أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني - إبراهيم مشارة - من زاوية أخرى














المزيد.....

من زاوية أخرى


إبراهيم مشارة

الحوار المتمدن-العدد: 5735 - 2017 / 12 / 22 - 15:01
المحور: الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
    


من زاوية أخرى
قضية تمثال المرأة العارية في مدينة سطيف بالجزائر واللغط الذي أحدثته محاولة تدميره من قبل شخص مكتهل ملتحي بين مستنكر لذلك بدافع حب الفن واحترامه ومؤيد بدعوى الفحش المتضمن في التمثال وساخر لم يحد إلا السخرية معالجا لواقعه المحبط المثخن بالجراح والانكسارات تعكس بحق أزمة داخل مجتمع فقد القدرة على التفكير منذ زمن بعيد وانخرط في لعبة السخرية أو التنديد أو التأييد عبر مواقع التواصل الاجتماعي والمقاهي للرجال والحمامات للنساء والتي تعكس بدورها حالة من الملل والإحساس بالضياع فلم يجد غير الضحك لمداوة جروحه وإحباطاته السياسية والاجتماعية وكما قال الشاعر قديما : ولكنه ضحك كالبكا أو: وشر البلية ما يضحك !
في مجتمع لا ينتج فكرا ويكتفي بالاستهلاك تتبلد حاسته الجمالية وينخرط حتى في استهلاك تماثيل فترة عبوديته للمستعمر وفي ظل مؤسسات فاقدة للمشروع الحضاري ولما يسمى مشروع مجتمع يصبح التمثال حديثا وطنيا وبدعوى الظلامية وأخطارها على الفن والحياة يصبح عالميا ، بينما انهيار المنظومة التربوية لصالح المؤسسات التعليمية الخاصة المعتمدة وغير المعتمدة ونمو المؤسسات الاستشفائية الخاصة بشكل رهيب لا يثير استنكارا لدى الناس ولا يدعوهم إلى التفكير في أفول دولتهم الوطنية حيث التعليم العمومي الجيد المجاني والعلاج المجاني الصحيح مكسبان دستوريان وهو يرى تقوض المكاسب الوطنية التي ضحى الشعب من أجلها إبان المرحلة الاستعمارية لتذهب أدراج الرياح مع مطلع الألفية الثالثة حيث انخرط البلد في منظومة إمبريالية تهب خيرات البلد للغير ويستاثر بالباقي القلة داخل البلد، كل هذا وكأنه لاحدث بينما يصبح تمثال عار حديث الناس وكأن عري هذا التمثال هو الذي قوض أخلاق الناس وتدميره فقط كفيل بإصلاحها ونحن نرى أخلاق الناس تقوضت بالكامل بشيوع كل أمراض النفس والقلب معا ولعل وسائل التواصل الاجتماعي واليوتوب والمواقع غير الأخلاقية وما تقدمه من بذاءة ثعابين ليست في مدينة سطيف بل في قلب كل بيت - إلا من رحم ربك - ولكن المعول لا يستطيع النيل من الثورة التكنولوجية الرهيبة التي نسفت أخلاق ناس وهدمت أسرا وشردت أولادا وتسببت في تسرب مدرسي وخراب بيوت وذلك حال الشعوب الضعيفة غير المحصنة وغير المثقفة ثقافة إيجابية حقيقية تسمح لها بالمشاركة البناءة في مسار التاريخ.
شخصيا كنت أود لو سحب هذا التمثال في الستينات إلى مكان خاص كالمتحف وعوض بتمثال تنحته أيدي شباب وطني فنان يضاهي تمثال المرأة العارية من حيث الجودة الفنية ويفارقه في المبدأ القيمي متماهي مع القيم الوطنية التي يؤطرها الدين الإسلامي فالتناقض ظاهر بين تمثال لامرأة عارية وقبالته مسجد يدعو إلى الفضيلة خمس مرات في اليوم فأي مجتمع هذا يعيش هذا الفصام الحضاري؟
إن غياب المشروع الحضاري ومشروع المجتمع وأفول الدولة الوطنية وإفلاس العقل وعدم قدرته على إنتاج الأفكار وتبلد الحواس والاكتفاء حتى باستهلاك التماثيل المضادة لقيمه الحضارية يشكل نكبة حقيقية كما أن اللغط والجدل والضوضاء والصخب والتباكي على التمثال يدعو إلى العجب مع أن المدرسة الخاصة والمستشفى الخاص قوضا المدرسة العمومية والمستشفى العمومي مما سيحتم على عامة الشعب الكادح مزيدا من النزيف من أجل الدروس الخصوصية والعلاج الخاص المكلف في العيادات الخاصة تأكيدا ظاهرا لأفول دولة الحقوق والمواطنة.
لو أن أولي الأمر سحبوا هذا التمثال إلى مكان آمن مع الحفاظ عليه كتحفة فنية وعوضوه بتمثال وطني منخرط مع القيم الوطنية لما وصل الحال إلى معالجته بالمعول ولما وجد الناس في هذا الحديث محورا يوميا لأحاديثهم في حين يهددهم التعليم الخاص والاستشفاء الخاص بامتصاص كرياتهم الحمراء والبيضاء معا وستتكفل وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى بتخريب بيوتهم وتسريب أولادهم ، ورهن مستقبلهم للفراغ والعبث واللاجدوى.
هذا العمل من قبل هذا الشخص يعكس أزمة حقيقية داخل مجتمع فقد البوصلة والحصانة ولم تعد الحياة لديه سوى توفير متطلبات الحياة اليومية -وله بعض العذر في ذلك- والمعول الذي هوى على رأس المرأة العارية إنما هوى على رؤؤسنا جميعا لينبهنا إلى حقيقتها إنها رؤوس خاوية حائرة تائهة بين مجتمعات الابتكار والإبداع والتمدن.
حالة من الفوضى السيميائية والعبث واللاجدوى تنتاب المجتمعات العربية الفاقدة للبوصلة والمشروع الحضاري ويصبح التدمير أسهل وسيلة لمعالجة الذهان والفصام والتبلد ففي سوريا تم تدمير تمثال أبي العلاء ذلك الشاعر الذي رفع شعار العقل والتعقل والتفكير والدفاع عن الكرامة الشخصية والاعتزاز بالرأي وبث روح التساؤل والحيرة والنقد في نفس الإنسان وعقله وعدم التسليم الأعمى والتقليد الممقوت، وهو القائل:
كذب الظنُّ لا إمام سوى العقل * مشيرا في صبحه والمســاء
فإذا ما أطعـتــه جلب الرحمة * عند المسير والإرســـــــــاء

وفي مصر تم الاعتداء على تمثال طه حسين مع الرجل كان المدافعين عن مجانية التعليم وأول شيء فعله يوم تولى وزارة التربية هو ترسيم مبدأ مجانية التعليم وقال قولته المشهورة العلم كالماء والهواء أي بالمجان.
إن العمل التخريبي الذي حدث بمدينة سطيف -على فداحته- أهون مما حدث بمصر وسوريا فتدمير تماثيل رموز عربية وإسلامية اعتداء على الموروث العربي التنويري بينما معالجة تمثال امرأة عارية بالمعول اعتداء على موروث استعماري يحيلنا جميعا على الأزمة التي نعيشها والفصام الحضاري الذي نعانيه حتى جاء هذا الشخص ليضع يده عبر عمله التخريبي على ورم بداخلنا ظللنا عقودا نتألم له ولا نعالجه وهل أفدح من استهلاك قيم جمالية استعمارية متناقضة مع القيم الوطنية؟



#إبراهيم_مشارة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كان لي قلب
- أشجان مقدسية
- الاعتراف
- سيدة لبنان وجارة القمر في عيد ميلادها
- سيدة الليل الأزرق
- أم كلثوم في وجداني
- مرافئ الذاكرة/ غيبة الحامدي
- من أجل ثقافة قومية إيجابية
- الناي والأحزان
- صوت أبي العلاء الاشتراكي
- عشر قصص قصيرة جدا
- الشريحة
- الكاتب الجيد يصنعه قارئ جيد وناقد جيد
- أي شيئ في العيد أهديكم؟
- كائنات الليل
- مذاق الكرز في فمي
- الكتابة بلون اللازورد:
- دز جوكر وأزمة النخبة في الجزائر
- مبارك جلواح رائد الشعر الرومانسي في الجزائر
- ياليلة العيد آنستينا


المزيد.....




- أطلقوا 41 رصاصة.. كاميرا ترصد سيدة تنجو من الموت في غرفتها أ ...
- إسرائيل.. اعتراض -هدف مشبوه- أطلق من جنوب لبنان (صور + فيدي ...
- ستوكهولم تعترف بتجنيد سفارة كييف المرتزقة في السويد
- إسرائيل -تتخذ خطوات فعلية- لشن عملية عسكرية برية في رفح رغم ...
- الثقب الأسود الهائل في درب التبانة مزنّر بمجالات مغناطيسية ق ...
- فرنسا ـ تبني قرار يندد بـ -القمع الدامي والقاتل- لجزائريين ب ...
- الجمعية الوطنية الفرنسية تتبنى قرارا يندد بـ -القمع الدامي و ...
- -نيويورك تايمز-: واشنطن أخفت عن روسيا معلومات عن هجوم -كروكو ...
- الجيش الإسرائيلي: القضاء على 200 مسلح في منطقة مستشفى الشفاء ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 680 عسكريا أوكرانيا وإسقاط 11 ...


المزيد.....

- روايات ما بعد الاستعمار وشتات جزر الكاريبي/ جزر الهند الغربي ... / أشرف إبراهيم زيدان
- روايات المهاجرين من جنوب آسيا إلي انجلترا في زمن ما بعد الاس ... / أشرف إبراهيم زيدان
- انتفاضة أفريل 1938 في تونس ضدّ الاحتلال الفرنسي / فاروق الصيّاحي
- بين التحرر من الاستعمار والتحرر من الاستبداد. بحث في المصطلح / محمد علي مقلد
- حرب التحرير في البانيا / محمد شيخو
- التدخل الأوربي بإفريقيا جنوب الصحراء / خالد الكزولي
- عن حدتو واليسار والحركة الوطنية بمصر / أحمد القصير
- الأممية الثانية و المستعمرات .هنري لوزراي ترجمة معز الراجحي / معز الراجحي
- البلشفية وقضايا الثورة الصينية / ستالين
- السودان - الاقتصاد والجغرافيا والتاريخ - / محمد عادل زكى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني - إبراهيم مشارة - من زاوية أخرى