أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الطب , والعلوم - محمد زكريا توفيق - كيف ولدت الشمس وكيف تموت















المزيد.....



كيف ولدت الشمس وكيف تموت


محمد زكريا توفيق

الحوار المتمدن-العدد: 5733 - 2017 / 12 / 20 - 10:44
المحور: الطب , والعلوم
    




كان الفيلسوف بيرتلاند راسل يلقي محاضرة عن الفلك للعامة. وصف فيها حركة الأرض حول الشمس، وحركة الشمس داخل مجرتنا، مجرة طريق التبانة، وكذلك حركة المجرة حول نفسها وحول مجموعة المجرات العظمى،... إلخ. وقفت سيدة عجوز في نهاية القاعة لتقول: "هذا كلام فارغ. الأرض مسطحة، تستند على ظهر سلحفاء كبيرة".

تبسم الفيلسوف راسل وهو يسألها: "على ماذا تستند السلحفاء، إذن". أجابت السيدة: "يا لك من رجل ماهر، غاية الذكاء. يا سيدي، سلاحف على طول الخط وأنت نازل".

كل شعب من الشعوب له قصة تفسر عملية الخلق. بالطبع حجم المقال لا يتسع لسردها كلها. لذلك سوف أكتفي بما تقوله المملكة المصرية القديمة لأهميته.

جاء في بردية منف كيف بدأ الخلق:
قبل الخلق كانت هناك مياه محاطة بالعدم والظلام. وكما أن فيضان نهر النيل يرسب تلال الطمي لتظهر عليها الحياة في مصر، كذلك المياه سمحت بظهور جزء من اليابسة ومن حولها العدم والظلام.

على هذه اليابسة كان عرش الإله آتوم على الماء. اسمه يعني أنه الكل في شئ واحد. أصبح اسمه "آتوم رع" فيما بعد. خلق آتوم الكون وكل شئ آخر. ولأن آتوم هو الكل في شئ واحد. لذلك، خلق الكون بمجرد تسمية أجزاء من جسمه.

فكر في القلب وتعبير باللسان أو بالكلمات، هي الطريقة التي خلق بها آتوم الكون. طريقة كن فيكون. هذا يطابق ما جاء في كتبنا المقدسة: "في البدء كانت الكلمة، الكلمة كانت مع الرب، الكلمة هي الرب".

العلماء لهم أيضا قصة للخلق. وما فيش حد أحسن من حد. العلماء أحيانا يقولون كلاما غريبا، وشطحات لا يقبلها العقل. فمثلا في علم الرياضيات جاءوا بمفهوم "المالانهاية". وهي مقدار ليست له نهاية. يأتى عندما نقسم أي عدد حقيقي على صفر. الجزء من "المالانهاية" يعادل الكل. ولا تنطبق عليها قوانين الرياضة العادية.

جاء العلماء أيضا بمفهوم الأعداد التخيلية، التي تأتي من إيجاد الجذر التربيعي للعدد السالب. فهي لا توجد في الطبيعة، لذلك سميت تخيلية. ولها قوانينها الخاصة.

يقول العلماء أيضا أن الضوء له طبيعة مزدوجة. فهو موجات وجزيئات تسمى فوتونات في نفس الوقت. ويقولون أيضا أن الأجسام، أنا وأنت والكرة الأرضية، لها موجات ترافقها.

كل شئ وخصوصا جسيمات المادة الصغيرة التي تكون الذرات، لها قرائن تعتبر مضادات. فالإلكترون مثلا، له قرين مضاد. إذا تقابلا، يلغي كل منها الآخر من الوجود، ولا يتبقى منهما سوى وميض من الضوء، أشبه بالروح تصعد لبارئها عند الوفاة.

يؤكد العلماء أن الضوء له وزن. وأن الزمن نسبي يتمدد وينكمش ويتقدم إلى الأمام مثل السهم، وأيضا يرجع إلى الوراء. الفراغ ينحني حسب كمية المادة التي يحتويها. ويقولون أن الجمل يستطيع أن يلج في سم الخياط. والفيل يمكن أن ينصر في منديل أو يمر من ثقب الإبرة.

العلماء يقولون الآن أن الكون كله بما فيه أنا وأنت والكرة الأرضية والمجموعة الشمسية وكل النجوم التي نراها في السماء، وكل الأجرام والمجرات التي لا نراها، بما فيها من نجوم يبلغ عددها بلايين البلايين ، كل هذه الأشياء يمكن أن تضغط مع بعضها وتظل تصغر وتصغر في الحجم إلى أن تبلغ شيئا صغيرا جدا لا يرى بالعين المجردة، أو حتى بالتلسكوبات الضوئية. ويصبح الكون كله في حجم ذرة واحدة أو أصغر. وبالتالى يتلاشي الزمان والمكان.

طبعا هذا كلام أغرب من كون الأرض مفلطحة تستند على عدد لا نهائي من السلاحف. لكن الفرق بين ما يقوله العلماء وموضوع السلاحف، هو أن العلماء يؤيد كلامهم الغريب هذا، المنطق والمعادلات الرياضية والتجارب المعملية.

النظرية العلمية مهما كانت معقولة ومحبوبة ومعتقد في صحتها، إن لم تستطع التنبؤ بالنتائج التي تحققها التجربة، فالنظرية غير سليمة لا يعترف بها أحد ولا تساوي بصلة. إذا قلنا أن الأرض تحملها السلاحف، فليس لدينا دليل واحد يثبت صحة هذا الكلام.

لذلك موضوع الأطباق الطائرة موضوع غير علمي. لأنه حتى الآن لم يتمكن أحد من إثبات صحة وجود الأطباق الطائرة. مجرد ناس رأت وسمعت، وقصص وحكايات. لم نجد دليل مادي واحد، مثل قطعة خشب أو مسمار أو جهاز أو آلة أو مركبة، تثبت صحة هذا الأمر. هذا ما يأخذ به القاضي العادل، الدليل المادي. وحينما لا يوجد دليل مادي، لا توجد قضية.

نظرية النسبية العامة لأينشتاين تتنبأ بأن الكون كله بما فيه من مادة وطاقة ومكان وزمان، بدأ من نقطة صغيرة تقترب في الحجم من الصفر. النسبية العامة تتنبأ أيضا أنه لو تغلبت قوة الجاذبية على سرعة تمدد الكون واتساعه إلى الخارج، فإن الكون سوف يتوقف عن التمدد في يوم من الأيام، ثم يبدأ في الانكماش، إلى أن يعود كما بدأ، نقطة تقترب من الصفر.

أثناء انكماش الكون، تتحول تكتلات المادة الموجودة في المجرات والنجوم إلى ثقوب سوداء مثل البلاعة. تجذب المادة وكل شئ إليها. حتى الضوء لا يستطيع أن ينفذ من جاذبيتها. لذلك تسمى ثقوبا سوداء لأنه لا يمكن رؤيتها. في النهاية، تلتحم الثقوب السوداء مع بعضها لكى تكون ثقبا أسود واحدا، يتحول بدوره إلى نقطة مثل نقطة البداية.

الدراسات الحديثة تثبت أن الكون يسرع في التمدد إلى الخارج. لكن طبيعة الطاقة المعتمة التي تملأ الكون وتسبب سرعة تمدده، غير معروفة. ولا يزال هناك مجرد احتمال، يتوقف فيه الكون عن التمدد، ويعود للانكماش إلى نقطة كما بدأ. ثم يحدث انفجار كبير مرة أخرى. هذا يعني في هذه الحالة، أن الكون أبدي. انفجار كبير يخلق فيه الكون والمكان والفراغ والزمان، يعقبه انكماش إلى نقطة واحدة. ثم انفجار وانكماش، وهكذا إلى مالانهاية.

أما إذا فشلت قوة الجاذبية في السيطرة على تمدد الكون، فإن التمدد سوف يستمر. ويظل الكون يبرد شيئا فشيئا إلى أن يصل إلى حالة التجمد الكبير. حينئذ، يطبق الموت والصمت والظلام على كل شئ. ولا يبقى إلا العمل الصالح.

لماذا أقول هذا الكلام وموضوعنا الشمس؟ لأن الشمس نجم متوسط الحجم مثل النجوم التي نراها في سمائنا كل ليلة. تقع في جانب من مجرتنا، مجرة طريق التبانة على بعد الثلث من الحافة والثلثين من المركز.

الفرق بين النجوم والشمس، هو أن الشمس قريبة منا، لكن النجوم بعيدة عنا جدا. كل النجوم التي نراها بالعين المجردة هي نجوم مجرة طريق التبانة. نراها متفرقة هكذا لأننا ننظر إلى المجرة من داخلها.

لكى نعرف من أين أتت الشمس وباقي النجوم والكواكب والأقمار، علينا أن نعرف ما يقوله العلم الحديث عن بداية الخلق. لكنني سوف أجعل الموضوع مختصر ومفيد بقدر الامكان. حتى تتبقى لنا مساحة للحديث عن الشمس.

أولا يلزمنا معرفة بعض المعلومات عن القوى التي تتحكم في هذا الكون، وطبيعة الذرة ومكوناتها، وهي معلومات غزيرة سأحاول تلخيصها في الآتى:

القوى الطبيعية التي تتحكم في هذا الكون أربعة. لماذا أربعة وليست ثلاثة أو خمسة أو أى رقم آخر؟ هي كده. وهذا ما وجدناه. القوة الأولى هي قوة الجاذبية التي تربطنا بالأرض وتجعل الأرض تدور حول الشمس، وتجعل القمر يدور حول الأرض. هي قوة ضعيفة، فالمغناطيس الصغير يستطيع أن يرفع مسمارا صغيرا من الأرض، ويتغلب على جاذبية الأرض له. لكن قوة الجاذبية تعمل في كل المسافات القريبة والبعيدة، حتى لوكانت الأجسام في آخر الدنيا.

القوة الثانية هي القوة الكهرومغناطيسية. وهي تتولد من امتزاج مجالي الكهرباء والمغناطيسية. وتسبب الضوء والميكروويف والأشعة السينية وموجات الراديو والرادار وباقي الأشعة التي تسافر بسرعة الضوء. وهي أيضا التي تربط الإلكترون بالنواة لكي تتكون الذرة.

القوة الثالثة هي "القوة القوية" التي تجعل محتويات الذرة من بروتونات ونيوترونات متماسكة. وتعمل في مسافات قصيرة جدا تكاد تقترب من الصفر.

أما القوة الرابعة والأخيرة، فهي "القوة الضعيفة". تسبب الإشعاع في العناصر المشعة، مثل اليورانيوم والراديوم والبولوتونيوم، وانطلاق أشعة ألفا وبيتا وجاما. وهي المسؤولة عن انفجار بعض النجوم. لذلك تسمى في بعض الأحيان، "محطم النجوم".

الذرة تتكون من نواة في المركز تدور حولها إلكترونات صغيرة جدا في الكتلة لكن مشحونة بشحنة سالبة. النواة بها جسيمات تسمى بروتونات أكبر بكثير في الكتلة من الإلكترون، لكن مشحونة بشحنة موجبة تعادل شحنة الإلكترون. ويوجد أيضا في النواة جسيمات أخرى تسمى نيترونات لها كتلة كبيرة أيضا، لكن غير مشحونة بالكهرباء.

هل انتهى الأمر عند هذا الحد؟ لا، وإلا أصبحت دراسة علوم الذرة سهلة وميسرة للجميع. فقد تبين أن النواة، توجد بداخلها حديقة حيوانات كبيرة، يبلغ عدد حيواناتها على الأقل 300 حيوان.

مع توالى اكتشافات جسيمات نواة الذرة، تم تصنيفها إلى مجموعات: أثقلها تسمى مجموعة ال"هادرون"، وأخفها تسمى مجموعة ال"ليبتون". الليبتون ليس له علاقة بمشروب الشاي المعروف. مجموعة الهادرون تنقسم بدورها إلى "باريون" و"ميزون". مجرد تصنيفات وعناوين.

بسبب كثرة أنواع جسيمات الذرة الأولية، اعتقد العلماء أنها قد تكون مكونة من جسيمات أبسط. في عام 1960م، جاء كلا من جيلمان وزويج، كل على حده، بنظرية تقول أن كل أنواع جسيمات الهيدرون الثقيلة تتكون من أجسام أبسط تسمى "كوارك".

هناك ستة أنواع من الكوارك. للتمييز بينها، نطلق عليها: (up) و(down) و(top) و(bottom) و(charm) و(strange). كل نوع منها له مضاد، وله كتلة وشحنة كهربية مختلفة ويدور حول نفسه مثل المغزل بطريقة مختلفة.

البروتون مثلا وهو مصنف على أنه من فصيلة الهادرون، يتكون من 2 كوارك (up) وواحد كوارك (down). بينما النيترون، فمكون من كوارك واحد (up) و 2 كوارك (down).

عندما تقوم ببناء منزل، يلزمك شيئان. مواد بناء مثل الطوب والخشب والبلاط. وتحتاج أيضا إلى مواد مثل الأسمنت والجبس والصمغ، لكى تجعل المواد المختلفة تتماسك مع بعضها.

الكون أيضا يتكون من نوعين من مواد البناء. جسيمات من المادة تسمى فيرميون. وشئ يربط الجسيمات ببعضها يسمى بوزون. الفيرميون ينقسم إلى كوارك بأنواعها الستة المشار إليها. وإلى ليبتون الذي ينقسم هو أيضا إلى أنواع سته منها الإلكترون الذي نعرفه والميون.

البوزون وهو بمثابة الصمغ الذي يربط الجسيمات ببعضها ينقسم إلى: فوتون، وجرافيتون، وجليون، وأشياء أخرى. هذه الأسماء لا تهم إلا المتخصصين، ولكن ذكرتها حتى أعطيك فكرة عما يدور في الكواليس. ويمكن المرور عليها مرور الكرام دون أن ينقص هذا من قيمة الموضوع.

عند بداية الانفجار العظيم، حجم الكون كان في البداية صفرا. وهذا يعني أن درجة حرارته أو طاقته كانت لانهائية. وكانت القوى الأربعة التي تتحكم في الكون مندمجة في قوة واحدة. وليست هناك مادة أو زمن أو فراغ.

مع تمدد الكون بالانفجار المروع، الحرارة بدأت في الانخفاض. وبعد جزء صغير من الثانية يقدر بواحد مقسوما على واحد أمامه 34 صفرا، انفصلت قوة الجاذبية عن باقي القوى الأربعة. وبدأت تتكون من الحرارة أو الطاقة جسيمات الكوارك ومضادات الكوارك.

بعد جزء من الثانية يقدر بواحد مقسوما على واحد أمامه عشرة أصفار. بدأت تنفصل القوة الضعيفة لتعمل بمفردها. وبدأت تتكون البروتونات والنيترونات والميزونات وبقيت الكوارك واختفت مضادات الكوارك.

بعد ثانية واحدة من الانفجار العظيم، انخفضت درجة الحرارة إلى ما يعادل ألف ضعف درجة الحرارة في مركز الشمس. وبدأت البروتونات والنيترونات تتحد مع بعضها لتكون أنوية ذرات الهيدروجين والهيليوم وبعض أنوية الليثيوم والهيدروجين الثقيل. وذلك بفعل "القوة القوية" التي أصبحت فعالة.

أنوية الهيروجين الثقيل تتحد مع المزيد من البرتونات والنيترونات لكي تكون أنوية غاز الهيليوم، التي تتكون من 2 بروتون و 2 نيترون. ما يتبقى من النيترونات، يتحلل إلى بروتونات، هي أنوية غاز الهيدروجين، وإلكترونات ونيوترينو. الذرات لم تتكون بعد، ولكن مجرد أنوية.


بعد الانفجار العظيم بعدة ساعات، يتوقف إنتاج أنوية غاز الهيليوم. ويواصل الكون تمدده وانخفاض درجة حرارته. ويستمر على ذلك ملايين السنين. إلى أن تصل الحرارة إلى ألف درجة فقط، تفقد الإلكترونات والأنوية طاقتها بالانتشار فلا تستطيع مقاومة القوة الكهرومغناطيسية. فتقوم هذه القوة بربط الإلكترونات بالنواة.

عندما ترتبط الإلكترونات بالأنوية، تتكون الذرات، ويصبح الكون مرئى. ويواصل الكون تمدده وانخفاض درجة حرارته. غازات الهيدروجين والهيليوم تكون قد تكونت وبدأت تنتشر في الفضاء. وتنطلق في نفس الوقت أشعة تسمى بالأشعة الخلفية للكون.

بعد بليون سنة، بدأت غازات الهيدروجين والهيليوم تكون سحب في الفضاء. هذه السحب بفعل الجاذبية تتجمع وتنجذب إلى بعضها وتكون كتل متفرقة. نظرا لحجم بعضها الكبير وشدة التزاحم والضغط داخلها في اتجاه المركز بفعل الجاذبية، ترتفع درجة الحرارة إلى درجات عالية جدا.

بسبب الضغط الشديد، تتحول السحابة إلى قنبلة هيدروجينية. تلتحم فيها أنوية الهيدروجين لتكون أنوية الهيليوم. وتنطلق الطاقة الرهيبة على صورة ضوء وحرارة. وتتحول السحابة إلى نجم من نجوم السماء. وما شمسنا إلا أحد هذه النجوم. ومن النجوم تتكون المجرات، والكون الذي نعرفه.

كل هذا حتى لا يسألني أحد السادة القراء من أين أتت الشمس. فأقول من سحابة هيدروجين. ومن أين أتى الهيدروجين؟ من اتحاد الإلكترونات مع البروتونات. ومن أين أتت البروتونات؟ وهكذا. فنجد أننا نكرر قصة السلاحف إلى أسفل على طول، التي جاءت بها السيدة العجوز.

منذ 5 بليون سنة، أى بعد 8.7 بليون سنة من بداية الخلق، ولدت شمسنا كنجم متوسط الحجم كما تولد باقي النجوم، من انفجار نووي. تنصهر فيه ذرات الهيدروجين لتولد ذرات الهيليوم. وتطلق تبعا لذلك الحرارة والضياء.

عندما ينضب معين الشمس من غاز الهيدروجين، وتبدأ في صهر ما بداخلها من غاز الهيليوم وتحويله إلى ذرات كربون، تتحول إلى عملاق أحمر، وتنتفخ ويزداد حجمها زيادة كبيرة تبتلع الكواكب المجاورة، كوكب عطارد والزهرة وربما الأرض.

عندما ينضب الكربون، وبفعل الضغط وقوى الجاذبية داخل قلب الشمس، يتحول الكربون إلى نيتروجين وأكسوجين، إلى أن يتوقف إنتاج العناصر عند الحديد. ثم تموت الشمس وتنتهي حياتها بانفجار مهول يسمى "سوبرنوفا".

تلقي الشمس بعناصرها وأحشائها في الفضاء الخارجي، كتراب وغازات وكتل من المادة تسمى سيديم. تصلح لبناء وعمل كواكب وأقمار في المستقبل، لأي نجم يقترب من المنطقة، وينجح في جذب هذه الكواكب والأتربة ليجعلها تدور في فلكه. وما بقي من قلب الشمس يصبح قزم أبيض شديد الكثافة في حجم الكرة الأرضية.

إذا كانت الشمس سوف تتوقف عند إنتاج الحديد، فمن أين أتت المعادن الثقيلة مثل الذهب واليورانيوم؟ أتت من نجوم أكبر حجما من الشمس. كل الذرات التي في جسمي وجسمك وكل تراب ومعادن الكرة الأرضية وكذلك باقي الكواكب، قد أتت وصنعت داخل نجم أكبر آخر غير شمسنا هذه. هذا النجم قد توفي إلى رحمة الله منذ مدة طويلة ولا نعرف عنه شيئا. الشمس تمدنا بالحرارة والضياء نعم، لكن ليست هي أمنا التي جئنا من ترابها.

كل شعوب العالم القديم تقريبا، عبدت الشمس في يوم من الأيام. وهم في ذلك، لم يكونوا أغبياء أو سذج. قد وجدوا أنهم لا يستطيعون أن يعيشوا بدون الشمس. فهي التي تمدهم بالدفئ والضياء. النباتات تحتاج إلى ضوئها لكي تعطي الأكسوجين والغذاء. إننا نستطيع أن نعيش بدون القمر وباقي الكواكب والنجوم. لكن لا نستطيع أن نعيش بدون الشمس.

بعض الشعوب تخيلت الشمس إله يعبر السماء في مركب أو في مركبة تجرها الخيول، أو داخل كوب كبير. إله الشمس عند الإغريق والرومان، كان يعبر السماء في عربة حربية تجرها أربع خيول هي: بيريوس وأيوس وأثون وفليجون.

المصريون لهم عدة أسماء لإله الشمس: هي "خبري" عند الشروق، وآتوم عند الغروب، ورع عندما تتوسط الشمس كبد السماء. ثم آتون إله قرص الشمس في عهد الملك إخناتون زوج الملكة نفرتيتي.

إله الشمس عند اليابانيين أماتيراسو، وعند الإغريق هيليوس أو أبوللو، وعند الرومان أبوللو أو سول، وعند الهنود جارودا أو سوريا، وعند البابليين شماس.

تروي أحد قصص أيسوب، أن الشمس والرياح تراهنتا على إجبار رجل على خلع معطفه. بدأت الرياح بالهبوب في محاولة كسب الرهان بالعواصف والهواء الشديد. لكن الرجل كان يزداد تمسكاً بمعطفه وإصراراً على ثباته وبقائه حتى حل اليأس بالرياح فكفت عنه. اليأس أحد الراحتين كما يقول أسلافنا.

جاء دور الشمس، فأشرقت وظهرت للرجل بضوئها الذهبي وحرارتها الدافئة. فما كان من الرجل، إلا أن خلع معطفه طائعا مختاراً. هذا يعني أن الكلمة الطيبة لها مفعول السحر وأفضل من شغل العافية والقوة الغاشمة.

بسبب دوران الأرض حول محورها، نرى النجوم كلها تدور حول نجم ثابت في السماء، هو النجم القطبي الذي يشير إلى الشمال دائما. ونرى نجوما، وخصوصا البعيدة عن النجم القطبي، تشرق وتغرب مثل الشمس تماما. إذا قمنا بقياس الزمن الذي يستغرقه نجم ما بين شروق وشروق، سوف نجد أن هذا الزمن ليس 24 ساعة بالضبط كما نتوقع. إنما يقل أربع دقائق تقريبا عن زمن اليوم الكامل.

لماذا؟ لأن الأرض وهي تدور حول محورها، تدور أيضا حول الشمس. لكن الأرض لا تدور حول النجوم. لذلك اليوم الشمسي 24 ساعة، بينما اليوم النجمى يقل 4 دقائق. هذا الفرق يجعل الأبراج الإثني عشر التي تقع في دائرة البروج، يشرق كل منها مبكرا 4 دقائق كل يوم. البرج هو مجموعة من النجوم لها شكل مميز.

بذلك يشرق كل برج منها مع الشمس في شهر معين. ويسير مع الشمس مرافقا لها ولكننا لا نراه أثناء النهار. فقط أثناء الشروق والغروب. ثم يسبق الشمس في الشروق في الشهر التالي ليحل محله برجا آخر. عندها نقول أن الشمس في هذا البرج. وقد يكون برج الحمل أو العقرب أو الأسد أو غيرها.

دائرة البروج تتكون من 12 برجا. وكانت معروفة لقدماء المصريين. كل أبراج السماء المعروفة بما فيها دائرة البروج، تبلغ 88 برجا. الفرق بين أبراج دائرة البروج وباقي الأبراج، هو أن أبراج دائرة البروج تتبع خط سير الشمس من الشروق إلى الغروب، وتسير في نفس مسارها. بينما باقي الأبراج تكون بعيدة عن خط سير الشمس. أسماء أبراج دائرة البروج نجدها في أبيات الشعر الآتية:
"حمل الثور جوزة السرطان – ورعى الليث سنبل الميزان"
"ورمى عقرب بقوس لجدي – نزح الدلو بركة الحيتان"

من روائع ألحان سيد درويش، تغني الفلاحات ببراءة وعفوية، احتفالا باستقبال الفجر الجديد:
طلعت يا محلا نورها – شمس الشموسة
ياله بنا نملا ونحلب – لبن الجاموسة

ومن شعر أبي نواس يصف قدوم الربيع واعتدال الجو عندما تدخل الشمس في برج الحمل:
أما ترى الشمس حلت الحملا – وقام وزن الزمان واعتدلا
وغنت الطير بعد عجمتها – واستوفت الخمر حولها كملا
واكتست الأرض من زخارفها – وشي نبات تخاله حللا

الشمس لها 9 كواكب تدور حولها. هي حسب بعدها عن الشمس: عطارد والزهرة والأرض والمريخ والمشتري وزحل وأورانوس ونبتون وبلوتو. بلوتو يصنف حديثا على أنه شبه كوكب. مجموع كتلة الكواكب التسعة، لا تمثل سوى واحد في الألف من كتلة الشمس.

الشمس بكتلتها الكبيرة نسبيا تجذب الكواكب وتجعلها تدور حولها في مدارات بيضاوية. لكن الشمس نفسها تقع أسيرة جاذبية مجرة طريق التبانة أو الطريق اللبني. الشمس هي وكواكبها التسعة، تدور حول مركز المجرة، مرة كل 230 مليون سنة.

الشمس هي مصدر الضياء الوحيد في المجموعة الشمسية. القمر وباقي الكواكب تستمد ضياءها من الشمس. ضوء القمر الفضي الذي نراه أثناء الليل ماهو إلا ضوء الشمس بعد انعكاسه على سطح القمر.

ضوء الشمس يصلنا في زمن قدره 8.3 دقيقة. الضوء يسير بسرعة 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة. لكن في قلب الشمس، الضوء يسير بسرعة بضع أميال في السنة. السبب يجيب عليه أينشتاين.

الضوء له طاقة، والطاقة لها كتلة وفقا لمعادلة أينشتين الشهيرة (E=mc2). والكتلة تتأثر بجاذبية الشمس. هذا يعني أن الأشعة التي تصلنا من الشمس، ظلت ملايين السنين تناضل للتخلص من جاذبية الشمس للوصول إلينا.

على سطح الشمس تظهر فقاقيع وبقع سوداء أو رمادية اللون، بسبب فعل المغناطيسية. تزداد وتنقص هذه البقع، وتأتي وتروح، وتنتقل من مكان لمكان بسبب دوران الشمس حول محورها.

الشمس تدور حول محورها مرة كل شهر. ولأنها كرة مهولة الحجم من الغاز، فهي عندما تدور، يدور جسمها كأجزاء وطبقات مختلفة السرعة. المركز يدور ككتلة واحدة مثل الأجسام الصلبة. الطبقة التي تليه تدور بسرعة أكبر. والطبقة التي تلى ذلك أسرع، وهكذا. وعند خط الاستواء للشمس، تكون السرعة أكبر من السرعة عند القطبين.

عندما تحدث اضطرابات على سطح الشمس، تلقى الشمس بأعاصيرها في الفضاء لتصل إلى كل كواكبها. ولولا حماية المجال المغناطيسى للأرض، لما بقيت حياة على ظهر الكرة الأرضية.

من حين لآخر، تصاحب أعاصير الشمس جسيمات من المادة لها طاقة عالية جدا. تتسبب في قطع الاتصالات اللاسلكية والتخاطب مع الأقمار الصناعية. ونلاحظ هذا الاضطراب في المواصلات اللاسلكية عندما نستمع إلى الموجات القصيرة للراديو. فتارة نجد الإرسال واضح جدا، وتارة أخرى لا نستطيع إلتقاط أي محطة إرسال على الموجة القصيرة.

السبب هو أن موجات الراديو القصيرة تتأثر بالعواصف الشمسية. وذلك لأن موجات الراديو مثل الضوء، تسير في خطوط مستقيمة. لكن الكرة الأرضية مستديرة. فكيف تصل موجات الراديو القصيرة من كندا، إلى العراق مثلا.

الغلاف الجوي للكرة الأرضية به طبقة متأينة (أيونوسفير) عند ارتفاع 50 كيلومتر حتى 400 كيلومتر. وتتكون من أنوية ذرات أكسوجين ونيتروجين وعناصر أخرى فقدت إلكتروناتها، لذلك تسمى أيونات.

هذه المنطقة تعمل مثل المرآة بالنسبة لموجات الراديو القصيرة. فتعكسها ثانية إلى الكرة الأرضية. وبذلك تستطيع أن تصل إلى أي مكان على سطح الأرض.

لكن عندما ترسل الشمس أعاصيرها وجسيماتها المشحونة بالكهرباء، وتصطدم بالحزام الأيوني الذي يغلف الأرض، تحث به تموجات وخلخلة تؤثر في انعكاسه لموجات الراديو القصيرة.

جسيمات المادة المشحونة التي ترسلها الشمس مع أعاصيرها، عندما تصطدم بالغلاف الجوي بالقرب من القطب الشمالي أو الجنوبي، ترسل شحنات كهربائية في الخلاف الجوي، تظهر في صورة أضواء ملونة، أحمر وأخضر عبر السماء غاية في الروعة. تسمى أضواء الشمال أو الجنوب، أو هالة برياليس وهالة أستراليس.

حجم قرص الشمس في السماء، يعادل حجم القمر بالنسبة للناظر من سطح الأرض. تساوي الحجمين يجعل الناظر من سطح الآرض يرى الكسوف الكلي للشمس عندما يقع القمر البدر بين الأرض والشمس. كل سنتين تقريبا يحدث كسوف كلي للشمس، لا يراه سوى سكان أماكن صغيرة مختلفة من سطح الأرض. قد تكون صحاري أو محيطات غير مأهولة بالسكان.

عندما يحدث الكسوف الكلي، تظلم الدنيا حقيقة وتنخفض درجة حرارة الجو بمقدار 15 درجة. تهرب الحيوانات إلى أوكارها والطيور إلى أعشاشها. فقد أتى الظلام فجأة، في وضح النهار. ولا تدرى السبب.

الكسوف الكلي لا يستمر أكثر من 10 دقائق. وهي ظاهرة عجيبة تجعل الكثيرين من الناس تسافر آلاف الأميال لأماكن حدوثها. ولا تحتاج إلى تليسكوبات لمشاهدتها. مجرد العين المجردة، مع كل الحذر من النظر إلى قرص الشمس مباشرة مدة طويلة.

الكون ملئ بالغرائب والعجائب. لقد بعدنا كثيرا عن مراقبة الطبيعة والتمتع بجمالها وبراءتها. وعزلنا أنفسنا عن الكون وجلاله. ولم نعد نرى الأفلاك أو السحب. جدودنا كانوا يحفظون أسماء النجوم والأبراج عن ظهر قلب. لذلك نجد أسماء معظمها أسماء عربية. والآن خريج الجامعة لا يعرف اسم نجم واحد.

غاب عنا جمال الزهور ورقة الفراشات وروعة قطرات الندى وهي تنزلق مثل حبات اللؤلؤ على غصون الأشجار والبراعم الصغيرة. كم مرة سمعنا فيها تغريد الطيور، وخرير المياه في الجداول، وحفيف أوراق الشجر يداعبها النسيم العليل؟

لذلك قست قلوبنا، وماتت ضمائرنا، وأصبحنا أعداء للحياة. نقتل الأشجار ونلوث الأنهار والبحار. نغرق الحقول بالمبيدات المسرطنه، والشوارع بالزبالة والنفايات. ونملأ قلوبنا بالظلم وعدم التسامح. فأى مستقبل ننتظره لأولادنا؟



#محمد_زكريا_توفيق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدستور وُضِعَ فى ظرف استثنائي، وبنوايا حسنة
- أوريستيا - ثلاثية أسخيليوس - أجاممنون
- دعوة لسماع الموسيقى الكلاسيكية الغربية
- لو كان ابن سلمان حصيفا
- تيران وصنافير ومبدأ فصل السلطات
- إلتماس إلى جوبيتر العظيم
- فرعون مصر المفترى عليه
- هذا ما تفعله السلطة بنا
- تفجير كنائس المحروسة، خط دفاعها الأخير
- تأثير نظرية التطور على الفكر المعاصر؟
- هل الأخلاق شئ ضروري لبقاء الإنسان؟
- فكرة داروين الخطرة
- روحي أنت طالق
- دعوة لقراءة شيكسبير: العاصفة
- الفلسفة البراجماتية
- كتاب عن تاريخ الفن التشكيلي عبر العصور، التحميل مجاني
- محاكم التفتيش في القرون الوسطى
- قصة الأبراج الفلكية، برج الطاووس
- الإلياذة: صعود نجم أخيل
- تيران وصنافير واللامعقول


المزيد.....




- أهمية فحوصات الأسنان المنتظمة فى اكتشاف المشاكل مبكرًا
- ارتفاع ضغط الدم..ما أسبابه وأعراضه وكيفية علاجه؟
- محكمة العدل الدولية تأمر إسرائيل بسماح دخول المساعدات الغذائ ...
- نصائح لتعزيز إنتاج هرمون السعادة السيروتونين بطرق طبيعية
- -بلومبيرغ-: مصر تخطط لاستيراد الغاز الطبيعي المسال لتجنب الن ...
- السباق على المعادن المهمة يغذي نزاع الهيمنة على أعماق البحار ...
- حافظ على عينيك من العمى بهذه الأطعمة
- موسكو: اتفاق منع استخدام تكنولوجيا المعلومات لأغراض إجرامية ...
- دراستان: النوم الجيد والكافي قد يكون مفتاح الشباب الدائم
- 5 علامات تشير لمشكلة في الرئتين تلزم الذهاب إلى الطبيب


المزيد.....

- المركبة الفضائية العسكرية الأمريكية السرية X-37B / أحزاب اليسار و الشيوعية في الهند
- ‫-;-السيطرة على مرض السكري: يمكنك أن تعيش حياة نشطة وط ... / هيثم الفقى
- بعض الحقائق العلمية الحديثة / جواد بشارة
- هل يمكننا إعادة هيكلة أدمغتنا بشكل أفضل؟ / مصعب قاسم عزاوي
- المادة البيضاء والمرض / عاهد جمعة الخطيب
- بروتينات الصدمة الحرارية: التاريخ والاكتشافات والآثار المترت ... / عاهد جمعة الخطيب
- المادة البيضاء والمرض: هل للدماغ دور في بدء المرض / عاهد جمعة الخطيب
- الادوار الفزيولوجية والجزيئية لمستقبلات الاستروجين / عاهد جمعة الخطيب
- دور المايكروبات في المناعة الذاتية / عاهد جمعة الخطيب
- الماركسية وأزمة البيولوجيا المُعاصرة / مالك ابوعليا


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الطب , والعلوم - محمد زكريا توفيق - كيف ولدت الشمس وكيف تموت