطر كبير على لجنتنا المركزية فيما لو لم تكن لصالحنا(وليس هناك ضمان بأن تكون لصالحنا)اعتقد ان حزبنا يملك الحق بمطالبة الطبقة العاملة ب50او100عضو للجنة المركزية،فالطبقة العاملة تستطيع تزويدنا بذلك العدد دون ان ترهق نفسها،مثل هذا الاصلاح يعزز صلابة حزبنا ويساعدنا في صراعنا مع الدول المعادية،ذلك الصراع الذي اعتقد انه قد،وحتما سيتفاقم في السنوات القادمة،اعتقد انه،بفضل هكذا خطوة،سيتضاعف توازن حزبنا وثباته آلاف المرات".-لينين في23/12/1922-.....-هل تم تطعيم اللجنة المركزية بكوادر عمالية كما نصح لينين،ام ذهبت النصيحة مع الريح ؟!....ان طروحات لينين حول:تعزيز الديمقراطية،زيادة التمثيل العمالي في هيئة الحزب القيادية،مضاعفة اعضاء اللجنة المركزية الى50-100،التجديد،احتضان الجماهير والاستماع لها،كل ذلك واكثر سيقلل من سيطرة مجموعة صغيرة متنافسة،وتسير نحو التبقرط،كان سيغير من مصير الحزب بأكمله-ولكن هيهات فقد سبق السيف العذل!-فرفاق لينين-اللينينيون-لم يفهموه،واذا كان قد فهمه البعض،فهم لم يؤيدوه دائما،فتاريخ الحزب يشهد على ذلك!.فهذا ماجرى في قرار الانتفاضة -باستثناء تروتسكي-وفي "صلح بريست ليتوفسك"،وفي"النيب"و"وزيادة اعضاء اللجنة المركزية"وفي غيرها الكثير،فقد كانت الاغلبية دائما ضد لينين،واغلب الاوقات كان لينين في الاقلية-وهذه ممارسة ديمقراطية صحية داخل الحزب-ولكنه كان يتمكن من اقناع معارضيه،بقوة براهينه،ومنطقه وارادته،وكان يجعلهم يتبنون آراءه ويسيرون خلفه.ادعى الجميع بأنهم لينينيون بعد موته،ولكن كل "لينينياتهم"لم تكن تمت بصلة لافكار لينين الحقة،بل كانت تصوراتهم واوهامهم وفهمهم للينينية المزعومة!!.الان مات لينين،ولن يعرف ابدا ان رسالته او(وصيته)بخصوص تبديل ستالين،واقتراحاته الاخرى لن تنفذ!!!.
استأنف لينين أملاء رسالته الى المؤتمر،ففي يوم24/12/1922 املى قائلا:"انني اقصد الصلابة كضمان ضد الانشقاق في المستقبل القريب،واود هنا تحليل عدد من الخواص.اعتقد ان الاعضاء الاصلب من هذه الناحية هما عضوا اللجنة المركزية،ستالين وتروتسكي،لكن العلاقة بينهما تشكل النصف الاكبر من خطر الانشقاق الذي يمكن للحزب تجنبه عن طريق توسيع اللجنة المركزية الى50-100عضو".."النصف الاكبر من الخطر"كان هو العلاقة بين تروتسكي وستالين،فلينين كان يدرك جيدا وزن تروتسكي السياسي،ومدى شعبيته الهائلة لدى الجماهير بما لايقاس مع ستالين الذي لم يكن معروفا او بارزا على المستوى الشعبي كقائد،ولكن لينين كان يشعر ايضا بأن قبضة ستالين اضحت قوية ومؤثرة في وسط الامانة العامة والتنظيم،والعلاقة المتوترة جدا بين الشخصيتين-تروتسكي وستالين-تنذر بصراع محتدم وكبير قد يؤدي الى نتائج وخيمة ومنها شق الحزب ومستقبل مجهول للثورة والاتحاد السوفييتي.يتابع لينين في رسالته الى المؤتمر قائلا:"الرفيق ستالين،عندما اصبح امينا عاما،ركز بين يديه سلطة كبيرة جدا،وانا لست متأكدا ان كان سيستخدمها دائما بحذر".ان نص لينين هذا بالغ الوضوح والدلالة بما فيه الكفاية،عن شك وخشية لينين من تمركز السلطة بين يدي ستالين،وغير واثق لدرجة التوجس من قدرة ستالين على ممارسة سلطته الممركزة بقدر من العقلانية والحصافة والمرونة.وهنا يعن سؤال:اين تكمن سلطة ستالين كثيفة المركزة؟.انها تكمن في استحواذه على مفاصل التنظيم،وفي امساكه بخيوط اختيار وانتقاء الكوادر الحزبية في المركز والمناطق،وارادته الوحيدة المقررة لمن هم اكثر ولاءا وانصياعا مركزيا لشخصه وبطانته عبر استخدامه لنظام وآلية للتنظيم،وهو اسلوب استحدثه ستالين للترشيح والتعيين،لجمع وتكتيل الموالين له.وهو ان الموظفين والحزبيين الذين يعينون وينسبون للعمل في الامانات الاقلمية والمحلية،لايحدد موقفهم وبقائهم وترشحهم،كفاءتهم،او نشاطهم،من قبل اعضاء منظمة المنطقة للحزب!.بل الامانة العامة نفسها،اي،ستالين بالذات!.فقد حلت زمرة الامناء محل الحزب،وحتى الحرس القديم همش دورهم،واصبحت الامانة العامة،هي الكل في الكل،وعمليا اخذت دور الحزب بجملته!.ومن الان فصاعدا لن تكون مؤتمرات الحزب اكثر من عرضا مسرحيا شكليا جاهزا ومعدا!.فمرشحو الامانة العامة-ستالين هو الامانة العامة!-هم وحدهم لهم الحظ والحظوة في الانتخاب كمندوبين الى المؤتمر!.لم يلحظ ذلك سوى لينين،ومن هنا قلقه وخشيته،والى حد ما لمس تروتسكي ذلك.فستالين كان يعتبر جهاز الحزب-الامانة العامة-هو الدولة!..
يقول لينين في رسالته الى المؤتمر:"من ناحية اخرى الرفيق تروتسكي،كما اثبت صراعه مع اللجنة المركزية بخصوص مفوضية الشعب،لايتميز فقط بقدرات فذة،انه على الاغلب اقدر رجل في لجنتنا المركزية الحالية،لكنه يستعرض ثقته بنفسه كثيرا،ويميل جدا الى الجانب الاداري البحت للقضايا".ويضيف لينين بعبارة بصيرة ولامعة:"لو كانت البراغي الثورية لهذا الرجل مشدودة اكثر،لكان منه قائد فذ لعموم روسيا".لنلاحظ الفرق في الوصف لدى لينين في ما يتعلق بتروتسكي،فهو مزيج من النقد والاعجاب في نفس الوقت بتفرد تروتسكي،وبين شكه وريبته في استخدام السلطة التي ملكها ستالين!.فوصف لينين للمزايا و"الميل للجانب الاداري"ليست عيوبا اولااخلاقيات،بقدر ماهي مظاهر شخصية وسجايا بشرية موجودة لدى كل الناس،مع اختلاف في الدرجة ليس الا،ف"الثقة بالنفس"و"حبه لاعجاب الناس به"و"نرجسيته"كل هذا لايعيق ولا يقلل من جدارته ك"قائد فذ لعموم روسيا"فما يحتاجه هو فقط شد ما اسماه لينين ب"البراغي الثورية"وهذا ليس بالامر العسير-بخلاف العيوب الاخلاقية والميل للتسلط-لتمتع تروتسكي بالقدرة على ابتكار الافكار وذكاءه وتمكنه الادبي في صياغة الصور واللغة المجازية الفريدة،ولكونه شارحامتميزا للماركسية كما وصفه لينين.ولكن كان الاعلامي في تروتسكي يطغى على السياسي فيه،ونرجسيته تتفوق على حسه او عقله السليم،وحبه لاعجاب الناس به يتغلب على تواضعه..ولكن كيف السبيل لتفسير الحاح لينين على تروتسكي ولمرات عديدة بأن يقبل تعينه كنائب له ان لم يكن ليحل محله؟.
ففي نيسان1922 خلال جلسة للمكتب السياسي اقترح لينين على تروتسكي تعينه نائبا لرئيس مجلس مفوضي الشعب،ولكن تروتسكي رفض،وازعج هذا الرفض لينين،لانه كان يتوقع قبوله ليحل محله على رأس الحكومة،وفي نفس الفترة التي عين فيها ستالين امينا عاما،والح لينين خلال التسعة اشهر قبل ان يداهمه المرض،فقد طلب من ستالين في11ايلول1922 ان يطرح مسألة تعيين تروتسكي مجددا امام المكتب السياسي،وقد رفض تروتسكي ايضا،واعاد لينين اقتراحه على تروتسكي وبشكل مباشر،وفي جلسة خاصة جمعتهم،وتملص تروتسكي ايضا من الموافقة.فماذا يعني ذلك الالحاح من لينين في هذه المسألة،ان لم يكن رغبته بأقامة توازن بين القطبين،ولكبح جماح البيروقراطية في الحزب والدولة؟.لكن تروتسكي اخبر لينين في حينه:ان الفساد والتجاوزات كانت موجودة في قمة هرم الحزب!وان المكتب السياسي،ومكتب التنظيم كانا يتدخلان في شؤون الحكومة،لذا اعتقد تروتسكي انه ليس مجديا التنظيم والاصلاح في الادارة طالما الفساد ينخر في الحزب!.
ادرك لينين بعقله المتميز،استحالة تعايش تروتسكي وستالين،فكلاهما مغالي في طموحاته السياسية،وكلاهما قطبان،وهذا ماكان يتوجس منه لينين ويخشاه،ويجعله في منتهى الخوف والقلق على الحزب،وشبح الانشقاق..
يقول لينين في الرسالة الى المؤتمر:"هاتان الخاصيتان،لهذين القائدين الفذين،قادرتان على شق الحزب تلقائيا،لن اقوم السمات الشخصية لاعضاء اللجنة المركزية الاخرين...فقط سأذكر بموقف زينوفييف وكامينيف في اكتوبر لم يكن صدفة،وهي خاصية من خواصهما كبلشفية تروتسكي".!..
واصل لينين املاء رسالته الى المؤتمر قائلا:"اريد ان اقول بضع كلمات عن اعضاء اللجنة المركزية الفتيين،عن بوخارين وبياتاكوف،انهما-برأي-ابرز القوى الفتية،وبخصوصهم،علينا ان نأخذ بالاعتبار مايلي:بوخارين ليس فقط اكبر واثمن منظر في الحزب،فهو يعتبر كذلك بحق-محبوب حزبنا كله-ولكن آراءه النظرية يمكن التشكيك بماركسيتها،فهي تتميز بشيءمن"السكولاستية"(هو لم يدرس ابدا،واعتقد انه لم يفهم جوهر الديالكتيك حتى النهاية)".
طلب لينين من فولوديتشيفا السكرتيرة المناوبة،ومديرة امانة سر مجلس مفوضي الشعب،ان تخفي ما املاه عليها في مكان امين وخاص،واعتباره امرا بالغ السرية بشكل مطلق،ولكنها ورغم توصية وارشاد القائد،فأنها عملت العكس!وسرعان ما اخبرت ستالين وكامينيف بذلك.لماذا؟!..
لذلك لم تكن الرسالة الى المؤتمر لتشكل مفاجئة لبعض قيادي الحزب!!.
في اليوم التالي25/12/1922تابع لينين املاء رسالته الفريدة الى المؤتمر قائلا:"اما بياتاكوف،فهو رجل ذو ارادة فذة،وقدرات فذة بلا شك،ولكنه يميل اكثر من اللازم للعمل الاداري والجانب الاداري للمسائل لدرجة اننا لانستطيع ان نتكل عليه في اي مسألة سياسية هامة"..
وفي يوم26/12/1922مضى لينين في املاء رسالته مركزا على تعزيز الديمقراطية وضرورتها لجهاز الدولة الموروث من النظام القديم،واستحالة تغييره واعادة بناءه في فترة قصيرة،وايضا اشاعة الديمقراطية كضرورة حيوية داخل الحزب،مؤكدا على توسيع اللجنة المركزية وتطعيمها ليس بالعمال فقط،بل وكذلك بالفلاحين،فقد كان لينين يعتبر حضور وتمثيل الطبقتين في اللجنة المركزية والمكتب السياسي،امرا بالغ الاهمية وملحا جدا..ولكن ظل سؤالا واحدا يقلقه وينغص عليه،الا وهو:من سيخلفه في قيادة الحزب؟.لقد شعر لينين بوعيه وبصيرته الثاقبة،بأن منصب الامين العام"بسلطته الكبيرة جدا"يصبح حاسما ومسيطرا بغيابه هو.فكونه قائدا فعليا للحزب،لايرجع للمناصب التي كان يشغلها،بقدر ما كان يعود لمكانته العقلية والتنظيمية،وشخصيته الكاريزمية والاخلاقية الاعتبارية.ولكن هاهو المرض قد ازاحه نهائيا الان عن قيادة اللجنة المركزية،وحضور اجتماعاتها،وها هو يبرز متقدما من خلفية المسرح المعتمة عضوا واحدا ليس فقط في المكتب السياسي،بل وايضا كأمين عام للحزب،وهو الذي يدير كل اعمال امانة السر والتنظيم،واستحوذ على الدور الرئيسي بدل دوره ككمبارس في السابق!وبات واضحا ومكشوفا جدا للينين في حالة موته(كان لينين يعتبر ذلك وشيكا،والا لما فكر بكتابة شيئا شبيها بالوصية).سيحاول ستالين تعزيز موقفه وتجذيره كقائد للحزب،وتروتسكي ايضا سيحاول،وسيكون هناك صراعا ضاريا وحتميا،وربما يقود لحدوث انشقاق داخل الحزب-وهذا ما حدث بالفعل فيما بعد فقد نفذ ستالين مهمته في قطع رؤوس غالبية قادة الحزب والحرس القديم،ليبقى وحيدا على خشبة المسرح،كماكبث مضرجا بدماء ضحاياه!!-
لذا فكان يجب على لينين ان يوجه نصيحة سياسية،وكنوع من التحذير والتشخيص المحدد لراهنية الحزب وبشائر الازمة!.
بعد عدة ايام وفي4/1/1923املى لينين:"اضافة الى رسالة24/12/1922".وهو ملحق تابع للرسالة،وذو اهمية مصيرية لمستقبل الحزب والتجربة الفتية لجمهورية العمال.قال فيها:"ستالين فظ اكثر من اللازم،وهذا العيب الذي يمكن تحمله في دائرتنا نحن الشيوعيين،يصبح لامحتمل في منصب الامين العام،لذلك اقترح على الرفاق ان يفكروا لاعفائه من هذا المنصب،وان يختاروا له رجلا آخر،يتميز عن ستالين بأن يكون لينا اكثر،مخلصا اكثر،مؤدبا اكثر،واكثر تعاطفا مع رفاقه،واقل تطلبا...الخ(لم يترك لينين شيئا من ابرز الصفات الدميمة في قيادي الحزب!!)-
قد تبدو هذه تفاهة،لكني اعتقد انه من زاوية ضمان عدم الانشقاق،ومن زاوية ما اشرت اليه اعلاه عن علاقة ستالين وتروتسكي،ليست بتفاهة،او انها تفاهة ذات دور حاسم"..هذا النص هو في منتهى الدقة والوضوح بدلالته،ولايحتاج لحذلقة في التأؤيل،ولاقاموسا للتفسير،ولاعصرا للكلمات بقصد استخراج معاني ودلالات مغايرة ومتعسفة تلوي عنق كلمات ومعنى نص لينين -التي يلجأاليها البعض من العقديين الارثوذوكس!!-..
يجب ازاحة ستالين واعفاءه من منصب الامين العام وتكليفه بعمل اخر،نعم ان ستالين بلشفي قديم،ولكن السياسة يجب ان تقترن ضروريا بالاخلاق،واذا ما اختلت العلاقة بين السياسة والاخلاق،فأنها ستقود حتما الى الارادوية السياسية الذاتوية والمزاجية،ومن ثم الى التفرد بالسلطة والديكتاتورية والاستبداد،وهذا مارأيناه ونراه ملموسا في اخلاق وممارسات جميع الطغاة غربا وشرقا..هكذا فهم لينين الامر بالتحديد:التصلب..وعدم الاخلاص..قلة الادب..عدم التعاطف..او الحد الادنى من الحس الانساني السليم..كثرة التطلب والتسلط،وهناك الكثير من العيوب والتشوهات والشذوذ في شخصية ستالين السايكوباثية لم يذكرها لينين واستعاض عنها بكلمة"الخ"!!والتي تعني المزيد من الصفات على اللائحة!..وهذا ليس بألامر التافه او "المسألة التافهة"كما قال لينين وهو يحاول تخفيف صياغته،فهو امر في غاية الخطورة والجسامة،وليس تافها،فمايكون له "الدور الحاسم"ليس هينا،وليس للامور التافهة حسم الادوار!.فهذه السمات الذميمة والتي كانت بنية"خلق"ستالين شديدة الاذى والخطر على الناس عندما يمسك شخص بهذا الاضطراب بخيوط السلطة بين يديه- وما حدث فيما بعد من مجازر،دليلا حيا على ذلك!!-:الغليظ،الخشن،الجافي،الشديد،كل هذه المعاني المترادفة وغيرها تدخل في معنى الفظاظة،وهي ضد الرقة في الطبع والفعل والمنطق ومعاملة الاخرين.فالفظ اصطلاحا هو:السيء الخلق،والقاسي،والخشن الكلام،والذي يخشاه الناس ويتجنبوه.فهل عيوب كهذه هي من الصفات التي يجب ان يتحلى بها الشيوعي،وخصوصا الشيوعي القيادي؟!.وهل تقود الفظاظة الى كسب الناس فكريا وسياسيا ونفسيا؟!.فمن يطلق على رفيقة له في الحزب،وزوجة زعيمه في الحزب،ونعتها ب"العاهرة"!هل يصلح مثل هذا الشخص لقيادة حزب البروليتاريا،وهو على تلك السوقية،والنزعة الذكورية،والميل للعنف الجسدي واللفظي،وهل هذه هي اخلاق الشيوعيين؟!ومما يزيد الحنق والنفور والاستهجان،ان ستالين،وبدلا من الانكار او الاعتذار او محاولة تغيير سلوكه،فأنه كان يتفاخر بفظاظته،مؤولا لها،بتحويل عيبه الذميم الدامغ ليس فقط الى فضيلة-وهذا كان يكمن خطره على الحزب-بل اظهاره اللااخلاقي وكأنه اخلاقية ثورية،مدعيا بأنه فظا فقط مع اعداء الثورة!!!.واطلق تسمية "صراع طبقي"على مجازره ضد رفاق الحزب من الحرس القديم والعمال والفلاحين السوفييت!وحول الحزب الى مجرد جهازا للقمع،وزمرة من الجلادين!!.فهل كان اجبار الفلاحين قسريا وبالعنف،اما الانضمام للكولخوزات او نزع ملكياتهم،وتركهم يموتون جوعا هو اسلوبه في بناء الاشتراكية؟!.لقد جر ستالين الشعب السوفييتي العظيم الى فردوسه الجهنمي بالسياط والدم!!.
لنتأمل مرة اخرى المفردات التي استخدمها لينين في ملحق رسالته لبديل ستالين:"لين اكثر"اي مرنا منفتحا متجاوبا لاجافا او متصلبا!."مؤدبا اكثر"ويعني اكثر تهيبا،واحسن اخلاقا وسلوكا في تعامله مع الاخرين."اكثر تعاطفا"وهي الصفة الاكثر نبلا وانسانية،وهي الحب والوفاء والحنان والتضامن والعطف على الاخر لاصلفا او لئيما!."اكثر اخلاصا"ويعني اكثر نزاهة وولاءا وتفانيا وايثارا للرفاق،بعيدا عن الغدر واللؤم والميل للثأر!."اقل تطلبا"اي اقل الحاحا ولجاجة وتكلفا في تطلبه وتكليفه.اما"الخ"!!فتعني تجنب الاحراج في ذكر لينين لكل ماتحفل به شخصية ستالين من اختلال،واعماقه الاكثر حلكة وظلام!!!..
...............................................................................................................
وعلى الاخاء نلتقي...



#ماجد_الشمري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فيورباخ-ماركس-فرويد...والاغتراب/تداعيات اغتراب ذاتي خارج الن ...
- فيورباخ-ماركس-فرويد...والاغتراب/تداعيات اغتراب ذاتي خارج الن ...
- فيورباخ-ماركس-فرويد...والاغتراب/تداعيات اغتراب ذاتي خارج الن ...
- فيورباخ-ماركس-فرويد...والاغتراب/تداعيات اغتراب ذاتي خارج الن ...
- فيورباخ-ماركس-فرويد...والاغتراب/تداعيات اغتراب ذاتي خارج الن ...
- فيورباخ-ماركس-فرويد...والاغتراب/تداعيات اغتراب ذاتي خارج الن ...
- فيورباخ-ماركس-فرويد...والاغتراب/تداعيات اغتراب ذاتي خارج الن ...
- فيورباخ-ماركس-فرويد...والاغتراب/تداعيات اغتراب ذاتي خارج الن ...
- فيورباخ-ماركس-فرويد...والاغتراب/تداعيات اغتراب ذاتي خارج الن ...
- فيورباخ-ماركس-فرويد...والاغتراب/تداعيات اغتراب ذاتي خارج الن ...
- هل ستالين ام تروتسكي احد قائدي ثورة اكتوبر؟!.
- تأملات حول(البلشفية)وتاريخها..
- تعقيب على مقال(صناعة الانسان والمواطن عن طريق الهندسة الاجتم ...
- كتاب:تاريخ الحزب الشيوعي الروسي(بلشفيك)-المنهج المختصر/ بين ...
- العمال والثقافة البروليتارية...رؤية تروتسكي للادب والثورة.
- تطور مفهوم الطبقة العاملة لدى ماركس من طبقة بذاتها الى طبقة ...
- فوبيا المرأة في الثقافات والاديان!(كامل).
- فوبيا المرأة في الثقافات والاديان!(10).
- فوبيا المرأة في الثقافات والاديان!(9).
- فوبيا المرأة في الثقافات والاديان!(8).


المزيد.....




- حوار مع الرفيق فتحي فضل الناطق الرسمي باسم الحزب الشيوعي الس ...
- أبو شحادة يدعو لمشاركة واسعة في مسير يوم الأرض
- الوقت ينفد في غزة..تح‍ذير أممي من المجاعة، والحراك الشعبي في ...
- في ذكرى 20 و23 مارس: لا نفسٌ جديد للنضال التحرري إلا بانخراط ...
- برسي کردني خ??کي کوردستان و س?رکوتي نا??زاي?تيي?کانيان، ماي? ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 28 مارس 2024
- تهنئة تنسيقيات التيار الديمقراطي العراقي في الخارج بالذكرى 9 ...
- الحرب على الاونروا لا تقل عدوانية عن حرب الابادة التي يتعرض ...
- محكمة تونسية تقضي بإعدام أشخاص أدينوا باغتيال شكري بلعيد
- القذافي يحول -العدم- إلى-جمال عبد الناصر-!


المزيد.....

- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي
- بصدد الفهم الماركسي للدين / مالك ابوعليا
- دفاعا عن بوب أفاكيان و الشيوعيّين الثوريّين / شادي الشماوي
- الولايات المتّحدة تستخدم الفيتو ضد قرار الأمم المتّحدة المطا ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - ماجد الشمري - رسالة لينين الى المؤتمر/ اضواء على الوقائع التاريخية الكاملة(1-2)